الخميس، 2 أبريل 2009

المكونات الفنية فى مسرحية قميص السعادة


دراسات فى مسرح الطفل
المكونات الفنية فى مسرحية قميص السعادة
للكاتب الكبير السيد حافظ
بقلم نعيمة عبد لاوى
إن المسرح سواء كان موجهاً للكبار أم الصغار يجب أن تراعى فيه الأسس الفنية التى تجسد أبعاده المعرفية والأيديولوجية.
والمتتبع للعمل الدرامى الموجه للطفل عند "السيد حافظ"، يلاحظ اهتمامه بالمضمون حيث يقدم أفكاراً مناسبة لأبناء مجتمعه فى قالب فنى، يعيد فيه ذكريات طفولته ويجددها فى الناشئة. فهو يقول فى إحدى اللقاءات الصحفية متحدثاً عن تجربته الفكرية : "فى مجرى نهر الكلمات الأولى عرفت الحرية والإنسان والرغيف فى درب الخناجر والأعلام والدم، عرفت الثورة والفن والتغيير تشرق تجربتى مع أنهم يسلبونا كل يوم قيمة، تشرق فى الأطفال وجذور البحث وبقايا الصدق المترب.()
"فالسيد حافظ" لم يكتف بالثورة على الوضع العربى المتأزم، وإنما تمرد على الأصول التقليدية، فابتعد عن الصيغة الأرسطية التى قيدت الكاتب المسرحى عن التعبير بحرية، وحالت دون خلق تواصل بين المبدع والمتلقى. وانطلق من الوجدان الشعبى والتراث العربى من أجل صياغة أدوات معرفية وجمالية مغايرة وقادرة على التعبير عن الهم العربى فى الوقت الراهن. مع مراعاة المستوى الفكرى للطفل.
"فالسيد حافظ" إذن يقدم للمسرح فكراً كثر منه فناً وقد نجد فى مسرحه الطفلى، مسرحيات تحمل شكلاً للصغار ومضموناً للكبار كمسرحية "الشاطر حسن" ، ولكن رغم ذلك فالشكل عنده ينبغى أن يرتبط بالمضمون ويناسبه. لهذا نجده فى مسرحياته يحاول توفير العناصر الأولية فى بناء المسرحيات من قصة وشخصيات وحوار…
كما يعتمد على البساطة فى استخدام الرموز والدلالات حتى يناسب مستوى فهم الطفل ومداركه.
وبعد أن تطرقنا للمكونات الفكرية لمسرحية "قميص السعادة" ، لابد من دراسة مكوناتها الفنية. فأول ما نتناوله فى هذا المبحث هو الفضاء المسرحى.

الفضاء المسرحى :
نقصد به بنيتى الزمان والمكان. وهما دعامتان أساسيتان ترتبطان بعضهما البعض حيث يرتكز عليهما الفن المسرحى لأن "لا مسرح من دون مكان مسرحى ولا مكان مسرحى من دون زمان مسرحى يربطه بزمانه ومشاكله وهمومه".()
يلتقى زمن المسرحية بزمن الشاطر حسن الذى حل محل الأمير وخرج ليلا لتفقد أحوال الرعية وتنكر فى ملابسه وقام بمهامه فى القصر لمدة ثلاثة أيام. كما يلتقى كذلك بزمن هارون الرشيد وبالحسن المغفل، حيث انتشل السيد حافظ زمن الحدث من الماضى وحوله إلى زمن يتجدد، ويرتبط بالأنا الإنسانية وواقعها حاضراً ومستقبلاً، فهو إذن زمن يعالج قضايا عاشها الإنسان ويعيشها حالياً وقد يلامسها غداً.
كما أنه زمن قرأه المؤلف من زاوية خاصة ليجسد واقعاً عربياً مريضاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً كان ويمكن أن يكون لوجود علة الفساد، وذلك فى شكل قالب مسرحى لاءم بنية الخطاب وهدفه.
أما بينة المكان، فمرتبطة بالأحداث والشخصيات، حيث جعل الكاتب الحدث ينمو ويولد داخل فضاءين اثنين : القصر والسوق.
وأول ما يلفت انتباهنا ونحن نستقرئ المسرحية من هذا الجانب، هو توظيف الكاتب للسوق فى أغلب مسرحياته المقدمة للطفل، كما هو الشأن فى مسرحية سندريلا وعلى بابا ومسرحية الشاطر حسن، نظراً لدلالته الرمزية. فهو مجال البيع والشراء، ارتبط العرب به قديماً اتخذه الأدباء والشعراء والفقهاء مركزاً للإشعاع الثقافى والحضارى. ومازلنا نسمع عن سوق عكاظ والبصرة… فالسوق إذن مكان يلتقى فيه مختلف الشرائح الاجتماعية والإنسانية، وتجسد فيه القيم والصراعات الطبقية. وهذا الفضاء المسرحى يحيل على دلالات رمزية. فخروج الأمير من القصر يتم ليلاً. ومعنى أن هذا المكان كان بالنسبة له سجن وحصار والليل رمز للاختفاء والخوف وغياب المنطق. فالأمير بدلاً من مواجهة المواقف بالعقل والفكر السليم، فضل التنكر فى مواجهة الحقيقة، بدل التصدى لها بصورة واضحة، مما يحيل أيضاً على غياب التواصل بين الحاكم والمحكوم بسبب وجود حاشية فاسدة. وهكذا تتضح الوظيفة الدلالية لكل من الزمان والمكان فى المسرحية.
الشخصيات :
أكيد أن الشخصيات تعتبر مكوناً أساسياً للنص المسرحى، إذ لا يمكن الاستغناء عنها. فالمسرحية تعرف بأنها "حدث يتم بواسطة الشخصيات أو الممثلين فى زمان ومكان محدد، أمام جمهور من المتفرجين. والمسرح يعرف بأنه علاقة ثلاثية بين الشخصية والممثل والمتفرج".()
فالسيد حافظ لا ينطلق من الفراغ والاعتباطية فى بناء شخصياته المسرحية، بل يعتمد على مرجعية تراثية تكمن فى ألف ليلة وليلة، ويضفى عليها طابعاً واقعياً معاصراً، ليساير إدراك طفل القرن العشرين ويكون تكويناً أصيلاً. فمسرحية قميص السعادة تتكون من شخصيات أساسية هى :الأمير حسان والوزير، رئيس الشرطة، الطبيب شعبان، الأميرة ست الحسن، دندش ، القاضى.
وسنبدأ بشخصية الأمير حسان باعتبارها المحور الذى حرك الأحداث وجعل باقى الشخصيات تدور حوله.
- الأمير حسان : يجسد فى المسرحية صورة الحاكم الضعيف العاجز عن اتخاذ القرارات بنفسه بسبب ضغط وزيره الذى جعله إنساناً سلبياً وحاكماً مريضاً منطوياً على ذاته، وما مرضه إلا رمز للحكم الفاسد الناتج عن تخاذل الأمير فى مجابهة الظلم، رغم علمه بذلك، لأنه استسلم لعاطفة القرابة بينه وبين الوزير، ولكن رغم ذلك، فهو إنسان عاقل يعلم بما يجرى يحوله، ولم يصدق تلك الخزعبلات والأكاذيب الصادرة عن الحاشية. كما أنه لم يقتنع بقميص السعادة الموهوم :
دندش : يا مولاى قميص السعادة دى لعبة
حسان : وانا عارف
دندش : عارف
حسان : ايوه عارف ان الوزير والطبيب كذابين.. عارف لكن سمعان هو اللى ربانى وكان ابويا الله يرحمه بيقول عليه الوزير الأمين…()
كما أن السلطان رمز للحاكم الأمين المخلص والمتواضع الذى يحب شعبه :
حسان : (لنفسه على المسرح) فكرة مجنونة.. امشى فى وسط الناس امشى بدون حراس.. واسمع شكوى الغلبان والضعيف، الحكم لازم يكون أمانة مصالح الناس، مشاكل الناس.()
فقد استطاع الحاكم أن يتخلص من سلبيته حين احتك بالشعب الذى يكن له الحب والإخلاص، ووقف على استغلال واستبداد حاشيته للرعية، حيث نصف المظلوم وعاقب الظالم كالوزير وعملائه :
حسان : وأنت يا وزير سمعان.. علشان ربتنى زى والدى حاسيبك لست الحسن تختار الحكم عليك بنفسك بعد ما اعترفت بجريمتك وإلا أقول لك عزلتك… اما الكذابين دول اللى عذبوا الناس واستغلوا القانون أسوء استغلال فخذوهم وعلى رجليهم مدوهم.()
شخصية الوزير :
صورة صادقة تجسد الخداع والنفاق والشر : أى الفئة المضللة من الناس التى تحجب الحقائق وتزورها. كما أن هذه الشخصية رمز للحاشية الفاسدة التى تحيط ببعض الحكام وتخفى عنهم ما يعانيه الشعب من ظلم واستغلال لتحقيق مصالحها الذاتية ورغباتها المادية :
الوزير : أوعى تخلى السلطان يقابل حد من الشعب أو يخرج خارج القصر قوله فيه مؤامرة حواليك ما تطلعش يا مولاى وخليه دايماً يخاف من الناس.()
فالوزير شخصية أنانية متسلطة تتطلع إلى الإمارة والحكم، فقد أوهم السلطان بالمرض ليتمادى فى النهب والسرقة، مظهراً فى نفس الوقت الإخلاص للأمير :
الوزير : عافية مولانا هى عافية البلاد فرحة مولانا هى فرحة العباد.()
فهذه الشخصية الانتهازية تذكرنا بشخصية الوزير فى مسرحية الشاطر حسن فكلاهما حجب الأمير عن الشعب لتحقيق هدفه المنشود.
رئيس الشرطة :
وهو كذلك رمز لبطانة السوء. وشغله الشاغل هو الحصول على المال بكل وسائل الاستغلال. وقد حافظ السيد حافظ على سلوك هذه الشخصية فى المسرحية، فمنذ البداية تبرز قسوتها وسلطتها وقهرها للشعب، فهو دائم الأكل وما الأكل إلا رمز لأكل أموال الناس بالباطل وهضم حقوقهم.
رئيس الشرطة : (يأكل برتقالة أو تفاحه) انت حتستعبط .. حتدفع الضرايب()
رئيس الشرطة : (وهو يأكل) تشترى تدفع.. تاكل تدفع.. تنام تدفع.. تشرب تدفع.. تموت تدفع..()
الطبيب شعبان :
نموذج صادق لشخصيات الأطباء الذين يهملون واجبهم الإنسانى مقابل ما هو مادى ويستغلون مهنتهم لإيهام الناس وخداعهم بأمراض وهمية بغية الإثراء كما أنه رمزاً لأؤلئك الأطباء المزيفين الساخرين من فئة فاسدة هدفها الكسب فقط.
حسان : ودلوقت جه دورك يا شعبان (يضحكون) تأخذ دينار حق الكشف على العيان دا شئ كثير على الفقير، أنت الطبيب يعنى الأمين.()
شعبان : يا مولاى غصبا عنى .. الوزير سمعان هو اللى امرنى وهو اللى قالى.()
شخصية القاضى :
صورة واضحة تعكس حقيقة القضاة الذين يستترون وراء مهنة القضاء لاستغلال كل الظروف لمصالحهم الشخصية والمادية، فهو يصدر أحكاماً زوراً وبهتاناً، خدمة للطبقة الغنية على حساب هضم حقوق الفقراء.
القاضى : عايزنى اسيبكم بسهولة لازم تدفعوا أى ضريبة، عليكم ضريبة الصيد والشباك والسنارة والمكسب والخسارة…()
حسان : يا قاضى خنت الأمانة وقلبت العدل وظلمت الفقير والجيعان ووقفت جنب الغنى والشبعان.()
الأميرة ست الحسن :
تعد شخصية الأميرة من الشخصيات الرئيسية الإيجابية فى المسرحية. فهى فتاة طيبة قوية ، تعى حقيقة الأمير الذى استسلم للحزن وترك البلاد تتخبط فى الفساد، مما جعلها ترفض الزواج منه مدافعة عن حقها. غير أنها تعرضت للقمع من ابيها المتطلع إلى الإمارة والحكم. كما أنها رمز للتواضع والإنسانية والخير. وبالرغم من أنها من أسرة مالكة، فهى تحس بهموم الشعب، وتكن له كل الحب والاحترام ولا تهتم بالمظاهر:
ست الحسن : مرجانة أنا فرحانه حاسة بحاجة غريبة.. حاجة عجيبة الدنيا مش سايـعانى أول مرة احس انى زى الناس.
علاوة على ذلك فهى على وعى بحال الشعب وبالنظام المستبد، وهى تمثل الاتجاه العقلانى الواقعى الرافض لكل أساليب الظلم والفساد، وحتى وإن كان من أسرتها الحاكمة وهذا يتضح لنا من خلال عتابها لأبيها الذى وضع حاجزاً بين الحاكم والرعية لضمان سعادة حقيقية، مصدرها المال. بيد أن السعادة عند هذه الشخصية هى تلك اللى تجسدها القيم الإنسانية، الخلقية والروحية.
كما أن هذه الشخصية تعكس وعياً سياسياً وجماعياً ووطنياً وترمز إلى الأمة العربية المتطلعة إلى غد أفضل، حيث تسود الديمقراطية وتنعدم الديكتاتورية والفوارق الطبقية.
ست الحسن : بعد ما طهرنا البلاد من الداخل عايزين جنود يدافعوا عن البلاد.()
دندش : يعتبر نموذجاً للإنسان الطيب المخلص للأمير، فهو يعلم أسرار القصر وفساد البلاد ويمثل الوعى الجماعى والإنسانى الرافض لكل أساليب الخيانة والظلم. فقد ساعد الأمير على الخروج من تلك الإنطوائية ليعيش حقيقة وواقع الشعب.
دندش : لا يا مولاى الناس بتحبك وعارفة أن الحاسية اللى حاوليك هى الفسدانة.()
كما ساهم فى تطهير البلاد من العناصر الانتهازية، كما أنه يعكس طموح الإنسان البسيط الثائر على الأوضاع المزرية والمتطلع إلى مستقبل أفضل للوطن والشعب، يسوده العدل والمساواة.
وهناك شخصيات أخرى ساهمت فى بلورة الصراع وتطور الأحداث منها :
مرجانة وابراهيم الاقرع، وام سعيد، وفضل، وفاطمة وبدران، والسياف، والعساكر.
فمرجانة تمثل وصيفة الأميرة. وهى شخصية وفية على قدر من الذكاء. وقد ساعدت ست الحسن وانقذتها من السجن. فهى تعكس الجانب الإنسانى.
أما إبراهيم الأقرع، وأم سعيد، وفضل، وفاطمة، وبدران، فيجسدون واقع الطبقة الفقيرة فى بلد مستبد، لأنهم يعانون من أبشع مظاهر الاستغلال والقهر.
أما السياف والعساكر، فصورة واضحة ورمز للجانب السلطوى المسخر من عناصر هدفها تكريس الفساد لخدمة مصلحتها الشخصية والمادية.
وعلى العموم، تنقسم شخصيات "السيد حافظ" – سواء تلك التى وظفها فى هذه المسرحية، أو فى غيرها من المسرحيات الموجهة لعالم الأطفال- إلى نوعين : الأول : رافض ومتمرد، والثانى متسلط ينبغى التمرد عليه. وهكذا يعكس المؤلف بتوظيفه لهذه الشخصيات واقعه الذى عايشه ويعيشه وكذلك اتجاهه الفكرى والثورى الغاضب.
الصراع الدرامى :
يعتبر الصراع عنصراً أساسياً فى العمل الدرامى، بل يمثل نواة الخطاب المسرحى فبدونه يفقد العمل الأدبى قيمته "ويمكن لهذا العنصر أن يبرز مباشرة عبر تعارض الشخصيات، كما يمكن أن يبرز على شكل مفارقات داخلية من خلال الأفكار والأحداث وغيرها.()
اهتم "السيد حافظ" باختيار شخصيات متعارضة ومتناقضة ليتولد منها الصراع الذى أعطى المسرحية بعداً سياسياً أكثر منه اجتماعياً، فقد أزال الكاتب القناع من خلاله عن مجموعة من القضايا التى تتخبط فيها الأمة العربية. كما أن هذا الصراع مرآة عكست معاناة الشعب وحقيقة الحاشية المتشابكة المصالح والأهداف. فالوزير يمارس سلطته ويتصارع مع من أقل منه مركزاً، ويستغله لتحقيق ثروة تمكنه من السعادة وتضمن الرفاهية لست الحسن التى تجسد فكراً عقلانياً إنسانياً يناقض منطق أبيها. ويعيش الأمير صراعاً داخلياً بين العقل والعاطفة، بين القيام بالواجب تجاه الوطن، كما يقتضيه المنطق وتخليص البلاد من الظلم وبين ترك البلاد تتخبط فى الفساد لسبب هو أن مصدر هذا الوباء هو الوزير-أحد أقرباء الأمير- لكن بعد ذلك يتنامى الصراع ويتطور بتطور الأحداث وتعقدها، حين يتخلص الأمير من سلبيته بمساعده دندش، وينزل إلى الشعب، حيث يصطدم بحقيقة الطبقة المستغلة وواقع الشعب المقهور.
وهذه الأحداث التى وقعت بين القصر والسوق جسدت صراعاً درامياً منذ بداية المسرحية إلى نهايتها، كان أبطالها هم الثلاثى الجهنمى، الوزير ورئيس الشرطة والطبيب شعبان، وتبلور بمساهمة عناصر انتهازية أخرى ضد شرائح اجتماعية فقيرة مضطهدة.
وهذا الصراع الذى يسود مسرحية "قميص السعادة" صراع نابع من صميم الواقع، عاشه الكاتب ونعيشه نحن، ونلامسه فى كل بلد متعطش إلى العدل والمساواة والتكافل.
ولعل ذلك التقابل بين الصفات التى تميزت بها كل شخصية كالأمانة مقابل الخيانة والظلم مقابل العدل.. خير دليل على أن الصراع هو بين عالمين متناقضين : عالم الشر وعالم الخير. وهو ليس صراع أشخاص فقط، بقدر ما هو صراع قيم ومواقف ومصالح. احتد أكثر وبرز بشكل واضح فى الفصل الثانى، لينتهى بانتصار الخير على الشر، وما الصراع فى الدراما إذن إلا صراع قيم فى الحياة ككل.
وقد جسد "السيد حافظ" من خلال هذا الصراع واقعه المستبد، كما عكس فكره الطليعى واقتناعه بضرورة الصراع والثورة من اجل التغيير، لتكوين جيل قادر على مواجهة التحديات وبناء وطن شعاره الديمقراطية ونبذ الديكتاتورية.
الحوار واللغة :
يمثل الحوار ركناً أساسياً فى المسرحية. فمن خلاله يمكن التعرف إلى طبيعة الشخصيات وتكوينها وجنسها وسلوكها ودوافعها وإلى سيرورة الأحداث وتطورها. كما يشكل النواة فى تعمق الصراع وتناميه للكشف عن واقع الحياة الإنسانية وتناقضاتها.
والحوار فى مسرحية "قميص السعادة" له قيمته الدلالية، وهو ينسجم مع الأحداث والشخصيات وقد كان فى معظمه قصيراً أو مختصراً، باستثناء بعض الحوارات الطويلة. كما ابتعد فيه الكاتب عن أسلوب التكرار واعتمد البساطة. ولعل "السيد حافظ" تعمد ذلك حتى لا يحس الطفل بالملل والرتابة. ويتابع العرض المسرحى بنوع من التجاوب والاحتفال.
ونلمس فى المسرحية كذلك اعتماد المؤلف على المونولوج، وهو حوار داخلى اتضح من حوار حسان مع نفسه حين قرر الخروج من القصر، كما نلاحظ بعض الحوارات ذات الطابع الاستفهامى الاستنكارى نحو :
حسان : لما طبيب يكذب على الناس.. الناس تثق فيه وتسلمه نفسها واروحها ازاى؟.()
أما فيما يخص اللغة التى وظفها "السيد حافظ" فى هذا النص المسرحى، فهى اللهجة المصرية. وهذا طبيعى باعتباره مصرى الجنسية، عاش واقعها بلسان متمرد ولا يزال يعيشه. كما أن اللهجة المصرية المستعملة مرتبطة بحياة عامة الناس. وهى أداة معبرة وصادقة وقريبة من إدراك الطفل المصرى خاصة، والعربى عامة، إذ أثبتت بعض التجارب التى قمت بها مع عدد من الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين تسع سنوات وثلاث عشرة سنة، أن هؤلاء تمكنوا من فهم أحداث المسرحية والقضايا التى تتناولها رغم كتابتها باللهجة المصرية، عن طريق الإجابة عن مجموعة من الأسئلة طرحتها عليهم. ولعل ذلك راجع إلى متابعتهم للمسلسلات والأفلام المصرية التى لا تبخل التلفزة العربية بتقديمها للمشاهدين يومياً.
و"السيد حافظ" حين يكتب مسرحياته باللهجة المصرية، لا ينطلق من خصوصية الطفل المصرى، وإنما من خصوصية عالم الطفل العربى، ومن اقتناعاته بالمصير المشترك لهذا الكائن العربى الضعيف، ويحاول توعيته بواقعه من جهة، وبتكوينه سيكولوجياً وسوسيولوجياً ليكون فى مستوى مجابهة الفساد والظلم. لذلك نجده يسلك فى كتاباته مسلك البساطة والسهولة فى إيصال المفاهيم التى أراد زرعها فى جيل الغد.

خاتمة

ما دام لكل بداية نهاية، ولكل مقام مقال فلم يبق إلا أن أتوقف بعدما حاولت الإحاطة وتسليط الضوء على عالم الطفولة قدر الإمكان بالدراسة والتحليل لمسرح الطفل عند السيد حافظ خاصة. وقد اتضح لى أن المسرح الطفلى وسيلة فعالة فى تثقيف الطفل، وخلق علاقة تواصلية بينه وبين العالم المحيط به. كما أنه يؤدى وظيفة تربوية وسيكولوجية ويساهم فى تكوين الطفل معرفياً ووجدانياً، فهذا الكائن هو الذى يعد أمل المستقبل ورجل الغد.
والجدير بالذكر أنه لا ينبغى الاستغناء عن المسرح فهو أب الفنون، ولا يوجد فن أخر يماثله فى إشباع الرغبات المعرفية للأطفال وتقديم خبرات متنوعة ومعلومات وأساليب سلوكية توجه الطفل وتوسع خياله وتفكيره.
ورغم أهمية مسرح الطفل ودوره فى بناء مجتمع نموذجى، ما يزال يعيش فى ظل التهميش واللامبالاة وفى غياب دعم مادى، حتى وإن أصبحنا نسمع عن ملتقيات ومهرجانات تنظم بين الحينة والأخرى.
بيد أن ما أود الإشارة إليه أن مبدعنا السيد حافظ آمن بفعالية المسرح الطفلى بديلاً لمسرح الكبار فى تنشئة الأطفال وتكوينهم، حتى يضموا أصواتهم إلى أصوات أطفال الخشبة ويتحملون المسئولية فى الدفاع عن حقوقهم. لهذا نجده فى مسرحياته المقدمة لعالم الطفل يعكس هدفه التربوى فيركز على مكارم الأخلاق، وغرس بذور الفضيلة، وعمل الخير، وزرع فى نفس كل طفل عربى حب الوطن والحرية منذ نعومة أظافره، حتى يذود عن بلاده، ويتصدى لإشكال التسويف والظلم.
والسيد حافظ باعتباره رجل سياسة ومسرح، أمن بعدم انفصال المسرح عن السياسة، فهو يتعامل مع الحياة، ومع الإنسان فى الحياة. واهتمامه بمسرح الطفل لم يكن وليد اللحظة، وإنما ارتبط به منذ البداية وتعمق لديه حين انضم إلى المؤسسة الكويتية التى كانت تشرف عليها عواطف البدر.
ومجمل القول إن السيد حافظ اعتمد على التراث فوجد فى الحكاية الشعبية كل أدوات التعبير والرمز والشخصيات والمواقف التى تساعده على خلق إبداع مسرحى هادف، يلبسه ثوباً معاصراً جديداً، لكى يساير إدراك الطفل وواقعه الراهن.
ومن المؤكد أن السيد حافظ حين يستلهم التراث يهدف إلى توعية الطفل بمخزون أجداده ليتمسك بقيمهم ويستفيد منهم. فهو يمثل نموذج الماضى والحاضر والمستقبل وهو رمز التعبير والثورة.
وصفوة القول إن المؤلف نجح فى الوصول إلى عقل الطفل وإدراك خصوصياته وسبر أغواره، كما تمكن من تحقيق هدفه ودعوته إلى تكوين مسرح الطفل فى العالم العربى ككل.
وما قمنا به فى هذا البحث المتواضع ما هو إلا محاولة تستدعى تسليط الأضواء أكثر وتتطلب من رواد المسرح والمهتمين والنقاد المزيد من البحث والتأطير فى مجال المسرح الطفلى. ونتمنى ألا ينتهى عمر هذا المسرح فى عنق الزجاجة الذى نعيشه الآن، وأن يشارك المبدعون فى إخراجه منه، وذلك بمراعاة خصوصية الطفل والكتابة الموجهة له، لتوفير جو تربوى يتيح له أكبر فرصة لينمو نمواً طبيعياً متكاملاً، ويصبح عضواً فعالاً فى المجتمع.

قائمة المراجع والمصادر
1- المصادر :
مسرحية عنترة بن شداد : السيد حافظ.
مسرحية قميص السعادة : السيد حافظ
2- المراجع :
أدب الأطفال فى ضوء الإسلام : نجيب الكيلانى – مؤسسة الإسراء للنشر والتوزيع – ط2، 1411/1991، الجزائر.
أدب الطفل العربى : حسن شحاتة – الدار المصرية اللبنانية – ط1، 1312/1991.
أطفالنا كيف نفهمهم سلوكاً ودوافع وتفكيراً: جيروم كاغان – ترجمة عبدالكريم ناصف وزارة الثقافة والإرشاد، دمشق،1979.
بنية الخطاب المسرحى عند توفيق الحكيم من خلال شهرزاد : مصطفى رمضانى – منشورات جريدة الشرق، وجدة.
التربية : مجموعة من المؤلفين – منشورات الرشاد – الدار البيضاء، نونبر، 1963.
التربية والمجتمع : اك أوتاواى – ترجمة مجموعة من المؤلفين – ملتزم النشر والطبع مكتبة الانجلو مصرية1980.
التربية والنمو الذهنى لدى الطفل : جان بياجى – ترجمة محمد لحبيب بكوش – المطبعة المغربية، 1993.
حدود الكائن والممكن فى المسرح الاحتفالى : عبد الكريم برشيد – دار الثقافة، البيضاء – ط1،1985.
الحكاية الشعبية فى مسرح الطفل : أمل الغريب.
السيد حافظ بين المسرح التجريبى والمسرح الطليعى : محمد عزيز نظمى – مركز العربى للنشر والإعلام – رؤيا.
الطفل العربى وثقافة المجتمع : ذكاء الحر – دار الحداثة – ط1،1984.
ظاهرة انحراف الأحداث : إدريس الكتانى – مطبع التومى، الرباط،1976.
المسرح العربى الحديث : بول شاوول، 1976 – 1989، - رياض الريس للكتب والنشر.
المسرح المدرسى : سالم كويندى – مطبعة نجم الجديدة، 1989.
المسرح المصرى فى السبعينات : مصطفى عبدالغنى – المكتبة الثقافية.
معجم الفرنسية La rousse.
منار الشمال : أحمد هيبة.
النشاط التمثيلى للطفل : محمد بسام ملص – دار الحرية للطباعة، بغداد،1986.
3- المجلات :
مجلة أعمال ندوة المحمدية – المسرح والتربية 10،11،12 نوفمبر1988.
مجلة آفاق التربوية، عدد 4،1991.
مجلة دار الشباب، عدد4، 1968.
مجلة الدوحة، عدد29، مايو1978.
مجلة زهرة الخليج، عدد837،1995.
مجلة الشرق الأوسط، الخرطوم، عدد212،24 يوليه 1990.
مجلة عالم الفكر، مجلد 18، عدد4، 1988.
مجلة الكويت، 1981.
مجلة مستقبل التربية، مركز مطبوعات اليونيسكو بالاتفاق مع الشعبة القومية المصرية لليونيسكو القاهرة.
مجلة المشكاة، عدد 18، السنة 5، 1441/1994.
مجلة المناهل ، عدد 32.
4- الجرائد :
أنوال – 27-8-1993.
أنوال – الخميس – 19-1-1975.
بيان اليوم – الأثنين – 9 غشت 1993.
العلم – الاثنين – 10 ابريل 1989.
ملوية – عدد 17، اشتنبر 1996.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق