السبت، 4 أبريل 2009

مسرح الطفل فى الكويت 7

المطلب الخامس : اللغات الدرامية في المسرحية :

إن الحدث المسرحي والشخصية في مسرح الطفل وحدهما لا يكفي للإحاطة بكافة الجوانب التي كان لها دور في إغناء النص المسرحي وتماسكه ، بل لابد من الإشارة إلى الخصائص الفنية الموجودة في خدمة النص الذي بين أيدينا " قميص السعادة " .

1- سبق الحديث عن أهمية الفضاء الدرامي الذي يساهم لوحده في الكشف عن المغزى التاريخي والاجتماعي للواقع الذي يحاول الكاتب الإفصاح عنه ، إلى الفضاء الدرامي والمقصود هنا فضائي القصر والسوق اللذان رأى فيهما المؤلف ما يتناسب مع الأفكار التي أراد نشرها وزرعها في عقول الأطفال ، ولأن الشخصيات التي يرغب في استحضارها لا تبتعد عن هذين الفضاءين . فعلى سبيل المثال يقول في بداية الفصل الثاني ( مشهد سوق المدينة ) ( يظهر السلطان بسوق المدينة في ملابس صياد فقير .. ودندش في ملابس المعلم مختار . الباعة في السوق يغنون .. استعراض في تابلوه شعبي جميل ) .

2- الديكور :

المقصود بالديكور المسرحي : هو القطع المصنوعة من أطر الخشب والقماش أو نحوهما ، والمقامة في الغالب فوق المرزح ، لكي تعطي شكلا لمنظر واقعي أو خيالي ، أو منهما معا ، على أن ترتبط إيحاءات هذا المنظر بمدلولات المسرحية المعروضة [1] .

والديكور من حيث قيمته الفنية ، ولا سيما بالنسبة للمتلقي الصغير، له وظيفة جمالية باعتباره عنصرا، مشهدا هاما في العرض المسرحي، يتوخى تحقيق متعة بصرية لدى الطفل / المشاهد . كما يعتبر الديكور عنصراً فاعلاً في تشكيل المسار الدرامي للعرض ، إضافة إلى قدرته على تحقيق الاندماج الكامل مع بقية عناصر العرض .

وفي مسرحيتنا " قميص السعادة " أشار إليه المؤلف كما في الصفحة 44 : ( والديكور يمثل أن الحجرة كأنها سجن .. ) والهدف من الديكور هنا توضيح وتقريب الحدث للطفل إضافة جمالية ودرامية يتيح للطفل حرية التخيل .

3- الإضاءة :

إن ما تحاول عمليات الإضاءة أن تفعله من خلال العرض هو تنوير الخشبة لتمكين المشاهدين من رؤية العرض المسرحي في وضوح ، لا سيما إذا كانت بنايته مغلقة ، وهي المؤشر الأكبر للزمن والمكان ، وتعتبر الإضاءة كذلك من أقوى الوسائل فاعلية في تشكيل إيقاع الحدث الدرامي خاصة حين يصاحب التطورات المفاجئة في مسار الحبكة .

وفي مسرحيتنا استخدم لإثارة الانتباه إلى الشخصية التي تتناول الحوار أو التي ظهرت فجائية حتى يتمكن الطفل من رؤيتها ، فالإنارة التي تسقط على إحدى الشخصيات يصوب الطفل عيناه إليها . ففي الصفحة 39 التي يشير المؤلف : ( في بؤرة ضوء رئيس الشرطة ومعه الوزير . رئيس الشرطة يأكل ). فهاتان الشخصيتان هما المرغوب فيهما ، فأراد السيد حافظ فضح أفعالها للأطفال .

4- الموسيقى والغناء :

الموسيقى لغة إنسانية أخرى غير لغة الكلمات ، ولهذه اللغة العديد من الوظائف منها التعبير الانفعالي والعقلي ، فهي وسيلة مهمة في التعبير عن الانفعالات والتنفيس عنها ، وكذلك التعبير عن الأفكار وتجسيدها إضافة إلى الاستمتاع الجمالي .

فالخبرة الجمالية المصاحبة للموسيقى هي من أعمق الخبرات الجمالية الإنسانية ، وإذا ما اصطحبت الموسيقى بالغناء فإنها تصبح أكثر إفادة للأطفال لما تحمله الأغنية من دروس وعبر عن الحياة اليومية للأطفال .

وفي مسرحيتنا تمت الإشارة إلى الموسيقى والغناء في أكثر من مرة ، وذلك نظرا لأهميتها في ترجمة الأفكار ثم تبليغها للأطفال في قالب أنسب ، وجعل الطفل يستقبل المفاهيم بإيقاع موسيقي رائع لا يمل منه ، ففي الصفحة 29 : ( يغنون أغنية هزلية ). فعندما سيسمع الطفل هذه الأغنية سيفهم ما يجري من غير أن تستعصي عليه اللعبة . وفي الصفحة الأخيرة في النص المسرحي اختتمت المسرحية بأغنية مباشرة حول حب الوطن ، فهذه الأغنية تجعل الطفل يختزل مسار الحكاية والهدف منها ، سيعرف الطفل من خلال الأغنية بأن الوطن جميل وعليه أن لا يكرهه ؛ فيه الأشرار ، فالأشرار أجلهم قصير أما الوطن فهو خالد وملك للجميع .

5- الملابس :

إن الملابس ليست وليدة نتيجة الفعل الدرامي ، بل بالعكس ، إن علاقة الإنسان بها تبدو موغلة في القدم ، وربما كان أحد أسباب ظهورها ميل الإنسان الغريزي للتزيين والتجمل المدفوع بقوة سيكولوجية نحو الرغبة في الإبداع و الابتكار ، وعن طريقها يستطيع الممثل محاكاة الصور النمطية في الواقع ، فيصبح الممثل بملابسه يعطي صبغة مغايرة للحدث إذا لم يرعى حالته الشعورية والنفسية. يقول يوجين يونسكو :" المؤلف يكتب مسرحية والممثلون يؤدون مسرحية ثانية والمشاهدون يرون مسرحية ثالثة ..."[2]

ويمكن القول بأن ملابس المسرحية جزء مكمل لعنصري الديكور والإضاءة ، وذلك لأنها تمثل شفرة تستخدم الخط واللون في إرسال مجموعة من الأفكار والمفاهيم إلى المتفرجين وإنها امتداد تشكيلي متحرك للمنظر المسرحي .

وفي مسرحيتنا " قميص السعادة " لم تتم الإشارة بشكل كبير إلى الملابس باستثناء الحالة التي تمت الإشارة فيها إلى خروج السلطان والمهرج دندش بملابس تنكرية إلى الشارع وكان هذا في الصفحة 45 ، في بداية الفصل الثاني : ( يظهر السلطان بسوق المدينة في ملابس صياد فقير .. ودندش في ملابس معلم مختار ... ) ، فلو خرج السلطان بملابسه المعتادة لاكتشف سره ، ولكن المؤلف تعمد إلى هذا التغيير ليبين للطفل سبب تمكن السلطان والمهرج من إنجاح خطتها .

إن هذه الإشارات الفنية أساسية في نجاح العرض المسرحي الموجه إلى الطفل وهي من خصائص الكتابة المسرحية المقدمة للطفل ، ويشترط السيد حافظ أن تكون مناسبة للعمل المسرحي و عندما سألته عن خصائص الكتابة المسرحية قال : أن تكون الأغنية في موقعها المناسب واختيار شاعر في نفس مستوى العمل المسرحي .

أن يكون الملحن على مستوى إبداعي راقي ، حتى يلحن الكلمات التي هي في نفس مستوى المسرحية .

أن يكون مهندس الديكور على نفس المستوى في العمل المسرحي بحيث تكون ألوانه واضحة زاهية مبتهجة قادرة على إيجاد لغة في الفضاء المسرحي تجذب الطفل ، وتتناغم وتتناسق مع العمل المسرحي"[3].

وفي نهاية تحليلنا لهذه المسرحيات التي ألفها النجم السيد حافظ ، يمكن القول بأنها مسرحيات جديرة بالاحترام لأنها تتناول قضايا مصيرية ذات بعد سياسي ، واقتصادي ، واجتماعي ، فهي تحتوي على أفكار ومفاهيم ذهبية . لأن السيد حافظ على ما يبدو له القدرة على الخلق والإبداع ، ويفهم جيدا عقلية الطفل ويحس بمشاعره ، ويقدر سعة خياله ، ويملك مفاتيح الدخول إلى عالم الطفولة لإثارة تحمسه ، وتطلعه ، ورغبته في التعلم والاستزادة من المعرفة إلى قدر كبير ، فنراه قد نهج أسلوبا جديدا في الكتابة المسرحية الموجهة إلى الطفل العربي وذلك بتركيزه على التراث الشعبي وبالتحديد الحكاية الشعبية التي ولد منها العجب . فالمسرحيات التي تفحصناها تعالج قضايا شائكة كالفساد الإداري والسياسي ، والفوارق الطبقية التي تتخبط فيها مجتمعاتنا العربية وهذا تجاوز للجانب التربوي والأخلاقي التقليدي الذي أكل عليه الدهر وشرب .

فالإقبال الذي لقيته مسرحية " الشاطر حسن " خير دليل على نجاح تجربته ، فرسالة السيد حافظ مكتوب فيها يجب أن تكون القصة واضحة البناء لا تعتمد على ألغاز ، ولا تعتمد على رموز ، ولا على إيحاءات فوق طاقة الطفل الفنية ، ويجب أن تكون الكتابة ذات مستوى اقتصادي وسياسي وخيالي وفني ، واجتماعي ، وعلمي ، وتراثي ، ويجب أن تكون المسرحية حية نابضة عشرات السنين وتقدم في أنحاء الوطن العربي . وقد شعرنا كثيرا بمستوى الكتابة الراقية في المسرحيات التي حاولنا تسليط الضوء عليها وخاصة مسرحيتي " سندريلا والأمير " و " الشاطر حسن " . أما مسرحية " قميص السعادة" فلا جديد يذكر مقارنة مع المسرحية الأم " الشاطر حسن " ، والقاسم المشترك بين هذه المسرحيات هو الخط السياسي . وعندما سألت السيد حافظ هذا السؤال : " بحكم التجربة التي اكتسبتم ، ما التأثير الذي قد يمارسه المسرح على الأطفال؟ وما هي قدرة هذا الحقل على توجيه سلوكهم ؟ فأجابني قائلا : " بحكم التجربة التي اكتسبتها من خلال عشرين عاما ، وأنا أكتب لمسرح الطفل ، فإني أقول لك أن مسرح الطفل ، لو قدم بشكل واع ، وبشكل فني راقي ، وبشكل فكري ، يستطيع أن يصنع لحظة فنية معينة ، ويستطيع أن يمارس تأثيراّ عظيما وكبيرا على الأطفال ، وقد يوجه الطفل عقائديا وإيديولوجيا .. وأفكار ثورية وأفكار فلسفية .. فيغرس فيه كل هذه المكونات وقد مارست تجربة المسرح السياسي مع الأطفال ، فحاولت أن أسيس هذا المسرح ، وأجعله سياسيا ، وقد نجحت تجربتي هذه عندما كنت أطرح بعض المسرحيات التي تعالج القضية الفلسطينية فكنت حينها أشاهد الصالة تلتهب بالتصفيق ، فالأطفال يتحمسون عندما يسمعون كلمة وطنية أو ثورية أو فكرة سياسية .. لأن طفل القرن العشرين يشاهد التلفاز ، ويستمع إلى نشرة الأخبار . ولهذا فوعيه السياسي ناضج أكثر من وعي أطفال جيلنا ، والأطفال يحتاجون إلى توجيه ولكن للأسف أقول لك أن 99% من المسئولين لا يهتمون بمسرح الطفل.

أما ما نسمعه يبذل حول ثقافة الأطفال ، وما تقوم به الحكومات والأنظمة العربية فإنه مجرد كذب وبهتان ، فأغلب الذين يتذرعون بحماية الطفولة والدفاع عن ثقافة الأطفال إنما هم دجالون وكذابون .. هدفهم تجاري يستنزفون ما في جيوب الأطفال .. وأن العرض الذي يقدمونه للأطفال مضمونه فارغ لا يحتوي سوى على بعض الكلمات البلهاء.. فيكون أشبه بالمخدرات الثقافية للأطفال الصغار .. إننا في حاجة إلى سياسيين حقيقيين صادقين يؤمنون بالطفولة بشكل محترم " [4] .










[1] إبراهيم حماداه ، معجم المصطلحات الدرامية المسرحية " دار المعارف " ص 130 .
[2] 7 يونس لوليدي المسرح بين لذة النص وسحر العرض ، العلم الثقافي ص 95 .
[3] السيد حافظ ، أجوبة على أسئلة خص بها صاحب البحث / شريط كاسيت 25 يناير 2003 القاهرة .
[4] السيد حافظ ، أجوبة على أسئلة خص بها صاحب البحث / شريط كاسيت 25 يناير 2003 القاهرة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق