الخميس، 2 أبريل 2009

مسرح الطفل فى الكويت ج5

جامعه محمد الأول
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
وجـدة
شعبة اللغة العربية وآدابها

التجريب في مسرح الطفل
مسرحية " عنترة بن شداد " للسيد حافظ
نمــوذجــا
بحث لنيل الأجازة في اللغة العربية وآدابها

اعداد الطالبة : تحت أشراف الأستاذ :
يمينه الرادي مصطفى رمضاني

السنـة الجامعيـة : 1996 - 1997

الجوانب الفكرية
لمسرحية عنترة بن شداد

ملخص المسرحية
تدور أحداث مسرحية عنترة بن شداد في إحدى البيوت العربية حيث يجتمع أفراد الأسرة في صالون عادي حول الشاي ومعهم بعض الضيوف الذين حضروا لزيارتهم ، وبينما هم كذلك ، إذ يقترح عليهم – العم سالم – قصص حكايات عنترة ، وعلى الجميع الاشتراك في تمثيلها . وهي حكاية مستوحاة من السيرة الشعبية ، تحمل في طياتها الكثير من المغامرات البطولية لعنترة بن شداد العبد الذي نشا ذليلا من أبيه ومن قبيلته بسب سواد لونه من جهة ، وعدم خلوص نسبه من جهة أخرى ، ولا شك فيه أن مأساته اقترنت بوضعه الاجتماعي أولا ، وبحبه لعبلة التي يطمع فيها كل من الربيع ، ضرغام ،عمارة ،فالأول حاول إغراءها بالمال ،والثاني بالجمال ،أما الثالث فبقوة العضلات ، لكنها رفضتهم جميعا لكونها تعترف بهذه المؤهلات . أما عنترة فظل حزينا كئيبا يتحين الفرصة للتقرب منها . وقد وجدها سانحة يوم أسرت قبيلته من طرف إحدى القبائل المجاورة التي طلبت منه الفدية المتمثلة في إحضار ثلاث تفاحات ذهبية مقابل إطلاق سراحهم .وبالفعل وعدهم بذلك ورحل في مغامرة شاقة لا يعلم مصيرها إلا الله .
وهكذا بدأ مسيرة البحث رفقة أخيه شيبوب ، وفي البداية التقيا بالحكيم الذي باع لهما ثلاث حكم مقابل رغيف من الخبز . وفجأة اختفى شيبوب ليواصل عنترة مسيرته لوحده . هذه المسيرة التي كلفته العناء الكثير . إذ لم يعثر على التفاحة الأولى إلا بعد أن خاض صراعا ضد الحية الشريرة ، وانتهى هذا الصراع بقتلها . وبعد ذلك استمر في رحلته من جديد لتتصاعد المعاناة حين يقع شيبوب وعنترة في يد ملك المهرجان الذي ينتقم من كل الغرباء لكنهما استطاعا النجاة منه بفضل علمهما وحسن تدبيريهما .
و يعود شيبوب إلى البلد ،أما عنترة فيواصل الكفاح من أجل تحرير قبيلته ، وهذه المرة يتجه صوب وادي القرود ليلتقي بملكها الذي هدده بالموت وأمر بإخراجه إلى الحديقة العامة كي تفتح شهيته ويأكله . ويظل عنترة هناك مع الملك إلى أن ألقي بماء النار على عينيه ، فخطف التفاحة الذهبية وهرب ليجد نفسه – بعد عناء طويل – أمام حبيبته عبلة ومعه الدواء الذي يخلص القبيلة من الأسر ويمنحه فرصة الزواج من عبلة . هذه إذن مغامرة عنترة خلال رحلته الطويلة التي خاضها من أجل إثبات ذاته وتحقيق مبتغاه .
أهم القيم الفكرية لمسرحية عنترة بن شداد :
تعتبر الحكايات الشعبية مصدرا مهما لمسرحيات الأطفال ، لكونها تتضمن قصصا حافلة بالمواقف والمشاعر التي تشدهم وتجتذبهم ،وقد أدرك السيد حافظ أهميتها ،فاستلهمها في هذه المسرحية بتوظيفه لأحدي السير الشعبية المعروفة في الأدب العربي ، وأعني بها سيرة عنترة بن شداد ، رمز البطولة الفردية والإرادة القوية .
وأول ما يلاحظ على هذه المسرحية كونها مرتجلة ، تدور أحداثها داخل إحدى البيوت العربية ويشارك في تشخيصها أفراد الأسرة وباقي الضيوف الحاضرين . وهذا الارتجال يحمل في ثناياه أبعاد ودلالات يمكن إجمالها فيما يلي :
* صلاحية البيت كمكان لتقديم المسرح ،وتعريف الطفل العربي به نظرا لأهميته في تمثيل الواقع والتعبير عنه .
* دور الأسرة في تربية الطفل العربي ، وكذا تعريفه بحكايات الأبطال والفرسان العرب ، بدل الارتباط بالحكايات الأجنبية المقدمة له عبر وسائل الإعلام ، ومن ثم دور الأسرة في إحياء التراث العربي الأصيل.
والجدير بالذكر أن السيد حافظ التجأ إلى توظيف شخصية عنترة من أجل طرح العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية والفكرية ، وعليه يمكن التعامل مع هذه المسرحية انطلاقا من كونها خطابا متنوع الأبعاد والدلالات .
الأبعاد الاجتماعية والثقافية .
تختزل الأحداث الأولى من المسرحية اعترافا ضمنيا بصدمة الحداثة والثقافة الغربية المعاصرة التي تهدف إلى طمس معالم الحضارة الغربية بشتى الوسائل ، فالمؤلف في النص يبدي اندهاشه – على لسان الأب – من الأطفال الذين هم على صلة وثيقة بالحكايات الغربية ، في الوقت الذي لا يحفظون فيه حكايات الفرسان العرب ، ويؤكد حقيقة ما أشرنا إليه .
الطفل الأول : أريد أن شاهد التليفزيون ..... جو نكر ....
الأم : من جو نكر هذا ؟
الطفل الثاني : لا باباي ... أجمل ...
الأب : أنا لا أفهم كيف يعرف أولادنا حكاية جو نكر وبيل وسبستيان ولا يحفظون
أبطال حكايتنا
إن هذا الاندهاش أوضح مدى الخطورة التي أصبحت تهدد الثقافة والتراث العربي بسب السيطرة الصهيونية على وسائل الأعلام ، والنزعة الافسادية التي تهدف إلى تهميش التراث العربي ، ولم لا نقول الحضارة العربية الإسلامية ككل ، ولعل المتفحص لما يقدم للطفل العربي لا يكاد يلمس فيه ما يربطه بواقعه وبحضارته .
وعلى هذا الأساس ، فإن الطفل العربي يواجه مشكلة الثقافة الداخلية التي لا تعبر عن حضارته ، لا سيما وأن الصراع الحالي – كما يؤكد- محمد الهلالي " هو صراع حضاري حول الثقافة ،وفي ميدان البحث العلمي والتكنولوجي فالثقافة هي أهم ساحة للصراع "
ولعل السيد حافظ قد أدرك طبيعة المعركة الحاضرة بين العالم الغربي والعالم الإسلامي العربي التي تجاوزت الميدان العسكري إلى الميدان الثقافي ، الذي يعتبر أشد خطراً على الشعوب ، فعاين هذا الوضع في مجتمعه ،وأراد تجسيده بالاعتماد على التراث العربي الذي يشكل ٍالمادة الخام في جل مسرحياته التي تحمل رؤية عميقة وجادة ، وهي الوقوف مع الإنسان البسيط ضد القهر والظلم الاجتماعي والسياسي " .
ومسرحية عنترة بن شداد لا تخرج عن هذا الإطار ، فهي مرآة تعكس واقع الحياة المعاصرة للأطفال . الذين تخلوا عن الفضائل المثلى كما تخلوا عن الثقافة العربية . لذلك فهو يضمن هذه المسرحية – باعتبارها موجهة للأطفال – خطابا تربويا يهدف إلى ترسيخ الأخلاق الحميدة ، لأنها أساس قيام المجتمع الفاضل .فالصدق والعدل والأمانة والصبر والإرادة القوية والشجاعة ، كلها صفات حميدة ، يحرص المؤلف على تثبيتها في نفوس الأطفال ، ويدعوهم صراحة إلى الصدق وعدم الكذب كما جاء على لسان العم سالم في خطابه لفتحي :
العم سالم : لا يا فتحي ... لا تكذب على ضيوفك ، افتح لهم الباب
ويعتني المؤلف بالطفل ،فيوجهه إلى ما يجب أن يكون على سلوكه في البيت والشارع والملعب على أساس أن كل مكان يقتضي نوعا من السلوك واللباس ... وقد صدق المثل
القائل : " لكل مقام مقال " .
وإذا رجعنا إلى النص المسرحي سوف نجد هذا واضحا في الحوار التالي :
الطفل الأول : أبي سأخرج للعب .
الأب : أين ؟
الطفل الأول : في الشارع مع الأصدقاء .
الأب : اللعب لا يكون في الشارع ... اللعب يكون في الملعب .
العم سالم : وملابسك هذه ملابس للخروج وليست مخصصة للرياضة .
ومن الأهداف التربوية للمسرحية أيضا ، الحرص على اكتساب العلم باعتباره فريضة على كل مسلم ، ولكونه أيضا مفتاح الحياة وسبيل الفلاح .
ومن أجل تأكيد قيمته جعل المؤلف نجاة البطل عنترة من الموت مقترنا بعلمه واستخدامه العقل والحكمة . فلولا ذلك لما استطاع مقاومة الصراع اللامتكافيء بينه وبين مصارعيه .
وتتضح أهميته مما جاء على لسان عنترة بقوله :
عنترة : يا مولاي ... " العلم نور " ...
وكذلك العم سالم : " العلم نور والجهل عار " العلم كل شيء والكتابة باللام بالدواء بكل شيء .
ويطرح المؤلف أيضا مشكلة الاستلاب الثقافي الذي يتمثل في هيمنة الثقافة الأجنبية التي غزت العالم العربي الإسلامي. فكادت أن تفقده هويته وأصالته. وقد ساهمت التلفزة بشكل كبير في هذا الاستلاب الثقافي الأجنبي باعتبارها أقرب صديق وأنيس للطفل . فهي لا تقدم له ما يزيد ه ارتباط . وبذلك تساهم في اتساع الهوة بينه وبين تراثه العربي .
فالأزمة إذن ، هي أزمة البث الإعلامي الأجنبي الذي يستهلكه الطفل العربي دون أدنى مراقبة ، إذ إن أغلب البرامج المقدمة له ، تخضع لتخطيط إفسادي خطير : "فالأشرطة المعدة للأطفال على الشاشة الصغيرة ، تدخل في حكم الثقافة السهلة التي تسرق معظم وقت الأطفال الذين يقعون ضحية التسليات العابرة التي لا تسمح للطفل بأية فرصة للتفكير "
وفي خضم هذا التأثير فقد الكتاب دورهم ، وحصلت قطيعة بينه وبين الطفل العربي ، وبذلك فقد أهم وسيلة ناجحة للتثقيف والتوعية .
وبالإضافة إلى ذلك ،فان المؤلف يضمن مسرحيته الكثير من الصور السلبية التي يزخر بها المجتمع كالأمراض الاجتماعية التي استفحلت في العصر الحالي بشكل كبير . ويقربنا الدكتور نجيب الكيلاني بقوله : " إن الحياة المعاصرة التي نعيشها اليوم، فقد سادها الكثير من الاضطراب والخلط ، وغزت العالم الإسلامي قيم وافرة عمادها المادة والطمع والجشع وأصبح الثراء أو جمع المال غاية كما بدت السيطرة والبطش والقوة والقهر ، عنوانا للمجد والعظمة "
وتتجسد هذه الأمراض وغيرها بشكل واضح من خلال مسرحية عنترة بن شداد ، حيث تتصف بعض شخصياتها بالأنانية وحب الذات ولا تفكر في الغير مثل الربيع بن زياد الذي تقدم إلى عبلة من أجل الزواج منه ، ولوصول إلى هدفه اتخذ المال وسيلة لذلك . لكنها رفضته لأن المال بالنسبة إليها ليس هو كل شيء وهذا ما يؤكده الحوار الذي دار بينها وبينه:
الربيع : أنا يا عبلة أغنى رجل في قبيلة بني عبس .
عبلة : تملك المال ؟
الربيع : نعم المال ....بالمال نشتري السلاح ... بالمال نشتري الابل ... بالمال نشتري الخيل
... نشتري الذهب ....السفن .... السيوف .
عبلة : بالمال نشتري كل شيء إلا الناس .
وبعد الربيع تقدم إليها عمارة وجعل المال هو المدخل للحصول على رضاها ، لكنها رفضته مبررة موقفها بان الرجال ليسوا بالجمال .ونفس الشيء حصل مع ضرغام بسبب بلا هته وغبائه ، تأكد لها ذلك حين عجز عن الإجابة عن سؤال وجهته إليه عبلة . وأخيرا يتقدم إليها عنترة وهو يحمل في يده باقة من الزهور تعبيرا عن مدى حبه لعبلة ، غير أنها لم ترده على أعقابه شأن كل من تقدم . وأثناء حديثه إليها تدق نواقيس الخطر معلنة عن هجوم شنه أعداء القبيلة ، فيهاجمهم عنترة بالسيف ، ثم يجري نحو عبلة التي أصيبت في كتفها وهو ينزف ، وعلى الرغم من ذلك تؤسر كل أفراد القبيلة بمن فيهم ضرغام ،الربيع وعمارة .
وفي هذه الظروف الصعبة كان على عنترة أن يظهر عن كفاءته أمام حبيبته عملا بنصيحة أمه التي نصحته بأن يفعل شيئا يجعله متميزا عن الرجال ليكسب ثقتها وودها ، لذلك يعد الأعداء بإحضار الفدية من أجل إنقاذ القبيلة من الأسر .
وهكذا رفضت عبلة كل من الربيع ( المال ) وعمارة ( الجمال ) وضرغام ( قوة العضلات ) رفضتهم جميعا لأنهم يمثلون الجزء فقط بخلاف عنترة العبد الذي يمثل الكل ( تحرير القبيلة ) وبذلك يتبن لنا بأن السيد حافظ عمل على نقد العنصرية والطبقية من المجتمع ، وحاول أن يؤكد للأطفال أن الرجال لا تقاس بالمال والجمال ، وقوة العضلات ، بل بالتضحية والمغامرة في سبيل الوطن – كما فعل عنترة – العبد الأسود الذي حطم القيود وحرر نفسه وقبيلته بفضل شجاعته وقوة ذكائه وحسن تدبيره . وما أسر الربيع وضرغام ، عمارة إلا تحطيم لهذه العناصر وتغييب للشخصيات السلبية في المجتمع.
وعلى العموم فإن المسرحية موجهة للأطفال ليأخذوا منها الدروس الضرورية لمعالجة مختلف جوانب حياتهم خاصة من الناحية الاجتماعية ،حيث أصبحت الأخلاق والقيم النبيلة شبه منعدمة في معظم الخطابات التربوية الموجهة للأطفال سواء تعلق الأمر بالخطاب المدرسي أو الخطاب الثقافي الترفيهي ( مسرحي – رواية – قصة – تلفزة ....) .
وبالإضافة إلى البعد التربوي والاجتماعي للمسرحية فهي أيضا خطاب سياسي يستمد قوته من الأحداث التي تحمل معاني ودلالات التحرير والانعتاق من الأسر . ويتضح ذلك من بعض المفردات التي تفيد مثل هذه المعاني ومنها ( حارب – قاتل – يحرر الوطن – يحررنا جمعيا – السيف – ننقذ الوطن – الأعداء – شرق القبيلة ) ولم يتحقق هذا التحرر إلا بواسطة عنترة بن شداد الفارس الذي يجمع بين العبودية والحب من جهة ، والأقدام والشجاعة من جهة أخرى . فهو البطل الذي حطم كل القيود التي وقفت في سبيل حريته وحرية قبيلته بفضل عظمته التي تتجلى أساسا في إصراره على البحث عن التفاحات الذهبية الثلاث.
إن هذا التحرير للقبيلة ليس معناه تحقيق الشرف والكرامة لها فقط ، بل معناه أيضا تحرير النفس والسمو بها إلى أعلى المراتب لأن أهم ما يميز الإنسان هو الحرية ، فبدونها يفقد الإنسان الإرادة وكل شيء . وقد صدق روبرت لويس ستفنيوس حين قال " الحرية ... ما الحرية ... إنها مجرد شيء يحلم به الإنسان منذ بدأ يفكر " .
يتضح مما سبق أن المؤلف يحث الطفل العربي على ضرورة المطالبة بالحرية للنفس وللوطن - كما فعل عنترة – وكأن الطفل العربي – في نظره – طفل مستعبد ثقافيا واجتماعيا وحضاريا ، وعليه أن يفك قيد الأسر ويتحرر من هذه التبعية ويحثه أيضا على التضحية بالغالي والنفيس في سبيل الوطن ،وهو ما أكده على لسان عنترة في حواره مع أمه:
عنترة : أنا أحارب مع القبيلة ...
زبيبة : والكل يحارب من أجلها
عنترة : أنا أعطي القبيلة كل ما أملك من دم وجهد وعرق .
زبيبة : عنترة يا ولدي ! الوطن والقبيلة تعطيهما دون أن تأخذ شيئا .
عنترة : إلى متى ؟
زبيبة : طوال العمر ...
ويلج المؤلف أيضا من خلال المسرحية على الحكم والحكام ليكشف عن تسلط الطبقة الحاكمة واستعبادها للشعوب . ويتمثل ذلك في صراع عنترة ضد الملك المهرجان ، ملك القرود والحية الشريرة ، إذ حاولوا قتله حين كان بصدد البحث عن التفاحات الذهبية الثلاث ، لكنه استطاع التغلب عليهم بفضل تأنيه وحكمته ،ومن ثم تتجه المسرحية إلى هذا القد اللاذع للعلاقة القائمة بين الحكام والشعب ، وهي علاقة ترتكز في أساسها على السلطة والقوة وليس على الحوار والنقاش .
وعليه فإن المسرحية ،تزخر بالعديد من القيم الوطنية والخلقية والنصائح الثمينة التي يوجهها السيد حافظ إلى الطفل العربي كقيمة العلم والعمل ،وكذا على التضحية التي لا غنى للأطفال عنها لأنها أساس الحياة ومنبع الوجود ،وهي أيضا مصدر كل تطور .
وبالإضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه فإن المؤلف يهدف إلى تحقيق التواصل بين الطفل العربي وتراثه وتعريفه به ، بدل الارتباط بمكتسبات الغير وثقافته ،وهو ما صرح به في مقدمة المسرحية بقوله : " يجب أن نعرف أبطال تاريخنا العربي قبل معرفتنا بأبطال الحكايات الأجنبية مثل سبستيان وريمي و وجو نكر إلخ . "
وعلى الرغم من الأهمية التي تكتسبها المسرحية من حيث قيمتها المعرفية ، والتي تتجلى في محاولة المؤلف تعريف الطفل العربي بواحد من أهم شخصيات الإبداع والبطولات والملاحم في الثقافة العربية والتاريخ العربيين ، فإن ما يمكن أن نؤاخذ على السيد حافظ هو أنه يواجه الثقافة الغربية بخطاب تملؤه الخرافة والعموميات . بحيث أن استحضار أشياء لا واقعية أمام الطفل هو ما يشكل بعض الجوانب المظلمة في الخطاب التربوي العربي كأن يتم الحديث عن الحوار الذي جرى بين عنترة والحيات ومع ملك القرود .
عنترة : ما هذا ... حية !
الحية : من أنت يا إنسان ؟
عنترة حية تتكلم !



الجوانب الفنية
لمسرحية عنترة بن شداد
تأليف : السيد حافظ


الجوانب الفنية للمسرحية :
أولا : البناء المعماري لمسرحية عنترة بن شداد :
تتكون المسرحية من فصلين وعدة مشاهد يمكن تلخيصها كما يلي :
اجتماع العائلة واتفاقها على ارتجال مسرحية عنترة بن شداد .
حزن عنترة بسبب وضعه الاجتماعي الذي حرمه من الزواج من عبلة
رفض عبلة الزواج من الربيع وضرغام وعمارة .
أسر قبيلة عنترة من طرف إحدى القبائل المجاورة وطلبها للفدية .
رحلة عنترة الشاقة من أ جل إحضار التفاحات الذهبية الثلاثة .
عودة البطل من الرحلة وزواجه من عبلة ،بعد تحرير القبيلة .
ومما لا شك فيه أن هذا البناء ساعد على تماسك الأحداث وترابطها بشكل يشد انتباه الطفل وهو يتتبع مشاهد المسرحية ، وما تجدر إليه الإشارة أن السيد حافظ ، ثار في هذه المسرحية على الخشبة الإيطالية ، وتمرد على القواعد الكلاسيكية المعروفة في المسرح الأرسطي من خلال مكان العرض المحدد في أحد البيوت العربية فهو ليس قاعة مخصصة للمسرح ، بل صالون عادي فقط . ومن ثم نفهم رغبة المؤلف في التعريف بهذا الفن من جهة ، وإطلاع الطفل العربي على تراثه و على أبطال العرب انطلاقا من البيت .
ثانيا : التناص :
من المؤكد أن السيد حافظ استقى مادة مسرحيه " عنترة بن شداد " من الحكاية الشعبية المعروفة في الأدب العربي ، إيمانا منه بقدرتها على معالجة قضايا العصر التي يتخبط فيها الطفل العربي . وهذا التعامل مع التراث يؤكد بالضرورة حضور التناص في المسرحية . والتناص كما عرفه الدكتور مصطفي رمضاني هو "تأثر نص بنص أو نصوص أخرى عن طريق الاستفادة المباشرة أو غير المباشرة بالاشتغال و الاحتداء أو التضمين أو الحذف أو الزيادة أو الاستلهام أو التقاطع أو المشابهة أو التمثل الخ .... "
ويمكن تأكيد عملية التناص من خلال ما يلي :
الاحتفاظ بأسماء أبطال الحكاية الشعبية مثل عنترة ، عبلة ، الربيع بن زياد ، عمارة ، ضرغام ...
معاناة عنترة العبودية وحبه لابنة عمـه عبــلة .
الاحتفاظ بالصراع القبلي في المجتمع الجاهلي .
مغامرات عنترة وفروسيته في سبيل فداء قبيلتــه .
ثالثا : الصراع الدرامي :
من البديهي جدا ، أن تتوفر كل مسرحية على صراع درامي لأنه لا مسرح بدون صراع ، ولا صراع بدون أسباب . وعلى هذا الأساس تتأسس مسرحية عنترة بن شداد على وجود صراع بين شخصيات المسرحية ، نظرا للتناقضات الكائنة بينها ، الشيء يجعل الصراع حاضرا بشكل واضح . ويمكن تقسيمه إلى صراع داخلي وآخر خارجي .
- الصراع الداخلي : يصور المؤلف منذ البداية معاناة عنترة وإحساسه بالغربة والضياع داخل قبيلته نتيجة المفارقات الكائنة بينه وبين شباب القبيلة المتنافسين على الزواج من عبلة . وبذلك يمكن القول أن صراع البطل هو صراع داخلي بسبب الحيف والظلم الذي ظل يعانيه داخل مجتمعه الذي لا يعتمد إلا على القوة والعنصرية . وفي سبيل تجاوز هذا الوضع ، كان عليه أن يعرض نفسه للمخاطر والصعاب لا سيما وأنه كان تحذوه رغبة في التحرر والانعتاق من العبودية. ويظهر الصراع النفسي للبطل أيضا حين يعرض نفسه للجوع والضياع ببيعه للرغيف الذي كان معه ،من أجل شراء الحكم . وقد استفاد منها في رحلته الشاقة .
- الصراع الخارجي : ومع تطور الأحداث وتناميها ، يتطور الصراع ليتحول من صراع نفسي للبطل إلى صراع خارجي بين قبيلة عنترة والأعداء الذين أسروا كل الشبان والفرسان حتى إنه لم يبق في القبيلة غير العجائز و الأطفال . ولفك القيد عنهم طلب الأعداء الفدية . ولم يكن مع عنترة إلا أن يرحل للبحث عن الحل . وعاش لذلك مغامرات مليئة بصرا عات كادت أن تودي بحياته لولا حكمته ونباهته .
وبالإضافة إلى الصراع الاجتماعي والنفسي . نجد الصراع الثقافي بين ما هو عربي محض . وبين ما هو غربي دخيل . ويمكن الاستدلال على ذلك بارتباط الأطفال بالثقافة الأجنبية ، في الوقت الذي يرغب فيه الآباء تثقيفهم وتعريفهم بتراثهم التليد . ويتضح لنا ذلك من النص المسرحي :
الأب : أنا لا أفهم كيف يعرف أولادنا حكاية جو نكر وبيل وسبستيان ولا
يحفظون أبطال حكاياتنا .
الطفل الثالث : يا أبي من أين يحفظون .... هم يعرفون ما يقدم لهم ...
فتحي : حكايات فرسان العرب كثيرة ولكن أين هي ....؟
عم سالم : في الكتب !
الأب : نعم لابد وأن يقدمها المسرح والتلفزيون للأطفال ....
وعلى العموم ، فإن المسرحية حافلة بالصراعات المتعددة التي تعكس الواقع العربي بشكل واضح . وقد حاول المؤلف الكشف عنها من خلال صراع الشخصيات المتعارضة المواقف .
ولعل ما يستوقفنا في المسرحية ونحن نتحدث عن الصراع الدرامي هو أن الصراع بين البطل وباقي الشخصيات لم يكن متكافئا .وعلى الرغم من ذلك استطاع أن ينتصر في كل معركة خاضها بفضل استخدامه للعقل وللحكمة .وهذا رغبة من المؤلف في تأكيد قيم الخير ودحض قيم الشر .
رابعا : الشخصيات :
تنقسم شخصيات المسرحية إلى شقين ،يتمثل الأول في الشخصيات المحورية التي تشكل اللبنة الأساسية لأحداث المسرحية ومجرياتها وفي مقدمتها .
عنترة بن شداد : العبد الأسود الذي ارتبط اسمه بالبطولة والمغامرة والشجاعة والذي تحول لونه الأسود إلى حافز حقيقي للتحديات التي واجهها في طريقه من أجل تأكيد انتمائه للقبيلة . وقد شكل إلى جانب عبلة طرفا واقعيا وتاريخيا في الحكايات الشعبية وقصص البطولات. وهو في مسرحية السيد حافظ البطل الرئيسي في تحريك أحداث المسرحية وصناعة مشاهدها . وهو الذي تجسدت من خلاله كل معاني التضحية والسمو التي حاول المؤلف إيصالها للأطفال . وعليه يمكن اعتبار الشخصية النموذج أو القدوة التي ينبغي الإقتداء بها في المواقف الصعبة مثل التي خاضها عنترة وهو يكافح من أجل العثور على التفاحات الذهبية الثلاث ، والظفر بزواج عبلة المرتبط بتحرير القبيلة من الأسر .
و على هذا الأساس فإن عنترة هو رمز العقل والعلم ،والمثل العليا لذلك انتصر على القوى التي تمثل قيم الشر .
عبلة : تشكل النواة التي تتصارع من أجلها عدة شخصيات بهدف الزواج منها والاقتران بها ، فالربيع يسعى عن طريق المال إلى كسب قلبها بصرف النظر عن مشاعرها وإحساساتها ككائن بشري . وعمارة يعتز بجماله الفاتن ويجعله مدخلا لرضاها . وضرغام يفتخر بقوة عضلاته ، لكن على الرغم من كل هذه المغريات المادية والمعنوية فإنها ترفضهم جميعا ولا تقبل أي واحد منهم .وقد ربطت مصير زواجها بمن يعتق قبيلتها من الآسر ،ويحقق لها الشرف والكرامة ،وليس بمن يتباهى بالمظاهر الزائفة . وشخصية عبلة تحتمل أكثر من تأويل فهي رمز للأرض العربية ، مصدر كل صراع أجنبي من أجل الاستحواذ عليها . وهي أيضا شرف القبيلة الذي جعل عنترة يرى فيها كل المستقبل وكل رجولته واكتماله الطبيعي . وقد عمل المؤلف منذ بداية تفاعل أحداث المسرحية بعد هجوم الأعداء على القبيلة على إظهار عبلة باعتبارها الوجه الأخر لانعتاق القبيلة وتحررها ، الشيء الذي يعكسه عنترة من خلال تشبثه بعبلة ، وهما معا يشكلان شخصية واحدة تتجمع حولها معاني العشق ، والصراع من أجل أهداف نبيلة ومتداخلة وهي تحرر القبيلة وتحرر عنترة وتحرر عبلة.
وهناك شخصيات أخرى ثانوية مقارنة بعنترة وعبلة . لها أهميتها في بلورة أحداث المسرحية وتحدد في :
شيبوب : أخو عنترة وصديقه . وهو يقوم بدور الوسيط بين عبلة وعنترة ، إذ يؤكد لها بين الفينة والأخرى بأن عنترة حي وسيعود منتصرا لا محال . وهو أيضا رفيق عنترة في الرحلة الصعبة .
أما ضرغام ، الربيع ، وعمارة فيمكن اعتبارهم شخصيات سلبية في المجتمع نظرا لما تتصف به من صفات الأنانية وحب الذات . فهي لا تفكر في مصير قبيلتها المأسورة ، بقدر ما تهدف إلى تحقيق رغبتها عن طريق تقديم المغريات لعبلة قصد الزواج منها . ونظرا لسلبية هذه الشخصيات فإن المؤلف جعلها مغيبة في معظم صفحات المسرحية .
الحكيم : تعتبر شخصية الحكيم بمثابة المصباح المنير الذي أضاء الطريق لعنترة خلال رحلته الشاقة ، بفضل الحكم التي باعها إليه ، وهو بذلك شخصية إيجابية في المسرحية لها دورها في مساعدة عنترة وانتصاره .
أما الحية الخيرة ، فمأساتها تكمن أساسا في إبعادها عن الحكم وطردها من القصر من لدن أختها الشريرة . وهذا الصراع يجسد رغبة الإنسان في الوصول إلى الحكم دون مراعاة العلاقات التي تجمعه بمن يصارعه .
الحية الشريرة وملك المهرجان وملك القرود : هي شخصيات ترمز إلى القوة والسلطة دون المعرفة والعلم ، الشيء الذي جعل مصيرها الموت والفناء .
وهناك أيضا شخصية الصياد ، الطيب ، الحراس ، وغيرها. وهي ساهمت في بلورة الصراع وتطور الأحداث .
خامسا : الفضاء المسرحي :
ونقصد به بنيتي الزمان و المكان ، أما فيما يخص الزمن فالمؤلف لا يجعل للمسرحية زمنا معينا أو محدودا ،ومع ذلك يمكن أن نقسمه إلى زمن مرتبط بزمن التمثيل ، وهو زمن الحاضر حيث تجتمع الأسرة وباقي الضيوف الحاضرين ، ويقومون بحكي حكاية عنترة بن شداد وتمثيلها . ويؤكد ذلك استعمال المؤلف لأفعال الحاضر ( سنمثل ونحكي حكاية عنترة بن شداد ) .
أما الزمن الأخر ، فهو زمن ماضوي تراثي يعود بنا إلى العصر الجاهلي ، ويعكس بطولة عنترة وصراعه ضد القهر والعبودية . ويتنوع الزمن داخل الحكاية بتنوع الأحداث وتطورها نذكر :
- زمن رحلة عنترة من أجل التفاحات الذهبية الثلاثة – زمن أسر القبيلة – زمن عودة شيبوب من القصر – زمن الصراع من أجل الاقتران بعبلة .
أما المكان ، فإن المسرحية لا تنفرد بوحدة المكان ، بل تتميز بتنوعه تبعا لتنوع الأحداث ويتحدد فيما يلي :
البيت : وهو مكان اجتماع أفراد الأسرة والضيوف الحاضرين عندهم . وهو أيضا مكان عرض المسرحية المرتجلة ، والمقصود من هذا المكان هو خلق الترابط العاطفي بين الأسرة الواحدة وتحقيق التواصل الفني فيما بينهم عن طريق الحكايات العربية ، وارتجال إحدى المسرحيات التراثية .
الصحراء : وهو مكان مفتوح للمغامرة والمصير المجهول .
القـــصر : وهو مكان منغلق يوجد فيه الملك المهرجان الذي يصدر القرارات بدن نقاش ، فيأمر بالقتل والتعذيب . فالقصر رمز لكل قصر في الوطن العربي يمارس الضغط والقهر ضد الإنسان المتأزم نفسيا واجتماعيا واقتصاديا .
الخيمة : وتتوزع ما بين خيمة عبلة وخيمة عنترة ويشكل هذا المكان مأوى الإنسان العربي قديما.
وادي الحيات وملكة القرود : وظف السيد حافظ هذه الأماكن باعتبارها أماكن توجد بها حيوانات ، قامت هي الأخرى بتطوير أحداث المسرحية وتشكيلها .وهي مكان خيالي غير واقعي يضفي طابع العجائبية على الأحداث ويشد الأطفال .
وعليه فإن هذا التكثيف في سرد الأماكن يتناسب وميولات الطفل الذي يميل إلى التجديد والحركة . ويتناسب أيضا مع أحداث المسرحية المليئة بالمغامرات البطولية ، وكل ما يثير دهشتهم .
سادسا : اللغة المسرحية و الحوار :
لقد أحسن السيد حافظ الفعل حين اختار اللغة العربية الفصحى لغة لمسرحيته. وهذا من شأنه أن يحقق لها الانتشار اللا محدود داخل أي قطر عربي ، بحكم أنها اللغة الأم . بخلاف استعمال اللهجات المحلية التي لا تفهم إلا من طرف جمهور ضيق . ولعل اختيار اللغة التي يكتب بها المؤلف كانت محط نقاش وأخذ ورد داخل الأوساط الأدبية .
ومن الطبيعي جدا أن يوظف السيد حافظ اللغة العربية الفصحى لأنه يحكي السير الشعبية المعروفة في العصر الجاهلي . هذا العصر الذي تميز بازدهار هذه اللغة وتداولها بين الألسنة .
تتسم لغة المسرحية بالبساطة والسهولة لكونها موجهة للأطفال . وقد تحقق ذلك على مستوى الواقع حين وضعت المسرحية بين يدي مجموعة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين تسع سنين وثلاثة عشرة سنة ، إذ فهموا لغتها واستوعبوا أحداثها .
أما فيما يخص الحوار ، يعتبر الوسيلة الوحيدة للتواصل بين الشخصيات وإبراز الصراع الدائر بينها.ومسرحية عنترة بن شداد تعتمد الحوار المعبر عن الحالة التي تعيشها كل شخصية . ويلاحظ على هذا الحوار قصره حتى إنه يلخص في جملة واحدة ، مثل قول الطفل الثاني : " أريد أن أفتح التلفزيون ."
أو أكثر في قول زبيبة :" يجب أن تفعل ما يجعلها تثق بك وتميزك عن الرجال ... يجب أن تفعل شيئا للقبيلة . "
وقد تتقلص هذه الجملة لتبقي عبارة عن كلمة واحدة من مثل : قول شيبوب : " حلاوة ... "
أو قول عبلة : " الآن ... " .
مع استعمال الأساليب كنداء ، الاستفهام ، بالإضافة إلى الأمر والنهي والتعجب .
وإلى جانب هذه المكونات الفنية يمكن الوقوف عند عناصر أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها نحو عنصر التشويق الذي وظفه السيد حافظ في المسرحية ، إذ يتضح أنه استعمله بكثرة نظرا لمكانته في نفس الطفل .
وقد تحقق هذا العنصر من خلال أحداث المسرحية ، المليئة بالمغامرات البطولية التي خاضها عنترة وهو يبحث عن التفاحات الذهبية . وكذا من خلال الأحداث الغريبة مثل حديثه مع الحيات ومع ملك القرود والملك المهرجان .
كما وظف الأسطورة نظرا لارتباط الطفل وإعجابه بها . وتتجلى أساسا في رحيل عنترة من أجل جلب التفاحات الذهبية .
وعليه فإن السيد حافظ كان مدركا لخصوصيات الطفل واهتماماته . لذلك جاءت مسرحيته متضمنة لأسس وخصائص مسرح الطفل التي لا غنى للكاتب المسرحي عنها .
وعلى العموم ، فإن المسرحية حافلة بالقيم الفكرية والفنية الكفيلة بتحقيق تواصل حي وفعال مع الطفل العربي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق