الخميس، 2 أبريل 2009

مسرح الطفل فى الكويت ج4


مسرحية لـولـو والخالة كـوكـو :
وإذا كان السيد حافظ أشرنا سابقا قد استلهم مواضيعه المسرحية من التراث الشعبي أو المأثور الشعبي العربي والغربي كذلك المتمثل في سندريلا ، إلا أنه في مسرحية " لولو والخالة كوكو " يستنبط موضوعه من واقع حياتنا المعاصرة . حيث يتناول فيها موضوعا جديدا ، وهو دور الشغالة في حياة الطفل . هو موضوع لم تتناوله الدراسات إلا نادرا ، رغم تزايد نسبة الأسر العربية التي تعتمد على الشغالات في إدارة بعض جوانب حياتها ، نظرا لانشغالها بأعبائها المهنية وبنشاطها خارج المنزل . فأحدث هذا تغييرات عميقة في نظام الحياة في الأسرة العربية ، وساعد على إطلاق يد الشغالات في حياة الأسرة . وخاصة فيما يتعلق بحياة الأطفال الصغار والكبار .
وقد كان السيد حافظ ذكيا وموفقا في توظيف هذه القضية الشائعة بين أوساط الأسر اليوم . وقد تحتل الشغالة منزلة في الأسرة يجعلها عضوا فيها ، لاتصالها الحميم بأفراد الأسرة خاصة الأطفال ، حيث يقضي الطفل معظم الوقت في رفقة الشغالة . بينما يقضي الوالدان طول النهار في الشغل خارج البيت . وتبقى الشغالة أطول وقت مع الأطفال، وهذا ما يفسر شدة تعلق وارتباط الطفل – خاصة الصغير السن – بالشغالة .
وبناء عليه فالشغالة تلعب دورا خطيرا في حياة الطفل خاصة في مرحلته العمرية المبكرة . في تلك الفترة التي تختلي فيها بالطفل ، كثيرا ما يتعلم من تصرفاتها ، والكلمات التي ترددها ، والحكايات أو الخرافات التي ترويها له والمليئة بالمخاوف والمخاطر . كل هذا ينجم عنه عواقب وخيمة تكون لها بصمات سيئة على نفسية الطفل المحروم من حنان الأم وعطف الوالد المشغولين دائما ، ويتجلى لنا سوء هذه المعاملة وشدة احتياج الطفل لوالديه من خلال الحوار التالي :
لولو : شغلت في الفيديو فيلم مرعب .
نبوية : قبل ما أمشي طفي النور ، اشربي الحليب ، ونامي .. نامي يا حلوة نامي.
لولو : رايحة فين ؟
نبوية : رايحة عند أم أمين أشوف الفنجان .
لولو : بابا فين ، ماما فين ؟
نبوية : عندهم عشا عمل – اجتماعات – مناقشات .. وفلوس .
لولو : شغلت الفيلم المرعب .. الشباك يخبط .. الرعد .. المطر .. قفلت الباب وطلعت أنادي يا نبوية .. يا نبوية الهواء شديد قفل الباب .. قعدت أخبط وأخبط ما فيش فايدة .
كوكو : يا سلام هي دي الأمهات والأبهات والأفلام ، قلت لي أبوك اسمه إيه وأمك اسمها إيه : تركية .
وقد عمد المؤلف من خلال هذا العمل المسرحي إلى ترسيخ مجموعة من القيم والمبادئ في ذهنية الطفل على رأسها أهمية الصدق ، فالخالة كوكو توصي لولو بالصدق في تصرفاتها وفي كلامها ، كما تعلمها مجموعة من الأمثال السائدة التي لابد من التسلح بها حتى تستطيع مواجهة ما يعترضها في الحياة . وهي بالتالي موجهة إلى الطفل القارئ أو الطفل المتفرج، منها : العلم نور ، من خرج من بيته يتقل مقدار . إلى جانب هذه القيمة التربوية التي تتضح لنا في الديالوج التالي :
لولو : أنا مالبيسش هدوم حد غريب .. ولا أمسح بفوطة حد غريب ولا أغسل أسناني بفرشة حد غريب . مش سوزي قالت لنا كده .
ومن هنا ، أظن أن السيد حافظ وفق في طرح هذه المشكلة الاجتماعية الجوهرية التي لم يتطرق لها المسئولون والدارسون من قبل ، رغم خطورتها على شخصية الطفل وتكوينه المعرفي والنفسي كذلك . لقد أراد السيد حافظ أن يبرز الدور الذي تلعبه الشغالة في حياة الطفل ، وما يترتب عليه من نتائج تتراوح في مدى وقعها النفسي على الطفل . مثل ما قامت به الشغالة " نبوية " حيث تركت لولو في البيت بمفردها في الظلمة الحالكة وفي جو مرعب " رعد – مطر – برد شديد " كما سمحت لها تشغل فيلم فيديو مرعب ، فهي لا يهمها ما ينجم عن هذا التصرف من سلبيات خطيرة تنعكس على نفسية الطفلة لولو من خوف ورعب وفزع.
والنصيحة التي يقدمها السيد حافظ لكل أب وأم هي رعاية أطفالهم رعاية تهتم بالجانب التربوي والخلقي والنفسي كذلك . فليس مهمة الآباء توفير الظروف المادية من مأكل ومشرب وملبس ، بل لابد من إعطاء الاهتمام الكبير للطفل ، وتنشئته على مكارم الأخلاق والقيم النبيلة، لأن المدرسة وحدها غير كافية إذا لم تتعاون معها الأسرة في تنشئة الطفل أخلاقيا ومعرفيا.
***************
مسرحية سندس :
في الواقع أن السيد حافظ في هذا العمل الإبداعي المسرحي لم يرجع إلى التراث لمعالجة موضوعه المسرحي ، ولكنه رجع إلى الواقع ، إلى حاضر الأمة العربية الراهن المهترئ ، في هذه المسرحية يعالج المؤلف قضية فلسطين ، وهذه هي القضية العربية الأم ، والمسرحية تناقش وتتبع مسار القضية الفلسطينية في المحافل والساحات الدولية . ويبرز لنا حافظ من خلال المسرحية كيف نشأت أول خلية يهودية في أرض فلسطين (بيت سندس ) وكيف نشأت وتطورت فلسطين ، وقضية استقلاله كقضية " شاذة " بين قضايا التحرر في العالم الثالث ، وهذا الشذوذ يفسره استمرار خضوعها بشكل أو بآخر للدول الاستعمارية ، وإذا رجعنا إلى النص المسرحي سوف نجد هذا واضحا في الديالوج التالي:
أم سارة : ذهبنا إلى بلاد كثيرة .
سارة : وطردنا من كل بلد .
أم سارة : إنها النهاية يا سارة .
سارة : نهاية ماذا يا أمي ؟
أم سارة : لن نطرد ثانية في أي بلد ولا من أي بيت .
سارة : لست فاهمة !
أم سارة : سنعيش هنا إلى الأبد .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المؤلف لم يعالج هذه القضية بطريقة صريحة مباشرة بل تناولها بشكل رمزي إيحائي ، فهو لم يستعمل كلمة فلسطين إطلاقا ولكنه رمز إليها ببيت سندس الذي احتلته سارة وأم سارة ، اللتين دخلتا إلى بيت سندس بعد أن توسلتا إليها بأن يقضوا الليلة معها . وببراءة وسذاجة قبلت سندس ضيافتهما ، وهنا يبدأ التكون الجنيني للمشكلة . ذلك أن الضيافة لم تعد ضيافة ، بل استعمار و احتلال بيت المسكينة سندس التي تصرفت معهم بحسن نية وبكل شهامة . وخطؤها هو أنها لم تعرف مسبقا من هم هؤلاء الأغراب الذين قصدوها للضيافة .
والسيد حافظ هنا يريد أن يطلع الطفل العربي على الواقع الراهن ، قضية الأمة العربية – القضية الفلسطينية – ولكنه كما قلنا آنفا لم يصرح بها بل اكتفى بالرمز إليها ببيت سندس " الذي استوطنه الأغراب وهذا هو الفن كما يقول " عز الدين إسماعيل" إننا نشاهد على المسرح أشياء ندرك من ورائها أشياء أخرى ، ونرى على المسرح أفعالا ندرك من ورائها حقائق ، أو هكذا ينبغي أن يكون الأمر . فالعمل المسرحي إذن يتمثل في تحقيق هذين العنصرين : العملي والعنصر الإدراكي . وانطلاقا من هذا المفهوم ، فالمسرح يتخطى عملية التسلية والتفكهه المحضة ، بل هو وسيلة اتصال فعالة للتعبير عن قضايا العصر وتعريف الطفل هموم الإنسان العربي ، ومشاكل الواقع العربي ، حتى لا يعيش بعيدا عن واقعه معزولا عنه . وعليه حاول حافظ أن يجعل من المسرح وسيلة لبلورة حياة الطفل وغرس فيه روح الثورة والتمرد والسخط على الواقع بكل تناقضاته ، ولكن مع ذلك لابد من توفير خاصية التسلية ، لأنها واحدة من خصائص مسرح الطفل ، يقول " نمير و فيتش دانتشكو " : ليس المسرح ضربا من العبث ولعبا فارغا ، فتصور أن يجتمع في صالة العرض فجأة وبدون موعد سابق خمسة آلاف أو ستة آلاف شخص لا تربطهم رابطة شخصية ببعضهم البعض ، وإذا بهم ينفعلون انفعالة واحدة ، ويضحكون ضحكة واحدة ، إن المسرح مدرسة يمكن أن تقد للبشرية الخير الكثير " .
والطفل كما يرى المؤلف يدرك هذا الرمز محاط بأجهزة الإعلام " التلفزة – راديو- جرائد " كلها تجعله يعيش واقعه ويعرف عنها الكثير ، فأي طفل لا يعرف منهم أطفال الحجارة ، طبعا جل الأطفال إن لم نقل كلهم يتعاطف معهم ويشجعهم على مواصلة دربهم النضالي ، ويحييهم على استماتتهم في وجه العدو . هذه لعبة الكاتب التي يريد أن يوصلها إلى الطفل العربي ، جيل الغد الذين أراد أن يعلمهم التمسك بالحرية والكفاح والثورة من أجل الدفاع عن الوطن ، وكأنه يقول لهم بصوت عال " ارفعوا أسلحتكم ، فالخطر يدق على الأبواب غيروا واقعكم حتى تعيشوا في سلام وأمان ، يقول " بريخت " عن قدرة المسرح على التعبير عن قضايا الحاضر : " إن مسرحية الحاضر هي المسرحية التي تدعو إلى تغيير العالم " ويقول أيضا " أن كلمة المؤلف غير مقدسة ، أكثر مما هي حقيقة ، وأن المسرح ليس خادما للمؤلف بل للمجتمع " .



















دراسة تحليلية لنموذج " محاكمة علي بابا "
الأدب الشعبي – كما سبق وأن أشرنا آنفا – أدب يعبر عن الجماعة ويعكس آلامها وآمالها وأحلامها . فهو صورة معبرة عن الشعب ، ويصل إلى الشعب بكل طبقاته ومستوياته وانتماءاته الاجتماعية والسياسية والثقافية . والأدب الشعبي كما تقول " نبيلة إبراهيم " تعبير عن آمال الشعب الذي كان يرتاح إلى هذا التعبير لأنه يصور له العالم الجميل الذي يصبوا إليه " . ويعتبر كتاب " ألف ليلة وليلة " أهم مخزون تراثي شعبي يزخر به تراثنا التليد ، لما يتضمنه من نوادر وطرائف وعجائب ، إنه صورة حية معبرة عن العبقرية الشرقية . و" ألف ليلة وليلة " أدب شعبي تعدى الحدود الجغرافية ليؤثر في العالم كله. فصار هذا الكتاب المنفذ الذي توغل من خلاله الغرب إلى الأدب العربي . وعن طريقه كونت أجيال القراء الغربيين أفكارها عن الشرق . وأثر في نمو الاهتمام في الجامعات الغربية بالدراما الشرقية والفلكلور والقصص المتأثرة بالشرق . وفوق هذا كله أثر في العديد من الكتاب الأوربيين ، فقد ذكر "فولتير" أنه لم يكتب قصصا إلا بعد أن قرأه أربعة عشر مرة ، بل أنه اعتقد بعد قراءاته العديدة للكتاب أن القصص نوع أدبي من ابتكار العرب . وتمنى " استندال " أن ينسى ذكراه التي علقت بذهنه حتى يعود إليه فيستعيد متعة قراءته مرة أخرى . كما تمنى " سومرسوت " أن يتعلم العربية حتى يتمكن من قراءته في أصله العربي .
وبناء على هذه الشهادات الغربية – على سبيل التمثيل لا الحصر – يتبين لنا أن كتاب " ألف ليلة وليلة " حظي باهتمام كبير و متواصل من طرف الدارسين والأدباء الغربيين ، أما نحن العرب كما يقول الدكتور " محمود ذهني " فقد حاكمنا الليالي ووجهنا إليها تهمة إفساد الخلق والحض على الرذيلة وأهملنا "كليلة ودمنة" واعتبرناها تراثا أثريا لا يتماشى مع العصر . وبقي أطفالنا دون زاد ثقافي قومي يعطيهم الدفعة الوجدانية التي تتطلبها الحياة ، وتمنحهم الثورة على مواجهة الغزو الاستعماري الثقافي ويضيف قائلا " أما الذين يتحدثون في أزمة الشباب المعاصر ، فإنني أوجه أنظارهم إلى واحد من أهم أسبابها وهو حرمان أطفال الأجيال الحديثة من هذا الزاد الوجداني التربوي ، منذ أن انقطعت المرأة عن أطفالها ، وانشغلت عن بيتها وأولادها ، دون أن تقدم لهم البديل المناسب ، ففقد الأطفال متعة الأدب الشعبي . وطه حسين بدوره يؤكد لنا أن عدم إقبال الأدباء العرب على كتاب " ألف ليلة وليلة " والأدب الشعبي بصفة عامة ، راجع بالأساس إلى اعتبارهم هذا الأدب دون مستوى الأدب الفصيح أو الأدب الرسمي يقول: " لسوء الحظ لا يعني العلماء في الشرق العربي بهذا الأدب الشعبي عناية ما ، لأن لغته بعيدة عن لغة القرآن " . ونحن إذ نقول هذا لا نروم سلب الأدباء العرب مزية الاهتمام بتراثنا الشعبي ، إنما نشير إلى أن هذه الثروة الثقافية الفكرية لم يلتفت إليها الأدباء العرب التفاته واعية إلا مؤخرا .
ومن باب التأكيد نشير إلى أن كاتبنا السيد حافظ من جملة هؤلاء الذين تنبهوا إلى أهمية التراث الشعبي . لهذا راح يجيبه ويبعث في روحه فن جديد ليقدمه غذاءً روحيا قوميا للناشئة بعد أن يضعه في الثوب الذي يناسب عصره وواقعه . وقد سبق أن تعرضنا لمجموعة من المسرحيات التي استوحاها من الأثر الشعبي ، سواء تلك التي توجه بها إلى جمهور الكبار ، أو تلك التي خص بها جمهوره من الأطفال بدءا بسندريلا إلى الشاطر حسن ، وأخيرا محاكمة علي بابا . وهو يعود إلى التراث لا ليهرب من سلطة الرقابة ولكن ليوقظ روح الأمة يقول : " إن الاتجاه إلى التراث عندي محاولة لإيقاظ روح الأمة والشعور بالانتماء للوطن والأرض والقيم المتوارثة التي تعيش عليها . ولابد من التصدي لها أمام كل التيارات الثقافية الواردة وتريد منا الكثير " .
مرة أخرى يعود حافظ إلى الطفل العربي ليقدم له مسرحية " محاكمة علي بابا " التي يلتقي بها مع المخرج القدير " أحمد عبد الحليم " . وقد سبق وأن تعاون معه في مسرحية الشاطر حسن المقدمة في الموسم الماضي . وفي محاكمة علي بابا يلجأ المؤلف مرة أخرى إلى التراث الشعبي ، فيستوحي منه إحدى حكاياته الشعبية المعروفة لدى جمهور الكبار والصغار معا وهي " علي بابا والأربعين حرامي " ومحاكمة علي بابا هي تجربة مسرحية جديدة في عالم الطفل ، يطرح فيها تساؤلا جديدا أمام الطفل حول هذه الأسطورة الشعبية . وهو " من الحرامي علي بابا أم الأربعين حرامي " ؟؟ وذلك ضمن معالجة عصرية مرتبطة بالواقع الحالي . وهذا ما أكده لنا من خلال جميع الحوارات التي أجريت معه والتي سوف نتطرق إلى بعضها . يقول المخرج " أحمد عبد الحليم " عن قصة المسرحية " مسرحية محاكمة علي بابا حكاية تراثية عربية سبق وأن رأيناها في التلفزيون والسينما ، لكن المسرح لم يقدمها من قبل إلا في بعض الأعمال المسرحية للكبار ، كمسرحية " عالم علي بابا " للمؤلف " نبيل بدران " . ولاشك أن مثل هذه الحكايات يتناولها المؤلف برؤية جديدة تختلف عما قدم في الأجهزة الفنية الأخرى . ويبدو من عنوان " محاكمة علي بابا " أن هناك إدانة لعلي بابا ، بخلاف ما جاء في الأسطورة التي تناقلتها الأجيال بمفهوم راسخ وهو أن علي بابا يمثل عنصر الخير في الحكاية . لكن في مسرحياتنا هذه مغاير تماما ، بحيث نجسد لنا رؤية عصرية جديدة تقوم على مفهوم جديد يمكن تلخيصه بأن علي بابا أصبح لصا شريفا سرق لصوصا غير شرفاء " .
فعلا سبق أن تعرفنا على علي بابا وحكايته مع الأربعين حرامي في حكايات " ألف ليلة وليلة " وذلك عبر أجهزة فنية أو قصص أدبية ، ولكنها اليوم تعرض بطريقة مختلفة عما عرض لعلي بابا من قبل . فكلنا نعرف أنه إنسان شجاع عاش بطلا ذا مروءة ومواقف إنسانية مع الناس ، يقف إلى جانبهم في السراء والضراء ، ويعينهم مما أخذه من المغامرة . ولكن محاكمة علي بابا تثبت لنا العكس ، إنها تثبت أن علي بابا لص تستوجب محاكمته . تم عرض المسرحية على مسرح " عبد العزيز المسعود بكيفان " كتبها السيد حافظ وأخرجها الفنان القدير " أحمد عبد الحليم " وقام بدور البطولة الممثل " عبد الرحمن العقل " الذي قام بتمثيل شخصية علي بابا الحطاب الذي ينتقل من الحطابة إلى التجارة . لكن اللصوص لا يتركونه في حاله ، ويحتالون للاستيلاء على دكانه وإعادته حطابا لأنهم يريدون احتكار السوق لصالحهم . وعندما عاد إلى مهنته الأولى (جمع الحطب) اكتشف بالصدفة وجود مغارة لعصابة لصوص يخبئون داخلها مسروقاتهم . وظل مختبئا حتى سمع كلمة السر التي تُفتتح بها المغارة وهي " افتح يا سمسم " . فيبدأ البطل في سرقة المجوهرات من المغارة . وينتقل هو وزوجته مرجانة إلى قصر فخم فيعيش عيشة الأمراء . ولكنه لم ينس أبناء بلدته فأخذ يساعدهم مما يسرق . لكن أصدقاءه في النهاية يثورون عليه ويرجعون له الأموال التي تبرع عليهم بها ، لأنها أموال مسروقة وحرام . ويساعد الأصدقاء ومرجانة ومن معها من النساء على القبض على العصابة ، وتنتهي المسرحية بمحاكمتهم ، وأثناء المحاكمة يعترف علي بابا بالذنب وبأنه سارق سرق أموال غيره ، ويرضى بحكم القاضي وهو قضاء شهر في السجن ، ويعدهم بالتوبة ، وبالعودة لمهنته الأصلية التي يكتسب منها قوته من عرق جبينه .
ولكنه قبل أن يعترف بذنبه وخطئه يحاول تبرير سلوكه هذا لأصدقائه ، بأنه سرق لصوصا ولم يسرق شرفاء وأنه بهذا الصنيع يسترد حقوقه وماله وأموال الفقراء التي سلبوها منهم علانية ودون أي وجه حق . تتضح لنا هذه الفكرة من خلال الحوار التالي :
علي بابا : " للجميع " هل تتهموني بأنني لص ؟
حمدان : ما الفرق بينك وبينهم .. هم سرقوا الناس وأنت سرقتهم .
شهبندر التجار : لص يسرق لصا !
علي بابا : حمدان أنا لم أسرق أنا أخذت حقوقي التي سرقوها سرقوا مني الدكان وأنت
تعلم .
ويتوجه السيد حافظ في النهاية إلى جمهوره الطفلي بقوله لهم :
ويا أطفال بغداد .... يا أطفال الدنيـا
اعلموا أن علي بابا كان شريفا ثم أصبح لصا ..
والسارق لابد أن يسجن .
يقول المخرج " أحمد عبد الحليم " وفي مضمون المسرحية تأكد أنه رغم بساطة الخطأ الذي وقع فيه علي بابا لحسن نيته فإنه لا يفلت من العقاب على أيدي العدالة ، لأن العدالة تفترض دائما أن الإنسان بطبعه لابد وأن يكون خيرا بعيدا عن الشر " .
يقول المؤلف السيد حافظ " لقد شغلتني حكاية علي بابا منذ مدة طويلة فهو في كل مكان يحاصرنا وهو بطل في الإذاعة والتلفزيون والمسرح وأيضا السينما . وعلي بابا هنا رجل حطاب خدمه الحظ وسار في درب من دروب الصحراء فقابل اللصوص واكتشف المغارة ودخلها ، فأصبح ثريا يعيش أحد القصور ، ويخدمه الحظ مرة أخرى ويقبض على اللصوص في منزله ، ويظل كما هو ثريا ، ويعيش في سعادة وهناء . وأمره غريب فكل الظروف تخدمه حتى القانون غائب عنه . وهكذا قدمته على الخشبة لأحاكمه واكشفه على حقيقته ، وأعري وجهه . وأريد أن أقول للأطفال والأجيال القديمة ، أن المال الذي سرقه علي بابا هو مال حرام لأنه مال مسروق لم يحصل عليه بالتعب والكد . وأن من يسرق مال الآخرين يسرق عرقهم وجهودهم وأرضهم . ومن يسرق اللصوص لا يكون بريئا أمام القانون أو أمام الله أو أمام المجتمع ، أن القانون السماوي والوضعي لا يقر السرقة " . وهذه كلمة الممثل " عبد الرحمن العقل " حول تقديمه للعرض المسرحي قائلا " دائما أبحث عن الجديد والجيد ، ومن خلال عدة جلسات بيني وبين المخرج أحمد عبد الحليم والمؤلف السيد حافظ وجدت أن هذا النص به الجديد ، وحيث تعقد أول محاكمة لشخصية علي بابا من خلال شعار هام " هل العثور على الشيء يعطي أحقية الامتلاك كما حدث مع علي بابا عندما عرف سر المغارة ". من خلال هذه الشهادات للعاملين في المسرحية وهم المؤلف والمخرج والبطل ومن خلال قراءتي للنص المسرحي يتأكد لنا أن محاكمة علي بابا هي الجديد في المسرحية . وهي الخط الدرامي الأساسي الذي تدور حوله مجموعة من الخطوط الدرامية الأخرى لتؤكد الكشف عن اللصوص والهادمين للمجتمع .
وهذا " عبد الحميد زقزوق " يستأنف الحكم الذي صدر ضد علي بابا ويقدم لنا الأدلة التي تبرئ علي بابا وتنفي عنه تهمة السرقة بمحض الاختيار والإرادة . فيقول إننا لسنا بصدد عمل مبتكر ، إلا أنه يحسب للسيد حافظ أنه أعاد الصياغة للحدوتة ليقول أمرين :
1 - إن لصوص هذا العصر هم من المتخفين في ملابس الشرفاء ووجهاء القوم فاحذروهم ولا تنخدعوا بالمظاهر .
2 - إن خطأ الآخرين ليس مبررا لنا لكي نخطئ مثلهم ، فسرقة اللصوص مرة أخرى ليسترد منهم ما سرقوه من أموال الشعب خطأ ، و إلا كنا مثلهم لصوصا وجبت محاكمتنا كما حدث لعلي بابا . لذلك ينصب عبد الحميد نفسه كمدافع عن علي بابا . ويرى أنه لم يكن هناك مبررا لمحاكمته بشهر سجن ، أولا لأن جانب الخير كان مازال حيا فيه طوال العرض بدليل تصدقه على الفقراء. وكان خطؤه نتيجة عدم نضج فكري وعدم وضوح رؤية بدليل أنه تراجع عند أول إشارة تنبه بالعدول عن الخطأ . وثانيا وهو الأهم أنه حينما فعل ذلك وهرب من اللصوص لم يكن يهرب من أصدقائه الفقراء بل كان يهرب من اللصوص الذين يعرفون أنه هو سارق أموالهم من خلال النعمة التي أصبح يعيش فيها فينتقمون منه في وقت عجز فيه أصدقاءه عن حمايته أو حماية أنفسهم من شر هؤلاء اللصوص . لذلك يبرر هذا الفاقد أن هذا التصرف الخاطئ جاء كرد فعل لسرقة دكانه منه والاستيلاء عليه و وفاءً للدين ، في الوقت الذي وقف فيه أهل الديرة مكتوفي الأيدي أمام هذا الموقف البشع و اللا إنساني . ويضيف مؤكدا بأنه كان من الممكن تعميق الصراع في هذه النقطة لإبراز ملامح الظلم على علي بابا وأمثاله من صغار التجار. لذلك كان يكفي اعترافه بالخطأ و عدوله عنه حتى يبقى رمزا للخير والقوة في نفس الوقت .
وتقديمنا لهذه الجملة من الانتقادات – سواء التي تناولت هذا العمل المسرحي بالمدح أم بالقدح – ما هو إلا للتدليل على أهمية هذا العمل ، وإلى ما أثاره من جدالات ونقاشات حوله . لأن العمل الإبداعي يكتسب أهمية من خلال ما يثيره من قراءات متعددة ومتباينة .
قالوا بأن السيد حافظ غير جدير بكلمة مؤلف " في هذا العمل كما في أعمال أخرى سابقة " أقول مع السيد حافظ بأنه أحق بهذه التسمية لما قدمه من تعديلات على نص الحكاية الشعبية ، أهم التعديلات هو تقديم علي بابا على الخشبة لمحاكمته لأنه أخطأ . فلابد أن يعاقب ولا يسكت عن خطئه كما في الحكاية . ونلمس هنا هدفا تربويا جوهريا ، وهو أن يعلم الطفل أن من يعثر على شيء لا يعطيه أحقية امتلاكه ، ويعلمه أيضا أن سرقة ممتلكات الآخر حرام ، حتى وإن كان هذا الآخر لصا ، لأن سرقة اللص لا تعني إعادة الحق إلى صاحبه . يقول السيد حافظ " لم أقم بتسجيل القصص الأسطورة بل أقوم بإعادة صياغتها وإحداث العديد من التغييرات في بناءها الدرامي مع جذب وإدخال شخوص درامية للعمل ، من هنا يحق لي أن أصبح مؤلفا للنص المسرحي . وهذه كلمة السيد حافظ يتحدث لنا فيها عن الأهداف التربوية والسيكولوجية التي هدف إليها من خلال إنتاجه هذا يقول: " أحببت في مسرحية علي بابا أن أؤكد أن علي بابا سرق اللصوص وأصبح لصا وأخذ يوزع الأموال من الأموال المسروقة . ولجأ إلى الكسل ، ولجأ إلى السرقة وترك العمل . فبذلك تحول إلى لص جديد يضاف إلى الأربعين حرامي هذه القصة كانت تحمل في طياتها وفي جوانبها مسألة خطيرة ، أن يلجأ الطفل إلى السرقة مرة واحدة في حياته ثم يغتني ، ثم بعد ذلك يتوب ويصبح بطلا ، من هنا تكون الخطورة – ربما - يفكر الطفل في الامتحان السرقة من زميل آخر فينجح ويفوز ولكنه في داخله اللص الذي ينتهز الفرصة مرة واحدة ثم يتوب . هذه المسألة ليست حقيقية ، مسألة خطيرة . فربما يسرق الطفل الإجابة وعندما يكبر يسرق بلدا ، أو يسرق الثروة أو يسرق أحلام شعب أو يسرق تاريخ أمته ، فنعاقبه اجتماعيا ، ونبين أن الجموع لا تتسامح ، وأن الجمهور والشعب لا يباع . وأما الهدف السيكولوجي فهو إبعاد نفسيته عن الجانب السلبي والتفكير السيئ والخلاص من المجتمع ، والنهوض في المجتمع عن طريق الغير بسلب أموالهم أو فكرتهم أو أي شيء من هذا .
كان هدفي كبيرا في هذه المسرحية . وقالوا أن الطفل غير قادر على استيعاب المفاهيم والأفكار التي تضمنتها المسرحية ، وأنها كتبت بأسلوب لا ينتمي إلى الأذهان التي قامت بالمشاركة بتمثيلها أو التي تلقته في قاعة العرض . مثلا ما قاله: " فيصل السعد " " لاشك أن الكاتب عرف بأعمال كثيرة تحمل جودة كبيرة ، وهذا العمل لا يخلو من الجودة ، إلا أنه يكون أجود لو وازن بين المفردة والعمر " . فأرى مع السيد حافظ بأن طفلنا العربي المعاصر يعيش واقعه وظروف وأحداث عصره ويتتبع الأحداث التي يعيشها مجتمعه والتي يعرفها العالم العربي . ولا أدل على ذلك مما نلمسه من ترقب وتتبع كبير لدى الأطفال للحظتهم الراهنة ، وما يجري فيها من أحداث ، حيث يتطلعون دائما وبشغف كبير إلى معرفة المزيد من أخبار " حرب الخليج" . فأصبحت هذه الأحداث تطبع كلامهم وسماتهم وحركاتهم . ومن ثمة يستطيع الطفل أن يكوّن رؤية وموقفا تجاه هذا الواقع . وهذا ما يثبته لنا " جان بياجيه " الذي يقر بأن عقل الطفل يتميز بالنشاط والإيجابية منذ الطفولة المبكرة . فالطفل يجاهد منذ نعومة أظافره لكي يفهم هذا العالم المعقد الذي يجد نفسه فيه " .
وقبل الحديث عن التجديد في المسرحية ، لابد من الإشارة إلى أصل الحكاية الشعبية التراثية . فأصل الحكاية المعروفة بقي كما هو ، كما بقيت الشخصيات الرئيسية كما هي علي بابا ومرجانة وقاسم وزوجته وشهبندر التجار والعصابة والمغارة بالإضافة إلى كلمة السر " افتح يا سمسم " ولكنه من خلال نسيج الكلمات والحوارات دفع المؤلف بخيوط هاجسه الدائم ليحول الصراع بين الفرد المسحوق والسلطة ، كما حوّل من قبل الشاطر حسن إلى ضمير البسطاء ، لذلك أدانه وحاكمه عندما تخلى عن أصحابه عند أول منعطف ( استيلاؤه على مال المغارة وعدم إبلاغه الشرطة ) . لكن حدوتة علي بابا والأربعين حرامي تحولت بعد إعادة صياغتها إلى حكاية جديدة احتوت الكثير من المفاهيم والأفكار المتماشية مع قضايا الإنسان العربي المعاصر على رأسها البحث عن العدل والحقيقة لقد اختلطت الأمور وأصبح من العسير معرفة من الظالم ومن المظلوم حتى تنقشع الغمامة وتعقد المحكمة لتحكم بالعدل على اللصوص وعلى علي بابا الذي يتقبل الحكم برحابة صدر ، وهذا يتضح لنا من خلال كلام " محجوب " : " يا أهل السوق .. يا أهل السوق .. ولد صغير تائه اسمه العدل .. وبنت صغيرة تائهة اسمها الحقيقة .... " .
من هنا وبناءً على ما تقدم يتبين لنا أن القضية المطروحة هي قضية صراع بين طبقتين متفاوتتين ، طبقة كبار التجار الذين يمثلهم شهبندر التجار وقاسم والأربعون حرامي والثانية صغار التجار ويمثلهم علي بابا وحمدان . علي بابا الذي خان طبقته بعد حصوله على الأموال بالصدفة ، ويظهر لنا علي بابا في موقف سلبي ، فالصدفة هي التي تحكمه دائما حيث يكتشف المغارة ويحصل على الأموال وحيث ينتقل انتقاله مفاجئة من عالم الفقراء إلى عالم الأغنياء ، وهذا يبدو جليا في (ص41 – 42 ) من المسرحية . حيث يظهر موقفه السلبي وهو خيانته لأبناء طبقته وأصدقائه بمجرد انتقاله إلى عالم الأغنياء إذ تتغلب نوازعه البشرية على إنسانيته ونبله وإخلاصه لطبقته ، على الرغم من موقف مرجانة الإيجابي ، حيث ظلت تذكّره دائما بهم وبمواقفه الإنسانية معهم ولا ينعم بالمال المسروق حتى يصحوا ضميره في النهاية بعد أن يوقظه أصدقاءه الخيّرون .
ونلمس من خلال المسرحية تعديلا آخر وهو تغير شخصية أخيه قاسم من طماع إلى رئيس العصابة. وربما يكن الهدف من هذا التعديل هو إظهار صورة بشعة من أقبح الصور اللا إنسانية ، وهي صورة ظلم الأخ لأخيه فقط من أجل المال . وحتى يجعل الطفل يشمئز من هذه المعاملة التعسفية ، من ثمة يحاول – قدر الإمكان – تأسيس علاقات أخوية طيبة بين أفراد أسرته وبين الناس جميعا . لكن هذه التعديلات التي أدخلها المؤلف على الحدوته الشعبية لم ترق لكثير من الدارسين والنقاد . فكلمة محاكمة أقامت الدنيا وأقعدتها . ففي الوقت الذي أعجب فيه البعض بفكرة المسرحية وأعجبتهم الكلمة "محاكمة" ففكروا وكتبوا أفكارا حول هذا الموضوع . نجد البعض الآخر من النقاد لم يقبلوا بمحاكمة هذه الشخصية لأنها شخصية مثالية وفاضلة . ولم يسمحوا للمؤلف بزعزعتها أو إحداث أي خدش فيها . فهذا الدكتور "محمد مبارك " يقول " ومواقع التغيير في أصول هذه الحكاية واضحة في هذا العمل ليس لكونها مواقع قوية ، ولكنها قليلة و من الممكن حصرها وتحديدها ، فهي لم تتجاوز اصطحاب علي بابا لصاحبته العنزة التي يسبب له نسيانها في الغابة المتاعب وكشف أمره . وهي ليست بعيدة عن فكرة النسيان الأساسية . حيث أن الأصل يشير إلى نسيان علي بابا لكلمة السر " افتح يا سمسم " فيتم القبض عليه في المغارة من قبل الحرامية . وإن عنصر الصدفة في اكتشاف علي بابا للمغارة لم تستطع مسرحة الحكاية وهو ما جعل العمل يصاب بشيء من الضعف في البناء" .
اللغة :
تشير رحاب الهندي إلى أن محاكمة علي بابا تعيش إعدادين مختلفين: الأول وهو إعداد السيد حافظ الذي قدم مسرحية ذات شخصيات وحوار وبناء فكرة جديدة مضافة للحدوتة الشعبية . وإعداد الفنان محمد جابر الذي حوّل الحوار من فصحى إلى لهجة كويتية (2) وقد طرحت أسئلة عديدة حول تقديم هذا العمل الأسطوري من خلال اللهجة المحلية . فيرد أحمد عبد الحليم قائلا : ( النص كتب بالعربية الفصحى إلا أن المعالجة بالمحلية جاءت وفق رؤية الإنتاج الخاص الذي يريد الجذب الجماهيري حيث ابتعاد الجمهور عن أعمال الفصحى) . ويضيف المؤلف قائلا : ( لو كان التعامل مع جهة رسمية حكومية لا تبحث عن الربح وتهرب من الخسارة ، كان العمل سيقدم بالفصحى ، لكن الفكر المسيطر عند المؤسسات الخاصة أن الجمهور يهرب من الفصحى لصالح العامية ) . وبالنسبة للأغاني استطاع الشاعر " فايق عبد الجليل " كما يقول فيصل السعد أن يساعد محمد جابر في تكويت النص ، حيث أضفت الأغاني جوا كويتيا بمساعدة الملحنين الشابين الناجحين ( أنور عبد الله وعبد الله الراشد ) .
الزمان والمكان :
المسرحية مرتبطة بفترة زمنية معينة وبمكان معين . ومهمة الديكور هي تحديد الزمان والمكان على الخشبة ، ومحاولة نقله إلى الطفل بشكل يغني خياله ويثريه ، وذلك بأسلوب يتفق ومزاج الطفل ، أسلوب يقوم على الطرافة والبساطة . فالمسرح ليس مدرسة لتدريس التاريخ وإنما له هدف جمالي وهذا ما يؤكده لنا السيد حافظ بقوله: " أين كان يعيش علي بابا ؟ في بغداد ، إذن هذا المكان يحتاج إلى أن يظهر في المسرح . والمكان السوق إذن فالسوق محتاج إلى دكاكين ، مهندس الديكور عليه أن يوظف هذه الدكاكين بشكل يثير خيال الطفل ويغنيه . إذا قدمت بشكل فقير تسبب مشكلة ( فالطفل لابد أن يعيش في ثراء ) .
الخيــال :
الطفل خيالي بطبعه ، تواق إلى كل ما يرحل به على بساط سحري عبر الأزمنة والأمكنة والعصور المختلفة والمتعددة . ودور الديكور والمناظر هو تنمية قدرة الطفل على التخيل ومنحه الفرصة لأن ينطلق بخياله متجاوبا مع المنظر الذي يراه . ذلك الخيال الطفولي الذي لا يرتبط بخط معين . وإنما هو خيال حر طليق ، لا تقيده قيود ولا تحده حدود . وهذا بالطبع له أثره على نمو شخصية الطفل وتوسيع مداركه .
الحــوار :
وجدنا في هذا النص المسرحي أن الحوار كان مبسطا ومركزا وهادفا . منسجما مع الأحداث والشخصيات . حيث كتبه السيد حافظ بلغة رقيقة بسيطة وواضحة ، وفي مستوى استيعاب الطفل ، ولا يحمل رموزا تستحيل على الطفل فهمها . كتبه باللغة العربية الفصحى ، ثم حوله بعد ذلك محمد جابر من الفصحى إلى لهجة كويتية .
العاملون وأدوارهم في المسرحية :
يشترك في المسرحية العديد من الفنانين منهم :
عبد الرحمن العقل : في دور البطل ، دور علي بابا . وقد أخذ طابعه الخاص الذي اشتهر به عند جمهوره الطفلي ، فاعتبروه صديقا لهم ، يستمعون إليه بشغف ، ويتابعون حكاياته وينتبهون إلى حركاته . من ثمة يحاولون تقليده ، وهنا تكمن الخطورة ، إذ كيف يقلدونه وهو لص سرق أموال غيره وهو سارق في الشرع الإسلامي وفي القانون وحتى في عرف المجتمع . وهنا يبدو دور المؤلف موفقا وناجحا ، حين حاول أن يقنع الطفل أن من يأخذ أموال غيره يعتبر سارقا . وعلي بابا وإن كان شخصية محببة لديه فهو لص لأنه سرق ، والسارق تجب عقوبته . وهذا ما يتضح لنا في النهاية الهادفة التي أنهى بها المسرحية ، وهي اعتراف علي بابا بخطئه بل وتصحيحه أيضا من خلال دعوته إلى العمل والتمسك بالحق .
علي بابا : أنا أعترف لكم كلكم ، لأنني أخطأت في حقكم ، وإنني أعاهد الله وأعاهدكم بأنني لا أعتمد على المغارة ، وما أقول افتح يا سمسم أبوابك . بالعكس أقول افتح يا سمسم أبوابك للعمل . الديرة محتاجة لنا يا شباب ، خلونا نصير أيد واحدة ونبني ديرتنا من جديد .
محمد جابر : يقوم بدور حمدان صديق علي بابا ، لكنه يبدو لنا من خلال المسرحية أنه شخص سلبي ، لأنه لم يقف مع صديقه علي بابا في أيام شدته وأزمته ، بل بقي صامتا حتى أمام مشكلته نفسه التي تسبب فيها اللصوص . وهو باعتراف (عبد الحميد زقزوق ) هو فنان يتميز بالصدق ويزرع الابتسامات الجميلة على شفاه الأطفال .
استقلال أحمد : في دور مرجانة زوجة علي بابا التي ظهرت في موقف إنساني إيجابي نبيل.
منى أسعد : في دور زوجة قاسم ، مثلت عنصر الشر في المسرحية المشجع على الخيانة والغدر .
أحمد جوهر : في دور قاسم .
جمال الردهان : في دور شهبندر التجار .
الاستعراض : عبد الرحمن العقل .
الديكور : جسمي محمد الجسمي .
كتب الأغاني : فايق عبد الجليل .
ملحن الأغاني : الفنان عبد الله الراشد .
المخرج المساعد : فاتن الدالي .
مدير الحركة : أحمد البيلي .
المخرج : أحمد عبد الحليم .
كلمة أخيرة عن المسرحية :
بعد كل ما ذكرناه من ملاحظات حول هذا العمل الفني كنص مسرحي سواء تلك الملاحظات التي أقرت بجودة العمل ، أو تلك التي أكدت ضعفه في جوانب محددة ، يمكن إقرار القول بأن " محاكمة علي بابا " عمل مسرحي جاد وهادف وبنّاء ، يسعى إلى تبليغ شيء للطفل العربي ، وهو انتصار الفضيلة على الرذيلة ، وانتصار الخير على الشر ، فيجعل الطفل يقارن بين ما حدث في الماضي ، وما يحدث الآن في حاضره وأمام عينيه . هنا يحمل المؤلف الطفل مسئولية محاربة الظلم له ، وكشف الخيانة والسرقة ؛ خيانة خفافيش الظلام خاصة الذين يظهرون في أثواب الوجهاء ، لكنهم في حقيقتهم هم جذور كل الآفات. ولابد أن يسعى جاهدا لاستئصال هذه الجذور من أساسها . وقد توفق مبدعنا المسرحي في تبليغ هذا المعنى . فكان عملا فنيا ناجحا بشهادة مجموعة من الدارسين تضافرت فيه جهود كل من المؤلف " السيد حافظ " والمخرج " أحمد عبد الحليم " والبطل "عبد الرحمن العقل " ومجموعة من الممثلين وعاملين آخرين .
فكانت بذلك عملا مهما مساعدا على بناء جيل يدرك حاضره ويعي مستقبله . وتمنيت كثيرا أن أتناول المسرحية كعرض مسرحي ، لكنني لم تتيح لي فرصة مشاهدة هذا الإبداع الفني . ورغم توفري لشهادات حية تابعت العرض المسرحي ، وتناولته بعد ذلك بالدراسة والتحليل ، إلا أنني لا أستطيع أن أعتمد عليها وحدها . بل لابد من المتابعة الشخصية للعمل نظرا لاختلاف وجهات النظر . فما يراه البعض ضعيفا يبدو لدى البعض الآخر جيدا والعكس صحيح .
وهكذا نخلص إلى القول بأن السيد حافظ كلما توجه إلى طفله العربي في مسرحية جديدة ، كان يدرك بل يلح على أنه يتوجه إلى طفل واع ومدرك لحقيقة واقعه . وإنه مهما حمل إليه من أفكار سياسية أو اجتماعية .. فإنه قادر على استيعابها . وهذا ما أكده مرارا ويؤكد هنا أيضا بقوله :
(( هذا هو مشاهدي العظيم ، مشاهدي الذي لا يجامل ، الذي يصفق من القلب ، ويحفظ من القلب كل الكلمات ، مشاهدي الذي تحديت به الأساتذة الأكاديميين في كلية التربية في الكويت . وأنا تربوي خريج كلية التربية . يقولون أنت تكتب للطفل أعلى من مستواه ، قلت أنا أكتب من مستواه وأتحداكم ، قالوا أن الطفل لا يفهم في السياسة ، قلت يفهم في السياسة . وعندما قدمنا إحدى المسرحيات المسيّسه للطفل ، كان التصفيق في الصالة يرتفع أكثر مما يفعل الكبار الذين مات في داخلهم كل إحساس بالوطنية نتيجة الظروف السياسية والقهر الاجتماعي على مدى قرون طويلة ))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق