السبت، 4 أبريل 2009

مقالات 4

سندريلا

شكلا .. وموضوعا ..

وليد أبو بكر

المبرر الوحيد – عادة – لاستعادة إحدى الحكايات المعروفة في نص جديد هو تقديم فكرة جديدة من هذه الحكاية ، أو إعادة صياغتها بشكل جديد غير الذي عُرفت به ، خاصة إذا كان بعض ما تطرحه الحكاية لا يتفق مع ما استجد من الوعي الثقافي أو التربوي ، وسبل التوجه إلى الطفل لتوجيهه وتنشئته .

وإن كان المعنى الذي أخذ منه اسم الفتاة اليتيمة مرتبطاً ( بالسخام ) الذي يصدر عن حرق الفحم أو الحطب ، فيلطخ ما يصل إليه بالسواد ، بالرغم من ذلك فإن الاسم حمل معناً جميلا مع انتشار الحكاية ، لدرجة أنه يطلق – تحببا – على بعض الممثلات ، وقد قدمت هذه الحكاية في كثير من وسائل الفن الحديث ، بدءا بالرسوم المتحركة ، وانتهاء بالإنتاج السينمائي الضخم ، ولهذا فإن الإنسان يتوقع – عند تقديم الحكاية من جديد – أن تقدم بشكل مختلف ، لا أن تعرض على الأطفال كحكاية يعرفونها . ولكن هذا التوقع لم يحدث ، لأن الحكاية استعيدت ، ولم يَجِد فيها إلا التحايل لتقديم الساحرة التي حولت الفئران إلى خيول ، وإلى حكاية أخرى معروفة أضيفت إلى الحكاية الأصلية دون رابطة ، هي حكاية الراعي والذئب ، وإن كانت قد قدمت بشكل جيد بأسلوب خيال الظل ، الذي شوهته الإضاءة مرتين – دون مبرر أيضا – وهي تتابع حركة أم الخير وسندريلا . وإذا كانت استعادة القصة قد وجهت إلى الأطفال بعض النصائح ، وقدمت لهم بعض التساؤلات حول الإنسان الذي يبلغ مرتبة الملائكة – فلا يكون إنسانا – فقد جاءت هذه النصائح مباشرة ومقحمة بشكل واضح ، كما أن التساؤلات تحولت إلى فلسفة فارغة .

تحسين الصورة :

ومع ذلك استطاع تنفيذ هذه المسرحية أن يجعلها خطوة متقدمة عن معظم ما قُدِّم للأطفال من أعمال مسرحية حتى الآن – ربما باستثناء سندباد محفوظ عبد الرحمن – بالخبرات التي وقفت وراءها من ناحية ، وبزيادة التجربة لدى مخرجها منصور المنصور ، ولدى ممثلتها الأساسية هدى حسين .

والجهود التي تضافرت – علميا – لتحسين صورة المسرحية هي جهود د.مصطفى عبدالوهاب مصمم الديكور ، وفلاح هاشم كاتب الأغاني ، وطالب غالي ملحنها ، ود.حسن خليل مصمم اللوحات الاستعراضية ، وقد استطاع الديكور أن يتجاوز الحاجة إلى تغييره عندما اختار تقسيم المسرح إلى قسمين : أولهما للمنزل الذي تعيش فيه – ولا أدري لماذا حوفظ على اسمها رغم تكويت النص ، والثاني لقصر الأمير . واستطاعت القطع والستائر المتحركة أن تؤكد الديكور الذي يجري فوقه الحديث ، بالرغم من أنه كان بالإمكان إضافة قطع تخفي واجهة المنزل عندما يتركز الحديث في القصر ، خاصة وإنه أقرب إلى المُشاهد من القصر ذاته .

أما كلمات الأغاني فقد تفاوتت بين الضعف والقوة . ويبدو أن علينا أن نذكر دائما بأن الكلمة المغناة ، المؤداة مع الموسيقى – يفترض أن تكون كلمة شاعرية . وقد خرجت الكلمات كثيرا عن هذا الشرط ، لتصبح مجرد كلمات من لغة الحديث العادي ، لا تتجنب التغني بالفجل والبصل ، وحتى الجوتي ( الحذاء ) .

أما الألحان فكانت قوية ، وقد تفوقت على الكلمات معظم الوقت ، كما ارتفعت إلى مستوى اللحن المفرد لأغنية مفردة في بعض الأوقات ، ولا شك أن تجربة طالب غالي الطويلة والناجحة في التلحين قد خدمت المسرحية كثيراً ، كما خدمتها الحركات المدروسة للدكتور حسن خليل ، وهي حركات كانت واضحة منذ اللحظة الأولى ، وقد ميزت هذه المسرحية – في استعراضاتها عن كل ما سبقها وساعدت المخرج في أداء عمله كثيراً . فكان إخراجه هذه المرة ليس عفوياً ، وتحريكه للممثلين جاء منظما بشكل يؤكد تنامي قدرته في هذا المجال .

ماذا تقول ؟

ويبقى السؤال الأكثر أهمية وهو : هل تصلح هذه المسرحية – كمضمون – لتقدم للأطفال كما قدمت ؟ والإجابة القاطعة ستكون بالنفي ، وهذه إجابة ليست عارية عن أسبابها أبدا . إن عقدة الحكاية الأصلية – وكما تقدمت – تقوم على وحشية زوجة الأب ، وهذه ليست قضية يمكن التسليم بها بسهولة ، ولا تعميمها ، لما في ذلك من نظرة سيئة تزرع في نفوس الأطفال تجاه زوجات الآباء ، وما أكثرهن في مجتمعنا . فهل يصح أن يتبنى المسرح هذه الفكرة ، ويقدمها للطفل بشكل جمالي مقنع ؟

إن أية حجة تقول أن وفاء الفتاة الصغيرة الطيبة . وهذا الحل ليس مفتعلاً وحسب ، ولكنه مخدر أيضا لأن مثل هذه الصدفة لا يمكن أن تكون قانونا اجتماعيا ، ولأن مهمة الفن الأساسية تكمن في استشفاف القانون الاجتماعي ، حتى يعمل متلقي الفن على تأكيد وجوده وفاعليته . وبالرغم من أن مادة الحكاية تعطي الفرصة للتحرك من خلالها باتجاه الفن الحقيقي ، إلا أنها في النص الذي قدم قد زُعزعت ففقدت مدلولها الاجتماعي كليا . فالفتاة في الحكاية الأصلية فقيرة ولكن النص جعلها ابنة سيد السوق التي فقدت جاهها بسبب وفاة والدها ، وتحكم زوجته – غير المبرر أصلا – بها . ومعنى هذا أن اختيار الأمير لها كان مجرد إعادة حق فقدته لفترة ، لا اختيارا للصفات الطيبة التي تتحلى بها . وهي أيضا صفات مجردة ، لم تربطها المسرحية بأية أسباب حتى ولا بحالها ذاته . كما يشير إلى الاستسهال في إعداد حكاية شهيرة جداً ، ومثيرة للأحلام دون النظر الجدي إلى المضمون الذي تقدمه لجمهورها الأساسي من الأطفال . وهذا يعني بالضبط أن مسرح الطفل في الكويت مازال يهتم بالشكل قبل كل شيء فيقدم تشكيلا جماليا بالرقص والأداء التمثيلي – بقدر ما يستطيع – وجمالها موسيقياً وصوتياً – بقدر ما يستطيع – وينسى المهمة الأساسية له ، وهي التوجيه ، والذي نبع من ذات العمل ككل ، لا من جمل عابرة تدعو الطفل إلى الصدق وحسن المعاملة وأشياء أخرى .

وإذا كانت مؤسسة البدر ، هي رائدة مسرح الطفل في الكويت ، قد استطاعت أن تحقق خطوات إيجابية على مستوى الشكل ، كانت سندريلا آخرها ، فإن عليها أن تلتفت بجد إلى أهمية ما تطرحه من مضمون حتى لا يكون مخربا في بعضه أو مجرد ترداد للنصائح التي يسمعها الطفل كل لحظة في أحسن الأحوال .




سندريلا
الكويتية ظهرت علي خشبة المسرح أخيرا

جريدة الوطن
15 / 10 / 1983
بقلم حمدي الجابري

إن مسرح الأطفال من أعظم الابتكارات في القرن العشرين ، ولسوف تتضح قيمته وأهميته التربوية . هذا ما أكده مارك توين واستشهد به وينفرد وراد في كتابه القيم مسرح الأطفال الذي ترجمه محمد شاهين الجوهري عام 1966 .

ومع عرض مسرح الطفل لمؤسسة البدر يمكن القول أن عواطف البدر ما زالت تصر مع منصور المنصور ترسيخ أعظم الابتكارات في القرن العشرين في الكويت وهو مسرح الطفل . فقد جاءت سندريلا عواطف ومنصور السيد حافظ لتكون العرض السادس الذي يؤكد إيمان أصحابه بضرورة خلق مسرح للطفل في الكويت ، بعد أن آمنوا جميعا بأن مسرح الطفل أيضا كما يقول مارك توين – أستاذ الأخلاقيات والمثل العليا – بل خير معلم اهتديت إليه عبقرية الإنسان لأن دروسه لا تلقن عن طريق الكتب المدرسية والمدرسة بشكل ممل مرهق ، بل بالحركة التي تشاهد فتبعث الحماس وتخلقه وتصل إلى أفئدة الأطفال . وما أكثر المثل العليا والأخلاقيات التي يحتاجها طفلنا العربي في مسرحه .

وبالطبع لم يكن من الممكن أن تكون سندريلا العربية صورة طبق الأصل من زميلتها الأوربية التي يحفظها أطفال العالم الغربي والعربي ، ولذلك حرص المؤلف السيد حافظ على إكسابها بعض الملامح الشرقية دون أن تبتعد كثيرا عن الأصل مما يجعل المسرحية أقرب إلى الإعداد منها إلى التأليف كما تذكر الإعلانات ، فهي الفتاة الرقيقة التي تخضع لسيطرة زوجة الأب وسوء معاملة الأخوات ، وتصل إلى الأمير فتفوز بقلبه ، وتهرب في الثانية عشر ليلا قبل أن يكشف أمرها ، وتبقى فردة الحذاء لتدل عليها في النهاية فتصبح زوجة الأمير وتعفو عمن أساء إليها .

وفي هذا الإطار العام للقصة تحرك السيد حافظ محافظا قدر جهده على أهم معالمها ، مضمنا إياها الكثير من الدعوات للحب ومساعدة الغير الذي ظهر في الجزء التمهيدي الأول الذي خصصه في النص المكتوب لعرض شخوصه ، وطبيعة علاقاتهما وهم الأم وبناتها وسندريلا والأصدقاء من الحيوانات الفأر والقط والكلب ، بدلا من الفئران و السحليات في الأصل الأوربي ، مما أحدث نفس التأثير بالنسبة للمشاهد الطفل ، وإن كان السيد حافظ وقع في هذا الجزء في خطأ لا يغتفر عندما جعل أهل السوق أيضا يسيئون معاملة سندريلا دون سبب واضح ، رغم أنها تنتمي إلى نفس طبقتهم ، ولا يتحول موقفهم لمساعدتها إلا بعد تدخل كبير السوق وتعريفهم بأصلها كابنة لأحد رجال السوق ممن يتصفون بالأمانة . أما في الجزء الثاني فيعتمد الحدث على تدخل أصدقاء سندريلا من الحيوانات لمساعدتها حتى تصبح زوجة الأمير ، لأنها بالفعل كما تؤكد المشاهد المتتابعة الأفضل والأحق ، كما تساعدها أيضا العجوز " محققة الأماني " التي تصنع معها سندريلا الخير فتستحق منها المساعدة للوصول إلى القصر في الصورة البراقة بفضل قدرات العجوز .


وبالطبع أيضا فإن العجوز وقدراتها السحرية الكبيرة قد ساعدت المؤلف علي إثارة خيال الطفل المشاهد ، وأيضا على تأكيد أن الخير ومساعدة الغير لا يمكن إلا أن تعود على الإنسان بكل خير .

إنه استغلال مشروع لأحدى روائع الأطفال في العالم ، وربما تكون بداية للاهتمام باستغلال التراث الإنساني في مسرح الأطفال في الكويت بدلا من السطحيات التجارية التي أغرقت المسرح الكويتي لأكثر من عامين فيما لا ينفع منه تحقيقا لربح مضمون بسبب حاجة الطفل لهذا النوع من الفن الوليد ، وهو كبداية للمؤلف في كتابة مسرحيات للطفل تستحق الاهتمام ، كما توفر جهده في خلق القصة ليكثف هذا الجهد في صياغة النسيج والتفاصيل والاهتمام بالأسلوب واللغة التي خلط فيها المؤلف ربما عن عمد بين اللهجة المصرية والكويتية ، وإن كنت أفضل العربية المبسطة والفصحى ، التي ستكون أقرب إلى روح الموضوع المستورد الذي سيصبح بالتالي أكثر جمالا وقدرة على الإقناع بالقيم الجميلة التي يعتمد النص عليها تماما ، والتي حرص المؤلف على تأكيدها بالكلمة والإشارة إلى الرقصة والأغنية وهو ما تفتقده عادة النصوص المكتوبة للأطفال .

أما المخرج منصور فهو يؤكد للمرة السادسة فهمه لهذه النوعية الهامة من العروض التي تسد فراغا هائلا رغم كثرة العروض . فقد حاول منصور المنصور استغلال كل شيء في هذا العرض ليحقق نوعا من الإبهار يجذب الطفل طول الوقت لما يجري على خشبة المسرح . أي أنه اعتمد على عناصر العرض بشكل كبير ربما أكثر من الحاجة أحيانا إلى مشهد خيال الظل ليجسد قصة تروي وجهاز " الالترافايلوت " ليخلق تأثيرا جماليا ونفسيا دون حاجة حقيقية ، بالإضافة إلى استخدام البروجيكتور المتحرك في أوقات كثيرة أضاعت القيمة الحقيقية لاستخدامه الضروري في مشهد لقاء سندريلا بالعجوز .

كما أن خطة الإضاءة حرص فيها منصور المنصور على تأكيد الحدث ، وأيضا التغيير المستمر الذي وإن كان يبهر المشاهد إلا أنه أيضا يمكن أن يخلق نوعا من التشتت مع كثرة التنقلات بين مشهد وآخر التي نص عليها المؤلف حتى كاد يضيع في التنفيذ الهارموني المفترض بين مشهد وآخر ، كما أن هذا الإفراط قد أضاع في الزحام المشهد الرئيسي في سندريلا وهو المشهد الحيوي بدونه الكثير وهو مشهد تجربة الحذاء أن تجند له إمكانيات العرض من إضاءة وديكور وممثل ، ولأنه يمثل لحظة الاكتشاف الجوهرية في المسرحية .

ونظرا لأن منصور المنصور هو شاعر المسرح ، أي المخرج صاحب الكلمة الأخيرة والأولى في توظيف واستغلال عناصر العرض المسرحي ، فإنه يجب أن تتوقف معه قليلا وبجدية عند ديكور العرض . لا يمكن تصور إمكانية تنازل مخرج برغبته عن أهم أجزاء خشبة المسرح دون أن تكون هناك خلل ملموس خاصة وإنه يعرف بلا شك منطق القوة والضعف في خشبة المسرح . لقد خصص مصمم الديكور بموافقة المخرج مقدمة خشبة المسرح بامتداد أمتار أربعة لبيت سندريلا مع فتحات ثلاث متوسطة الطول بارتفاع مائة وخمسين ، حركة الممثل خاصة في الدخول والخروج وما أكثرهم في المسرحية بالإضافة إلى الاستغناء التام عن يمين ويسار مقدمة خشبة المسرح دون أي غرض واضح إلا استكمال الشكل الجميل للمدرج الذي يوصل الخشبة بالجزء العلوي ، ويتيح الفرصة بشكل أفضل للحركة المسرحية ، مع استبدال الأماكن كان يخدم أكثر العرض ، حيث أن المَشَاهد التي تجري في بيت سندريلا محدودة والشخصيات بينما السوق والقصر والرقصات ، وبالتالي كان من المفترض أن تتاح لها مساحة أكبر تتيح فرصة أكبر حركيا وجماليا ليتمكن خلالها المخرج ومصمم الرقصات من استغلال المكان والبشر بشكل أفضل . كما أنه كان من غير الموفق وظيفيا تخصيص الجزء العلوي للقصر والسوق في نفس الوقت لأنه إذا كان وضع القصر في المكان يتيح الفرصة لخلق الإحساس بالتفوق وسيطرة السلطة الممثلة في القصر فإنه من التناقض أن يكون السوق وأهله على نفس المستوى ، بالإضافة إلى كون الديكور كتلة واحدة جامدة قد حدد كثيرا من فرصة المخرج لاستغلال عناصره ، وترك إحساسا بالثقل والجمود تابعا من ثقل الكتلة ، وهو الإحساس الذي لا يتناسب أصلا مع اسم سندريلا نفسها كإسم ارتبط دائما بالرقة والبساطة الأخّاذة ، حتى أن البعض يستغل الاسم " سندريلا " للدلالة على الرقة والبساطة والجمال الذي لم يتوافر بشكل يليق جماليا ووظيفيا بالعرض المسرحي ، وإن كانت الألوان وتركيباتها تشهد للدكتور مصطفى عبد الوهاب مصمم الديكور بالقدرة الكبيرة على إشاعة البهجة من خلال تركيبة اللون ومفرداته ، بينما الديكور نفسه لم يخدم العرض . ونفس الشيء يمكن أن يقال عن رقصات الدكتور حسن خليل الذي كان مضطرا لتحديد حركته وفقا للمساحة التي يسمح بها الديكور وهي ليست كبيرة ، وكدس فيها معظم الشخصيات والكومبارس ، وإن كان يعطي إحساسا بالكثرة والتجمهر ، إلا أنه لا يعطي أي إحساس بالجمال في التكوين أو الحركة ، بينما جاءت ملابس رجاء البدر متناسقة الألوان ، بسيطة الخطوط ، تخدم الشخصية والموقف تماما كألحان طالب غالي الكثيرة والمؤثرة ، ولكن ليس إلى درجة كلمته الطنانة في برنامج العرض . لا أفهم سبب إغفال اسم فلاح هاشم كمؤلف للأغاني التي زادت عن عشر رغم أن الإعلانات والبرنامج يضم أسماء كل كبيرة وصغير في المسرحية .

يبقى أداء هدى حسين وسحر حسين متميزا وفي حدود إطار الشخصية ، كما أن انتصار الشراح تزداد تقدما باحتكاكها بالخشبة ، بالإضافة إلى تأثير دراستها الأكاديمية . وأشاع حسين البدر الوزير وزميله حسين المنصور جوا من جلال يناسب المنصب والقصر . أما أسمهان توفيق فقد أدت دوري زوجة الأب نموذج الشر والعجوز صانعة الخير دون اختلاف في الشكل أو الأداء ، مما أوجد نوعا من التشويش عند الطفل ، بالإضافة إلى أن صوتها الجميل وربما يكون أكثر تعبيرا في الإذاعة والتلفزيون ، وإن كان يبقى لها حماسها الشديد للمعاونة في حركة مسرح الطفل بالكويت في شكل جاد كتابة وإخراجا وتمثيلا . وقد بذل كل من حسن القلاف ووليد خليفة وعامر الكندري وسلام السكيني ومفرح الدخيل كل الجهد وبحماس ، وإن برز حسن القلاف . أما الطفل جاسم عباس فإنه موهبة كبيرة تستحق الرعاية ليقدم الكثير لمسرح الطفل في الكويت ، فهو كتلة نشاط حية وإحساس كبير بالخشبة والشخصية التي يلعبها ، وأيضا إحساسه بجملة الموسيقى وبزملائه يدل على عشق كبير لخشبة المسرح يمكن أن يثمر كثيرا . ويبقى من الكبار في السن في المسرحية أحمد العامر المنادي فرغم حجمه وصوته المسرحي وملابسه واكسسواره فإنه قد قدم دوره في حدود المرسوم حيث لم يخدمه الدور كثيرا ..

في النهاية لابد من الإشارة إلى ضخامة المصروفات في عرض سندريلا والتي لابد أن يشير أيضا إلى أسلوب عواطف البدر ومنصور المنصور في التعامل مع مسرح الطفل بهدف تحقيق المتعة والفائدة بالدرجة الأولى ، دون اعتبار كبير للربح والخسارة المادية مما وفر للعرض إمكانيات كبيرة لا يمكن إلا أن تحقق النجاح الفني والمادي . فالمسرحية ورغم بعض التحفظات الفنية خطوة كبيرة للارتقاء بمسرح الطفل في الكويت .

وبالمناسبة هناك فرصة ذهبية يتيحها المجلس الوطني لكل من له علاقة بمسرح الطفل وذلك خلال ندوة كبيرة تقام الشهر القادم يشرف عليها صدقي حطاب أرجو أن تجد الاهتمام الذي يتناسب مع أهميتها أيضا لأنها خطوة أخرى لخدمة أعظم ابتكارات القرن العشرين : مسرح الطفل .

سندريلا

كتب نادر القنة :

بدأت مؤسسة البدر للإنتاج الفني – وهي مؤسسة خاصة تعني بشؤون الطفل - تدريباتها على المسرحية الجديدة ( سندريلا ) ، حيث ستفتتح بها موسمها الحالي . والمسرحية من تأليف السيد حافظ وإخراج منصور المنصور ، ومن تمثيل ، أسمهان توفيق ، حسين البدر ، هدى حسين ، حسين المنصور ، سحر حسين ، وحشد كبير من الأطفال . ومن المتوقع عرض هذه المسرحية مع نهاية الشهر الحالي .

ما زال مسرح الطفل في الكويت يعيش مرحلة الطفولة ذاتها ، فإذا ما حاولت مؤسسة ما تنمية هذا اللون من المسرح ، جاءت مؤسسة أخرى باسم الإسفاف تحط من شأن كيان مسرح الطفل ، لذا فإن مسرح الطفل ما زال يصطدم بواقع من الجمود ، وهيمنة الفرق التجارية – في غياب رقابة الدولة ، والمؤسسات الحكومية الثقافية . من هنا يكون التطور صعبا والنظرة المستقبلية تتلاشي ، ويتحول الطفل إلى سلعة رائجة بين صالات العرض . وفي هذا الموسم تستعد أربع مؤسسات خاصة لتقدم عروضا لمسرح الطفل ، وكانت لنا وقفة قصيرة في ثانوية الرميثيـــة للبنين مع ( سندريلا ) ومؤسسة البدر .

بين الكتابة الطليعية والكتابة الأطفال

السيد حافظ كاتب مسرحي ، عرفناه مؤلفا طليعيا ، إذ يعد من أبناء جيل نكسة يونيو ، كتب العديد من المسرحيات التي تحمل هموم وشجون الإنسان العربي ، استغل حالة البؤس والشقاء وآلام النكسة ، وعبر من خلال الفراغ المسرحي عن مآسي أبناء جيله ، فجاءت المفارقات الدرامية لديه دامية تعشش مكان عقولنا المسلوبة والمأسورة ، واليوم يتجاوز ( السيد حافظ ) حدود المساهمة الفراغية الطليعية ، ليخاطب جيل الطفولة ، فيا ترى هل يستطيع تحقيق النجاح في مسرح الطفل ، كما حققه في بنية الدراما الطليعية ؟ من السذاجة أن نلقي أحكاما عشوائية منذ الآن لأن صياغة العرض لم تكتمل بصورتها النهائية ، بمجرد أن رفع يده عن النص ، وما زال من حقه أن يحذف ويغير حتى آخر قبيل العرض .

سندريلا الجديدة

( وسندريلا ) هي ككل الحكاية التي ألفناها بالكتب والقصص ، تحاول أن تعلم ما يجب أن يكون من خلال إفرازات معاناتها في محيط متناقض من السلوكيات الزائفة والمرفوضة على المستوى الاجتماعي والذاتي . ويطرح السيد حافظ ومنصور المنصور من خلال ( سندريلا ) جملة استقاطات عصرية ومفاهيم تربوية ، وإن كانت تنعت بالتقليدية ، إلا أن عواطف البدر ومنصور المنصور يقولان أنهما منذ اللحظة الأولى التي تسلما فيها النص ، بدءا يخططان إلى استحداث كل ما هو جديد ، ونحن لا نستطيع أن نقدم أحكاما نقدية ، إلا بعرض هذا الجديد ، والأهم من كل ذلك ، هو درجة تناسب الإسقاط مع مفاهيم الطفولة .

تداخل المستويات :

والمسرحية تتداخل في مستوياتها الدرامية ، بين عالم الإنسان وعالم الحيوان ، وللعالم الأخير خصائص ومميزات تدور حول حالة الانهيار القصوى التي تعتري الطفل ، إذ يلجأ الإنسان وعبثية وجوده في المسرح الطليعي عند حــافظ .
( الأرنب فرفور ، القط مسرور ، الكلب سنور ) لها مستوى خاص ، والعالم الآدمي بكافة ثقله الكئيب له مستوى خاص ، والمستويان يعيشان في حالة تمرد ، ومن خلال مشاهدتنا ( للبروفات ) رأينا أن هناك ثمة تداخل أدى إلى فقدان التوازن بين العالمين ، والمطلوب من منصور المنصور ، أن يحاول إيجاد معادلة متوازية حتى لا تختل شبكة العلاقات الدرامية وبالتالي تصاب المسرحية بعرض مسرح الطفل المستديم وهو مرض ( اشيزوفرينيا – بين الشعار المرفوع ، والفعل الدرامي المعالج ) خاصة وأن منصور ، سجل علامة بارزة في تطور مسرح الطفل بإخــراج ( قفص الدجاج ).

البناء الدرامي :

ومن الملاحظ أن المسرحية اتخذت بناءا خاصا ، قد يكون مستهلكا إلا أن الجديد فيه طريقة عرضه وليست معالجته ، وهو وجود راو مكون من ( سنور ، وفرفور ، ومسرور ) ، وهذا الراوي يتدخل في أحداث العمل ، بل ويتدخل من خلال الشبكة الدرامية ، بما يقدمه من نصائح واقتراحات ، والشكل الآخر أن المسرحية اعتمدت على أسلوب المسرحية داخل المسرحية ، ويحبذ أن يرجى النقاش في مثل هذا البناء إلى حين عرض المسرحية .






















مسرحية سندريلا استفادت من
أخطاء >> قفص الدجاج <<

عرض وتحليل : عبد المحسن الشمري

بدأت المؤسسة التوجيه الصحيح المدروس لمخاطبة الطفل في مسرحية قفص الدجاج ، وهو توجيه كاد أن يحقق أهدافه لولا أن العمل كان فوق مستوى الطفل ، لكن يمكن اعتبار مسرحية " قفص الدجاج " هي الخطوة الأولى نحو مخاطبة الطفل بأسلوب تربوي مدروس ، وتأتي الخطوة الثانية مع مسرحيـة " سندريلا " التي تعرض حاليا عل مسرح عبد العزيز مسعود ، وإذا كانت الخطوة الأولى – وهذا بحد ذاته نجاح يجب أن تفتخر به المؤسسة .

" سندريلا " التي أعدها السيد حافظ قصة عالمية معروفة ، ومعظم الأطفال قرأ عنها الكثير ، لكن ليست سندريلا العربية ، لذا فإن اختيارها كان موفقا جدا كونها قريبة من الطفل الذي اندفع ليشاهد العمل مجسدا على الخشبة ، وكان على المؤلف وهو يعربها أن يعطيها الجو العربي القريب من الطفل ، وكان له ذلك ونجح فيه ،كما أنه استطاع أن يقترب من الطفل بتقديم حكاية قريبة منه ، بسيطة . ومع بساطتها حاولت تجسيد الكثير من المفاهيم ، عكس ما كان سائدا في بعض ، أو معظم الأعمال المسرحية الموجهة للطفل ، والتي اعتمدت على النصح المباشر الذي يصل حد السذاجة .

السيد حافظ جسد المقولات التي أراد تقديمها للطفل ، وكان أمينا على أن يخاطبه بلغة يفهمها ، ويدركها أيضا . كما أن الرمز كان واضحا للطفل دون أن يعقده . وابتعدت المسرحية عن التفاهة التي امتلأت بها نصوص الطفل الأخرى التي اعتمدت على الإضحاك الأبله ، والسب والتنكيت – وكان حوارها جيدا مبتعدا عن اللغو و الفوضى والتعاليم الخاطئة . وإن كان يعاب على بعض أجزائها ، الفقرات الكلامية حول الإنسان والحيوان التي اقتربت من الشعارات البراقة .

المؤلف نجح في استخدام رمز ذي حدين ، أحدهما بسيط موجه للطفل من خلال فتاة صغيرة " سندريلا " ، وحيوانات يحبها الأطفال الكلب ، الأرنب ، وحكاية بسيطة تدعو إلى بعض المضامين ، وفي الوقت نفسه حافظ على الشكل المسرحي المتعارف ، ونجح في أن يقدم بعض الإسقاطات للكبار " سندريلا الرمز" والحيوانات كرمز لبعض المفاهيم ، ومن هنا فإن النص كان يسير ضمن الكبار ويطلق العنان لأفكارهم بالتخيل .

أما أم الخير ، وهي في الأصل " ساحرة " فإن النص كان موفقا في إظهارها أم الخير ، ولكنها ظهرت تحمل الضدين كونها تمثل الشخصية الأخرى " المستبدة " وهذا ما يشوه مدارك الطفل ، لكن الممثلة أسمهان توفيق تتحمل أيضا جزءا من مسؤولية التشويه مع المخرج ، لأنها لم تبذل أي جهد للتغيير في طريقة أداء الشخصيتين ، وهي الممثلة التي ولدت منذ سنوات عديدة .

نجاح آخر للمؤلف يبدو مع إصدار الحكمة على لسان الحيوان ، لكنها حكمة اقتربت من الشعارات كما سبق وأن ذكرنا .






تنــوع النقـد الصحفـي للمسرحيــة الواحـدة:
مسرحيـة الشاطــر حســن نمــوذجا *

بأقــــلام:
بسام العثمان
القبس
1 / 9 / 1984
صالح الغريب
الهدف
1 / 9 / 1984
عزت علام
عالم الفن
1 / 9 / 1984
نادر القنة
القبس
1 / 9 / 1984
سامي الباجوري
السياسة
2 / 9 / 1984
د. زيان أحمد الحاج
الأنباء
10 / 9 / 1984
حسن عبد الهادي
صوت الخليج
13 / 9 / 1984
فيصل السعد
الرأي العام
19 / 9 / 1984
د. محمد مبارك الصوري
الوطن
22 / 9 / 1984
حمد الرقعي
القبس
26 / 9 / 1984
عماد النويري
القبس
2 / 10 / 1984
منى الشمري
السياسة
___

















الشاطر حسن

بقلم : بسام العثمان القبس ( العدد 4419 )
السبت 1 / 9 / 1984


افتتحت مسرحية ( الشاطر حسن ) يوم الأحد 26 / 8 / 1984 على مسرح عبد العزيز المسعود بكيفان وهي من تأليف السيد حافظ وإخراج أحمد عبد الحليم وبطولة : عبد الرحمن العقل ، استقلال أحمد ، محمد جابر ، كاظم القلاف ، وهدى حمادة ، تأليف الأغاني للشاعر عبد الأمير عيسى وألحان عبد الله الراشد وغنام الديكان وتوزيع حسين أمين .

المسرحية تدور حول شبيهين أحدهما الشاطر حسن والآخر السلطان حيث يقوم الشاطر حسن بعملية تغيير المراكز حتى يتسنى للسلطان أن يعيش وسط الشعب ليتعرف عليهم . ويقوم الشاطر حسن بأخذ مكانه الجديد حاكما على البلاد لمدة ثلاثة أيام ، يكتشف خلالها سوء أخلاق الوزير ومؤامراته وإخفائه للحقائق عن السلطان الأصلي . كما يقوم الشاطر حسن خلال هذه الأيام الثلاثة بإعلان الحرب على " الحوت " الذي يهدد حرية واستقلال البلاد . وبعد انتهاء المدة المقررة يعود الشاطر حسن إلى مكانه الطبيعي بين الناس ، ويعود السلطان إلى كرسيه بعد أن تعرف على الشعب وأحس بما يعانيه على آرائه .

وقد قدم السيد حافظ النص واستخدم فيه الرموز والدلالات بكل بساطة حتى يتناسب ومستوى فهم الطفل ومداركه في استيعاب القضايا السياسية التي يمر بها وطننا العربي في الوقت الراهن ، ومن الرموز التي استخدمها " الحوت " حيث قصد به الاستعمار ومحاولته الضغط على الدول ، وكذلك " الوزير " الذي رمز به إلى تلك الفئة المضللة من الناس التي تخفي الحقائق وتزورها ، وكذلك رمز به إلى بعض الفئات الفاسدة التي تحيط ببعض الحكام وتخفي عنهم ما يعانيه الشعب وما يود قوله . وأيضا الأميرة " ست الحسن " التي رمز بها إلى جانب الخير الذي يحاول الوقوف في وجه الظلم والفساد ، حيث تواجه المصاعب في سبيل الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وغيرها من الرموز والدلالات التي استطاع السيد حافظ أن يبلورها بكل بساطة لتتناسب مع مدارك الطفل بما يجري في وطنه الكبير ، وتطرح نوعا من الحث على عدم السكوت عن الظلم ومحاربته وإعلاء الصوت في وجه الفساد .

الإخراج :

استطاع المخرج أحمد عبد الحليم إبراز الأحداث المهمة وبلورتها بكل براعة وذلك باستخدامه التقنية والخدع المسرحية ، إضافة إلى الحركة المسرحية المعبرة عن النص العام وخاصة استحداثه لبعض التقنيات المسرحية الجديدة مثل عملية ( السيلويت ) – وهي استخدام الإضاءة البنفسجية مع مراعاة ارتداء الممثلين الملابس البيضاء – فقد جاءت هذه العملية لتبرز مشهد الوحش أثناء مطاردته للناس بما في هذا المشهد من خوف فزع . وكذلك استخدام ( الفلشر ) الأحمر حتى يغطي بها فوق الشبه بين عبد الرحمن العقل ( الشاطر حسن ) وفتحي القطان ( شبيهه ) أثناء مطاردة الحرس للشاطر حسن ، وعلى رغم نجاح المخرج أحمد عبد الحليم في إبراز الكثير من المشاهد والمواقف إلا أنه تؤخذ عليه بعض الهفوات البسيطة منها أنه ملأ الزاويتين الجانبيتين للمسرح بأثنين من الممثلين يقومان بدوري البائعين في السوق مما حجب الرؤية عن الجمهور الذي يقف على الأطراف ، ولكنها هفوات تمكن معالجتها ولا تقلل من الجهد الذي بذله المخرج ولا من توفيقه في إبراز الكثير من المشاهد .

وبالنسبة للحركات التعبيرية للرقصات فقد جاءت مناسبة للجو النفسي العام للمسرحية من حيث التحرك واستخدام الجسم في التعبير ، ولكن يعيبها فقط فقدان الحماس لدى الأطفال أثناء قيامهم بالاستعراض الذي يمثل الحرب والذين بحاجة إلى توجيهات المخرج والمدرب لتقدم بأكمل وجه .

طابع سياسي :

كانت فكرة المسرحية جيدة وذات طابع سياسي وهذا هو الملاحظ في اتجاه المسارح إلى تقديم هذا النوع من المسرحيات التي تتناسب وتثير اهتمام المشاهد سواء الكبار منهم أم الأطفال ، وأرجو أن يظل هذا الاتجاه هو السائد وتجنب موضوعات عقيمة وساذجة ولا تحمل أي مضمون فكري لعلها تكون فاتحة الخير وبداية الطريق نحو المسرح الهادف والجاد والنهضة المسرحية .



































الشاطر حسن

يحكى بالسياسة والحل عنده هو إعلان الحرب
بقلم : صالح الغريب الهدف السبت 1 سبتمبر 1984م
افتتحت مؤسسة الزرزور يوم الأحد الماضي عروض مسرحيتها الجديدة " الشاطر حسن " على خشبة مسرح عبد العزيز المسعود بكيفان .
المسرحية من تأليف السيد حافظ وإخراج أحمد عبد الحليم وبطولة استقلال أحمد وعبد الرحمن العقل وهدى حمادة ومحمد جابر ومكي القلاف وعدد كبير من الفنانين الشباب والأطفال . كتب الكلمات الغنائية عبد الأمير عيسى ووضع الألحان غنام الديكان وعبد الله الراشد ووزعها حسين أمين .
المسرحية :
لا يختلف اثنان بأن ما قدمته مؤسسة الزرزور للإنتاج الفني يعتبر نقلة كبيرة في المستوى المسرحي الخاص بالطفل ، خاصة بعد " جسوم ومشيري " . وأن ما قدمه المخرج والمؤلف في هذا العمل المسرحي الرائع من أفضل ما قدم للأطفال خلال هذا العام ، فالمسرحية متكاملة المستوى في التمثيل والإخراج والإضاءة والملابس والغناء والديكور . كل تلك الأمور اجتمعت لتقدم عملا نعتز به ونطالب بأن تكون المسرحيات الأخرى بهذا المستوى، أو أعلى منه كطموح مستقبلي نحو مزيد من الأعمال الناجحة على الساحة المسرحية في الكويت . ليكن هناك مبدأ الربح ؛ لكن يجب أن يكون هناك مستوى مدفوع ليوازي ما يمكن أن تجنيه أي مؤسسة أو مسرح من عائدات .
فنحن نرفض أن يكون مسرح الطفل بديلاً " للمراجيح " وأن تتسارع المسارح الأهلية والخاصة لتقديم عروض فقط للطفل في أيام الأعياد ، وتقديم أي مستوى متواضع بحجة أن الطفل لا يدرك ما يعرض أمامه ، فالذين يتابعون عروض المسرحية " الشاطر حسن " هذه الأيام يدركون أنها ليست عملاً عاديا ، بل تتميز عن المسرحيات التي شاهدوها من قبل .
ماذا يريد أن يقول المؤلف ؟؟؟
الزميل السيد حافظ قدمت له قبل عام مسرحية " السندريلا " ، وهذا هو العمل الثاني للطفل . لقد لمسنا تطور كتابته وفكره في التعامل مع مسرح الطفل ، وذلك من خلال مستوى رسم الشخصيات والمحاورات التي تصل بنا إلى رسم الموقف من خلال الشخصية في هذا العمل ، ويستطيع أن يؤكد الكاتب أن الإنسان هو الذي يغير حاله وذلك من خلال الموقف الذي يخلق لنا الحدث .
" الشاطر حسن " قصة شاب معروف لدى أهالي قريته الساحلية بأنه يمتاز بذكائه وحبه لكل الناس فنجده يساعدهم في كل صغيرة وكبيرة . وهو صياد يذهب بما لديه من صيد إلى المدينة ، حيث تزور في يوم من الأيام الأميرة ست الحسن سوق السمك وتفقد كيس نقودها فيجده " الشاطر حسن " ، وهنا يريد أن يرد إليها الأمانة فكيف يتصرف ؟
يذهب إلى قصر " الأمير " حيث يقوم بمحاولة مع زميله مختار للقفز من فوق السور إلا أن الحراس يمسكون به ثم يتركونه لاعتقادهم بأنه هو الأمير وذلك لوجود شبه كبير بين الأمير وبينه .
يحضر الوزير والأمير إلى المكان فلا يجدون الحرامي الذي كان الحراس يهتفون باسمه قبل فترة . يعرف الأمير بأن ثمة تشابها بينه وبين شخص آخر خاصة وأن الأميرة والوصيفة سبق أن قالتا بأنهما شاهدتاه في سوق السمك مع أنه لم يخرج من قصره .
يمسك به الأمير ويطلب منه أن يقوم بمهمة الأمير ويترك له فرصة معايشة الناس ، وهنا يجد الشاطر حسن أنها فرصة للتمتع بأيام قليلة في القصر على أن يلتزم بعدم الظلم والتصرف بأشياء خارجية . يقوم الشاطر حسن خلال وجوده في القصر ، بإخراج الأميرة والوصيفة من السجن وكذلك عدد كبير من المظلومين . ويحدد صلاحيات الوزير ويقضي على الدجالين والمحتالين ، ويعلن القرار الحاسم والخطير في حياة الشعب وهو قرار الحرب ضد الأعداء لاسترداد " جزيرة الأمل " . يعرف الحاكم بذلك فيعود إلى قصره من جديد بعد أن عاش أياما بين شعبه دون أن يعرفوه ، فأدرك أن الشعب يريد الحرب لتحرير الأرض ، وأن هناك فئة من الناس تعاني من الفقر ، وأن هناك مجموعة من التجار والمسؤولين يظلمون الشعب وأمور أخرى لا يعرفها لأنه بعيد عنها .
يعود لكي يجد نفسه أكثر تفاؤلا بعد أن كان يعاني من حالة نفسية سيئة نتيجة وجوده بين أسوار القصر ، ويحقق للناس السعادة عن قرب . وهنا نستطيع الحاكم بأن الكاتب يريد أن يؤكد أن الموقف يحقق للإنسان الحدث ، وأن الحاكم عندما ينزل إلى الشارع يعرف كل شئ عن شعبه ، ومن هنا يكون الحاكم على فهم الأمور واضحا ، ويصدره مباشرة من دون وسطاء أو منافقين . هذه لعبة الكاتب التي يريد أن يوصلها إلى الأطفال جيل الغد الذين عليهم أن يعيشوا الحرية والكفاح والدفاع عن الوطن .
إنها شحنة من الأمل لجيل الأمل المنشود ؛ ويقول المؤلف السيد حافظ للأطفال :
احلموا كثيرا . و اعملوا كثيرا ؛ غنوا بصوت عال ؛ وازرعوا في كل شبر من الأرض شجرة بيدكم اليمين وارفعوا أسلحتكم بيدكم اليسار فالخطر على باب كل دار . أقرءوا .. أفهموا .. اهتفوا ..

أبطال المسرحية :

· استقلال أحمد " الأميرة ست الحسن " : بطلة المسرحية ونجمة العمل تمثيلا وروحا ، وهذا ليس بمستغرب عنها فهي فنانة الطفل المحبوبة في أكثر من عمل قدمته . في هذا العمل تبدو استقلال أحمد أكثر عطاء وتميزا على خشبة المسرح .
· عبد الرحمن عقل " الشاطر حسن " : هذا هو البطل الحقيقي للعمل على خشبة المسرح و وراء الستارة من خلال جهده في أكثر من مجال : الإدارة و تصميم اللوحات ، فهو طاقة لا توجد في غيره ويستحق أن نقول له " مبروك" .
· هدى حمادة " الوصيفة " : ممثلة جيدة لم تستغل إمكانياتها .
· محمد جابر " مختار " : يظل هذا الفنان هو صاحب الابتسامة الجميلة على خشبة المسرح للأطفال في جميع ما قدمه ، خفة الدم والعطاء المميز وذلك رغم مسؤولياته العديد . ( مختار ) شخصية فرضت نفسها في المسرحية من خلاله .
· كاظم القلاف " الوزير " : دوره في المسرحية ليس جديدا عليه ، وقد كان كاظم بقدراته المعروفة مخرج مسرحي وتلفزيوني وإذاعي وممثل قديم بارع في أداء الدور ، وكانت قدراته أكبر بكثير مما أسند إليه . ومهما تحدثنا عنه هنا فإننا لن نعطيه حقه لأنه فنان كبير وأعتقد أن هذا يكفيه .
· أسماء أخرى : شاركت في هذا العمل عدة وجوه جديدة كانت متفاوتة العطاء حسب قدرات كل واحد منهم وهؤلاء هم فتحي قطان – باسم عبد الأمير – خليل فرج – عبد الله الطرموم – محمد كاظم – خالد عباس – محمد حميد – باسم عبد اللطيف – هاني القصار – شبيب الشريدة – محمود – عبد الوهاب عباس ..

الإخراج :

مخرج هذه المسرحية الفنان المخرج الأستاذ أحمد عبد الحليم لا يحتاج إلى مقدمات أو أحاديث عن قدراته ، إلا أن مشاركته في مسرح الطفل تعتبر بالنسبة لنا في الكويت حدثا يستحق أن نقف عنده .

لقد وجدنا الإخراج في هذه المسرحية قد اعتمد في الدرجة الأولى على " حرفنة " أحمد عبد الحليم بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، سواء كان ذلك في رسم شخصيات العمل ، أو تكامل العناصر في العرض ، حيث وجدناه يتعامل مع الإضاءة والديكور بشكل أكثر من جيد . هذه من مميزات أحمد عبد الحليم كمخرج وقد كانت وراء الإبداع العام للعرض . كما أن توظيف الغناء والموسيقى في النص في هذا العمل يقدم نموذجا متكاملا لمسرح الطفل المطلوب أن يقدم للأطفال ، ونسجل للمخرج تفوقه في تقديم عرض مميز في تاريخ الحركة المسرحية في الكويت ، ولا سيما في مجال مسرح الطفل .

الديكور والإضاءة :

ماجدة سلطان خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية والمعيدة في المعهد استطاعت في هذه المسرحية أن تقدم ديكورا بسيطا وأنيقا ، وطبعا إن البساطة هنا ليست سهلة كما يعتقد البعض ، بل هي صعبة التنفيذ حين يطلب منها الإيحاء والتأثير في الحركة والإضاءة معا والتي وجدناها جيدة مع الفنان جاسم وهو أحد شبابنا الذين نترقب لهم مستقبلا باهرا ، والصوت للفنان عبد الهادي مال الله وجهود فاتن الدالي مساعدة للمخرج . كما أننا نحب أن نسجل هنا نقطة مضيئة لأحد الشباب وهو عبد القادر السعدي الذي صمم الأزياء والإدارة المسرحية للفنان البيلى أحمد .

الغناء والموسيقى :

شارك في هذا الجهد البارز في العمل المسرحي كل من الملحن الأستاذ غنام الديكان الذي قام بتلحين اللوحات التالية " أول ما نبدي " و " الحلم " و " أعلنوها حرب " وأغنية " الصيادين " و " قال الشارع " وهي خاتمة المسرحية . أما الملحن الشاب عبد الله راشد فقد قدم أغنية " ست الحسن " و " السوق " وأغنية " دلوني " وأغنية " لا سجود لا ركوع " .

كتب كلمات الأغنية الشاعر الغنائي عبد الأمير عيسى والتوزيع الموسيقي للأستاذ حسين أمين .
الشاطر حسن
تحقق نجاحاً ساحقاً نصاً وإخراجا
نقد وتحليل عزت علام
مجلة ( عالم الفن ) 1 سبتمبر 1984
في الساعة السادسة من مساء يوم الأحد الماضي 26 / 8 / 1984 قدم مسرح الناس عرضه الأول لمسرحية ( الشاطر حسن ) على خشبة مسرح عبد العزيز المسعود بكيفان ، والمسرحية من تأليف السيد حافظ وإخراج أحمد عبد الحليم أستاذ الإخراج ورئيس قسم التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية. حضر العرض الصحفيون والنقاد والممثلون والممثلات والعاملون بالإذاعة والتلفزيون وجمهور غفير ملأ المسرح عن آخره ، حتى إنه لم يعد هناك موطئاً لقدم ، فالكراسي الإضافية امتدت على طول ممرات المسرح ، وإزاء هذا الازدحام رأى المشرفون على النظام أن تغلق الأبواب ، وبقيت أعداد كثيرة خارج المسرح ، وهي ظاهرة ملفتة للنظر لم تتكرر من قبل إلا في عروض الفنان عبد الحسين عبد الرضا . وسبب حضور هذا العدد الضخم من المشاهدين هو جاذبية أحمد عبد الحليم كمخرج والسيد حافظ كمؤلف حيث توقع الجميع أن يشهدوا عملاً فنياً راقياً يتسم بالجودة .
المؤلف وفكرة المسرحية
صحيح أن اسم المسرحية ( الشاطر حسن ) ولكنها لم تأخذ من الأسطورة الشعبية المعروفة سوى اسمها فقط فالسيد حافظ المؤلف من القلائل الذين يدركون تماما أهمية مسرح الطفل ودوره التربوي في تنشئة الأطفال جيل المستقبل . وسبق له أن قدم مسرحية (سندريلا) من إخراج منصور المنصور وحصلت على جائزة أحسن عمل مسرحي للأطفال عام 1983 في الاستفتاء الذي أجرته جمعية الفنانين الكويتيين بالاشتراك مع مجلة عالم الفن .
فالمؤلف السيد حافظ واحد من هؤلاء الذين يحترمون أنفسهم ويدركون تماما أن للكلمة قدسيتها وسلطانها الذي لا يقهر ، وهو ليس وافدا أو طارئا على مجال الأدب فله عدة مسرحيات قدمت على خشبة المسرح في مصر وبعض الأقطار العربية .
تدور فكرة مسرحية ( الشاطر حسن ) حول حكاية بسيطة ؛ الشاطر حسن ذلك الشاب الشهم الأمين الذي يجد كيسا من النقود في السوق ، وعلم أنه فقد من الأميرة ( ست الحسن ). وعندما شاهدها من خلال سور القصر أيقن أنها صاحبة كيس النقود ، وأثناء محاولته تسلق السور بمساعدة زميله ألقي القبض عليه . ووجد السلطان أن الشاطر حسن يشبهه تماماً فعرض عليه أن يتبادل معه الملابس ويحل كل منهما محل الآخر لمدة ثلاثة أيام . وإزاء ذلك وجد الشاطر حسن نفسه في قصر السلطنة وبين صولجان الحكم ، ومن ثم تدور الأحداث ليرينا الكاتب مفهوم الحكم عند رجل الشارع الذي عانى من الظلم ، هل يستأثر بالسلطة ليعوض أيام الحرمان ؟ أم أنه يظل أمينا مع نفسه كما كان مهما كان موقعه في الحياة سواء وهو على رصيف الشارع أو على كرسي الحكم ؟

البناء الدرامي :
لا شك أن المؤلف كان مدركا تماما لأصول وقواعد الكتابة المسرحية ومن ثم جاء نسيج أحداث المسرحية متماسكاً غير مهترئ . بدأت الأحداث صغيرة وناعمة تتناسب وعقلية الأطفال الذين كتبت من أجلهم هذه المسرحية وابتدأ التصاعد رويدا رويدا إلى أن تغيرت المواقع ، فصار الحمال سلطانا والسلطان حمالا . هنا تكون المسرحية قد بلغت مرحلة العقدة أو الأزمة : كيف يتصرف كل منهما في موقعه الجديد من خلال المفارقات التي أشاعت جواً من المرح اللذيذ بالنسبة للأطفال وهم يرون ارتباك الشاطر عندما يصبح سلطانا وهو يتصرف بعفوية ، وفي نفس الوقت عندما يرون السلطان وهو غير قادر على معايشة الناس أو القيام بالأعباء التي كان يقوم بها الشاطر حسن . هنا يعطي المؤلف قيمة ودرسا للأطفال في أن العمل الشريف واجب ، وأنه يزيد من ارتباط الفرد بالبيئة والمجتمع ، وأيضا يعطي أهمية لمفهوم العدل والحكم عندما أمر الشاطر حسن بالإفراج عن كل المظلومين وأعلن أنه لا ظلم ولا طغيان بعد اليوم ، وأنه رفض شروط الصلح مع مغتصبي جزيرة الحوت والتي كان اسمها جزيرة ( الأمل ). هنا نلحظ أن المؤلف تعمد أن يعطي رموزاً و إسقاطات معينة من خلال اختيار هذين الاسمين اسم الجزيرة عندما تصبح في يد المغتصب أسموها جزيرة ( الحوت ) دلالة على القدرة على الابتلاع ، ابتلاع كل شيء . وعندما يستهجن الشاطر حسن هذا الاسم ويعلن أن اسمها الحقيقي جزيرة ( الأمل ). فالمؤلف يعني بذلك الأمل في الخلاص من كل ما نعانيه يكمن في هؤلاء الصغار الذين يجب أن تعاد تربيتهم على أسس وقواعد سليمة وأن نرسخ في أعماقهم مفهوم الحرية والأمانة والصدق والعدل . وهنا يعلن الشاطر حسن الحرب من أجل السلام و الحرب من أجل استرداد الأرض . وتشارك مجاميع الأطفال مع الكبار في خوض غمار الحرب ، وهنا يرسخ الكاتب مبدأ هاما وهو أن كل إنسان مهما كان صغيراً أو كبيراً له دور في تحرير الأرض واستردادها من المغتصب . إن مفهوم هذا الرمز يكون أكثر وضوحاً لدي الكبار وأقصد بهم أولياء الأمور أو من سيجلبون الأطفال لمشاهدة المسرحية ، بينما الأطفال سوف يجدون الرمز بسيطا واضحاً من خلال الأغنية الحماسية وملابس الأطفال وهم يحملون السلاح . إن الدفاع عن الأرض واجب مقدس . إذن الكاتب حمَّل النص العديد من القيم والمبادئ التربوية التي يجب أن نوليها عناية فائقة ، وأن نعمق مفاهيمها في نفوس أطفالنا حتى يشبوا وقد رسخت تلك المفاهيم في وجدانهم !!
لقد استند الشاطر حسن على القوة الحقيقية الكامنة في الجماهير وعبر بعفوية عن رأي رجل الشارع ، وتلك رموز أخرى غلفها المؤلف ( في حبة بنبوني للأطفال !! ) وتأتي في النهاية لحظة التنوير أو الحل أو ما يسميه البعض بالنهاية جاءت أيضاً مدروسة بإتقان من قبل السيد حافظ وكأنه الدرس الأخير للكبار والصغار معا عندما علم السلطان بإعلان الحرب اندهش وتصور أن الدنيا قد ( خربت ) ، ولكنه في النهاية أدرك إنه قرار صائب وسليم لأنه استند إلى قوة حقيقية وهي جموع الشعب التي تستطيع أن تقف بقوة وصلابة في سبيل استرداد الأرض المغتصبة ، وأن المخاوف لا تكمن في نفوس الخائفين على الكراسي الوثيرة أمثال وزير السلطان حسان الذين كانوا يزيفون الحقائق . بعد انتهاء الأيام الثلاثة تبدلت المواقع مرة ثانية ووضحت الرؤية تماما أمام رجل القصر ورجل الشارع . وعندما أراد السلطان حسان أن يكافئ الشاطر حسن رفض أن يأخذ أية مكافأة بل إنه سلم كيس نقود الأميرة ست الحسن إلى السلطان ليعطيه لها . وهنا وكأن المؤلف يهمس في آذان الأطفال : نعم الأمانة ؛ لا تنسوا الأمانة والصدق يا أبنائي . ونحن نباله أيضاً الهمس لقد وضعت قدميك على أول الطريق الصحيح ونجحت فيما أردت أن تقوله لنا جميعاً يا سيد حافظ .
الإخراج :
قام بإخراج المسرحية أحمد عبد الحليم رئيس قسم التمثيل وأستاذ الإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية ، وهو واحد من المخرجين المسرحيين العرب القلائل الذين يمنحون أعمالهم كل ما لديهم من طاقات إبداعية وفنية ، وتاريخه الفني يشهد له إنه أحد أفراد مجموعة صغيرة يتربعون على عرش الإخراج في عالمنا العربي طوال عشر سنوات أستاذا في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت ، قدم خلالها أعمالا فنية تستحق الدراسة المتأنية لما لها من سمات ومميزات خاصة .
الملفت للنظر حقاً في هذه المسرحية أنها ضمت مجموعة كبيرة من الأطفال والكبار ، وهو الأمر الذي لم يحدث من قبل في أي مسرحية عرضت على خشبة المسرح بالكويت . وفي تقديري لهذا العدد أن يقترب من الخمسين إن لم يزد عن هذا الرقم . على أية حال لقد استطاع المخرج أن يسيطر على هذا العدد ، وأن يرسم ( الميزانسية ) أو يخطط له على خشبة المسرح ، فإذا بتلك الجموع وهم أطفال صغار يؤدون الحركات كما رسمها المخرج تماما . ومن مميزاته أيضاً إنه لا يوجد سنتيمتر واحد خالياً من الحركة على خشبة المسرح . هذا بالإضافة إلى اهتمامه الشديد الذي ظهر في إخراج الأغاني التي لعبت دوراً رئيسياً في الحدث . لقد جعلها أحد العوامل الرئيسية التي تساعد على نمو الأحداث الدرامية . لم يلجأ أحمد عبد الحليم إلى أسلوب فانتازيا الإخراج أو الإبهار بل اتبع الأسلوب المباشر الذي يحرك العقل والوجدان ، وحتى لا يصرف الأطفال عن الأهداف الرئيسية للمسرحية ومن ثم يمكنهم متابعة الحوار دون أن يشتت أفكارها ، ولهذا جاء انطباعهم عفوياً عندما كانوا يصفقون في المواقف الحماسية التي شدت انتباههم ، ولا سيما وهم يتابعون نشيد الحرب . كان رمزا موحيا من المخرج أن جعل الأطفال الصغار في آخر مشهد من الأغنية يسلمون السلاح لمن هم أكبر منهم وكأنه يريد أن يقول أنه من أجل هؤلاء نقاتل لنعيش .
هذا بالإضافة إلى أنه أحسن اختيار خليل فرج وعبد الله الطرموم ومحمد كاظم ليكونوا حراس السلطان فهم بأجسامهم الضخمة أشاعوا جوا من المرح لدى الأطفال ، ولا سيما عندما استخدم ( الفلاشر ) وهم يجرون ويتخبطون في بعض على خشبة المسرح مع مصاحبة الموسيقى التصويرية المناسبة لهذا الموقف . ومن الملامح الذكية أن المخرج ميز بين السلطان والشاطر حسن ، وهو شخصية واحدة يلعبها الفنان عبد الرحمن العقل بأن جعله يضع يده اليسرى على صدره عندما يكون في موقع السلطان وتظل هكذا ملازمة لهذا الوضع . ولا ننسى جهد المؤلف في أن جعل الإضاءة عاملاً فعالاً ومشاركاً في العرض بحسن التوقيت لاستخدام الألوان وفقاً لتطور الأحداث .
أما تدريبه للكبار ورسم الحركة لهم فقد كان شيئاً مميزا ؛ مثلاً حركات أسعد سعيد رغم قصر دوره إلا أنه كان ملفتاً للنظر لأنه رسم كاريكاتير معين باتجاه الحارس إلى كرسي السلطان والنظر إلى الأرض مع الانحناءة ، بينما الكرسي كان خالياً عندما دخل الشاطر حسن لأول مرة بهو القصر وجلس على مقعد جانبي لم ينظر إليه الحارس بينما اتجه الكرسي مباشرة عندما سمع النداء عليه لأنه تعود أن ينحني أمام السلطان ولا ينظر إليه . هذه إحدى اللمحات الفنية الدقيقة من أحمد عبد الحليم . وأيضا ذلك المشهد الذي جعل فيه أحد الحراس خلف الديكور الذي صمم بطريقة فنية لكي يبدو في بعض المواقف كأنه قضبان حقيقية عندما يقف خلفه شخص ما لأنه مصنوع بطريقة ( الشبك ) ، في الوقت الذي أعلن فيه الشاطر حسن الثورة على رجال القصر وقف الحارس الضخم خلف الديكور فظهر كأنه في قفص الاتهام . إنها بصمات أحمد عبد الحليم الفنية . الحقيقية إن إخراجه لهذه المسرحية كان نجاحاً كبيراً ولولا ضيق المساحة المخصصة للموضوع لأسهبنا في ذكر العديد من النقاط الفنية الخاصة بإخراج أحمد عبد الحليم ( للشاطر حسن ) .
الموسيقى والأغاني :
كلمة صدق وعدل إن الموسيقي والأغاني لعبت دوراً درامياً حقيقياً في هذه المسرحية، وأن مؤلف الأغاني الشاعر عبد الأمير عيسى كان رائعاً وذكياً في اختيار ألفاظ ومعاني الكلمات التي تدخل ضمن نسيج المسرحية بحيث أن لا يمكن الاستغناء عن أي أغنية وإلا ظهر الخلل واضحاً ، ومن ثم جاءت الأغاني مواكبة ومعبرة عن الأحداث وتصاعدت معها خطوة خطوه ، فإذا بالبناء الدرامي يتكامل وتتضح معالمه من خلال كلمات الشاعر عبد الأمير عيسى . ومما زادها روعة وأداء ألحان غنام الديكان الذي يشارك لأول مرة بموسيقاه في مسرح الطفل . حقاً إنها بادرة تستحق التسجيل . لقد استخدم الجمل الموسيقية القصيرة التي يسهل حفظها وترديدها والتي تناسب الأطفال ، وكان جميلاً جداً أن نرى الأطفال وهم يتفاعلون مع الموسيقى والغناء ، فكانوا يصفقون على نفس النغمة بعفوية ظاهرة .
إن مساهمة الملحن غنام الديكان في هذا العمل يعتبر علامة بارزة في مسرح الطفل ، وأيضا ألحان عبد الله راشد كانت على نفس المستوى من الجودة والإتقان والتفهم لطبيعة الطفل . ولا يمكن أن نغفل التوزيع الموسيقي والموسيقى التصويرية لحسين أمين والتي عبرت عن المواقف المتعددة خير تعبير . وتأليف الموسيقى التصويرية لمسرحية محددة يكون أكثر جودة من الاستعانة بمقطوعات موسيقية مختارة .
الممثلون :
لقد أبدعوا جميعاً وأدوا أداء رائعاً ، ولا سيما الفنان عبد الرحمن العقل بطل المسرحية ، والفنانة استقلال أحمد التي تزداد تألقاً من عمل لعمل والفنان الخفيف ( الدم ) محمد جابر ، وأيضا أجد الفنان كاظم القلاف بصوته المميز في دور الوزير الذي أتوقع له مستقبلاً كبيراً بصوته نسخة أخرى من صوت الفنان المصري الراحل حسن البارودي . إنه بجسمه الذي تم تطويعه لأداء الحركات الكوميدية وطوله الفارع يمكن أن يكون واحدا من نجوم الكوميديا لو كان موجوداً في مصر ، ومن المؤكد أنهم سوف ( يلتقطونه ) ليكون ( كومديان ) محترف . ولا ننسى هدى حماده والثلاثي ( الشيرمان ) خليل فرج ومحمد كاظم وعبد الله الطرموم . أما كل الأطفال الذين شاركوا في هذا العرض فقد كانوا نجوما لالتزامهم بأداء الحركات دون أي خلل ولشدة انضباطهم .
الفنيون :
لقد بذلت المخرجة المساعدة فاتن الدالي جهداً واضحاً هي وبقية الكاست ، فني الصوت عبد الهادي مال الله ، الإضاءة جاسم الملا ، إدارة مسرحية البيلي أحمد ، مكياج عبده طقش . وساهم في تصميم الرقصات سامي طاحون مع عبد الرحمن العقل .
وبعد :
لقد جاءت مسرحية ( الشاطر حسن ) أملا واعدا وخطوة كبيرة تساند خطوات سبقتها على الطريق ، وما يزال الأمل يراودنا في أن يتدعم مسرح الطفل بعطاء هؤلاء الذين يفهمون ويدركون أن الكتابة للأطفال رسالة مقدسة تستحق أن يبذل من أجلها الجهد والعرق ، فالحصاد وإن كان سيأتي متأخراً إلا أنه سوف يعيد صياغة الحياة من جديد .
















* تم ترتيب المقالات حسب تاريخ ظهورها . وإذا وجدت أكثر من مقالة بنفس التاريخ ، اعتمدنا الترتيب الأبجدي للأسماء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق