الخميس، 2 أبريل 2009

توظيف التراث في مسرح السيد حافظ


توظيف التراث في مسرح السيد حافظ

بقلم: ليلى بن عائشة


إذا حاولنا التخصيص والتوغل أكثر فيما عمد الكاتب إلى استخدامه في نصوصه الدرامية وتوظيفه من تراث ليضفي عليها الكثير. فيمكن أن نحصر التراث الموظف لديه في النقاط التالية:
1- توظيف القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف .
2- استخدام مواضيع وشخصيات تراثية أو تاريخية كأساس لنصوصه المسرحية.
3- توظيف الأمثال الشعبية.
1/ توظيف القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف:
لقد أفاد "السيد حافظ" كثيرا من المقدس المتمثل في القرآن الكريم، كما أفاد أيضا من حديث سيد الخلق"محمـد" عليه أفضل الصلاة والتسليم، ونسوق شواهد على ذلك ، كقول "الـمرأة 4 " في مسرحـية ) تعثر الفارغات في درب الحقيقة. بحث !! ( : « المسجد دون مصلين..إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهلاّ أنتم منتهون »(1).وقول "فارس1" في مسرحية ) خطوة الفرسان في عصر اللاّجدوى كلمة(:« وقرأت ألم ..هذا الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين »(2).وقول "فارس 2 " في نفس المسرحية « لا..أريد طفلي أن يتنازل لحظة أو يتهاون أو يضعف، أريده أن يصعد ويقاوم حتى يسقط اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا »(3).وهي الآية رقم 3 من سورة المائدة.كما يقول الكاتب على لسان" المصلوب" في مسرحية ) طفل وقوقع وقزح ( « ربنا بيقول وجادلهم بالتي هي أحسن..يعني قال وجادلهم ما قالش وأخرسهم وأحبسهم واسجنهم واقتلهم واشنقهم »(4).وهي الآية رقم 125 من سورة النحل ، ومن مسرحية ) خطوة الفرسان في عصر اللاجدوى كلمة ( نسوق هذه الأمثلة، قول "فارس1" « وكل شيء بشيء وقل الحمد لله الذي لم يتخذ وليا ولم يكن له شريك في الملك »(5) وهي الآية111 من سورة الإسراء ، وقول نفس الشخصية : « فلنتظر الفارس المخلّص..ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا »(6)،وهي الآية 110 من نفس السورة ،وقول"فارس2":« سيقطعون يده..أو يرسلونه في بعثة لمجزرة بشرية إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى »(7).وهي الآية 13 من سورة الكهف ،أما في مسرحية ) حدث كماحدث ولكن
1- تعثر الفارغات في درب الحقيقة..بحث !! : السيد حافظ. ضمن الأشجار تنحني أحيانا.ص.
2- خطوة الفرسان في عصر اللاجدوى كلمة: السيد حافظ. ضمن المصدر السابق ذكره.ص.189.
3- م.ن.ص.197.
4- طفل وقوقع وقزح: السيد حافظ.ضمن المصدر السابق ذكره.ص.81.
5- خطوة الفرسان في عصر اللاجدوى كلمة: السيد حافظ .ص.191.
6- م.ن.ص.192.
7- م.ن.ص.193.
ولكن لم يحدث أي حدث (فيوظف الآية رقم 26من سورة الرحمان ، وتأتي على لسان "عرفات" وذلك أثناء اشتداد الغارة، يقول "السيد حافظ" :« عرفات : ... وحدوه ياجدعان .
الجميع : لا إله إلا الله .
عرفات : كل من عليها فان .. »(1). أما في مسرحية ) محبوبتي محبوبتي قمر الخصوبة شرنقة في حبنا ميلاد صعودا( فيحشد مجموعة من الآيات ومن سور مختلفة على لسان شخصياته ،إذ يقول :
« الفارس : نون والقلم وما يسطرون .
الفتاة : ويل لكل همزة لمزة .
الشايب : كلا والقمر والليل إذا أدبر والصبح إذا أسفر .
الفتاة : إنها لإحدى الكبر
الشايب : إذا السماء كشطت ..وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت.
الفتاة : إذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر »(2) .
فالآية الأولى هي الآية رقم 1 من سورة )القلم( ،أما الآية الثانية فهي الآية رقم1 من سورة )الهمزة( ، أما الآية الثالثة والتي وردت على لسان "الشايب" فهي الآيات رقم34,33,32 من سورة المدثر، أما الآية الرابعة فهي الآية رقم35 من نفس السورة, أما الآية الخامسة فهي الآية رقم 13.12.11 من سورة التكوير ، و لكننا لا نجد تفسيرا في الكثير من الأحيان لهذا التوظيف. ونضيف هنا ما ورد على لسان شخصية "الأمير" في مسرحية حبيبتي أميرة السينما إذ وظف الكاتب الآية رقم23 من سورة)مريم(« وكنت نسيا منسيا »(3) .وقول "حنفي" في مسرحية حبيبتي أنا مسافر والقطار أنت والرحلة الإنسان« دثريني .. دثريني »(4) .وقول أبطال ذات المسرحية: « مجيدة: أقسم بالشفق.
أزهار : والقمر إذا غسق.
عائشة : واليوم الموعود .
هدى : وشاهد ومشهود.
الجميع: والنار ذات الوقود »(5).
أما في مسرحية) ظهور واختفاء أبوذر الغفاري ( يوظف الحديث النبوي الشريف على لسان شخصياته من مثل قوله :« ابن مسعـود : ) أمام جثمان أبي ذر الغفـاري( صدق رسول الله تمشي وحدك
1- حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث:أوزوريس.ص.28.
2- محبوبتي محبوبتي قمر الخصوبة شرنقة في حبنا ميلاد صعودا : السيد حافظ.ضمن الأشجار تنحني أحيانا: السيد حافظ.ص.211 .
3- حبيبتي أميرة السينما: السيد حافظ. مركز الوطن العربي 1982 .ص.202.
4- حبيبتي أنا مسافر والقطار أنت والرحلة الإنسان:السيد حافظ.ص.71.
5- م.ن.ص.38.
وتموت وحدك وتبعث وحدك .. »(1) .ونفس الحديث يكرره الكورس مع إضافات تفيد النص وتزيد المعنى قوة « الكورس: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وتموت غريبا يا حبيب الله يا حبيب رسول الله يا حبيب الحق يا عدو الحكام والأمراء يا حبيب الفقراء »(2) .
2/ توظيف مواضيع وشخصيات تاريخية أو تراثية :
لقد لجأ "السيد حافظ" إلى التراث واستغله كمادة أساسية في بناء العديد من مسرحياته شأنه في ذلك شأن العديد من الكتاب. إلاّ أنه يختلف عن الكثيرين منهم في أن عودته أو لجوءه إلى التراث كان لجوءا فيه الكثير من الحنكة والحكمة في الاستفادة، إذ لا يعمد إلى الإغتراف من التراث بطريقة جامدة كما هو معهود لدى العديد من الكتاب، بل إنه كان يستثمره، ويعطيه من روح عصره بشكل عقلاني ومنطقي يخدم أفكـاره
التي يود أن ينقلها إلى المتلقي. ونجد أن للكاتب عددا لا بأس به من الأعمال المسرحية التي تندرج ضمن هذا الإطار كمسرحية )ظهور واختفاء أبو ذر الغفاري( التي قال عنها "أحمد عبد الحليم":«مسرحية أبو ذر الغفاري نابضة بعبق التاريخ ومكسوة بروح العصر أحداثها هي حاضرنا، ومحرك الأحداث مزج من الماضي والحاضر كما أنها تجربة درامية مثيرة...لما تميزت به من سخونة في شخصياتها وجرأة أفكارها في شكل مسرحي ملحمـي ، استطاع المؤلف من خلالها أن يؤكد ذاته العربية الفنية لاستخدامه تراثنا العربي استخداما محكما في إطار البحث عن مسرح عربي متميز»(3
لقد حاول "السيد حافظ" من خلال هذه المسرحية قراءة الماضي بعيون الحاضر أو بالأحرى استقراء الحاضر بشخصية من الماضي. ويسعى الكاتب في الكثير من مسرحياته إلى إضاءة الحاضر انطلاقا من الماضي. وفي المسرحية السالف ذكرها نجده يستقي معلوماتها من تاريخنا متخذا من نموذج "أبي ذر الغفاري" ذلك الصحابي الجليل أساسا لتجسيد رؤيته الفكرية، وإدانة أساليب القمع والقهر والإستبداد عبر هذه الشخصية التاريخية التي عانت الكثير، ومع ذلك ظل صاحبها متمسكا بمبادئه وقد استغل الكاتب أبعاد هذه الشخصية حسب ظروف لم يرض أن يقيدها بزمان أو مكان وذلك لكي يسقطها على كل واقع يعاني مرارة الظلم والعسف والإستبداد.
إن التراث العربي والإنساني عموما مثّل بالنسبة "للسيد حافظ" منظومة مرجعية استلهم منها الكثير وذلك قصد تجديد الخطاب المسرحي، ومن ثمة تأصيل المسرح العربي وخلق صيغة جمالية إبداعية جديدة تنظّر لقالب مسرحي مستقبلي، وذلك عن طريق تطويع التراث وكذا تربية الذوق الفني لدى المتلقي،لذا فإننا كلما سلّطنا الضوء على عمل مسرحي "للسيد حافظ" وجدناه يحمّل النص ، من خلال المعطـى التراثي، مدلولات
1- ظهور واختفاء أبوذر الغفاري:السيد حافظ ومحمد يوسف.ص.28 .
2- م.ن.ص.ن- 3تجربة مسرحية مكثفة فوق واقع يغلي بالتناقض والهزائم(: سميرة أوبلهى.مجلة المواقف (المغربية)ع.670. 9نوفمبر 1984 .ص.23.
وظيفية ورسالات فكرية وسياسية واجتماعية وإنسانية؛ أي يحاول أثناء توظيفه فعلا آنيا ممتلئا بروح العصر أو الحاضر وذلك بإعادة صياغته في شكل آخر. ومن هنا فإن "السيد حافظ"لا يتعامل مع التراث«..كمادة خام تنتمي إلى الماضي الذي انتهت وظيفته وإنما (يتعامل) معه كمواقف وكحركة مستمرة في تطوير التاريخ وتغييره»(1) على حد قول "مصطفى رمضاني" . ونموذج آخر اعتمد فيه الكاتب على التراث وهو العمل المسرحي )حكاية الفلاح عبد المطيع( الذي يطرح فيه قضية العلاقة بين الحاكم والمحكوم المبنية على الإستبداد والقهر من قبل الطرف الأول، إلى جانب قضايا وإشكاليات أخرى يحمّلها الكاتب لبنية النص، وهي قضايا وإن اقتطعت من فترة زمنية محددة هي العصر المملوكي، فهذا لم يمنعها من أن تدل على ذاتها في الساحة العربية حاليا، إذ لا تزال مطروحة؛ فالكاتب إلى جانب فضحه لأسلوب السلطة الديكتاتورية، يناقش قضية الديمقراطية ويحاول فك رموز هذه التجربة عبر مناقشة لأسلوب هذه الثنائية الضدية )الديكتاتورية/الديمقراطية. ومن هنا فإن "السيد حافظ"استطاع عبر هذا الإبداع المسرحي أن ينقل رؤيته الخاصة لمجموعة من القضايا التي تؤرقه، منطلقا من الزمن الماضي لتتدفق هذه الرؤية في سيل الحاضر والمستقبل حتى في المسرحيات الإستعراضية التي بنيت فكرتها الرئيسية على أحداث تاريخية كمسرحية)حلاوة زمان أو عاشق القاهرة الحاكم بأمر الله( أين نجد له رؤية خاصة في قراءة التاريخ؛ ففي هذه المسرحية حاول الكاتب إعادة الإعتبار إلى سيرة"الحاكم بأمر الله" التي كان يرى أنها مشوّهة في التاريخ ، رغم أنه أقام العـدل ومجّد العمل وانتصر للإيمان وقدس الفضيلة... ثم قتل. وكان الكاتب يرى في اغتياله اغتيالا للعدل والحرية في مصر.
أما مسرحية )عبد الله النديم( فقد أبدع في كتابتها وكان يرى في زمانه زمنه الرديء، لذلك فهو يعكس صورة الحاضر من خلال زمن "عبد الله النديم" الذي وصفه بالرداءة في مقدمة مسرحيته« لأنك يا عم عبد الله مصباح المشهور بالنديم فارس عنيد وصعلوك نبيل. كتبت عنك هذه المسرحية التي أحاول فيها أن أدق الأجراس في عالم بدون آذان إليك تحية وقبلة على جبين تاريخك. إلى زماننا وزمنك الرديء»(2).
نفس الخط يسير عليه الكاتب في الكوميديا الغنائية الاستعراضية )قراقوش والأراجوز(، إذ أنه يصدر في كل عمل مسرحي له عن رؤية خاصة، فهو لا يعمد إلى كتابة أي مسرحية، حتى وإن كانت تاريخية المضمون، إلى مجرد النسخ أو محاولة لزيادة رصيد أعماله المسرحية، بل إنه يبني أعماله الدرامية دائما على أسس فكرية عميقة، حتى وإن كانت معتمدة على مادة جاهزة فيبلورها في فكره وذاته ويضفي عليها الكثير من أفكاره الجديدة قبل أن تخرج في شكلها الأخير إلى الملتقي أو المتفرج.
ففيما يخص هذه المسرحية نلمس قول الكاتب في بدايتها« أيها السادة أعلم أنكم تقولون أن القاراقوز ظهر في مصر في عصر العثمانيين وإنني أراه قد ظهر في مصر في عهد الفاطميـين عندما واجهت إمرأة الحاكم
1- القصص الشعبي في ألف ليلة و ليلة في مسرح الطفل بالكويت:فاطمة حاجي. ص.60 .
2- عبد الله نديم : السيد حافظ .ص.
بأمر الله طيب الله ثراه وكتبت له تشكوه وتدعو عليه وقدمت الورقة بيد القراقوز... لذلك أرى أن هناك علاقة قديمة بين القراقوز والشعب المصري ... وأعتقد أن خيال الظل كان أيضا موجودا ولا داعي للحوار فيما كان سيكون ...»(1).ولا شك أن هذه التصريحات تؤكد بأن الكاتب لا يصدر في أعماله إلا عن قناعات ورؤى خاصة يلجأ إلى تجسيدها من خلال تجاربه المسرحية.
كما أن العديد من أعماله لا تخلو من توظيف التراث بما يـخدم الفكرة الرئيسية وحتى الأفكار الثانوية التي يطرحها العمل المسرحي الواحد.
ويمكننا أن نقول في نهاية المطاف، إن كاتبا "كالسيد حافظ" -حسب ما لاحظناه- له من الدقة والوضوح في المنهج والرؤية، ما يجعله لا يلجأ أبدا إلى توظيف التراث في أعماله هكذا دون أن تكون له جملة من الأهداف التي يتوخاها من خلال هذا التوظيف، ويأتي على رأسها الإمتزاج المقصود بين الأصالة والمعاصرة بما يضمن الحصول على شهادة جريئة على عصرنا، فالكاتب ينتهج سياسة عصرنة التراث عصرنة تخدم مواقف
أبطال مسرحياته وتسهم إلى حد كبير في تجسيد أفكارهم التي هي أساسا أفكاره، وذلك انطلاقا من اقتناعه بما يعانيه إنسان هذا العصر المسجون والمحاصر في الزمان والمكان. وفي ظل آلاف المتناقضات التي يموج بها ذات العصر، وجد الكاتب -باعتباره فنانا ومفكرا- أنه لا مناص له من الإحتماء بالتراث العربي وكذا الإنساني للكشف عن الكثير من السلبيات، وليس ذلك نوعا من الهروب كما قد يعتقد البعض، إذ يقول: « مرحلة اللجوء إلى التراث .. ليس بمهرب من سلطة الرقابة ولكنني أعتقد أنه إيقاظ لـروح الأمة ومحـاولة إعادة إمكانية تأصيل الإبداع فيها وترتيب أوراقها لصياغة العقلية العربية والفكر العربي نحو فكر قادر على مواجهة الغزو الفكري...»(2).
إن التراث بالنسبة لهذا الكاتب وثيقة مهمة، لها من الأبعاد مالها إذا ما أحسن استغلالها. وهذا ما حدث معه بالفعل، بيد أنه عن طريقها يتقمص دور المبصّر الباحث عن معنى الإنسان في عصر ضاع فيه معنى الإنسان عبر ثوب التراث الذي يعد حقا من الأدلجة الجيدة التي تم الولوج من خلالها ولا يزال لتحقيق صيغة مسرح عربي أصيل، دون أن ننسى بأن الكاتب قد وظف التراث في مسرح الصغار والكبار على حد سواء واستمد الكثير من جوانبه المشرقة في كليهما ليضيء عصرنا، وليعلّم الأطفال الكثير عبر مسرحياته من أمثال، "عنترة بن شداد"، "أبو زيد الهلالي"، "سندريلا" )تراث إنساني( "علي بابا" )من حكايا ألف ليلة وليلة( و"الشاطر حسن" ) تراث شعبي(... وغيرها. هذا فيما يخص المواضيع عموما، والشخصيات التي استفاد "السيد حافظ" وأفاد منها في مسرحه وكتاباته، من خلال توظيفه لها.
1- قراقوز والأراجوز: السيد حافظ .ص. 3. )مسرحية غير منشورة(.
2-تجربة مكثفة فوق واقع يغلي بالتناقض والهزائم:سميرة أوبلهى.مجلة المواقف المغربية.ع.670.9نوفمبر1984.ص
.2/ توظيف الأمثال الشعبية :
يلجأ "السيد حافظ" إلى توظيف الأمثال الشعبية في نصوصه المسرحية، وذلك لتقوية المعنى أكثر، وكذا لإعطاء طابع اجتماعي وواقعي لأعماله، ففي مسرحية علمونا أن نموت تعلمنا أن نحيا( يحشد الكاتب مجموعة من الأمثال الشعبية على لسان شخصية "سجين 2" ليبيّن مدى استسلام الأفراد الذين هم من نوعه إلى بعض القيم التي لاتخدم الفرد ولا المجتمع في شيء، ويسميها لوائح الحرص، ونجد بالمقابل "سجين 1" يصرّح بأن كل ما بداخل "سجين 2" مسجون ضمن لوائح.
« سجين 2: اللّوايح حتمنعنا.
سجين 1: كل حاجة فيك مسجونة في لوايح.
سجين 2: لوايح الحرص الجري نص الجدعنة، الجبن سيد الأخلاق، وعيش جـبان تموت مستور، والمية ما تجريش في العالي »(1) .فالملاحظ أن الأمثال المذكورة على لسان "سجين 2" )الجري نص الجدعنة(، )الجبن سيد الأخلاق(، )عيش جبان تموت مستور( ، )المية ما تجريش في العالي( كلها أمثال تدعوا إلى الاستكانة إلى الذل والمهانة عن طريق الجبن ، وغيرها من الأخلاق السيئة التي تحول دون حـركة التغيير،
طالما أنها قابعة في ذوات الأفراد.
وإذا كانت الأمثال التي وردت ضمن مسرحية )علمونا أن نموت وتعلمنا أن نحيا( لها دور التعرية لواقع متردي، فإن الأمثال الموظفة في مسرحية )حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث( عبارة عن تعليق على بعض الوقائع والمواقف لا أكثر ولا أقل،ومن بينها« المكتوب على الجبين لازم تشوفوا العين »(2)، فقد جاء هذا المثل على لسان شخصية "عرفات" تعليقا على المعلم "ذكـي" الذي يود الزواج من "شربـات"- التي تحب سعيد- وقد جعل يحدّث نفسه ويمنّيها بما سيكون إن تحقق مـراده ونـال غـرضه،« ذكي:...ندرن علي يا أبو العباس لا جمعلك كل الناس الغلبانين والعريانين والجعانين ولا أقولك .. الغلبانين بس والا لأ ..أقولك الجعانين بس ما انت عارف إن ربنا قابل لا يحب المبذرين لأن المبذرين إخوان الشياطين ..وح أكلهم حتت فته تاكل صوابعك وراها ياعبس .. »(3). وفي نفس المسرحية نصادف هذا المثل « بطلوا ده واسمعو ده »(4) وقد جاء على لسان "عرفات" تعليقا على الموقف الذي تعرض له من قبل "أبو سعيد" ،حينما حاول هذا الأخير صده عن معاكسة "شربات" .وللتوضيح أكثر نسوق هذا الحوار.
« ذكي : والنبي طعم .
شربات : يادمك ..ماتتلم ياراجل وتشوفلك شغلانة غيري .
1- علمونا أن نموت وتعلمنا أن نحيا:السيد حافظ.ص.ص.123/122.
2- حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث:أوزوريس.ص. 38.
3- م.ن.ص.ن.
4- م.ن.ص.31.
ذكي : والنبي ما ليه غيرك ياجميل .
شربات : جرة لك إيه يا معلم ذكي .. ما تروّق أمّال .. انت استغليتها فرصة ولاّ إيه .
أبو سعيد : ) يقترب منها وكأنه .. يبدو أنه كان يراقب الموقف ( جرى إيه يا بنتي يا شربات فيه إيه ؟.
شربات : ولا حاجة يا عمي أبو سعيد .
ذكي : حلوة دي وانت مالك بقى !....
عم ابراهيم : يا خلق مش كده .. يا جماعة مش كده ..احنا في إيه ولا إيه ....
ذكي : شوف بقى يا سيدي .. بطلوا ده واسمعوا ده ...
أبو سعيد : )لعرفات(راجل قليل الأدب ) يقصد ذكي( مستغل الغارة والظلمة وعمّال .. »(1). ويستعمل هذا المثل عموما، للتعليق على شيء في غاية الغرابة. وهو مقتطف في الحقيقة من أغنية شعبية مصرية تقول ) بطلوا داه واسمعوا ده يا ما نشوف ويا ما، الغراب يا وقعة سودة زوّجوه أحلى يمامة (، والأغنية في حدّ ذاتها تعليق على حدث غريب وهو زواج غراب من يمامة جميلة.لذلك يستغل هذا المقطع الأول دائما للتعليق على مثل هذه المواقف، فأصبح مثلا شائعا في الأوساط المصرية.ولا تخلوا مسرحية )علمونا نمـوت وتعلمنا أن نحيا( من مثل هذه الأمثال التي تشكل تعليقا على موقف ما. ونسوق هنا ما جاء على لسان "سجين 2" وما يرويه عن أبيه من ذكريات الطفولة:
« سجين 2: يقول لي [ يقصد والده ] إحنا زرعنا الأرض. إحنا سقينا الأرض إحنا حصدنا الزرع. إحنا ما خدناش حاجة من الأرض الله جاب ، الله خد، الله عليه العوض..... »(2) .
فنلاحظ استعمال الأب لهذا المثل الشعبي )الله جاب، الله خد، الله عليه العوض(، وذلك تعبيرا عن أن المستعمر هو الذي يأخذ كل شيء، وكأنه وكل من معه لم يزرعوا ولم يحصدوا ولم يفعلوا أي شيء يذكر.ورجاؤهم الوحيد هو العوض من الله سبحانه وتعالى ،ولكن هذا المثل يستعمل عادة عندما تصادف الإنسان مصيبة ما لا قدر الله، وتضيع من بين يديه نعمة من النعم، فيعبر عن ذلك بهذا المثل الذي مفاده أن الله هو المنعم على عبده، وله أن يرفع نعمه متى شاء، مع رجاء الإنسان دائما بالعوض، أي أن يعوّضه الله عما فقد.كما وظف "السيد حافظ" بعض الأمثال باللغة العربية الفصحى مثل: « الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة »(3) .كما وظف الكاتب في مسرحية)حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث( مثلا شعبيا على لسان كل من "روحية" و"زكي" إذ يقول: « روحية:...يا راجل أنا بقولك اللي يرميك ارميه.تقولي بحبها ..وعلى كل حال مش رايداك.. واللي يريدك ريده ..وعلى رأي المثل مـن حبنـا حبناه صـار متـاعنا متـاعـه
1- م.ن.ص.ص.31/30.
2- علمونا أن نموت وتعلمنا أن نحيا:السيد حافظ.ص.ص .126.
3- لهو الأطفال في الأشياء شيء: السيد حافظ.ضمن الأشجار تنحني أحيانا: السيد حافظ.ص.ص.142/141.
زكي: ومن كرهنا كرهناه يحرم علينا اجتماعه.
روحية: طيب.
زكي: مش بإيدي ..أنا رايدها ياروحية »(1).
وخلاصة القول أن التراث له حضور قوي في مسرح "السيد حافظ"، ولم يعتمد فيه على التراكمات والترسبات الكمية، بل إنه وظفه توظيفا جيدا قدم لنا من خلاله فكرا ومتعة ، فقد أفاد الكاتب كثيرا من التراث بشتى أنواعه ، وكان له أثر إيجابي على نصوصه المسرحية، مما أعطى لها صبغة خاصة، وتوظيف التراث على وجه العموم يستهوي المتلقي إلى حد كبير لأنه معبر ويختصر الكثير مما يمكن أن يقال ضمن إطار من الأطر أو جانب من الجوانب.






1-حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث:أوزوريس.ص.48.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق