الخميس، 2 أبريل 2009



النقد الصحفي لمسرح الطفل
في الكويت




رسالة البكالوريوس
مقدمة إلى
قسم النقد والأدب المسرحي
يونيو 1996


الطالب : عماد منصور المنصور
تحت إشراف : أ. د نبيل حجازي







إذا أتينا لمسرحية " سندريلا " ، نجد إن الناقد الصحفي يرى أن المبرر الوحيد لإعادة إحدى القصص المعروفة على شكل نص مسرحي ، هو تقديم فكر جديد من هذه القصة ، أو إعادة صياغتها بشكل جديد ، وهذا يأتي عندما تكون القصة لا تتفق مع عاداتنا وتقاليدنا ، وكذلك مع (ما استجد من الوعي الثقافي أو التربوي ، وسبل التوجه إلى الطفل لتوجيهه وتنشئته)
لقد حاول السيد حافظ ألا يخرج عن الإطار العام للقضية على أساس المحافظة على أهم معالم القصة .
وكما أنه أدخل تغيرات طفيفة على القصة حتى تتماشى مع تقاليدنا وملامحنا الشرقية . كما كتب الدكتور حمدي الجابري في نقده لمسرحية سندريلا يقول : ( بالطبع لم يكن من الممكن أن تكون سندريلا العربية صورة طبق الأصل من زميلتها الأوربية التي يحفظها أطفال العالم الغربي والعربي ، ولذلك حرص المؤلف السيد حافظ على إكسابها بعض الملامح الشرقية دون أن تبتعد كثيراً عن الأصل ).
كذلك يوافقنا هذا الرأي الكاتب والناقد المغربي عبد الكريم برشيد حيث نراه يوافقنا بأن سندريلا التي عرضت في الكويت مختلفة عن سندريلا التي تعرض عند الغرب ( في أوربا ) . إذ نراه يقول : ( إن السيد حافظ في مسرحية سندريلا أعطانا تركيبا جدليا لتفاعل الذات والموضوع ، أعطانا قراءة متميزة ، وكتابة مغايرة ، فهو قد قرأ الحكاية الغربية بعين شرقية ، قرأها انطلاقا من مخزونه الثقافي ، ومن وضعه التاريخي والاجتماعي ، ومن إرثه الحضاري العربي والإسلامي ، ومن هنا نشأ الاختلاف وسط الائتلاف انطلق مما هو عام وشائع إلى ما هو خاص وشخصي ، وابتدأ من المعروف القديم ليعطينا المجهول الجديد ).
فالمؤلف بإعادته للقصة أدخل عليها بعض التغيرات فقد أدخل حكاية الراعي. كذلك استخدام أم الخير بدلا من الساحرة . وعلى لسان أم الخير تخرج لنا النصائح ، وهذه النصائح نجدها موجهة بشكل عام إلى الأطفال وبشكل خاص موجهة إلى سندريلا . ( ومن الملاحظ أن " السيد حافظ " أراد أن يعطي لسندريلا صورة مقبولة لأبناء العصر الذي تعيشه بكل ما فيه من تقدم ، ومتناقضات فكانت إجادته في هذا المجال واضحة على حساب التوازن مع عقلية الطفل ، حيث كثرة الإسقاطات والرموز التي أراد بها إظهار ما يعانيه المجتمع بكل تباين طبقاته ، من أمير ، إلى بائع في الطريق ، فهذا أعطى الشعور بأن المؤلف أراد تقديم كل شيء لأبنائنا دون بخل فكانت الوجبة دسمة عليهم ).
وفي " الشاطر حسن " أوجد المؤلف أوجه التشابه والاختلاف بين الحكاية الشعبية المتمثلة في " أبو الحسن المغفل " و " هارون الرشيد " ومسرحيته " الشاطر حسن " فهو جعل التشابه بين الشاطر حسن والأمير هو : أساس اختيار الأمير بأن يحل مكان الشاطر حسن في السوق . بينما كان أساس الاختيار عند أبو الحسن المغفل هو رغبة " أبو الحسن المغفل " نفسه وحلمه بأن يصبح حاكماً . هناك إذن تفرقة واضحة بين منطق الفن ومنطق العقل ، فالفن قادر على خلق تصورات من أجل جعل الحلم حقيقة .
ومن أوجه الاختلاف بين النص الشعبي والنص المسرحي وجود شخصية "ست الحسن" في النص المسرحي ، ولكنها لم تكن موجودة في النص الشعبي . فالمؤلف وضع هذه الشخصية لكي تساعد على تطور الفعل والحدث الدرامي ( فالكاتب جعل شخصية " ست الحسن " في المسرحية رمز للأمة أو الرغبة ، وبين لنا إنها عانت الكثير من الظلم على يد الوزير . ورغم إنها تنتمي إلى البيت المالك ، إلا أنها نفسها ضحية من ضحايا الحكم وأخطائه ، وهذه إضافة مهمة للكاتب الدرامي ، لأنها تساعد على خلق عناصر جديدة في الموقف عن طريق خلق التناقض من داخل الموقف وشخصياته ، مما يهيئ الفرصة لوجود الصراع واحتدامه ).
ولعل اختيار المؤلف لاسم " الشاطر حسن " جاء لكونه اسم شعبي منتشر في الحكايات الشعبية القديمة ، هذا بالإضافة لكي يجذب انتباه الأطفال عن طريق الاسم ، وهذا ما تؤكده الناقدة أمال الغريب في نقدها الصحفي لمسرحية الشاطر حسن حيث تقول : ( حذف المؤلف لهذين الاسمين من أجل أن يعطي للعمل طابعا جديدا ذا دلالة ، وربما اختاره الشاطر حسن ليبين إنه ليس مغفلا كنظيره في الحكاية الشعبية ، أي أنه قصد من خلال الاسم الذي اختاره كعنوان للمسرحية وللبطل في نفس الوقت أن يثير انتباه الأطفال عن طريق الإيحاء الذي يرمز إليه الاسم ، وربما قصد كذلك أن يوضح لنا أن المغفلين لا يغيرون الواقع ، وأن الحالمين عاجزون ، ولكن القادرين على التغيير هم الأذكياء ( الشطار ) ، ولعل الهدف من حذف شخصيتي الخليفة ووزيره هو رغبة الكاتب المسرحي في إضفاء صفتي " المعاصرة " و " العمومية " على النص والبعد به عن معالجة أحداث عصر بعينه ).
ولا يكتفي النقد الصحفي بمهمة الرصد للظاهرة ولكنه يتجه أيضاً إلى تحليلها . لاحظنا أن المؤلف [ السيد حافظ ] قد أتى بحكاية من ألف ليلة وليلة وعرضها في عصرنا الحالي ، ومن الطبيعي أن يتغير المفهوم أو المغزى المطروح في المسرحية لأن العصر هنا قد تغيرت مفاهيمه ، وأحكامه ، وعاداته وتقاليده.
والمؤلف قد قام بهذه التغيرات كي يصل إلى ( التناسق مع المفهوم الدرامي لنصه المسرحي . والحكاية الشعبية إذن تعالج قضايا داخلية يعاني منها الشعب في عصر تأليف الحكاية ، على حين إن المسرحية تعالج القضايا الخارجية والداخلية معا ، انعكاساً للواقع العربي السياسي المعاصر ).
إن السيد حافظ ركز في أغلب مسرحياته التي قدمها للطفل على أن يأتي برمز سياسي يعرضه بطريقة مبسطة ، إذ لاحظنا في " سندريلا " أنها تطالب بضرورة انصهار كافة الطبقات وأن تنفتح أبواب السلطة لكافة الشعب ، كذلك في الشاطر حسن حيث أتى لنا بقضية " الحاكم والمحكوم " ، السلطة والشعب . والسيد حافظ في جميع مسرحياته دائما ينهج نهج التوجيه التربوي الحديث غير المباشر ، وربطه بالواقع السياسي ، ويبرز ذلك بوضوح في مسرحية سندريلا ، حيث ساعده بذلك المخرج بتحريك الحيوانات على أن يكونوا قريبين من الجمهور – الأطفال – حتى ترسخ المفاهيم التربوية بأذهانهم .
تنظير – حوار :
لم يغفل النقد الصحفي لمسرح الطفل في الكويت كافة عناصر ومفردات العرض المسرحي سواء تحديد قيمة هذه المفردات وأهميتها في العرض وما يجب أن تحققه أو كذلك على المستوى التقييم .
نتناول هنا الحوار في مسرحية " سندريلا " ففيها الحوار كان جديدا و(مركز في بعض الأحيان ، ولكنه في مواضع متعددة كان متكررا يجنح طوراً إلى إضفاء التطريب الموسيقى على الأداء ، وجذب انتباه الطفل – المشاهد – وطورا أخر إلى تأكيد ملامح معينة في سلوك الشخصية ، ولقد كثرت المواضع التي وردت بها هذا التكرار بصورة ملحوظة ، ولم نحس بأن التكرار في هذه المواضيع يخدم ضرورة درامية بعينها ).
فالمؤلف استطاع أن يقدم للطفل لغة يفهمها إذ قدمه مبسط ( فهو جسد المقولات التي أراد تقديمها للطفل ، وكان أمينا على أن يخاطبه بلغة يفهمها ويدركها أيضا ، كما أن الرمز كان واضحا للطفل دون أن يعقده ). ونستطيع أن نقول أن المسرحية استطاعت أن تبتعد عن الحوار الساذج الذي لا يفيد الطفل ، كذلك ( ابتعدت عن التفاهات التي امتلأت بها نصوص الطفل الأخرى التي اعتمدت على الإضحاك الأبله والسب والتنكيت ، وكان حوارها جيد يبتعد عن اللغو ، والفوضى ، والتعاليم الخاطئة ، وإن كان يعاب على بعض أجزائها الفقرات الكلامية حول الإنسان والحيوان والتي اقتربت من الشعارات البراقة ).
ففي مسرحية ( الشاطر حسن ) التي قدمت عام 1984 من تأليف السيد حافظ وإخراج أحمد عبد الحليم قدم السيد حافظ النص واستخدم فيه الرموز والدلالات بكل بساطة حتى يتناسب ومستوى فهم الطفل ومداركه في استيعاب القضايا السياسية التي يمر بها وطننا العربي في الوقت الراهن ، ومن الرموز التي استخدمها " الحوت " حيث قصد به الاستعمار ومحاولة الضغط على الدول ، وكذلك الوزير الذي رمز به إلى تلك الفئة الظالمة من الناس التي تخفي الحقائق وتزورها ، وكذلك رمزية إلى بعض الفئات الفاسدة التي تحيط ببعض الحكام وتخفي عنهم ما يعانيه الشعب وما يود قوله ) كما قدم ست الحسن وهي ترمز إلى لحظة التنوير والخير الذي يدعو إلى المحبة . والوقوف أمام الظلم والفساد ، وأيضاً أخذت على عاتقها الدفاع عن حق الشعب في الحرية كما واجهت المصاعب في سبيل الإصلاح بكل أنواعه سواء كان هذا الإصلاح سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي .
وغيرها من الرموز التي استطاع المؤلف أن يضعها في النص لتتناسب مع مدارك الطفل ( بالإضافة إلى توعية الطفل بما يجري في وطنه الكبير تطرح نوعا من الحث على عدم السكوت عن الظلم ومحاربته وإعلاء الصوت في وجه الفساد ).
ولقد فتحت الصحافة أبوابها لنشر الآراء المختلفة بل والمتعارضة أحيانا ، وذلك بغرض طرح القضايا من وجهاتها المختلفة والمتباينة وذلك نراه لابد أن الطفل في أعماقه يعرف كيف يدرك هذه القيم بنفسه فيتجنب منها ما هو أقل أهمية ويستقي ويختار ما هو أكثر أهمية وإيجابية ).
ولا يتوقف النقد الصحفي لمسرح الطفل عند حدود تقييم العروض المسرحية ولكنه يستفيد بكل فرصة مواتية لإثارة وتثبيت ومناقشة ظاهرة ومشاكل مسرح الطفل ، فعندما عرضت مسرحية سندريلا التي قدمتها مؤسسة البدر للإنتاج الفني سنة 1983 م من تأليف السيد حافظ وإخراج منصور المنصور ( فهذه المسرحية طرحت وجودها من خلال البحث عن إطار مناسب لعقلية الصغير ، ومساعدة الطفل على الحركة والأداء من خلال عرض مسرحي استعراضي غنائي راقص ، وتبعثرت في مضمونها الأهداف النبيلة التي تريد توصيلها إلى الطفل ، فقد لامست الدعوة لجعل الحب والود هي الإطار في علاقة الإنسان بالحيوان ، ودعت إلى التأليف ونبذ الكراهية وجعل التعاون هو أساس العلاقة بين الناس ).
ولقد وجد النقد الصحفي فرصة واسعة لإثارة العديد من القضايا من خلال هذه المسرحية حيث الغناء والرقص والإضاءة الجيدة ودورها في جذب اهتمام الطفل لمتابعة الحدث كذلك الديكور وألوانه الزاهية التي تجذب الطفل إليه ، كذلك الملابس ودور كل هذه العناصر في خدمة العرض وهو الهدف الرئيسي لمسرح الطفل .
كذلك ( إلى إيصال ما هو خير وجميل ونبيل للطفل فيعلمه حب الوطن يعني أن تحب كل شيء جميل ، وهذا ما قدمه لنا السيد حافظ في سندريلا ، فسندريلا نجحت في الوصول إلى قلوب الأطفال عن طريق الأغنية وأخفقت عندما حاولت أن تصل إليهم عن طريق الحوار فقط ).
هكذا نجد أن النقد الصحفي لم يكتف بجمع أسلاب مسرح الطفل بل اتجه إلى أن يأخذ دوراً قياديا في توجيه العروض المسرحية المقدمة للأطفال ، إلى جانب توجيه مستقبل هذا المسرح من خلال تقيم تطبيقي للمسرحيات المعروضة مع محاولة الاستفادة بكل الظروف المتاحة لتوضيح أهمية وضرورة مسرح الطفل في بنية المجتمع الكويتي ودوره في تنشئة رجل الغد من خلال إنشاء عروض مسرحية تنمي عقله ومداركه من خلال تقديم الموضوعات الجيدة التي تقدم المعلومة والسلوكيات السليمة والقيم النبيلة ، وتظل راسخة في ذهنه مع مرور الأيام .








مسرح الطفل عند السيد حافظ
نموذج
مسرحية " قميص السعادة "


بحث لنيل الأجازة في شعبة اللغة العربية وأدبها
إعداد الطالبة : تحت إشراف الأستاذ :
نعيمة عبد لاوي مصطفى رمضاني


السنة الجامعية : 1996 – 1997
جامعة محمد الأول
كلية الآداب و العلوم الإنسانية
وجدة




برز مؤلفنا إلى الوجود بأول تجربة في مسرح الأطفال : مسرحية " سندريلا " . وسندريلا اسم مشتق من كلمة فرنسية أصلها "cendrillon " : المرمدة أي الآلة التي يوضع فيها الرماد ، كما تعني المرأة أو الفتاة التي تقوم بالأعمال الشاقة الجارحة والصعبة . وهي مشتقة كذلك من les cemdres أي الرماد .
إذن اعتمد السيد حافظ على هذه الحكاية الشعبية المعروفة عالميا ، والمتوارثة عبر الأجيال ليقدم لنا مسرحية تجمع بين التراث الإنساني ، وبين الأصالة العربية الإسلامية ، فقد " أعطانا تركيبا جدليا لتفاعل الذات والموضوع ؛ أعطانا قراءة متميزة وكتابة مغايرة ، فهو قد قرأ الحكاية العربية بعين شرقية ، قرأها انطلاقا من مخزونه الثقافي ومن وضعه التاريخي والاجتماعي ومن إرثه الحضاري العربي الإسلامي" .
والجدير بالذكر أن مسرحية " سندريلا " تقابلها حكاية " سميمكة " الكويتية " . وهي الفتاة التي تعيش عيشة القهر والظلم ، وتجد عزائها في البحر بمساعدة سمكة تحقق لها هدفها . وهذا هو وجه التشابه بينهما .
وهي معروفة في واقعنا أيضا بعيشة رمادة . فسندريلا تروي حكاية فتاة طيبة يتيمة الأبوين ، بريئة تعيش تحت وطأة القهر الممارس عليها يوميا من لدن زوجة أبيها هنود وأختيها فهيمة ونعيمة ، ويتضح هذا من الحوار التالي :
لئيمة : هاتي مشطي .
فهيمة : هاتي حذائي .
سندريلا : حاضر ( تجري ) .
هنود : اغسلي .
سندريلا : حاضر .
فهيمة : فستاني .
سندريلا : حاضر .
هنود : نظفي .
سندريلا : حاضر .
وعندما يذهب الجميع إلى الحفل الذي أقامه الأمير ليتخذ من بين المدعوات عروسا له ، تترك سندريلا في البيت منهمكة في الأعمال وفاقدة الأمل في الذهاب . ولكن سرعان ما يتحسن وضعها عن طريق مساعدة أم الخير بقدرتها الخارقة فتحضر الحفل . غير أنها أثناء عودتها، تفقد أحد نعليها الذي كان دليلا للأمير كي يتعرف إليها ويتزوجها بعد ذلك . وهكذا تتخلص من حياة الشقاء والبؤس وتنتقل إلى حياة سعيدة في قصر الأمير ، وبذلك تنتهي المسرحية وتحل العقدة التي شغلت بال الأطفال بانتصار الخير على الشر .
ولكن هل يمكن لسندريلا هذه أن تعيش معنا في عصر التكنولوجيا ؟
لقد جمع المؤلف بين ما هو مادي واقعي وبين ما هو خيالي ، لهذا جاءت كتابته المسرحية جديدة معتمدة على القصة الأصل ، ولكن بأدوات معرفية وجمالية مغايرة ، من أجل إعطاء سندريلا " صورة مقبولة لأبناء العصر الذي تعيشه بكل ما فيه من تقدم ومتناقضات، فكانت أحادية في هذا المجال ، واضحة على حساب التوازن مع عقلية الطفل ، حيث كثرت الإسقاطات والرموز التي أراد بها إظهار ما يعانيه المجتمع بكل تباين طبقاته من أمير إلى البائع في الطريق ، فهذا أعطى الشعور بأن المؤلف أراد تقديم كل شيء لأبنائنا ، فجاءت الوجبة دسمة عليهم " .
وما نود الإشارة إليه أن السيد حافظ أضاف إلى سندريلا القديمة عنوانين لم يكن لهما وجود في الأصل الشعبي وهما الباعة والسوق ، وذلك لما يحملانه من دلالات رمزية . فسندريلا عندما ذهبت إلى السوق لشراء ما طلبت منها زوجة أبيها ، رفض الباعة الاستجابة لطلبها ، رغم أنها تنتمي لشريحتهم ، ولعل الكاتب تعمد هذا التناقض ليضفي على البطلة الطابع المأساوي التراجيدي ، وليبرز مدى همومها داخل المنزل وخارجه ، وكذلك ليجعل الطفل يشارك في العرض المسرحي الاحتفالي بانفعاله الوجداني وتجاوبه.
كما أن الشخصيات التي وظفها تحمل هي الأخرى رمزيتها ، فأم الخير التي تمتلك القدرة الخارقة للحصول على ما تريد ، تطلب من سندريلا أن تقدم لها قليلا من الطعام . وبالفعل قدمت لها سندريلا ذلك بالرغم من عدم أحقيتها في امتلاك التصرف في هذا الأمر. ولما سألتها أم الخير عما ستقوله لزوجة أبيها، أجابت قائلة : بقولهم أنه ضاع مني في السوق في زحمة المنادي ....
لكن أم الخير لم ترض بهذا معبرة : لا ... سندريلا ... الكذب حرام .
سندريلا: صحيح الكذب حرام لكن هذه كذبة بيضة لأني عملت خير في فقيرة مسكينة.
وتتدخل شخصية أم الخير لتحكي قصة الراعي الذي كان يكذب على الناس ، ويقول لهم بأن الذئاب أكلت أغنامه فيصدق الكل ويأتي لنجدته ، ولكن سرعان ما تحول هذا الكذب إلى حقيقة ، حيث أتى اليوم الذي أكلت فيه الذئاب أغنامه حقا ولم يصدقه أحد .
فالمؤلف وظف أسلوب الحكاية داخل الحكاية لهدف تربوي ، يكمن في حثه الأطفال على التخلي عن الصفات الرذيلة التي تلحق الضرر بالإنسان ، والتحلي بالقيم النبيلة كالصدق والأمانة والإحسان ورد الجميل .
وهذه التقنية يستعملها الكاتب في أغلب مسرحياته الموجهة للأطفال ، وذلك لإيصال الفكرة المنشودة بطريقة غير مباشرة وفنية حتى لا يحس الطفل بالملل وبالنصائح المباشرة التي تثقل نفسيته .
وهناك لفتة أخرى لا يجب إغفالها وظفها السيد حافظ تتمثل في إشراك عالم الحيوان، حيث نجد الكلب " فرفور " و " القط سنور " و " الأرنب مسرور " . فهذه الحيوانات كانت تقف بجانب سندريلا في محنتها لكونها عانت الغربة في البيت ، ولم تجد متنفسا إلا فيما أوجده لها الكاتب من رفاق " من الحيوانات الأليفة والوفية ، وبهذا تعوض حب الإنسان بحب الحيوان " .
ولعل الكاتب باستخدامه لهذا العنصر ، أراد تحقيق التشويق لدى الأطفال والحث على ضرورة الرأفة والرفق بالحيوان ، وعدم تعذيبه كما فعلت هنود التي نسب لها المؤلف جميع الصفات القبيحة ، وكذلك لابنتيها فهيمة ونعيمة اللتين كانتا ضحية أسلوبها السلبي في التربية ، مما جعلهما صورة طبق الأصل لأمهما الشريرة . وهناك إشارة من الكاتب إلى جمهور الأطفال موضحا بذلك أن الاعتماد على أسلوب الشر في التربية لا ينتج عنه إلا تكوين جيل خبيث يضر بنفسه وبالآخرين . كما يحث على عدم الإقتداء بهذه الشخصيات القبيحة ، والدعوة إلى القيم النبيلة التي جسدتها سندريلا ، وكذلك الأمير بتواضعه وإنسانيته وعدم اهتمامه بالجانب المادي باعتباره فضل الزواج من فتاة طيبة فقيرة ، ولكنها صلبة أصرت على قياس الحذاء ولم تقبل التفريط في حقها .
" فالسيد حافظ " نجح في إيصال مجموعة من القيم إلى الأطفال وتعرية الواقع بكل تناقضاته وطبقاته . وهو يقول : " إننا نقدم للأطفال في المسرح شخصيات معظمها من الطبقات العليا وننسى أن نقدم الطبقات الدنيا ، حتى يعرف الطفل مجتمعه فإذا كان من الطبقة الدنيا شهد نفسه ، وإذا كان من الطبقة العليا شاهد مجتمعه " .
فمسرحيته إذن تحمل خطابين : أحدهما موجه إلى الصغار من خلال فتاة صغيرة وحيوانات يحبها الأطفال ويتعاطفون معها ، وحكاية تدعو إلى بعض المفاهيم الهادفة ، وآخر موجه إلى الكبار الذي يسهرون على تكوين جيل الغد .وبذلك كانت هذه التجربة المسرحية تربوية جسد من خلالها " المقولات التي أراد تقديمها للطفل، وكان أمينا على أن يخاطبه بلغة يفهمها ويدركها أيضا، كما أن الرمز كان واضحا للطفل دون تعقيد، وابتعدت المسرحية عن التفاهات التي امتلأ بها نصوص الطفل الأخرى التي اعتمدت على الإيضاح الأبله والسب والتنكيت، وكان حوارها جيدا مبتعدا عن اللغو والفوضى والتعاليم الخاطئة " .
وما كادت سنة 1983 تنتهي ، حتى طالعنا السيد حافظ بمسرحية " الشاطر حسن " وتدور أحداثها حول شاب ذكي ينتمي إلى طبقة فقيرة . فقد كان هذا الشاب يذهب دائما مع صديقه مختار إلى السوق ، ولم يبخل يوما بمساعدته لجميع الناس . ذات يوم زارت إحدى الأميرات السوق ، فضاع منها كيس النقود ، وإذا بالشاطر حسن يجده . ولما علم بأنه خاص بالأميرة ست الحسن هرع ليرده إليها ، غير أنها دخلت القصر بسرعة فأصر على إرجاع هذا الكيس محاولا القفز من السور المحيط بالقصر ، لكن من سوء الحظ يقع في يد الحراس الذين سرعان ما تركوه راكعين ظنا منهم أنه الأمير نظرا لوجه التشابه بينهما ، ولماعلم السلطان بهذا التشابه أمر بأن يحضر الشاطر حسن في الحين ، وما إن رآه حتى عرض عليه فكرة الاستبدال ليحل كل منهما محل الآخر ، وبالفعل خرج الأمير في ملابس تنكرية .
وهذا يذكرنا بهارون الرشيد الذي خرج هو الآخر متنكرا ليتفقد أحوال الرعية، ولكن برغبته عكس الأمير الذي خرج بسبب ضغط الوزير الذي أوهمه بالمرض . وكذلك تنكر الشاطر حسن كما تنكر أبو الحسن – خلال الأيام الثلاثة المحددة للتنكر تحمل الشاطر حسن مسؤولية الحكم ، حيث نصف المظلومين وأخرجهم من السجن وأعلن الحرب على جزيرة الحوت .
كما عرف الأمير الأصلي حقيقة وزيره . وبعد انتهاء المدة المحددة عاد الأمير إلى القصر وأعلن زواجه بست الحسن وشكر الشاطر حسن على المعروف الذي أسداه له .
أول ما نلاحظه على مسرحية الشاطر حسن أنها قامت على حكاية أبي الحسن المغفل وهارون الرشيد ، وعدل المؤلف عن ذكر أسماء النص الشعبي بعينها ، فجعل هارون الرشيد يمثله الأمير ، والشاطر حسن يمثله أبو الحسن ، ويبقى التشابه نسبيا بين المسرحيتين لكون مسرحية الشاطر حسن تختلف من حيث تكوين أبطالها وشخصياتهم . والمؤلف تعمد هذه التقنية في مسرحيته ليضفي على الحكاية القديمة نوعا من التجديد كي يساير العصر وواقع الطفل العربي الذي يعيش في فترة زمنية تختلف عن زمن النص الشعبي . ولعل استخدامه لاسم الشاطر حسن إلا دلالة على إثارة جمهور الأطفال، ودفعهم إلى التفكير والخيال الواسع فيما سيفعله هذا البطل ، الذي عبر عن ذكاءه وجسده في أعماله التي قام بها حين تقلد الحكم ، فلم يقف موقف المذهول العاجز أمام الملك كما فعل أبو الحسن الذي بصم حكمه بالاجترار والطغيان وعاش مع حلم اليقظة .
إن السيد حافظ بتوظيفه لشخصية الشاطر حسن وشخصية الأمير يكون قد كشف القناع للطفل عن مجموعة من القضايا المتعلقة بالواقع العربي ، بطريقة فنية ساهمت في تمرير مفاهيم وقيم نبيلة يجب على الطفل اكتسابها .
فالشاطر حسن رمز للإنسان الذكي يفرض ذاته بما لديه من خبرات تساعده على التحكم في زمام الأمور ، بالرغم من انتمائه الطبقي الشعبي الذي ذاق من مرارة السلاطين .
كما أنه رمز لذلك الكائن الذي يعرف معنى الديمقراطية ، ويكره الظلم ويجابه في المواقف الصعبة، ويطمع إلى حكم قائم على العدل والمساواة في البلاد . ومن هنا يكون المؤلف قد حقق فكرته التي حاول في كل مسرحياته أن يزرعها في الناشئة ، والمتمثلة في كون أن الإنسان هو الذي يغير حاله فهو " موقف قبل أن يكون عنصرا أي أن الفكر يسبق ظاهرة تشكيله " .
وإذا كان القدر هو الذي تحكم في شخصية " أوديب – الذي قتل أباه وتزوج أمه مقترفا بذلك إثما كبيرا – فإن الإنسان عند السيد حافظ " يتحكم فيه القدر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ، وهذا ما يحدث مع الشاطر حسن عندما اتخذ قرار الحرب ولا شيء غير الحرب، استنبط قراره من الشارع وتبقى للشارع كلمته القوية ورأيه الصريح" .
كما يتضح هذا كذلك من خلال ما فعله، الأمير فقد برز في البداية بمظهر سلبي يتمثل في عجزه عن تسيير أمور البلاد بسبب ضغط الوزير وإيهامه بأنه مريض ، والمرض هنا رمز للحكم الفاسد الذي يحتاج إلى المعالجة . والشاطر حسن كان بمثابة وسيلة للعلاج ، ويجلى هذا في نهاية المسرحية ، حيث احتك الأمير بالشعب ووضع حدا لسلطة الوزير وبطشه . والكاتب من خلال هذا يحاول توعية الطفل بنظام الحكم ، موضحا بذلك أن السلطان إذا ابتلى بحاشية فاسدة ، دفعته إلى الهلاك وإذا كان مخلصا لشعبه ، عرف معنى السعادة التي أساسها ما هو خلقي وروحي وليس ما هو مادي .
فالنص يحمل مجموعة من القيم التربوية الهادفة الموجهة إلى الطفل ليكون عضوا فاعلا مستقبلا ، كالأمانة والمسؤولية والعدل وحب الوطن والدفاع عنه مهما كلف الأمر ، وعدم الإغراء بالمراكز والسلطة والنفوذ ، كما هو الشأن مع أبي الحسن المغفل ، بل ينبغي الدفاع عن الحقوق المهضومة والكرامة والحرية التي " لا يمكن أن تمنح بل أن تؤخذ عنوة، وتسترد بأسلوب نضالي معين فيه التصميم والإصرار والتضحية والتذكر " .
وما دام الشاطر حسن يمثل النموذج الذي توفرت فيه هذه الصفات ، فالكاتب إذن يدعو من خلاله الأطفال للإقتداء بهذه الشخصية ، والابتعاد عن الأخذ بشخصية الوزير الخائن – رمز الاستغلال والفساد الذي يضع حدا بين الحاكم والمحكوم – عن طريق إخفاء الحقائق وتشويهها .
و " السيد حافظ " في مسرحيته يريد أن يصنع جيلا طموحا قويا واقعيا لا يتوانى في أخذ قراراته بنفسه ، جيل الرفض والثورة على كل الأشكال . ولعل من خلال هذا كذلك يعيد في كل طفل عربي طفولته التي لم تعرف معناها إلا بلسان ثائر غاضب ، تمكن من سبر أغوار الطفل و ترسخت لديه فكرة ، وهي أن الطفل العربي في كل مكان " مطارد بأجهزة الأعلام صباح مساء يسمع ، إنه محاط بكل قضاياه الواقعية ... " لهذا لا يستطيع الهرب من واقعه ، والكاتب بتعريته لهذا الواقع ، لا يطرح تجربة جديدة ، وإنما يقدم مسرحا موجها للأطفال ، يستطيع تحقيق الفرجة والمشاركة الفعلية .
وفعلا تمكن " السيد حافظ " أن يقدم مسرحا هادفا للطفل ، وذلك من خلال خطابه المسرحي الذي حمل رسالة تربوية محاولا تكوين الطفل تكوينا متوازنا مبنيا على أسس وقواعد خلقية متينة تصنع منه إنسانا قويا متشبثا بأصالته ، وهنا تكمن أهمية التراث والحكايات الشعبية التي يعتمد عليها ، حيث يلبس العناصر القديمة أثوابا جديدة ويستنطق شخصياتها بلغة بسيطة ، وبأسلوب يحقق الانسجام بين الأحداث والشخصيات حتى يناسب إدراك الطفل ويدفعه للتفكير والمشاركة .
إضافة إلى النموذجين السابقين ، سأحاول تسليط الأضواء على نموذج آخر من مسرحيات " السيد حافظ " يتمثل في مسرحية " عنترة بن شداد " .
كتب المؤلف هذه المسرحية 1989 . وهي تروي سيرة شاعر جاهلي كان الناس يحتقرونه لسواد بشرته ونسبه لأم من العبيد . ولكنه كان رجلا شهما وفارسا مغوارا ، يذود عن قبيلته في السراء والضراء ، كما عرف بلوعته وحبه لابنة عمه عبلة التي كان حبها يساوي حب القبيلة .
يتضح من خلال المسرحية أن عنترة بن شداد رجل قوي لا يعرف الخوف والتردد في مجابهته المخاطر ، وقد كرس حياته للدفاع عن قبيلته ضد القبائل الأخرى ، التي حاولت الاستحواذ عليها ، ويتجلى هذا من خلال قوله : " أنا أعطي القبيلة كل ما أملك من دم وجهد وعرق " .
ما يثير انتباهنا في مسرحية عنترة بن شداد أنها تناولت فكرة الوطن محوريا . وانطلاقا من هذا ، حاولت تمرير مجموعة من القضايا والمفاهيم للطفل ، فهو بدأها بالدعوة إلى حب الوطن والدفاع عنه ، وختمها بأمله في تحريره من بطش القبائل الأخرى ويتضح هذا من خلال الأغنية الختامية التي رددها في آخر المسرحية كل من عنترة وعبلة .
في سبيل الوطن نضحي بالغالي بأرواحنا بدمائنا ... بمالنا ...
كما أراد الكاتب أن يكون أطفالا واقعيين يتميزون بالصراحة . وهذا يتضح من خلال نبذ عم سالم للكذب ، الذي ادعاه الطفل ، واتخذه حجة لفتح الباب ، ساعيا بذلك إلى إتمام اللعبة . وهذه الفكرة تحيلنا على ما سلف ذكره في عنصر اللعب الذي هو حاجة فطرية و رغبة يميل الطفل إلى إشباعها . وهناك أيضا قضية أخرى مهمة أشارت إليها هذه المسرحية هي وسائل الإعلام وعلى رأسها التلفزة التي توهم الطفل بما تقدمه من برامج تافهة ، تتمثل في أفلام الجريمة والعنف التي تقوي الميول المرضية لدى الطفل ، وتعلمه السلوك العدواني الذي يرافقه إلى الكبر . وبدلا من أن ينمو نموا متوازنا يخدم الوطن، فإنه ينمو منحرفا ويساهم في تكريس الوضع والفساد في البلاد .
إضافة إلى ذلك فالمسرحية اتسمت بطابع الحكم والرمزية عبر شخصية عم سالم ، فهذه الشخصية ساعدت البطل وأنقذته من بطش الحية الشريرة حين ذهب للبحث عن التفاحات الثلاثة، ليثبت بذلك مهارته و شجاعته في الدفاع عن القبيلة ويتزوج بذلك عبلة. ومن هذه الحكم التي وردت بلسان عم سالم :
العلم نور .
في السرعة الندامة والتأني السلامة .
ليس بالطعام وحده يحيا الإنسان .
فعم سالم كان اللسان الناطق للسيد حافظ في توجيه الطفل ، وزرع في نفسه الأخلاق الحسنة ، كالصدق وحب الوطن والشجاعة ، وضرورة الإقتداء بعنترة الذي لا ينساق وراء المال و الجمال و المصالح الذاتية ، كما حدث بالنسبة لضرغام وعمارة والربيع . يقول عم سالم في هذا الصدد :
جاء الربيع و طمع في عبلة ... رفضته عبلة .
وجاء عمارة فرفضته عبلة . وجاء ضرغام بقوة عضلاته فرفضته عبلة .
ولكن عنترة غير كل هؤلاء ... عنترة بن عمها شداد تعرفه ويعرفها .
وهكذا يدعو مبدعنا الأطفال إلى التمسك بالمثل العليا وبالبطولة الجماعية التي مثلها عنترة بن شداد ، والإقتداء بها ، كما يحثهم على تحقيق العدل والمواجهة في المواقف الصعبة ، والدفاع عن حرية الوطن وكرامته مهما كان الثمن . فالمسرحية تعكس مجموعة من القيم والمفاهيم ، ولم تهدف إلى التسلية . وقد صدق ريتشارد كرين أحد كتاب المسرح الحديث حين قال : " إن غرض المسرح ليس أن يسلي فحسب ، بل أن يدهش ، يعلم ، يربي ويثقف " .
وإذا كان المسرح يشبع رغبات الأطفال المعرفية بما يقدمه لهم من خبرات وأساليب متنوعة ، ويثير فيهم حرية التفكير والخيال والإبداع ، فلا عجب إذن إذا قلنا إن " السيد حافظ " نجح في الوصول إلى ذهن الطفل ولبى حاجياته النفسية والاجتماعية بأسلوب فني قريب من إدراكه ، وبلغة بسيطة وحوار ساعد على إثارته ، وذلك من خلال توظيف التراث الحكائي الشعبي . فأبطال المسرحية من تراث ألف ليلة وليلة ومن مخزون ثقافي شعبي ، ولكنهم يظهرون في ثوب جديد يساير تكوين طفل القرن العشرين ، ويخرجه من ذلك العالم الطبيعي المغرق في التجريد والخيال ويربطهم بالعالم الواقعي .
وما قمنا به في هذا المبحث ما هو إلا إطالة على بعض النماذج المسرحية المقدمة للطفل ، قصد إبراز خصوصية مسرح الطفل عند " السيد حافظ " ليس إلا . وللمؤلف مسرحيات أخرى كمسرحية " سندس " التي كتبها سنة 1990 ، ومسرحيتي " لولو والخالة كوكو وأولاد جحا "، وكذلك مسرحية " قميص السعادة التي سنقوم بتحليلها .

تحليل مسرحية قميص السعادة
المبحث الأول
المكونات الفكرية لمسرحية قميص السعادة
ملخص مسرحية قميص السعادة :
تتضمن مسرحية " قميص السعادة " فصلين : تدور أحداث الفصل الأول في القصر بين السلطان وحاشيته ، والأميرة ست الحسن . وتتمركز أحداث الفصل الثاني في سوق المدينة ، حيث يظهر السلطان و دندش في ملابس تنكرية .
يلخص هذان الفصلان في مجملها حكاية السلطان الذي ابتلى بحاشية فاسدة ، تتصارع فيما بينها لتحقيق رغباتها المادية ، معتمدة في ذلك على أسلوب الاضطهاد والاستغلال .
تبدأ المسرحية بمناداة الحراس على الطبيب شعبان ليعالج الأمير حسان ، الذي أوهمه وزيره بأنه مريض ، وأنه لا يجب أن يخرج من قصره بتاتا . وكان هدفه من وراء ذلك هو أن يحجبه عن شعبه . وهكذا اتفق الثلاثي الجهنمي : الوزير ورئيس الشرطة والطبيب شعبان على خداع الأمير موضحين له أن الشفاء من هذا المرض الخطير يكمن في قميص السعادة ، ومن مميزات هذا القميص أنه لا يمكن شراؤه، إذ لابد من الحصول عليه من أسعد سعيد في البلاد ، غير أن هؤلاء لم يستطيعوا تحقيق هدفهم المنشود ، لأن دندش المهرج سمع الحوار المزعوم الذي دار بين الشخصيات الآنفة الذكر ، وأخبر السلطان بذلك. بيد أن هذا الأخير كان يعلم بحقيقة الأمر ، ولم يصدق تلك الخزعبلات والخرافات الناتجة عن تطلع الوزير إلى الحكم ، ورغبته في الغنى على حساب الطبقة الشعبية الفقيرة .
فقد ظن السلطان أن الشعب المظلوم يكن له الكراهية والحقد ، مما جعله إنسانا يائسا يعيش الإنطوائية والعزلة . ولكي يتخلص من ظلم الوزير ، طرح عليه دندش فكرة الخروج من القصر لمعرفة حقيقة الرعية وحقيقة الحاشية . وبالفعل خرج السلطان متنكرا في ملابس صياد فقير اسمه الشاطر حسن و دندش في ملابس المعلم مختار . اتفق الاثنان على الخروج ليلا من الباب السري والمكوث خارج القصر ثلاثة أيام . وأقنعت مرجانة الأمير أيضا بالتنكر والتخلص من السجن الذي وضعها أبويها فيه لرفضها الزواج من الأمير . وقد التقى الجميع في سوق المدينة وسط الباعة ، ولم يعرف احدهما الآخر إلا دندش و مرجانة ، باعتبارهما أصحاب هذه الخطة . وأثناء التجول في السوق سمع السلطان الحديث الذي دار بين شرائح مجتمعه ، وتأكدت له حقيقة رعيته ، حيث تهافت الشعب المقهور على جلب قميص السعادة المطلوب ، محبة وإخلاصا ورغبة في شفاء الأمير ، وليس طمعا في الألف دينار . فقد عاش الأمير معاناة شعبه دون أن يعرفوه ، وأدرك حقيقة الوزير وعملائه ، إذ استغل هؤلاء مركزهم الاجتماعي في إهدار كرامة الشعب ، وامتصاص عرق جبينه بطرق استغلالية مختلفة .
وبعدما تعقدت الأمور في القصر ، وأصبح البحث عن السلطان أمرا أكيدا ، طلب دندش من السلطان العودة إلى القصر ، إلا أن الوضع ازداد تفاقما وحدة عندما حاول كل من رئيس الشرطة والطبيب شعبان إلحاق الضرر بالسلطان ، وهذا ما دفع بالأمير إلى إزالة الستار عن وجهها ، فدافعت عن الشاطر حسن المظلوم ، دون أن تعلم بأنه السلطان . غير أن رئيس الشرطة شك في تنكره وكشف عنه ، ليجد نفسه مفزعا أمام السلطان بعينه و دندش المهرج . وهكذا تيقن السلطان من خداع وزيره وفضح نواياه أمام الملأ .
وتنتهي المسرحية بانتصار الخير على الشر ، إذ نصر السلطان المظلوم وعاقب الظالم أمام الشعب ، فعزل رئيس الشرطة والقاضي ، وأعلن زواج فضل من فاطمة ، كما فرض على الطبيب شعبان معالجة المرضى بالمجان . ونظرا لصلة القرابة بينه وبين الوزير ، فقد ترك عقابه لست الحسن التي كانت لديها فكرة خاطئة عن السلطان من قبل .
وتنتهي المسرحية كذلك بإعلان زواجها من الأمير ودندش من مرجانة، لتبدأ حياة جديدة بعد تطهير البلاد من الداخل والبحث عن جنود قادرين على الذود عن الوطن بكل مسؤولية ، ومحققين العدل والمساواة والحرية .
المكونات الفكرية لمسرحية قميص السعادة :
أصدر " السيد حافظ " مسرحية " قميص السعادة 1993 " ، وأول ما يلفت انتباهنا ونحن نتفحصها هو ذلك التشابه بين العناصر المكونة لها وبين مسرحية " الشاطر حسن " ، حيث أصاب اليأس والإحباط الأمير ودفعه إلى الخروج من قصره متنكرا ليلامس أحوال الرعية .
وإذا كانت مسرحية " الشاطر حسن " قامت على النص الشعبي لحكاية أبي الحسن المغفل وقصص الشطار والعيارين ، وبالخصوص على تراث ألف ليلة و ليلة ، فإن مسرحية " قميص السعادة " ارتشفت من نفس التراث ، و اعتمدت على حكاية " الشاطر حسن " هذا البطل الذي يعتبر القاسم المشترك في الجمع بين أجزاء الحكايات لخلق بناء درامي تتفاعل فيه مجموعة من الشخصيات والأحداث ، لتعكس فكرا وواقعا معينا .
فقد حافظ الكاتب في مسرحيته على أسماء بعض الشخصيات النمطية كما وردت في مسرحية " الشاطر حسن " ، كالأمير حسان والوزير والأميرة ست الحسن والشاطر حسن، والمعلم مختار ، وعدل من شخصية الشاطر حسن ، فإذا كان في الأصل الشعبي درويشا يحلم أحلاما صعبة المنال ، فقد جعله في النص المسرحي " الشاطر حسن " مواطنا بسيطا ذكيا ومسؤولا يحس بمعاناة مواطنيه . كما جعل الأمير حسنا يتنكر في شخصيته . وهذا التشابه بين المسرحيتين أبدعه المؤلف تأكيدا لفكرة أن الإنسان موقف وأن الحاكم حين ينزل إلى الشارع ويقف على معاناة شعبه ويستبصر أموره ، فيصدر أحكاما بعيدا عن المنافقين وبطانة السوء الذين يزيفون الحقائق ويحجبونها عن الحاكم ، لخدمة مصالحهم الشخصية وتحقيق رغباتهم المادية . " هذه هي لعبة الكاتب التي يريد أن يصلها إلى الأطفال جيل الغد الذين عليهم أن يعيشوا الحرية والكفاح والدفاع عن الوطن " .
كما حافظ المؤلف على الفضاء الذي دارت فيه أحداث مسرحية " الشاطر حسن " من حيث المكان: القصر والسوق ، قد يحيل القصر على وجود حاكم للبلاد وحاشية وحياة نمطية معينة ، كما يوحي السوق بوجود باعة ونماذج بشرية ويرمز لصراع القيم والمواقف والطبقات .
ومن حيث الزمن ، فقد حافظ الكاتب على المادة الزمنية للتنكر : ثلاثة أيام في النص المسرحي " الشاطر حسن " وكذلك الخروج ليلا لتفقد أحوال الرعية . ولم يحافظ على أحداث المسرحية السابقة الذكر ككل . وإنما ركز على الأحداث التي تلائم طرحه الفكري وتخدم الحدث والبناء الدرامي لكي يتجاوب مع هدفه المنشود من مسرحية " قميص السعادة " .
فقد انطلق الكاتب إذن من تراث ألف ليلة وليلة ولم يتقيد بزمن معين ، وإنما جعل الماضي حاضرا والحاضر مستقبلا ليساير واقع الطفل العربي الذي يعيش عصر التكنولوجيا ، إذ انعدمت القيم الروحية وطغى الجانب المادي وأصبح الإنسان يتعطش إلى السعادة الحقيقية . ولعل عنوان المسرحية يعكس هذه الفكرة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى جمهور الأطفال والكبار . فالقميص رمز لما هو مادي ، والسعادة إشارة إلى ما هو معنوي ، وهذا العنوان مفتاح النص ، حيث يحيل على السؤال المطروح ضمنيا في المسرحية : هل السعادة تكمن فيما هو مادي ؟ إن الجواب عن هذا السؤال نستشفه من المسرحية ذاتها .
اعتمد المؤلف على حدث إيهام السلطان بمرض علاجه يتمثل في قميص السعادة . وهو بذلك قد جمع بين ما هو خيالي وما هو واقعي ليقدم للطفل صورة معبرة عن واقع معيش ، يعج بالصراعات و التناقضات من خلال تفاعل مكونات النص وأحداثه ، لاسيما وأن الكاتب يؤمن بأن الطفل العربي محاط بأجهزة إعلامية وقضايا واقعية لا يستطيع الهروب منها . لهذا يحث على توعيته وتكونه سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ليدافع عن وطنه ، ويحميه من كل الشوائب التي تنخر جسم الأمة وتشتت كيانها .
وقد اشتمل النص على صفات تعكس المواقف والقيم الموجودة في الواقع ، من خلال تعارض الشخصيات بين السلب والإيجاب ، في شكل درامي ينتهي بانتصار الخير على الشر . وتتمثل هذه الصفات في : العدل – الظلم – الغنى – الفقر ، الصدق – الكذب، الخيانة – الأمانة ، الشقاء – السعادة . وهي تحيل كذلك على وجود عالمين متناقضين يمكن أن نستدل عليهما بالشكل التالي :
فعالم الخير تمثله شخصيات إيجابية تهدف إلى تطهير البلاد من الفساد لبناء وطن قادر على مواجهة التحديات الخارجية . أما عالم الشر فتعكسه نماذج سلبية ، وما أكثرها في الواقع العربي ككل . وهي تسعى إلى تكريس الفساد لخدمة مصلحتها الخاصة .
الجدير بالذكر أن السيد حافظ بتوظيفه لهذه الشخصيات اعتمد على الأضداد ليتمكن الطفل من التمييز بين الأشياء والصفات الخيرة والشريرة . فهو أراد أن يزرع في نفسيته قيما نبيلة هادفة ، كالفضيلة والعدل والصدق والأمانة والحرية والشجاعة ، وضمنها مرر دعوته إلى تجنب الصفات الرذيلة ، كالكذب والخيانة والظلم والاستغلال والتجسس الذي نلمسه من خلال الحوار الآتي :
حسان : مش قلت بلاش .
تصنت يا دندش على الكلام .
دندش : أي سيب ودني يا مولاي .. حرمت .
مش ح أعمل كده تاني .
كما أن الكاتب يهدف إلى تكوين جيل متمرد ثائر وقادر على استئصال الظلم ، وتطهير البلاد من الفساد ، الذي جسدته في المسرحية النماذج السالفة الذكر ، فقد استغلوا مراكزهم لتحقيق أهدافهم الخاصة واعتمدوا على السرقة والخداع والنفاق :
الوزير : ولد يا همام .. اسمع الكلام .
رئيس الشرطة : بلا ولد يا همام بلا نيلة . داخل تزعق . فيا ... ماشي تزعق فيا كل حاجة . تقول الشرطة .. الشرطة .
الوزير : هووش .. هووش ولد يا همام أنت تجننت .. ما أنا سايبك تأخذ من الناس اللي أنت عايزه ؟ وبيوصلك حقك بالتمام والكمال .. خلاص اسكت .
رئيس الشرطة : مش ساكت بتزعق ليه قدام العساكر ، أنا كل يوم باجمع الضرائب وأنت توصل ربعها للخزنة والباقي تشفطه في جيبك تسرقه .
علاوة على ذلك ، يتضمن النص خصائص وقضايا تربوية ، إذ يطرح أكثر من قضية حياتية هامة، ويفتح أمام الطفل آفاقا تتجاوز الكائن إلى ما هو ممكن ، وما ينبغي أن يكون ، وذلك عن طريق الدعوة إلى التواصل في العلاقات الإنسانية ونبذ الفوارق الطبقية القائمة على استغلال القوي للضعيف والغني للفقير ، وعدم استغلال ثقة الأمناء في إهمال الواجب المفروض تجاه النفس الإنسانية والعمل والوطن . فهو بذلك يفجر في كيان الطفل روح الفعل والثورة على الأوضاع الفاسدة ، ويحذره من عدم الاستكانة والإقتداء بأمثال الوزير . فهذا الوزير هو الذي أوهم الأمير بعلاج قميص السعادة ليبعده عن الشعب الذي يفتقر بنفسه إلى السعادة الحقيقية :
سمعان : ح تقوله أن علاجه في قميص أسعد سعيد .. واللي يلبس القميص دا يبقى سعيد ، قميص أسعد سعيد فاهم .
شعبان : عاوزني يا وزير أكذب على السلطان ..
إضافة إلى ذلك ، يشير الكاتب إلى بعض المهن الإنسانية التي يعتمد أصحابها على الغش والرشوة، لهدف مصلحي شخصي ، كمهنة الطب التي عكسها شعبان ، ومهنة القضاء التي جسدها القاضي :
رئيس الشرطة : ما أنت طول عمرك كذاب . عيان بالمغص تديله دواء القلب ..
واحد عيان بعينه تديله دواء لرجليه .. طول عمرك طبيب تعبان يا
شعبان .
حسان : يا قاضي خنت الأمانة وقلبت العدل وظلمت الفقير والجعان ووقفت
جنب الغني والشبعان .
وعلى هذا الأساس استهدف الكاتب ترسيخ بذور الفضيلة والأمانة والإحساس بالمسؤولية في نفسية الطفل لكي يبتعد عن الخيانة والسرقة ، وعن كل الصفات الرذيلة التي تستغلها الطبقات العليا لقهر الطبقات الفقيرة .
وقد نفهم من المسرحية كذلك إشارة الكاتب إلى النظام الجبائي الذي أصبح يعتمد على فرض الضرائب بشكل يفوق طاقة الشعب ، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية . وهذا الأمر ساهم ويساهم في فساد البلاد :
بدران : أصل الضرائب الجديدة جامدة شوية .
رئيس الشرطة : حتستعبط .. حتدفع الضرائب .. يعني حتدفعها هاها جامدة ...
بدران : ما معيش فلوس .. قلتوا ضرائب للديوان وبعدين ضرائب للوزير .. وبعدين ضرائب للمبيعات وإحنا نغلي الأسعار على الناس والناس بطلت تشتري حتى الفاكهة .
كما تكشف المسرحية عن تلك الفوارق الاجتماعية فلا مكان للفقير في واقع مستبد وهذه صورة واقعية ملموسة . ونستشفها من خلال قول إبراهيم الأقرع لأم سعيد :
إبرام الأقرع : قاضي ..صح القاضي مش فاضي للي زيك الفقير مالوش صوت عند القاضي .
يزيل السيد حافظ القناع عن واقع يسوده الاستغلال ليجند الطفل نفسه للدفاع عن هذه العاهات التي تقود الأمة إلى الهلاك .
فقد جعل المؤلف من قضية الدفاع عن الشعب والوطن هي الشاغل الأهم من وجود القضايا الأخرى، وكيف أن الحاكم إذا كان مخلصا لشعبه ورعيته ، عرف معنى السعادة الحقيقية . أما إذا ابتلى بحاشية فاسدة ، أصيب بالإحباط . وهذا ما وقع للسلطان حسان . غير أنه أدرك سر الحيلة ، ولم يصدق تلك الأوهام ، لأنه رجل عقلاني واقعي وعدل ، آمن بأن السعادة لا يحققها مجرد قميص للإنسان ، لأنها أبعد من ذلك وتتجاوز ما هو مادي لتعانق ما هو إنساني . وهذا ما وضحته ست الحسن رمز الخير في المسرحية لأبيها ، حيث اتجه أبيها الوزير وراء المال ظناً منه أنه مصدر السعادة الحقيقية ، ليجد نفسه ظالما منهارا . ولكن النفس الإنسانية دائما تتوق إلى تحقيق رغباتها المادية ، ولو كان ذلك على حساب تجريد الإنسان من إنسانيته ، وغرس بذور الشر بدل الفضيلة .
والواقع أن السيد حافظ أراد أن يبعد الطفل عن هذه الموبقات والانغماس في الماديات ، ويزرع فيه روح الوطنية والدفاع عن كرامة الإنسان ، ما دام في ذلك خير للأمة العربية ، وباعتبار أن الخير هو المنتصر دائما في النهاية كما اتضح ذلك من المسرحية ، فقد ظهرت الحقيقة رغم المكائد السرية التي تطبع عالم المادة ، إذ عايش الأمير معاناة الشعب ، فناصر المظلوم وعاقب الظالم ، و فضح المستبدون بعضهم البعض :
رئيس الشرطة : أنت اللي قايل الوزير .. هدد شعبان علشان السلطان مهموم مش كده يا قاضي.
القاضي : ايوة يا مولاي .. الكلام دا تمام .
حسان : وأنت يا وزير علشان ربتني زى والدي حسيبك مع ست الحسن تختار الحكم عليك ...
غير أننا نلاحظ تناقضا في المسرحية فقد جعل المؤلف السلطان يترك عقاب الوزير إلى ست الحسن ، وكان من المفروض أن يكون عادلا ، نزيها ويعزله كما عزل الآخرين، وربما تعمد الكاتب ذلك ليبرز أن الإنسان مهما حاول أن يكون موضوعيا في تقييم المواقف والقيام بالواجب ، فلا يستطيع التخلص مما هو ذاتي .
وصفوة القول إن المؤلف يعد طفولته في الناشئة ، ويسعى إلى تكوين جيل طموح لا يتوانى في تغيير حاله ، وأخذ قراراته بنفسه ، بعيدا عن الضغوطات من خلال الموقف الذي يولد الحدث ، وباعتماد رؤيا سليمة قوامها العقل والمنطق والعلم ، وليس الخرافات والجري وراء المصالح الذاتية والمادية . لهذا نجده يدعو في آخر المسرحية بعد تطهير البلاد من الفئة الفاسدة إلى البحث عن جنود أكفاء يدافعون عن الوطن ويحمونه من الأخطار الخارجية ، فالفساد إذا عم من الداخل ، صعبت المواجهة والتحدي فيما بعد . كما أن استقرار الإنسان وسعادته رهين باستقرار بلاده وسعادتها ، وتحقيق العدل والمساواة .
إن مسرح السيد حافظ الموجه للطفل يغلب عليه الطابع السياسي ، مما جعل النقاد يتحاملون عليه . لكن الكاتب يؤمن بأن طفل القرن العشرين يعيش واقعا ملموسا ويستوعب أحداثه السياسية ، ولا يمكن تهميشه أو إبعاده عنه ، لأنه هو بنفسه لا يستطيع الهروب منه . فهو محتاج الآن أكثر مما مضى إلى أن يكون واعيا بواقعه . وأشاطر المؤلف رأيه باعتبار أن الطفل يجب أن يتغذى من كل شرايين المجتمع سياسيا ، واجتماعيا ، واقتصاديا ، ليكون في مستوى التحديات المفروضة عليه مستقبلا . ولعل ثورة الحجارة التي قادها الأطفال الفلسطينيون كرد فعل على العدو الصهيوني خير دليل على أن الطفل يعي واقعه ، كما يعي معنى الفعل ورد الفعل ، ومعنى الكرامة والوطنية والثورة .
فقد تمكن السيد حافظ من تحقيق بعض الخصائص في مسرحيته التي تتجاوب مع عالم الطفل ، وتحقق نوعا من الفرجة والاحتفال ، كخاصية اللعب والتقليد التي جسده دندش ، حين لبس ملابس رئيس الشرطة . كما نجح في تثبيت مجموعة من الأفكار والقيم الإيجابية الهادفة معتمدا على مخزون تراثي ، وصياغة فنية تناسب إدراك الطفل ، وتعكس فكر المؤلف وهدفه شكلا ومضمونا ، وسنرى هل وفق المؤلف في البناء الفني أيضا .
المبحث الثاني :
المكونات الفنية في مسرحية قميص السعادة
إن المسرح سواء كان موجها للكبار أم الصغار يجب أن تراعى فيه الأسس الفنية التي تجسد أبعاده المعرفية والإيديولوجية .
والمتتبع للعمل الدرامي الموجه للطفل عند " السيد حافظ " ، يلاحظ اهتمامه بالمضمون ، حيث يقدم أفكارا مناسبة لأبناء مجتمعه في قالب فني ، يعيد فيه ذكريات طفولته ويجددها في الناشئة . فهو يقول في إحدى اللقاءات الصحفية متحدثا عن تجربته الفكرية : " في مجرى نهر الكلمات الأولى عرفت الحرية والإنسان والرغيف في درب الخناجر والأعلام والدم ، عرفت الثورة والفن والتغيير تشرق تجربتي مع أنهم يسلبونا كل يوم قيمة ، تشرق في الأطفال و جذور البحث وبقايا الصدق المترب .
" فالسيد حافظ " لم يكتف بالثورة على الوضع العربي المتأزم ، وإنما تمرد على الأصول التقليدية . فابتعد عن الصيغة الأرسطية التي قيدت الكاتب المسرحي عن التعبير بحرية ، وحالت دون خلق تواصل بين المبدع و المتلقي . وانطلق من الوجدان الشعبي والتراث العربي من أجل صياغة أدوات معرفية وجمالية مغايرة وقادرة على التعبير عن الهم العربي في الوقت الراهن مع مراعاة المستوى الفكري للطفل.
"فالسيد حافظ " إذن يقدم للمسارح فكرا أكثر منه فناً ، وقد نجد في مسرحه الطفلي مسرحيات تحمل شكلا للصغار ومضمونا للكبار كمسرحية " الشاطر حسن " ، ولكن رغم ذلك فالشكل عنده ينبغي أن يرتبط بالمضمون ويناسبه . لهذا نجده في مسرحياته يحاول توفير العناصر الأولية في بناء المسرحيات من قصة وشخصيات وحوار .
كما يعتمد على البساطة في استخدام الرموز والدلالات حتى يناسب مستوى فهم الطفل ومداركه .
وبعد أن تطرقنا للمكونات الفكرية لمسرحية " قميص السعادة " ، لابد من دراسة مكوناتها الفنية . فأول ما نتناوله في هذا المبحث هو الفضاء المسرحي .
الفضاء المسرحي :
نقصد به بنيتي الزمان والمكان . وهما دعامتان أساسيتان ترتبطان بعضهما البعض، حيث يرتكز عليهما الفن المسرحي لأن " لا مسرح من دون مكان مسرحي ولا مكان مسرحي من دون زمان مسرحي يربطه بزمانه ومشاكله وهمومه " .
يلتقي زمن المسرحية بزمن الشاطر حسن الذي حل محل الأمير وخرج ليلا لتفقد أحوال الرعية وتنكر في ملابسه وقام بمهامه في القصر لمدة ثلاثة أيام . كما يلتقي كذلك بزمن هارون الرشيد وبالحسن المغفل ، حيث انتشل السيد حافظ زمن الحدث من الماضي وحوله إلى زمن يتجدد ، ويرتبط بالأنا الإنسانية وواقعها حاضرا ومستقبلا ، فهو إذن زمن يعالج قضايا عاشها الإنسان ويعيشها حاليا وقد يلامسها غدا .
كما أنه زمن قرأه المؤلف من زاوية خاصة ليجسد واقعا عربيا مريضا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا كان ويمكن أن يكون لوجود علة الفساد ، وذلك في شكل قالب مسرحي فضاءين اثنين : القصر والسوق .
وأول ما يلفت انتباهنا ونحن نستقرئ المسرحية من هذا الجانب ، هو توظيف الكاتب للسوق في أغلب مسرحياته المقدمة للطفل ، كما هو الشأن في مسرحية سندريلا وعلي بابا ومسرحية الشاطر حسن، نظرا لدلالته الرمزية . فهو مجال البيع والشراء ، ارتبط العرب به قديما، اتخذه الأدباء والشعراء والفقهاء مركزا للإشعاع الثقافي والحضاري . ومازلنا نسمع عن سوق عكاظ والبصرة . فالسوق إذن مكان يلتقي فيه مختلف الشرائح الاجتماعية والإنسانية ، وتجسد فيه القيم و الصراعات الطبقية ، وهذا الفضاء المسرحي يحيل على دلالات رمزية . فخروج الأمير من القصر يتم ليلا . ومعنى هذا المكان كان بالنسبة له سجن وحصار والليل رمز للاختفاء والخوف وغياب المنطق . فالأمير بدلا من مواجهة الموقف بالعقل والفكر السليم ، فضل التنكر في مواجهة الحقيقة ، بدل التصدي لها بصورة واضحة ، مما يحيل أيضا على غياب التواصل بين الحاكم والمحكوم بسبب وجود حاشية فاسدة .
وهكذا تتضح الوظيفة الدلالية لكل من الزمان والمكان في المسرحية .
الشخصيات :
أكيد أن الشخصية تعتبر مكونا أساسيا للنص المسرحي ، إذ لا يمكن الاستغناء عنها. فالمسرحية تعرف بأنها " حدث يتم بواسطة الشخصيات أو الممثلين في زمان ومكان محدد ، أمام جمهور من المتفرجين . والمسرح يعرف بأنه علاقة ثلاثية بين الشخصية والممثل والمتفرج " .
فالسيد حافظ لا ينطلق من الفراغ والاعتباطية في بناء شخصياته المسرحية ، بل يعتمد على مرجعية تراثية تكمن في ألف ليلة وليلة ، ويضفي عليها طابعا واقعيا معاصرا، ليساير إدراك طفل القرن العشرين ويكونه تكوينا أصيلا . فمسرحية قميص السعادة تتكون من شخصيات أساسية هي : الأمير حسان والوزير ، رئيس الشرطة ، الطبيب شعبان ، الأميرة ست الحسن ، دندش ، القاضي .
وسنبدأ بشخصية الأمير حسان باعتبارها المحور الذي حرك الأحداث وجعل باقي الشخصيات تدور حوله .
- الأمير حسان : يجسد في المسرحية صورة الحاكم الضعيف العاجز عن اتخاذ القرارات بنفسه بسبب ضغط وزيره الذي جعله إنسانا سلبيا وحاكما مريضا منطويا على ذاته ، وما مرضه إلا رمز للحكم الفاسد الناتج عن تخاذل الأمير في مجابهة الظلم ، رغم علمه بذلك ، لأنه استسلم لعاطفة القرابة بينه وبين الوزير ، ولكن رغم ذلك ، فهو إنسان عاقل يعلم بما يجري حوله ، ولم يصدق تلك الخزعبلات والأكاذيب الصادرة عن الحاشية. كما أنه لم يقتنع بقميص السعادة الموهوم :
دندش : يا مولاي قميص السعادة دي لعبة .
حسان : وأنا عارف .
دندش : عارف .
حسان : ايوة عارف أن الوزير والطبيب كذابين .. عارف لكن سمعان هو اللي رباني وكان أبويا الله يرحمه بيقول عليه الوزير الأمين ..
كما أن السلطان رمز للحاكم الأمين المخلص والمتواضع الذي يحب شعبه :
حسان : ( لنفسه على المسرح ) فكرة مجنونة أمشي في وسط الناس أمشي بدون حراس .. واسمع شكوى الغلبان والضعيف ، الحكم لازم يكون أمانة مصالح الناس ، مشاكل الناس .
فقد استطاع الحاكم أن يتخلص من سلبيته حين احتك بالشعب الذي يكن له الحب والإخلاص ، ووقف على استغلال واستبداد حاشيته للرعية ، حيث نصف المظلوم وعاقب الظالم كالوزير وعملائه :
حسان : وأنت يا وزير سمعان .. علشان ربتني زى والدي حسيبك لست الحسن تختار الحكم عليك بنفسك بعد ما اعترفت بجريمتك و إلا أقول لك عزلتك .. أما الكذابين دواللي عذبوا الناس واستغلوا القانون أسوء استغلال فخذوهم وعلى رجليهم مدوهم.
- شخصية الوزير :
صورة صادقة تجسد الخداع والنفاق والشر : أي الفئة المضللة من الناس التي تحجب الحقائق وتزورها . كما أن هذه الشخصية رمز للحاشية الفاسدة التي تحيط ببعض الحكام وتخفي عنهم ما يعانيه الشعب من ظلم واستغلال لتحقيق مصالحها الذاتية ورغباتها المادية :
الوزير : إوعى تخلي السلطان يقابل حد من الشعب أو يخرج خارج القصر قوله فيه مؤامرة حواليك ما تطلعش يا مولاي .. وخليه دايما يخاف من الناس .
فالوزير شخصية أنانية متسلطة تتطلع إلى الإمارة والحكم ، فقد أوهم السلطان بالمرض ليتمادى في النهب والسرقة ، مظهرا في نفس الوقت الإخلاص للأمير :
الوزير : عافية مولانا هي عافية البلاد ... فرحة مولانا هي فرحة العباد
فهذه الشخصية الانتهازية تذكرنا بشخصية الوزير في مسرحية الشاطر حسن فكلاهما حجب الأمير عن الشعب لتحقيق هدفه المنشود .
- رئيس الشرطة :
وهو كذلك رمز لبطانة السوء . وشغله الشاغل هو الحصول على المال بكل وسائل الاستغلال . وقد حافظ السيد حافظ على سلوك هذه الشخصية في المسرحية ، فمنذ البداية تبرز قسوتها وسلطتها وقهرها للشعب ، فهو دائم الأكل ، وما الأكل إلا رمز لأكل أموال الناس بالباطل وهضم حقوقهم .
رئيس الشرطة : ( يأكل برتقالة أو تفاحة ) أنت حتستعبط .. حتدفع الضرائب ..
رئيس الشرطة : ( وهو يأكل ) .. تشتري تدفع .. تأكل تدفع .. تنام تدفع .. تشرب تدفع .. تموت تدفع ..
- الطبيب شعبان :
نموذج صادق لشخصيات الأطباء الذين يهملون واجبهم الإنساني مقابل ما هو مادي، ويستغلون مهنتهم لإيهام الناس وخداعهم بأمراض وهمية بغية الإثراء . كما أنه رمز لأولئك الأطباء المزيفين الساخرين من فئة فاسدة هدفها الكسب فقط .
حسان : و دلوقت جه دورك يا شعبان ( يضحكون ) تأخذ دينار حق الكشف
على العيان دا شيء كثير على الفقير ، أنت الطبيب يعني الأمين .
شعبان : يا مولاي غصبا عني .. الوزير سمعان هو اللي أمرني وهو اللي قالي .
- شخصية القاضي :
صورة واضحة تعكس حقيقة القضاة الذين يستترون وراء مهنة القضاء لاستغلال كل الظروف لمصالحهم الشخصية والمادية ، فهو يصدر أحكاما زورا وبهتانا ، خدمة للطبقة الغنية على حساب هضم حقوق الفقراء .
القاضي : عايزني أسيبكم بسهولة لازم تدفعوا أي ضريبة .. عليكم ضريبة الصيد والشباك
و السنارة والمكسب والخسارة ..
حسان : يا قاضي خنت الأمانة وقلبت العدل وظلمت الفقير الجيعان ووقفت جنب الغني والشبعان .
- الأميرة ست الحسن :
تعد شخصية الأميرة من الشخصيات الرئيسية الإيجابية في المسرحية . فهي فتاة طيبة قوية ، تعي حقيقة الأمير الذي استسلم للحزن وترك البلاد تتخبط في الفساد ، مما جعلها ترفض الزواج منه مدافعة عن حقها . غير أنها تعرفت للقمع من أبيها المتطلع إلى الإمارة والحكم . كما أنها رمز للتواضع والإنسانية والخير . وبالرغم من أنها من أسرة مالكة فهي تحس بهموم الشعب ، وتكن له كل الحب والاحترام ولا تهتم بالمظاهر :
ست الحسن : مرجانة أنا فرحانة حاسة بحاجة غريبة .. حاجة عجيبة الدنيا مش سيعاني أول مرة أحس أني زى الناس .
علاوة على ذلك ، فهي على وعي بحال الشعب وبالنظام المستبد ، وهي تمثل الاتجاه العقلاني الواقعي الرافض لكل أساليب الظلم والفساد ، وحتى وإن كان من أسرتها الحاكمة ، وهذا يتضح لنا خلال عتابها لأبيها الذي وضع حاجزا بين الحاكم والرعية لضمان سعادة حقيقية ، مصدرها المال . بيد أن السعادة عند هذه الشخصية هي تلك التي تجسدها القيم الإنسانية ، الخلقية والروحية . كما أن هذه الشخصية تعكس وعيا سياسيا وجماعيا ووطنيا وترمز إلى الأمة العربية المتطلعة إلى غد أفضل ، حيث تسود الديمقراطية وتنعدم الديكتاتورية والفوارق الطبقية .
ست الحسن : بعدما طهرنا البلاد من الداخل عايزين جنود يدافعوا عن البلاد .
- دندش :
يعتبر نموذجا للإنسان الطيب الأمين المخلص للأمير ، فهو يعلم أسرار القصر وفساد البلاد، ويمثل الوعي الجماعي والإنساني الرافض لكل أساليب الخيانة والظلم . فقد ساعد الأمير على الخروج من تلك الانطوائية ليعيش حقيقة وواقع الشعب .
دندش : لا يا مولاي الناس بتحبك وعارفة أن الحاشية اللي حاوليك هي الفسدانة .
كما ساهم في تطهير البلاد من العناصر الانتهازية ، كما أنه يعكس طموح الإنسان البسيط الثائر على الأوضاع المزرية والمتطلع إلى مستقبل أفضل للوطن والشعب ، يسوده العدل والمساواة .
وهناك شخصيات أخرى ساهمت في بلورة الصراع وتطور الأحداث منها :
مرجانة ، وإبراهيم الأقرع ، وأم سعيد ، وفضل ، وفاطمة وبدران ، والسياف ، والعساكر .
فمرجانة تمثل وصيفة الأميرة . وهي شخصية وفية وعلى قدر من الذكاء . وقد ساعدت ست الحسن وأنقذتها من السجن . فهي تعكس الجانب الإنساني .
أما إبراهيم الأقرع ، وأم سعيد ، وفضل ، وفاطمة ، وبدران ، فيجسدون واقع الطبقة الفقيرة في بلد مستبد ، لأنهم يعانون من أبشع مظاهر الاستغلال والقهر .
أما السياف والعساكر ، فصورة واضحة ورمز للجانب السلطوي المسخر من عناصر هدفها تكريس الفساد لخدمة مصلحتها الشخصية والمادية .
وعلى العموم ، تنقسم شخصيات " السيد حافظ " – سواء تلك التي وظفها في هذه المسرحية ، أو في غيرها من المسرحيات الموجهة لعالم الأطفال – إلى نوعين : الأول : رافض ومتمرد ، والثاني : متسلط ينبغي التمرد عليه . وهكذا يعكس المؤلف بتوظيفه لهذه الشخصيات واقعه الذي عايشه ويعيشه وكذلك اتجاهه الفكري والثوري الغاضب .
الصراع الدرامي :
يعتبر الصراع عنصرا أساسيا في العمل الدرامي . بل يمثل نواة الخطاب المسرحي فبدونه يفقد العمل الأدبي قيمته . " ويمكن لهذا العنصر أن يبرز مباشرة عبر تعارض الشخصيات ، كما يمكن أن يبرز على شكل مفارقات داخلية من خلال الأفكار والأحداث وغيرها .
اهتم " السيد حافظ " باختيار شخصيات متعارضة ومتناقضة ليتولد منها الصراع الذي أعطى المسرحية بعدا سياسيا أكثر منه اجتماعيا ، فقد أزال الكاتب القناع من خلاله عن مجموعة من القضايا التي تتخبط فيها الأمة العربية . كما أن هذا الصراع مرآة عكست معاناة الشعب وحقيقة الحاشية المتشابكة المصالح والأهداف . فالوزير يمارس سلطته ويتصارع مع من أقل منه مركزا ، ويستغله لتحقيق ثروة تمكنه من السعادة وتضمن الرفاهية لست الحسن التي تجسد فكرا عقلانيا إنسانيا يناقض منطق أبيها . ويعيش الأمير صراعا داخليا بين العقل والعاطفة ، بين القيام بالواجب تجاه الوطن ، كما يقتضيه المنطق وتخليص البلاد من الظلم ، وبين ترك البلاد تتخبط في الفساد لسبب هو أن مصدر هذا الوباء هو الوزير – أحد أقرباء الأمير – لكن بعد ذلك يتنامى الصراع ويتطور بتطور الأحداث وتعقدها ، حين يتخلص الأمير من سلبيته بمساعدة دندش ، وينزل إلى الشعب ، حيث يصطدم بحقيقة الطبقة المستغلة وواقع الشعب المقهور .
وهذه الأحداث التي وقعت بين القصر والسوق جسدت صراعا دراميا منذ بداية المسرحية إلى نهايتها ، وكان أبطالها هم الثلاثي الجهنمي ، الوزير ورئيس الشرطة ، والطبيب شعبان . وتبلور بمساهمة عناصر انتهازية أخرى ضد شرائح اجتماعية فقيرة مضطهدة .
وهذا الصراع الذي يسود مسرحية " قميص السعادة " صراع نابع من صميم الواقع، عاشه الكاتب ونعيشه نحن ، ونلامسه في كل بلد متعطش إلى العدل والمساواة والتكافل.
ولعل ذلك التقابل بين الصفات التي تميزت بها كل شخصية كالأمانة مقابل الخيانة ، والظلم مقابل العدل خير دليل على أن الصراع هو بين عالمين متناقضين : عالم الشر وعالم الخير . وهو ليس صراع أشخاص فقط ، بقدر ما هو صراع قيم ومواقف ومصالح احتد أكثر و برز بشكل واضح في الفصل الثاني، لينتهي بانتصار الخير على الشر . وما الصراع في الدراما إذن إلا صراع قيم في الحياة ككل .
وقد جسد " السيد حافظ " من خلال هذا الصراع واقعه المستبد ، كما عكس فكره الطليعي واقتناعه بضرورة الصراع والثورة من أجل التغيير ، لتكوين جيل قادر على مواجهة التحديات وبناء وطن شعاره الديمقراطية ونبذ الديكتاتورية .
الحوار واللغة :
يمثل الحوار ركنا أساسيا في المسرحية فمن خلاله يتم التعرف إلى طبيعة الشخصيات وتكوينها وجنسها وسلوكها ودوافعها وإلى سيرورة الأحداث وتطورها .كما يشكل النواة في تعمق الصراع وتناميه للكشف عن واقع الحياة الإنسانية و تناقضاتها .
والحوار في مسرحية " قميص السعادة " له قيمته الدلالية ، وهو ينسجم مع الأحداث والشخصيات وقد كان في معظمه قصيرا ومختصرا ، باستثناء بعض الحوارات الطويلة . كما ابتعد فيه الكاتب عن أسلوب التكرار واعتمد البساطة . ولعل " السيد حافظ " تعمد ذلك حتى لا يحس الطفل بالملل والرتابة ، ويتابع العرض المسرحي بنوع من التجاوب والاحتفال .
ونلمس في المسرحية كذلك اعتماد المؤلف على المونولوج . وهو حوار داخلي إتضح من حوار حسان مع نفسه حين قرر الخروج من القصر . كما نلاحظ بعض الحوارات ذات الطابع الاستفهامي نحو:
حسان : لما طبيب يكذب على الناس .. الناس تثق فيه وتسلمه نفسها وأرواحها إزاي؟ .
أما فيما يخص اللغة التي وظفها " السيد حافظ " في هذا النص المسرحي ، فهي اللهجة المصرية . وهذا طبيعي باعتباره مصري الجنسية ، عاش واقعها بلسان متمرد ولا يزال يعيشه . كما أن اللهجة المصرية المستعملة مرتبطة بحياة عامة الناس . وهي أداة معبرة وصادقة ، وقريبة من إدراك الطفل المصري خاصة ، والعربي عامة ، إذ أثبتت بعض التجارب التي قمت بها مع عدد من الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين تسع سنوات وثلاث عشرة سنة ، أن هؤلاء تمكنوا من فهم أحداث المسرحية والقضايا التي تتناولها رغم كتابتها باللهجة المصرية ، عن طريق الإجابة عن مجموعة من الأسئلة طرحتها عليهم . ولعل ذلك راجع إلى متابعتهم للمسلسلات والأفلام المصرية التي لا تبخل التلفزة المغربية بتقديمها للمشاهدين يوميا .
و " السيد حافظ " حين يكتب مسرحياته باللهجة المصرية ، لا ينطلق من خصوصية الطفل المصري، وإنما من خصوصية عالم الطفل العربي ، ومن اقتناعاته بالمصير المشترك لهذا الكائن العربي الضعيف ، ويحاول توعيته بواقعه من جهة ، وبتكوينه سيكولوجيا و سوسيولجيا ، ليكون في مستوى مجابهة الفساد والظلم . لذلك نجده يسلك في كتاباته مسلك البساطة والسهولة في إيصال المفاهيم التي أراد زرعها في جيل الغد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق