السبت، 4 أبريل 2009

مقالات 5

مسرحية
الشاطر حسن
بقلم : نادر القنة

القبس
( العدد 4419 )
السبت 1 / 9 / 1984

في أقل من عام واحد ، أصبح ( لسندريلا ) شقيق آخر لا يقل عنها شأناً ، هو ( الشاطر حسن ) وذلك في عالم السيد حافظ . فنحن ما زلنا نذكر جيداً تلك النغمة الشاعرية التي رددتها سندريلا منددة بالمجتمع الطبقي ، عاصفة بكل الأخلاقيات الطبقية ، مطالبة بتفتيت المجتمع المركب من توليفات غير متجانسة . بل وراحت سندريلا الصغيرة تصيغ بمفردها بعيداً عن الفئة التي تنتمي إليها ، وكل ما استطاعت الحصول عليه هو مساحة من التعبير ، إذ كانت ترى ضرورة انصهار كافة الطبقات في طبقة أحادية القاعدة ثنائية القوام .

ونحن نتذكر ذلك بمشاهدة مسرحية ( الشاطر حسن ) وندعم ذلك بقراءة النص ذاته ، ونقول : ماذا عساه يقول الشاطر حسن ؟ باعتقادي أن السيد حافظ بكتابته لمسرحية الشاطر حسن لا يفعل أكثر من إنه يعيد في كل منا طفولته ؛ بل ويذهب إلى أبعد من ذلك . إنه يريد صناعة جيل لا يعرف التردد ؛ جيل يملك قراره كما يملك وجوده . فرغم الشطحات الفلسفية العميقة ، ورغم عمق الطرح الشاعري للمؤلف في مسرحية الشاطر حسن ، فإن المسرحية تسجل موقفها وكلمتها ، كرد فعل للواقع المأساوي الذي بتنا نجتره ، وبتنا نلقنه لأطفالنا حتى نستخرج منهم نسخاً مكررة عنا ، بل أكثر تشوها .
التعامل مع التراث :
ويعتمد المؤلف في أسلوب بنائه للمسرحية على أساس استحضار مزيج من الأشكال التراثية وترويجها فيما بينها بأسلوب فني يتسم بالدقة . فمنذ بداية المسرحية نجد أنفسنا ، أو يضعنا الكاتب أمام إحدى الصور الفلسفية الإغريقية التي قامت عليها مسرحية ( أوديب ) ، وهي صورة الوحش وما يرتبط به من سؤال ، والإجابة على السؤال الوحش هو سر المسرحية ؛ بل الفكر الذي ينبض منذ البداية وحتى النهاية . حيث تتلخص الإجابة بالإنسان ، وهنا يختلف السيد حافظ مع الإطار العام للأسطورة وللموروث الذي استحضره ويقف على النقيض من الفلسفة الإغريقية . فإذا كان الإنسان في الشكل التراثي المستدعي إنساناً قدرياً غيبياً بالدرجة الأولي . فإنه يصبح عند المؤلف - وحسب معالجته الحديثة للمزيج التراثي - إنسانا يتحكم فيه القدر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي . وهذا ما يحدث مع الشاطر حسن عندما يتخذ قرار الحرب ولا شئ غير الحرب ، حيث يستنبط قراره من الشارع ، وتبقى للشارع كلمته القوية ، و رأيه الصريح .
وفي الجانب الآخر يربط السيد حافظ الموروث الإغريقي بالموروث العربي المستمد من حكايات ألف ليلة وليلة ، وهي حكاية أبى الحسن المغفل مع هارون الرشيد . حيث يحلم أبو حسن بأن يكون حاكما على البلاد ، وما أن يبزغ الفجر حتى يُنصَّب حاكما . ويلعب هارون الرشيد لعبته تلك من أجل إدخال البهجة إلى قلبه ، ويحلم أبو حسن من الانتقام لذاته ، كما فسر ذلك سعد الله ونوس في مسرحية ( الملك هو الملك ) . ولكن الأمر هنا يختلف تماما؛ فعندما يُنصَّب الشاطر حسن سلطانا مكان السلطان الحقيقي ، لا يتغير بل يبقى هو ذاته كما بدأ، وكأن بهرجة السلطة لم تؤثر به لتصنع منه إنساناً آخر كما حدث عند سعد الله ونوس ، وبريخت في مسرحية ( رجل برجل ) ، وعند حسن يعقوب العلي في مسرحية ( الثالث ) ، وكما حدث أيضاً في الحكاية الشعبية ذاتها التي أستقى منها السيد حافظ مادة مسرحيته . فلقد أراد المؤلف أن يبرهن هنا على أن الإنسان موقف غير قابل للتحويل والتغيير والتحوير طالما تدعمه نظرية ، أو يستند على مبدأ ، وبالتالي فإن الأسطورة الإغريقية تلتقي مع الحكاية الشعبية العربية في تحديد الإنسان . ولكن المعالجة الجديدة عند السيد حافظ نابعة من أن الإنسان ( موقف ) قبل أن يكون عنصراً ، أي أن الفكر يسبق ظاهرة تشكيله ، لذلك لم يتغير الشاطر حسن كما تغير ( أبو عزة ) عند ونوس ( وأبو حسن ) عند حسن يعقوب العلي ( وغالي غاي ) عند بريخت في رجل برجل .
وفي الجانب الثالث ، يبقى الشاطر حسن هو القاسم المشترك في الجمع بين أجزاء الحكايات والأساطير الموظفة ليضفي على المسرحية جوا وبعدا من البطولة ، وليخفف من حدة تراكم الأفكار ، التي ترسبت من خلال تكوين الشخصيات وما أفرزته علاقتها في بعضها البعض من صراع أفقي ورأسي في شبكة العلاقات الدرامية معقدة التركيب .

مناظرة بين الحاكم والمحكوم :

وبعد أن تنتهي الأيام الثلاثة التي خصصت لا يمسك فيها الشاطر حسن مقاليد الحكم ويجلس على عرش السلطنة ، ونزول السلطان الحقيقي إلى الشارع ويتفاعل معه ليصبح أحد مكوناته وليس راصدا له ، يتقابل الطرفان في موقف مناظرة مختزلة ، حيث يلخص كل منهما للثاني أيامه الثلاثة ، فالشاطر حسن سمع في اليوم الأول شكوى المظلومين ، وفي اليوم الثاني حقق العدل ، وفي اليوم الثالث عقد محاكمة متوازنة مع ذاته لتقييم نفسه على ضوء المرحلة الجديدة التي عاشها ، وكانت النتيجة أن أدان نفسه لأنه فكر بأنه السلطان الحقيقي . أما السلطان الحقيقي فقد رأى الناس ودرس مشاكلهم ، ورصد احتياجاتهم . وهنا يصبح حتما على السلطان الحقيقي أن يعيد تقييم موقفه على ضوء المتغيرات التي صاحبت وجود الشاطر حسن في السلطة . وبعد أن أثبت لأهالي البلدة أن الإنسان موقف ، قبل أن يكون عنصراً ، وأن قضية تطويعه لا تنبع إلا من خلال مبدأ أو نظرية ، وأن الكلمة النهائية كما هي في البداية لا يعلنها إلا الشارع والحي والبيت والمدرسة ، باعتبارهم الملاك الحقيقيين لهذه الكلمة . وهنا دلالة واضحة على أن الديمقراطية ليست هي شعارات تلقى لإقامة علاقة متوازنة بين الحاكم والمحكوم – بل هي بالدرجة الأولى أن نعي وجودنا – وأن نعي الدور الذي نحن بصدده .

الرمز والرموز :

وفي حديث خاص مع السيد حافظ سألته أن يجيب بكل صراحة : هل بمقدور الطفل في الكويت وفي العالم العربي الآن قراءة هذا الكم من الأفكار والمضامين المطروحة في الشاطر حسن ؟ أم أن المسألة أننا نريد أن نسوق أعمالنا وتقدم كيفما كان الأمر ؟ وقد أجاب باختصار : وهل يستطيع الطفل العربي في كل مكان في هذا العالم أن يهرب من واقعه ، إنه مطارد بأجهزة الإعلام صباح مساء ، يسمع ، يقرأ ، يرى ، إنه محاط بكل قضاياه الواقعية . ونحن في الشاطر حسن لا ندعي أننا نحاول طرح تجربة جديدة في مسرح الطفل ؛ بل إننا نطرح أسلوبا جديداً في معالجة مسرح الطفل أي أننا نقدم مسرحاً للطفل ، ولقد حاولنا جاهدين تفكيك كافة الأبعاد الرمزية ، وقام المخرج أحمد عبد الحليم بدراسة وافية للنص قبل الشروع في تنفيذه ليرى الإمكانات المتوفرة فيه . وحقيقة فإننا رأينا أن جمهور هذه التجربة يجب أن يكون ما بين 6 سنوات إلى 12 سنة .

وهذا ما يفسر لجوء المخرج إلى الأسلوب الاستعراضي في محاولة منه لتقريب المعنى والصورة إلى ذهن الطفل . وحتى لا يفهم الجمهور أنه جالس في قاعات المحاضرات أو في فصول دراسية ، اعتمدنا على طرح الصيغة التربوية التي يتضمنها النص في قالب كوميدي راق ، وعملنا على أن تكون القيم الإنسانية المطروحة بعيدة عن المباشرة وبعيدة في الوقت ذاته عن الأسلوب الرمزي ، ولكنها قريبة من أسلوب الاستقراء المبسط حتى يستطيع الطفل في النهاية أن يخرج لا ليتذكر ضحكاته أو يتذكر النكات التي تقال بل ليضم صوته إلى صوت أطفال الخشبة ومع الشاطر حسن ويعلن قراره النهائي : نعم للحرب ولا للسلم طالما أن الحرب هي الوسيلة الوحيدة لتخليصنا مع معاناتنا ومآسينا .

























مسرحية الشاطر حسن

بقلم سامي الباجوري
السياسة 2 سبتمبر 1984م

الطفل بتركيبته شغوف بكل ما يحيط به ، واهتماماته محصورة في اكتشاف العالم المحيط به بصورة تصنع في ذهنه العديد من علامات الاستفهام ، وتجعل أطفالنا في حالة بحث دائم للوصول إلى إجابات واضحة على هذه التساؤلات خاصة حول الأمانة والصدق وحب الناس وحب الوطن والموت في سبيله والعدل بين الناس وهو واحد منهم .

من هنا كان دور المسرح بكل ما فيه هو مواقف حياتية يشاهده الطفل ويجسده أمامه ، وعليه تظهر أهمية التدقيق في الموضوعات المطروحة مسرحيا على الطفل ، كما يظهر لنا ضرورة تحديد الأسلوب الأمثل في العرض الذي يتوافق مع أطروحات العمل . ومستوى الإدراك عند الطفل مع الوضع في الاعتبار أن الطفل في كثير من المواقف أكثر ذكاء .

الحكاية المسرحية :

اعتمد العرض على شخصية الشاطر حسن من خلال فكرة تبادل الأماكن بين الشاطر حسن والسلطان حسان دون أن يدري الآخرون ، نظرا لشدة التشابه بين كيلهما ، ليجد الشاطر حسن مسئوليته خلال الثلاثة أيام مدة الاتفاق مسؤولية كبيرة ، فهو مطالب بإعلان الحرب على الأعداء بعد احتلالهم جزيرة الأمل المجاورة ، كما هو مطالب بمواجهة الوزير المستغل المغتصب لحقوق الشعب . ونظرا لأنه يملك مقومات المواطن الصالح - والقصد هنا الشاطر حسن - الذي استطاع تحقيق ما لم يحققه السلطان ، فأعاد الأرض لأصحابها كما واجه الأعداء وقام بتوزيع الممتلكات على الجنود .

فريق العمل :

فريق العمل المسرحي عبارة عن مجموعة من الفنانين الذين لديهم القدرة على تقديم العمل المسرحي الجاد الذي يصلح للطفل ، ومن بينهم الكاتب المتمرس ، وموجه التربية المسرحية ، وهو تربوي في الأصل ، والفنان القادر مع مجموعة من أبناء المعهد العالي للفنون المسرحية ، كل هؤلاء بقيادة أستاذ التمثيل ورئيس قسم الإخراج . من هنا نجد أن نجاح العمل أمر طبيعي لمثل هؤلاء .

نجوم العمل المسرحي :

شارك في العرض المسرحي عبد الرحمن العقل ومحمد جابر واستقلال أحمد وكاظم القلاف وفتحي القطان وباسم عبد الأمير وخليل فرج وخالد عباس وعبد الله الطرموم وباسم عبد اللطيف ومحمود اللامي وهاني القصار وعبد الوهاب عباس ومعهم 32 طفل وطفلة .

النص المسرحي :

جاء النص من تأليف سيد حافظ الذي قدم العمل من خلال فصلين وعدة مشاهد ، ومن خلال متابعة العمل المسرحي نجد أن الكاتب سلك نمطا جديدا بعيدا عن أسلوب تقديمه لعرض سندريلا السابق الذي قدمه للأطفال ، حيث اعتمد في النص السابق له على شخصيات الحيوانات الأليفة في تقديم قصة سندريلا واشتراكهم في الحوار ، أما هنا فيقدم عملا بعيدا عن توظيف هذه المخلوقات ليسير في ركب نظريات علم النفس الحديثة التي ترفض أسلوب الحيوانات الناطقة عند التعامل مع طفل عصر الإلكترونات . ورغم أسلوبه الجديد هذا إلا أنه استطاع أن يصل إلى مفهوم عرض الطفل ، كما نجد أن النص من ناحية أخرى استطاع من خلال التوظيف الدرامي أن يجعل تصرفات الشاطر حسن مقبولة عند أبناء عصرنا هذا ، نظرا لأن الأسطورة القديمة تحمل بطل القصة أعمالا غير مقبولة عند أطفال التليفزيون .

ومن ناحية أخرى نجد المؤلف قد عمق فكرة حب الوطن بصورة جعلت بعض القضايا الأخرى تأتي وكأنها موجودة لمجرد المساعدة رغم أهميتها في العمل ، مثل قضية رد كيس النقود إلى الأميرة ست الحسن رغم أنه حاول التأكيد عليها بين فترة وأخرى طوال فترة العرض ، وحدث ذلك أيضا مع قضية العدل وتوزيع الأرض على الجنود . وحتى لا نقدم الرأي الواحد نقول : قد يكون المؤلف أراد أن يجعل من قضية الدفاع عن الوطن هي الشاغل الأهم من تواجد القضايا الأخرى .

الأغاني والألحان :

قام بكتابة الأغاني الشاعر عبد الأمير عيسى وألحان غنام الديكان وعبد الله الراشد وتوزيع حسين أمين . وبالاستماع إلى موسيقى وألحان العمل نجد أن هذه الموسيقى تتناسب مع مسرح الطفل حيث جاءت الجمل الموسيقية قريبة إلى إدراكه ، معبرة عن الإيقاعات الخليجية ، خاصة من خلال لحن المقدمة والحرب وأغنية الصيادين . كما حققت أغنية السوق التقارب مع موقف الحدث الدرامي ، ومن ناحية أخرى جاءت كلمات الأغنية مكملة للنص الدرامي .

الديكور :

استطاعت خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية ماجدة سلطان مهندسة الديكور أن تقدم صورة متكاملة لأعمال الديكور المعبر عن مكان الحدث مع بساطة بعيدة عن الإبهار الذي يشتت الطفل ، كما جاءت قطع الديكور سهلة الحركة لتسهيل مهمة التبديل والتعديل مع الحركة الاستعراضية .

الأداء الدرامي :

الملاحظ بصفة عامة أن فريق العمل الدرامي عرف طبيعة المسرح كما عاش كل منهم الحدث الدرامي ، فظهرت لنا خصوصية القصة المسرحية وأحداثها وأفكارها تُظهر كل الممثلين أمام الجمهور دون أن تختفي شخصية لقدرة الأخرى على الإبداع وهذا ينطبق على الشخوص الرئيسية للعمل .









مسرحية الشاطر حسن

بقلم : الدكتور / زيان أحمد الحاج إبراهيم
( أستاذ النحو والصرف المساعد ( كلية البحرين الجامعية ) .

البحرين :
الأنباء 10 سبتمبر 1984


إن الحقيقة التي لا يختلف فيها اثنان ، أن المسرح الكويتي قد خطا خطوات موفقة وناجحة وثابتة ، إذ أن العمل الفني الناجح يعرب عن نفسه دون الاستعانة بأبواق الدعاية . ومرد هذا النجاح كما هو واضح إخلاص القائمين على هذا الفن من جهة ، والدعم الذي يلقونه على المستويين : العام والخاص ، من جهة أخرى .

تعرض هذه الأيام على مسرح عبد العزيز المسعود بكيفان مسرحية " الشاطر حسن " كتابة السيد حافظ ، وإعداد محمد جابر " وإخراج أحمد عبد الحليم ، وتمثيل نخبة من نجوم المسرح في الكويت .

إنني ، وإن لم أكن مختصا في فن المسرح ودراسته ونقده ، إلا أنه استرعاني ولفت نظري بعض الأمور في هذه المسرحية لم يسعني إلا أن أسجل بعضها : تمنيت أن تكون الفصحى هي لغة الشخصيات . الفكرة ليست جديدة في الأدب العربي غير أنها كانت موفقة ومصيبة في إعطاء الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة .

الإخراج ، وإن كان يغلب عليه الطابع التشكيلي فإنه كان لابد منه بهذا الشكل ليناسب الفئة الناعمة المعروض لها بألوانه وتشكيلاته الأخاذة التي تتفق وطبيعة المشاهد ونفسية المشاهد .

إن أهم ما ركزت عليه المسرحية على مدار فصولها الحث على مكارم الأخلاق وتهذيب الناشئة ، وغرس بذور الفضيلة فيها منذ نعومة الأظفار كالصدق والأمانة ، وعمل الخير ، ومد يد العون للمحتاجين والضعفاء ، والشجاعة والتضحية من أجل الذود عن كرامة الديار ، وتعشق الحرية ، وعدم الاستخذاء أمام العدو . وعلى رأس ذلك كله كشف أن السلطان إذا ابتلاه الله بحاشية فاسدة وبطانة سوء ، قادته وقادت الأمة إلى الهاوية ، وإذا كان مخلصا لرعيته صادقا في نيته سدد الله خطاه ، وأدخل السعادة على قلوب الرعية ، وكان له النصيب الأوفى من هذه السعادة .

ومجمل القول : أن هذه المسرحية كانت موفقة في استكمال عناصرها الفنية من حيث: الحدث والشخصية والعرض والموضوع ، والهدف .








مسرحية
الشاطر حسن


بقلم : حسن عبد الهادي
مجلة " صوت الخليج "
13 أيول 1984


يمر المنادون على خشبة المسرح طولا وعرضا ينادون ويعلنون للناس أن الوالي يطلب قميص أسعد سعيد في البلاد ، التي لا يوجد فيها من هو على قدر بسيط من السعادة في واقع الأمر ، إنه " حوار الطرشان " ولكن النفوس دائما تتوق إلى الجوائز ، ومن هنا فإنها تعيش في صراع دائم مع العالم الذي يحاصرها ؛ إنه صراع القيم والمواقف ، والشاطر حسن يعي طبيعة هذا الصراع جيدا ، نراه نائما تحت الشجرة ، يوقظه صديقه مختار ، ويبدآن جولتهما في سوق المدينة ، وهناك يعثر على حافظة نقود ست الحسن الأميرة ، ويلعب لعبته في محاولة منه لإعادة الأمانة إلى صاحبتها ، وفي هذه الأثناء يكون السلطان الحقيقي قد مر بالسوق ليقف على أحوال الرعية ، وتكون ست الحسن أيضا قد رأته جزافا ، وتؤكد على أنه يجب على الحاكم أن ينزل ليرى المحكوم على الطبيعة ، لأن الشعب هو التاج وهو الباقي الخالد في حين أن الأشخاص يأتون ويمضون وهكذا دواليك . وينتهي الفصل الأول بطلب من السلطان بضرورة إحضار شبيهه ليبقى في القصر أثناء تفقده أحوال الرعية .

وفي بداية الفصل الثاني تدخل أم الشاطر حسن باحثة عنه ، فهي لا تدري بأن ولدها قد أصبح قائما بأعمال السلطان " إذا جاز التعبير " ، ويمارس سلطاته بين الناس ، ويثبت أواصر الحب بين طبقات المجتمع من خلال زرع العادات الطيبة بينها ، وخلال ذلك يعين الشاطر حسن صديقه مختار – الذي جاء إلى القصر ليرى صديقه القديم – مساعدا له للشؤون المالية ، ويلتقي حسن بست الحسن ويحاول أن يعطيها الأمانة ، ويجد أنها قد تعلقت به وبخفة دمه ولطفه ، وهنا نرى مشهدا جميلا بين العقل واستقلال أحمد يزيده جمالا خفة دم وقفشات محمد جابر ، ثم يدخل أحدهم ليفوز بالجائزة المالية فيكتشفه الشاطر حسن الذي كان صديقه سابقا ويمنحه قليلا من المال وقوت العيال . وتتطور الأمور ويعود السلطان إلى قصره ويعود الشاطر إلى الشارع ولكن بعد أن عرف أن الشعب يرفض المهادنة على حساب الكرامة ويريد العدل والمساواة تحت راية واحدة .

النص :

يطرح النص أكثر من قضية حياتية هامة ، منها المحبة والتواصل والترابط الاجتماعي ، والصدق في العلاقات الإنسانية ، وحرية الفرد من خلال تحقق حرية القول والفعل لكافة الفئات الاجتماعية ، أضف إلى ذلك رفض الحلول الاستسلامية التي تتنافى وعادات وتقاليد العالم العربي الذي تعود أن يكون رائدا في كل المجالات الحياتية ، حتى وإن احتاج ذلك منه أن يضحي بدمه وحياة بنيه ، وقد أوصل الزميل السيد حافظ هذه المفاهيم إلى الخشبة في ثوب لا يعوزه الأناقة والجمل الجذلى القصيرة التي أعدها العيدروسي الذي نجح ممثلا ومعدا ، فقد عابه الجري وراء النكتة والإضحاك ولكن عذره في ذلك أن الطبع يغلب التطبع !



الإخراج :

لعل أول ما يلفت الانتباه في عرض الشاطر حسن هو البصمات الإخراجية المتمكنة الواضحة لأحمد عبد الحليم ، الذي كان حريصا على خلق إيقاع يساير ويوافق الخلفية الدرامية للنص منذ بدء العرض وحتى نهايته ، مما منح العرض فرصة كبيرة للتأثير على الجمهور وشده إلى العرض حتى النهاية ، وقد سايرت الحركة " الميزانيس " أيضا طبيعة تفكير ومقولات الشخصيات المسرحية ، وإيقاع حياتها الفسولوجي والسيكولوجي " الجسمي والنفسي" إطارا مناسبا للحركة المسرحية ، التي تميزت بالدقة والطاقة الإيحائية الهائلة، حتى أنها في بعض المشاهد جاءت لوحة تشكيلية ، خاصة المشهد الأخير الذي تفجرت فيه عوالمنا الداخلية فرأت الأمل قادما من خلال الإحساس بالواقع الأليم ، ثم بلا شك كانت الطريقة التي اتبعها المخرج وهي " الفاختانكوفية " ملائمة بحيث أن على الممثل أن يلعب دوره وفق مقولة " إذا كنت مكان تلك الشخصية فماذا تفعل ؟ " مبتعدا بذلك عن السقوط في عملية التجسيد الكامل ، أضف إلى هذا أن الممثلين أعطوا أفضل ما لديهم فكانوا كتلة حيوية نشطة ومقنعين إلى حد بعيد .

الديكور :

وقف الديكور الذي صممته ماجدة سلطان بطلا إضافيا في العرض ، فقد اعتمد أسلوب الشرطية الإيجابية ، تاركا بذلك حرية فانتازيا التخيل للجمهور ، وبذلك حقق إضافة درامية وجمالية بحيث لم يفرط بالفراغ الضروري لحركة الممثلين ، فهو بالإضافة إلى شكله الجمالي وحركته الميسورة السهلة على عجلات ، جاء رمزا لواقع الحياة التي يعيشها الشاطر حسن . إنه فهم معاصر لوظيفة الديكور في المسرح الحديث وسمة بارزة من سمات التكامل في العرض المسرحي الذي قدمته فرقة الناس .

الموسيقى :

لعبت الأغنيات والموسيقى دورا فاعلا في توصيل المقولة المسرحية للنظارة ، فقد جسدت كلمات عبد الأمير عيسى وموسيقى حسين أمين الفكرة العامة ، فأضافت كما كبيرا من الحيوية والنشاط إلى المشاهد ، كما أمتعت الرقصات التي صممها العقل وسامى طاحون الأطفال إذ جعلتهم يعيشون الحدث الذي جاء متمثلا لطبيعة العمل في الزمان والمكان ، لكن ثمة بعض الإضافات التي شكلت نتوءات ليس لها علاقة عضوية مع الأصل ، ولولا يقظة المخرج وفطنته للعرض لبدا العرض تعليميا هو في غنى عنه . كما وأن بعض الإضافات الانتقادية في القول أو الحركة لم تكن واجبة .

الممثلون :

عبد الرحمن العقل : أفضل من يمثل للطفل ، حضور وخفة دم وفهم مسرحي كبير .
استقلال احمد : تستفيد كثيرا من خبراتها السابقة وقدراتها الإبداعية واضحة .
محمد جابر : شعلة نشاط وحركة مستمرة وابتسامة لا تنتهي .
هدى حمادة : ممثلة جيدة ودورها أصغر من قدراتها .
الأطفال : الحكم عليهم سابق لأوانه وخاصة وأن هذه هي التجربة الأولى لمعظمهم.

وختاما هذا العرض متميز يخدم مسرح الطفل ويبعد به عن " لعب العيال " الذي مللنا منه .

الشاطر حسن
بقلم : فيصل السعد
الرأي العام
19 سبتمبر 1984

الناقد الحقيقي لابد أن يأخذ بالحسبان بيئة الكاتب ومستوى مجتمعة وثقافة الآخرين التي ينتمي إليها ، إذ لا يمكن أن يظهر كاتب يختلف اختلافا قاتلاً مشجعا على الانتحار عن مجتمعه وبيئته ، وذلك عبر نتاجه الذي ينبع من عالم آخر . السيد حافظ كاتب مسرحية " الشاطر حسن " مهما أبدع فإنه لا يجتاز الدائرة العربية التي تفرش له ولهم ترابهم . إذ أنه ليس رومان رولان أو فراسواز ساغان أو سارتر . ثم أن الأستاذ أحمد عبد الحليم منذ سنوات طويلة وهو يحاضر في مجال المسرح ، وتخرجت من فصوله الدراسية دفعات عديدة من الطلبة الذين أخذوا مكانتهم في عالم المسرح ، ولكنه مرتبط أيضا بمؤلف وخشبة مسرح وممثلين لهم إمكانات معينة ، كما هو مرتبط كذلك بمجتمع عربي .

في الندوة التي عملت بعد العرض الخاص للصحفيين ظهرت بعض الأصوات التي حاولت أن تضع المسرحية على جانب الكتب العالمية التي أقروا بعضها منها مستعملين " الأستذة " غير الشرعية والتي يمكن أن تمر في مجال آخر ليس فيه أستاذ مثل أحمد عبد الحليم .

يتحدث المؤلفون الكبار من خلال عالمهم المسرحي كما يتصورونه هم ، ولو مثلت مسرحياتهم لما استطاع مخرج أن ينفذ ما أراده المؤلف ، ولكن زملائنا حفظوا ما كتبه المؤلف وجاءوا ليسقطوا ما كتبه السيد حافظ . زميلة في إحدى الصحف أرادت أن تحول الأستاذ أحمد عبد الحليم إلي جسر لتعبر عليه كي تشتم المؤلف حيث قالت :

" أنا أشيد بجهود المخرج حيث أنه استطاع أن يخلّص المسرحية من أخطاء عديدة ويظهر العمل بشكل ناجح رغم أخطائه .."

هذا المخرج الجيد عليه أن يرفض العمل المليء بالأخطاء ، ولا يقرب من السيد حافظ إذا كان عمله مليئا بالأخطاء ، وإلا فهو مخرج لا يستحق الالتفات لأنه لا يعرف كيف يختار . شتيمة واحدة ضربت بها المخرج والمؤلف .

متحدثة أخرى أرادت أن تستغل الاجتماع وتذاكر ما قرأته اليوم – على ما أظن – على ما أظن – عن الإضاءة المسرحية متناسية أنها أمام الأستاذ أحمد عبد الحليم ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!!

نحن بحاجة إلى مناقشة قرب هذا العمل أو ذاك أو بعده من الجمهور . هل استطاع هذا العمل بمؤلفه ومخرجه وممثليه أن يقدم شيئاً للأطفال أم لا ؟

ولا شك أن الكاتب لو أوصل للصغار عبر لغتهم ومفاهيمهم ومستوى إدراكهم لما استطعنا أن نحملهم إلى المستويات أو الأفضل والأكثر وعيا .

" الشاطر حسن " مسرحية تستحق الالتفات تأليفاً وإخراجا وتمثيلا والأعمال الجيدة هي وحدها التي تناقش .




المؤلف :

" الشاطر حسن " مسرحية نزفها أكثر من قلم ولكنها اختلفت من قلم إلى آخر حيث أن مؤلفها يتحدث عن المرحلة المعاشة والتي بالتأكيد تختلف بهذا الشكل أو ذاك عن المراحل التي يتناولها الآخرون .

أشار السيد حافظ في مسرحيته إلى أن الحرية لا يمكن أن تمنح بل إنها تُأخذ عُنوة ، وتسترد بأسلوب نضالي معين فيه التصميم والإصرار والتضحية والتذكر . ولست مع الذين اعتبروا هذا العمل فوق مستوى الأطفال ، ومن الأفضل عدم تقديمه بهذا المستوى . أجل لست معهم حيث إننا نطالب الكتاب دائما برفع الجمهور إلى المستوى الأفضل .

وكذلك هم الصغار ، نحن مطالبون بتدريبهم على الجملة الغريبة عن مستواهم التي ترفعهم إلى مستوى من الوعي أفضل مما هم عليه . وهذه ليست دعوة للكتابة لمستوى لا يفهمه الصغار ولكنها دعوة للصغار لفهم أسلوبه الذي أراد أن يمزج بين لغة الشارع ولغتهم . وإنها الفترة التي يجب أن يدرك فيها الطفل ما يحيطه في مجتمعه من أسلوب للناس ، للجيران ، للحاكم ، وعليه أن يوصل إلى ذهنه عبرنا – ما يمكن أن يساعده على النهوض . حقق السيد حافظ في مسرحيته المستوى المطلوب ولكنه نسي ضرورة الموازنة في مسرحيات الأطفال بين كفة الغناء وكفة لغة المسرح حيث أن الكفة الأولى كانت هي الراجحة .

المخرج :

أحمد عبد الحليم أستاذ المعهد العالي للفنون المسرحية إذا أراد أن يبدع طلب من الكاتب أن يأخذ حريته في كتابة السيناريو – وهذا ما طلبه من المؤلف – من أجل أن يوازي المتوفر مع ما في ذهنه من إبداعات أولية . والمتابع لنشاط الأستاذ عبد الحليم يدرك أنه يعتمد اعتمادا كبيرا في إنجاح الحركة المسرحية على الإضاءة ولذلك فهو قادر على الإبداع فيها حيث أنه أعطى لكل عمل لغة من شأنها أن تبث ترجمتها في أذهان الجمهور .

ومن هنا جاء امتلاكنا لشرعية إسقاط رأي إحدى الزميلات في الندوة الأخيرة حيث أنها – ولابد أن تدرك ذلك – قبالة مبدع في الإضاءة .

وما دام الإخراج وسيلة لترجمة المضمون المطروح وتقريبه أكثر إلى الأذهان فإن المخرج ظل ملتزما بجو العالم الذي طرحته المسرحية ، حتى في تغيير الديكور حيث أنه كان يتم بموسيقى منتمية إلى عالم المسرحية .

ولأنه لم يخرج عن العالم العربي الذي طوقه بالنص وخشبة المسرح والممثلين فلم يستطع أن يطلع علينا بجديد في هذه المسرحية . ولكننا نحسه أبدع في تكرار ذاته ، وأضاف قليلا من الإبداعات التي يمتلئ بها ذهنه على " الشاطر حسن " . أحمد عبد الحليم مخرج تشعر بأنه أكثر إبداعا في النصوص الأجنبية غير المكررة لأنها تنبع من عوامل مختلفة .

الممثلون :

رغم أنهم مارسوا مراوحة مسرحية كويتية إلا أنهم أجادوا عملهم بشكل يدفع الآخرين على التفاؤل . ولكن علينا أن نفهم تصفيق الآخرين بشكله الصحيح الذي يدفعنا إلى التواضع والالتزام الأشد . ولا اعتقد أن خروج عبد الرحمن العقل – الأمير – يوم أن قام بدور الشاطر حسن كان في صالح المسرحية . كان يمثل مشهداً تراجيدياً لا علاقة له بالكوميديا حين جاءته أم الطفل المريض والتي اعتقدت أن الأمير هو الشاطر حسن ، لذلك طلبت منه أخذ ولدها إلى الطبيب . نطقت الأم كلمة " بيت " باللهجة العراقية . واعتقد أنها أدت هذه الحركة بتوصية من العقل حيث أن المخرج لا يعرف أصلا أن هذه لهجة عراقية ، قام الأمير متناسيا غربته بين الناس ومرضه ، مكرر كلمة " بيت " لإضحاك الآخرين الذين يفترض فيهم البكاء من خلال المشهد التراجيدي .

ثم أن " خفته " اللا أميرية التي هي كفيلة للانتقال من جوّه الحاضر إلى جو المسرحية حيث أنا اعتدنا في الكويت أن نضحك أثناء صراخه وقيامه بحركات سريعة سواء في المشي أو الأكل أو الحديث . في هذه المسرحة تجده يؤدي دورا حفظه بروحية كويتية
أما استقلال أحمد وهدى حمادة وكاظم القلاف وعبد الناصر درويش والآخرون فقد استطاعوا أن يكونوا عوامل مساعدة وهامة في إنجاح العمل .

الموسيقى :

عرفنا غنام الديكان مبدعا موسيقيا قادرا على الإتيان بما يداعب أذهان الآخرين ويجعلهم يتفاعلون مع لغة الموسيقى . وفعلا استطاع أن يعطي في هذه المسرحية خمسة ألحان خلقت بعض الجو الضروري لجمهور المسرحية ، حيث أن بعضها الآخر من ألحان عبد الله الراشد وقد أبدع أيضاً . كانا متساويين في مستوى الألحان بدليل أن المشاهد لا يستطيع أن يضع حدا بين ألحان الديكان والراشد .

خاتمة :

الكاتب يضع في ذهنه عاملا مسرحيا وبعد رسمه على الورقة يحاول المخرج أن يرسم عالما تقريبياً لعالم الورقة مستعينا بممثليه وقدراته المسرحية في وضع الديكور والإنارة والموسيقى والصوت .
وعندما نقول " تقريبياً " يعني أنه لا يمكن أن يصل إلى رسم العالم الذي على الورقة ، حيث أن هذا يمثل استحالة تلغي تفكير المخرج وإبداعه . من هنا نقول أن المخرج أحمد عبد الحليم استطاع أن يمزج بين عالم السيد حافظ وعالمه ليخرج علينا عالم مواز للعالمين شد الأذهان في المتابعة إليه وأجبر الأكف على التصفيق .

الشاطر حسن
بقلم الدكتور محمد مبارك الصوري
جريدة الوطن
22 سبتمبر 1984 م
الحديث عن مسرحية ( الشاطر حسن ) بالنقد والتحليل والتفسير ، يدفع المستوى الفني الذي ظهرت عليه إلى الاتجاه نحو مناقشة الإطار الفني الاستعراضي دون الفكرة ، أو ( الحدوتة ) والبناء الدرامي فيها . ذلك لأن المسرحية تقوم في تركيبة فعلها الدرامي على شخصية تاريخية موروثة من أساطير الخرافة والحكاية في القصص العربي ، فالموروث الشعبي ملك للجميع وشخصية الشطار – ومنهم حسن – من الشخصيات الخيالية التي تعرفها (الحواديت ) العربية ، فهي محددة الإطار والفعل ، لم يبق أمام من يتناولها إلا تحويلها من شخصية تاريخية موروثة إلى شخصية متفاعلة لها أبعاد خاصة .
وحقيقة إن البناء الدرامي في المسرحية وفي عناصر الغربة ، لكن مؤلفها (السيد حافظ ) ومعدها ( لهجة ) ( محمد جابر ) لم يستطيعا تجاوزها عن الواقع الموروث ، وهذا ليس عيباً فنياً خاصا وإنما هو صفة فنية عامة تلتصق – غالباً – مع المادة القادمة من التراث. حيث إن عنصر ( السردية ) يلتصق بالمادة الشعبية الموروثة بشكل طبيعي متمايز ، ويصطدم مع عنصر ( التشويق) دائماً عند صياغة الشكل الدرامي خاصة المسرحي – منها – فيعيش ( السرد ) حالة قتالية مع عنصر ( التشويق ) الفني ، فيتولد عن هذا الصراع (الإطالة) و (التطويل ) الذي قد يمتد إلى التكرار وخلق رتابة في ( رتم ) والإيقاع العام للحوادث والمشاهد والفصول المسرحية ، مع وجود بعض الألفاظ ذات المفارقة الدرامية الضاحكة – التي فاقت فهم الطفل .
وعلى مستوى فني آخر هناك اتجاهات عدة حول مفهوم المسرح وحقيقة العرض المسرحي والتفرقة ما بين المسرحة والنص المسرحي ، فهناك وجهة نظر تقول أن المسرح شعر ويجب أن تسوده اللغة الشعرية كما كان في بداياته اليونانية ، وأنه لابد أن يخضع الفعل الدرامي لهذه اللغة ، وآخرون يرون أن المسرح قبل أن يكون شعرا أو نثرا في لغته فهو فكر ، وأنه في سبيل إقامة المتعة الذهنية ، على الفكرة الدرامية أن تحفظ خلال النص المسرحي دون أن تغادره إلى الخشبة وأجواء العرض الفني ، وذلك خشية على الفكرة الدرامية أن تحفظ خلال النص المسرحي دون أن تغادره إلى الخشبة ، وأجواء العرض الفني ، وذلك خشية على الفكرة من الضياع عند طغيان " البهارات الفنية " وتسلطها مما قد يكون سببا في موت الفكرة وقتلها .
والذين يرون أن المسرح فرجة أولا وأخيرا يجعلون من تسلط الأدوات الفنية عند الإخراج ميزة وليست سبة ، فقد تكون الفكرة المسرحية ضعيفة الحال أو مستهلكة وتقليدية ، وبالتالي القوة الفنية والفعل الاستعراضي ببهاراته الفنية سيساعد على نهوض النص وفكرته ، بل إنه من الضرورة بمكان تفوّق العرض المسرحي على النص الأدبي ، لكي تتحقق الرؤية الإخراجية كمستوى آخر من مستويات العمل المسرحي الذي يبدأ بالكلمة المكتوبة ثم بالحركة المتميزة إلى الرؤية الشمولية التي يقدمها الممثل بانتشار حركته ضمن فعاليات الكلمة المكتوبة ومتطلبات شمولية الرؤية .
هذا الكلام النظري يلتصق بالمثال المسرحي الذي نحن بصدده ، فالشاطر حسن عند مناقشة فكرته الدرامية يجب علينا التوجه أولاً إلى النص المسرحي وبالتالي نحكم على قدرة المؤلف في " مسرحيته " لهذه الشخصية الموروثة وإضافاته إليها . ولكن أمام هذا الظرف الذي نحن فيه لا نستطع الحكم باطمئنان تام إلا اعتمادا على ما شاهدناه من قوة الإخراج ، ومحاولة الرفع من فكرة النص التقليدية التي لم تجاوز – عرضا – ذلك الخط الموروث عن الشاطر حسن وشخصيته الطيبة التي تحب الآخرين وتسعى لمساعدتهم ، ووجوده كمنقذ المطحونين ، ثم وجوده أخيرا كبديل عن السلطان في دارة الحكم وتخليص المظلومين من إشاعة جو الحرية بين الناس . فكان لابد أن نتبادل القوة مع الفعل الموقع ، فيلتمس السلطان كقوة الحياة في الشارع وما يسودها من ديكتاتورية ، لتأتي فعاليات الشاطر وهو في السلطة لتوصيل مفهوم الحرية إلى السلطات ومفهوم العدل من القصر إلى الشارع !
من هنا نكون أمام أسطورية شخصية ( النائم اليقظان ) ( حسن المغفل ) التي قدمها بعمق ( سعد الله ونوس ) في ( الملك هو الملك ) وجاء بها ( حسن يعقوب العلي ) . هنا في الكويت – في مسرحية ( الثالث ) وقد سبقها ( مارون النقاش ) في ( حسن المغفل وهارون الرشيد ) بتاريخه قصد منها ( التمجيد ) دون التحليل والتفسير العميقين.وفي ( الشاطر حسن ) جاءت هذه الشخصية بصياغة فنية متواضعة خفيفة ، عذرها إنها كتبت للطفل ومسرحه ، فكان على أحدهما أن يتواضع للآخر وينزل إلى مستواه ، فارتاح المؤلف أخيراً إلى إن ينزل من ( الحدوته التاريخية ) هذه من مستواها التاريخي وحدتها السياسية ومغزاها الاجتماعي إلى مستوى فهم الأطفال و ادراكاتهم .
أما الإخراج فقد رفض أن يعيش أمام هذا المستوى بتبريراته السابقة ، فمندوب بلد ( الحوت ) - وهو رمز لإسرائيل - ومقابلته للشاطر حسن وهو سلطان بقصد التفاوض حول مستقبل ( جزيرة الأمل ) – التي ترمز إلى فلسطين – كل هذا كان ( المَخْرج ) بفتح الميم وسكون الخاء – الوحيد والجيد ، والاتجاه العملي المناسب لكي يلعب ( الإخراج ) لعبته . فمزج الإخراج هذه الرؤية السياسية بمفهوم إنساني عميق ، فالإنسان هو الإنسان ، أكثر من إن ( الملك هو الملك ) فالملك قبل إن ( يتسلطن ) إنسان ، لذلك خرج إلى السوق ، إلى العامة ، ناشدا الإنسانية والشاطر المسحوق دخل القصر ناشدا العدل لا السلطة والجاه ، وبهذا تحققت المعادلة الديمقراطية الإنسانية ، وهذه النقطة الجوهرية – إلى قد تكون قد غابت عن التأليف – هي صيد المخرج أحمد عبد الحليم الثمين الذي أستغل حركاته وتفسيراته من خلالها ، فجاءت رؤية الإخراج بتفسير جيد وقف كأعلى مستوى فني ناضج وناجح في هذا العمل .
والتمثيل في هذه المسرحية – قيادة : عبد الرحمن العقل ومحمد جابر ، قد أضاف إليهما الشيء الكثير قبل أن يضيفا هما إلى العمل أية إضافة جديدة ، فقد خدمهما الدور أكثر مما خدما الدور خاصة ( العقل ) في دوريه المتناقضين ، من إنسان مسحوق إلى ملك محظوظ ، ولو أنه لم يتخلص من ( شطارته ) وهو في قصر مملكته . وأعطت ( استقلال أحمد ) ما يؤكد إنها الوجه الأكثر براءة وفهما لمسرح الطفل خاصة في أغنية ( ما بين الجدران الأربعة ) وهي مسجونة في القصر ، مع فعاليات هدى حمادة وكاظم القلاف .
وحتى تتعانق الخشبة مع الصالة جاء الغناء الجماعي والتمثيل من داخل الصالة وإليها وكان من أقوى المبررات الفنية لكسر حائط الوهم أو الإيهام كما يحلو للبعض تسميته ، وبذلك جاءت الخشبة امتدادا لأرض الواقع كما هي بداية لحوادث العرض المسرحي مما يجعلنا نصفق لهذا المستوى من الفهم .

وكانت المجاميع الغنائية من أمتع الجسور ، التي سوت بين الخشبة والصالة ، إلا إن فكرة الحق التي تنتهي بها تلك المجاميع الغنائية جاءت محمولة ومنتهية عندها أكثر من حمل الأبطال المسرحية لها ولذلك طرب الجميع للجملة الموسيقية أكثر من طربهم للجملة الفكرية ، خاصة وإن عبد الأمير عيسي قد وفق في كلماته الغنائية بألحان عبد الله الراشد وتوزيعات حسين أمين الموسيقية ، وإيقاعات غنام الديكان المبدعة والذكية خاصة في أغاني الختام وبالأخص أغنية ( قال الشارع ) مع إبداعات ( العقل ) بتصميماته الراقصة ذات البهجة . وبذلك استغل الإخراج أغلب الفعاليات الفنية الناجحة كديكور المسرحية الشفاف التجريدي الذي ساعد على أن يظهر أسلوب المسرح داخل المسرح ، يسوده ذوق مصممته ( ماجدة سلطان ) بما ينم عن حس فني جمالي ، كما وقفت الإضاءة بتمايز فعال في رسم الحدود الزمنية والمكانية وكذلك كانت فعاليات الصوت ، والموسيقى التصويرية في قدرتها على التعبير .

وعلى الرغم من أن فواصل الغناء الموسيقية وخواتمها كانت توحي أحيانا بخاتمة العمل المسرحي ككل ، ووجود التكرار والإطالة احتاجت المسرحية بدلا منه إلى شيء من التركيز والاختصار حتى لا يتسع ثوبها الفني الفضفاض عند حدود الحكاية والمعالجة الرئيسية في المسرحية ، فأتت بصورة سابقة لأوانها ، برغم من ذلك كله فإن مسرحية ( الشاطر حسن) كعرض مسرحي كان جيدا في مستواه العام ، حقق الإخراج فيه – مع مجاميعه الغنائية – فرصة التصاق الصالة بالخشبة ومعانقتها ومعايشتها ، مع أنها صور غنائية عرفتها عروض مسرحية سابقة في مسرح الطفل ، ومع ذلك فقد عاش الحضور حقيقة مع عمل حقق مسرح الفرجة للكبار ونواحي البهجة للصغار بشطارته في الإخراج والتلحين .


















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق