السبت، 4 أبريل 2009

مسرح الطفل فى الكويت9مسرح الطفل فى الكويت 11

ثانيا:المقـالات



1. د.محمد عبد المعطي
1993
2. علاء الجابر
2005
3. كمال الدين حسين
2005













أكاديمية الفنون
المعهد العالي للفنون المسرحية
قسم التمثيل والإخراج



تنظير نقدي لإخراج مسرحية
( قميص السعادة )

" كوميديا شعبية موسيقية رومانسية "


مقدم من

أ . م . د . محمد عبد المعطي محمد

عضو هيئة التدريس بالقسم

















" قميص السعادة " والكوميديا الرومانسية :

إن مسرح الطفل يقترب في أعلى مراتبه من الكوميديا الشعبية الرومانسية . عرفنا ذلك في مسرحيات " حلم منتصف ليلة صيف" أو " العاصفة " أو " قصة شتاء " عند شكسبير ، كما عرفناه في مسرحية " حدوته من حواديت العجائز " لجورج بيل و " الطائر الأزرق " لميترلنك ، أو في " رسائل قاضي أشبيلية " لكاتبنا العربي الفريد فرج ، وأخــيرا نـــراه في " قميص سعادة " للسيد حافظ والتي تستقي مادتها من الفلكلور الشعبي العربي ، وقد امتزجت فيها الحواديت والنوادر الشعبية بالألعاب المألوفة والأهازيج والأغاني الموروثة وحيث طرحت رؤية شاملة للوجود ، وإن استغنت عن عنصر ثبات الأشياء . هذا العنصر الأخاذ المثير لخيال طفل ما قبل الثامنة والذي يختلط فيه الإنس والجن ، بالطير والحيوان ، بالمردة والسحرة ، وتنطق فيه الزهور والأشجار وتسيطر المعجزات والخوارق والتحولات العجيبة في المواقف والشخصيات وذلك لعدم الحاجة الدرامية إليها من ناحية ، ولأن الموضوع يدور وبثبات حول العلاقات الإنسانية للجماعات ، ويتناول معاني العدل والخير والشر المجسد في النفوس . إن الفعل يدور في محور الإمكانيات التخيلية و الإمكانيات الثقافية والمكتسبات البيئية لطفل ما بين الثانية عشر والسادسة عشر .

ومن هنا كانت الكوميديا الرومانسية الشعبية هي أنسب الأشكال الفنية للتوجه إلى هذا النوع من الأطفال " الشبيه "، إذا أن أجواءها والأضداد فيها والعاطفة المشبوبة تمتزج في بوتقة خياله الخصب تحاكي الأسطورة والحلم .

في إطار الرؤية يكتسب الصراع المحوري بين الخير والشر في " قميص السعادة " مفهوما شاملا ، ويتسع مفهوم الشر ليشمل كل القوى والنوازع التي تناهض الحياة مثل التسلط والجشع والقسوة والظلم والأنانية :

الوزير الوصولي الجشع .
القاضي المرتشي .
قائد الشرطة المستغل لسلطاته .
الطبيب المحتال المستغل .

وينبسط مفهوم الخير ليشمل كافة المؤازرة للحياة والخصوبة مثل : العدل والحب والجد والوفاء .

الأمير الباحث عن السعادة .
الأميرة الرافضة لظلم الوالد الجشع .
الوصيفة والخادم المخلصان حتى النهاية .
ابن الحلاق الباحث عن الحب ويناضل للحصول عليه رغم فقره .
أفراد الشعب الذين يلتفون حول أميرهم ليستعيد سعادته ، ويستعيدون العدل.

" و قميص السعادة " تختار مادتها من الحكايات الشعبية ، إذ أن الحكايات الشعبية – في أصولها – تستهدف الطفل في المقام الأول لما تحتوي عليه من عالم فانتازيا رحب .
لقد أدت هذه الخصوبة – خصوصية الخيال الخصب – إلى جعل هذا المصدر الشعبي الفني أهم مصادر الاستلهام للكتابة عموما .

إن التراث الشعبي – فنون مرئية وأدب وموسيقى - له القدرة على ملائمة الواقع . ولفنونه القدرة على أن تغير من ذاتها وتتجدد بشكل مستمر لا يتوقف عن صيغة بعينها . إن عناصره تحتضن أهم عناصر المحاكاة وبذور المسرح ، عناصره تحتضن الأساطير والملاحم والقصص والحكايات والسير والمرائي والأغاني والحكم والأمثال ، وهي عناصر تتسم بخصائص العراقة والواقعية والجماعية : " إنه الأدب الصادق الذي يخرج من الروح الشاعرة في داخل الإنسان " كما يقول يعقوب جرم .

وإذا كان مسرح الطفل كأدب فني ينبع من روح الفرد الشاعرة الواعية بالملتقي الصغير ذو الخيال الخصب ، فإن استلهامه هذه العناصر الفنية في التراث يدعم هذا الخيال ويكسبه صورا إبداعية ودرامية ومسرحية لا حصر لها .

* قميص السعادة و ألف ليلة وليلة

إذا حصرنا جملة المسرحيات التي تم استلهام موضوعها من حكايات ألف ليلة وليلة سنجد أنها تمثل الجانب الأعظم من المسرحيات العربية ذات الأصول الشعبية والتراثية ، ويرجع هذا إلى تعدد موضوعات وثراء أفكار المصدر . وبدءا برائد المسرح العربي " مارون نقاش" ( 1817 – 1855 ) وانتهاءا بالكاتب السوري سعد الله ونوس في مسرحيته ( الملك هو الملك ) 1978 ، نجد السيد حافظ - ومن قبله عدد كبير من كتاب الدراما - يستلهم موضوعه أيضا من هذا المنبع الخصب ( ألف ليلة وليلة ) . ولعل أشهر كتابنا الكاتب المصري المبدع الفريد فرج في مسرحيته حلاق بغداد ( 1964) و على جناح التبريزي وتابعه فقه ( 1969) .

ومسرحيتنا قميص السعادة في تأثيرها بهذا المصدر فإنما تهتم بجماليات الصورة المسرحية وسحر أثرها والتي ظهرت في التجسيد على المسرح . إنها تنتقل إلى أماكن المسرحية الشعبية الساحرة في تأثيرها بالخيال والإبداع .

والمؤلف في انتقاءه للفعل المسرحي في غرابته وطرافته والأمكنة اللامألوفة إنما ليترك تأثيرا قويا غني بالخيال والإيحاء للطفل المشاهد يفوق لغة التعبير الكلامي ؛ بل وينحو نحو المسرح المعاصر اليوم في استلهامه للمادة التراثية هذا بجانب تميز " قميص السعادة " عندما تلجأ إلى عناصر القصص المتداخلة الغنية بالأحداث والتي تتميز بها حكايات السير الشعبية : الأمير وابنه السلطان من ناحية ، والخادم دندش والوصيفة مرجانة من ناحية ، يؤكدهما حكاية ابن الحلاق مع من يحبها ويعجز عن الارتباط بها .

أصداء رحلات البحث في " قميص السعادة "

وكما في معظم الكوميديات الشعبية الرومانسية فإن الرحلة تردد أصداءها في " قميص السعادة " :

رحلة بحث الأمير عن السعادة المفقودة .
رحلة بحث الوزير عن ابنته الهاربة من ظلمه .
رحلة بحث الشعب عن مخرج لخلاصه من اضطهاد رئيس الشرطة واستغلال القاضي
رحلة بحث أم سعيد عن ابنها التائه .
رحلة بحث الشرطة عن الطبيب شعبان لينفذ مخطط الوزير الشرير .
المنادي كدلالة ووسيلة للبحث .

إن رحلة البحث تمثل الخيط الرئيس الذي ينظم أحــداث وعناصـــر " قميص السعادة " . ويغدو موضوع البحث هنا سواء عن طائر أو قميص أو فتاة أو ماء الحياة رمزا شاملا للخير ، أو الرخاء أو العدالة . و يغدو رمزا لقيمة إيجابية تتخطى الكيان المادي ويكون لذلك تأثيره العقلاني والوجداني العميق على الطفل .




" قميص السعادة " والتربية الهادفة :

إن قميص السعادة تستوحي الكوميديا الرومانسية الشعبية في مادتها وفي صياغتها فترقى إلى مرتبتها الفنية ، وتتخطى بذلك التفسير المسطح للهدف التربوي في مسرح الطفل .
إنها تطرح تفسيرا ناضجا يرتقي بمفهوم التربية من التلقين المباشر الذي رأيناه في الكثير من مسرحيات الطفل المصري ، ومن الخطابة الجافة المتعالية وضرب الأمثلة الساذجة إلى إخصاب الخيال وتنمية الحس الجمالي نصا وعرضا ، وترتقى بمشاعر الطفل المشاهد وعقله حتى يتخذ موقفا إيجابيا تجاه ما يشاهده من أطراف الصراع بين الخير والشر.

والقصة المحلية التي استوحاها المؤلف من ألف ليلة وليلة نجد لها أصداء مشابهة في الأساطير العالمية ، وقد أعاد المؤلف تشكيل خيوطها في نسيج جديد ممتع أثرى الإخراج المسرحي وذلك بالجمع ما بين الألفة والطرافة .

القصة تدور حول رحلة بحث أمير البلاد " حسان " وقد أصابه الشعور بالكآبة عن علاج ودواء يشفيه من علته ، ولما كان يعي جيدا أساليب طبيبه المغرضة فإنه يجد طريق رحلته الحقيقي في النزول إلى شعبه الذي ابتعد عنه طويلا عله يجد في أحضانه الشفاء . يوهمه الوزير الشرير أن سعادته لا تكمن إلا بالعثور على قميص يلبسه هو قميص السعادة ، والذي لا يملكه إلا أسعد سعداء البلاد ولأن شعبه يرزح وطأة الفقر والعوز و اضطهاد الوزير وأعوانه فإن أسعد سعيد هذا سيكون نادر الوجود ، أو هو غير موجود بالمرة .

إن الأمير المدرك للحقيقة يجد أن سعادته الحقيقية لا تكمن إلا في حب شعبه ، وهو عندما يمتحنه – متنكرا في ملابس صياد غريب – يجده مخلصا ، بل يساعده على كشف المزيفين من موظفيه وأعوانه والمحيطين به من الذين أولاهم ثقته في الحكم والتحكم في مقدارات الناس . ولقد وجد أن السعادة الحقة لا يحصل عليها الإنسان في قميص أو سروال ولكن في العمل والإخلاص ومحاسبة المخطئين والأشرار . وتجمع الرحلة بطريق المصادفة بين عدة حكايات أهمها لقاءه مع فتاةٍ في السوق هي في الأصل ابنة الوزير الذي يريد أن يزوجها ممن لا تحب . ولكنها تكتشف فيه وهو الصياد الفقير المجد المناضل فتى أحلامها الحقيقي !

نظم الإخراج هذه الخيوط البسيطة مع مثيلاتها في نسق مسرحي بسيط ومشوق ويتسم بالغرابة التي أساسها الكوميديا والمواقف الرومانسية والمتناقضات نسق مسرحي يقوم على مبدأ تجسيد الصراع بين الخير والشر ، الخاص والعام مستغلا كل إمكانات المسرح الاستعراضي من أداء حركي وغنائي وتمثيلي واستعراضي راقص وإبهار محبب في الموتيفات التشكيلية الثابتة والمتحركة في الديكور ، وفي أداء الممثل الرشيق ، ولا غالب عليه الكاريكاتورية من ناحية ، وصدق العواطف الرومانسية من ناحية أخرى .

ولقد طعم العرض بنماذج منوعة من الألعاب والأغاني الشعبية ، تلك التي صاغها فنيا الشاعر " مصطفى الشندويلي " فعمق البعد الفولكلوري من ناحية ، والمعاصر التربوي من ناحية أخرى : " يظهر السلطان بسوق المدينة في المدينة في ملابس صياد فقير .. دندش في ملابس المعلم مختار .. الباعة في السوق يغنون " :

المنادي : قرب .. قرب .. قرب جرب .. جرب .. جرب
بائع 1 : بلح الشام يا حلاوة بالسكر متشرب
المنادي : ياللا يا مرزوق خشي على السوق
قولوا .. هيه .. هيه .. هيه
بائع 2 : شربات برقوق .. أتفضل دوق
قولوا .. هيه .. هيه .. هيه
الحاوي : توت توت .. حاوي توت
اسمي حسين أحمد شلتوت
نون .. حاوي توت
من ودني بأطلع كتكوت
توت توت .. حاوي توت
أخد قرش .. أخليه حوت
أكل العيش مر يا أستاذ .. لما نجوع نتعشى قزاز
وأما بنعطش نشرب جاز .. لا بنتعور ولا نموت ( الخ )
توت .. توت .. توت

ومن الأهمية في هذا العرض ، فإن الصياغة الشعرية تميزت بالدرامية وأصبحت جزءا من الحوار المغنى والذي يمثل جزءا من النسيج الدرامي الأساسي ، ولم تعد مجرد غنائيات تحشر في الفواصل المسرحية . ومن هنا تكاملت عناصر الكوميديا الرومانسية الموسيقية في هذا العمل . وقد تكاتفت جهود الشاعر مع جهود الملحن الذي قدم للطفل صورا موسيقية بسيطة تتناسب مع إحساسه الخاص البسيط بالإيقاع والنغمة ، وأيضا في رشاقة وسرعة تناسب والإيقاع الطبيعي الخفيف لحركة الطفل ، وأيضا الكوميديا الخفيفة في هذا العمل .

لغة الصورة المسرحية في قميص السعادة

إن اللغة الشعرية النثرية على بساطتها منغمة وموقعة دون رتابة قد جانبها لغة الصورة المسرحية المرئية في الفراغ المسرحي وهي تنأى عن التجريد والتعقيد ولقد سعيت كمخرج أن أوصلها إلى الطفل في سلاسة وطرافة بحيث تتفتح من ناحية على الشعر الراقي ، ومن ناحية على الهزل الشعبي الفكه . و على سبيل المثال فإن افتتاحية المسرحية تبدأ بمجموعة شعبية تضم أطفالا وكبارا وأقزاما ولا عبي سيرك وحواة وتدعو المشاهدين إلى رحلة البحث عن السعادة . وهنا ، ولأنها بداية لابد أن تكون مشوقة وطريفة فقد اشتركت فيها الأقنعة البشرية للنماذج الشعبية المألوفة وكذلك العرائس العملاقة يلبسها اللاعبون وتحرك بحركتهم صعودا وهبوطا وانثناءات ، مما أعطى ذلك الكثير من الطابع الهزلي والمشوق .

وتلعب صورة الديكور الشرقي الطابع في سحره وألوانه الساخنة دورا فعالا في الولوج إلى عالم الأسطورة والحدوتة الشعبية بمجسمات وأبنية لها طابع الواقع الخيالي في المقدمة . أما الخلفية فللمدينة بأبنيتها الفقيرة والغنية وقبابها الإسلامية الجميلة . والصورة المتحركة هنا هي هذه الوحدات المجسمة عندما يتغير المكان من الساحة الشعبية إلى القصر ، إلى السوق ، إلى حجرة ، إلى السجن ، بينما وفي أوقات متفاوتة تتحرك في الخلفية أقمار ونجوم تجوب المكان صعودا وهبوطا . حركة سيارة تضفي الجو الشاعري الرومانسي الأخاذ على شعبية المكان .

الشخصيات :

في كاريكاتورية واقعية رسم الإخراج أنماط الشخصيات تترجم حال الشخصية لتصل إلى الطفل سهلة وواضحة وساخرة في نفس الوقت ، فاختيرت على سبيل المثال لا الحصر أنماط الجنود الكسالى ورئيسهم أنماط تتنافر أجسامها ما بين قزم وفارع ونحيف وسمين فتحقق، من ناحية هزلية ، ومن ناحية أخرى معنى الكذب والاحتيال المرغوب توصيله من خلالهم .

ولقد حرص الإخراج على الاختيار الدقيق شخصية المهرج دندش بالذات لتحقيق صورته المألوفة في الفولكلور المصري العريق في تناول مثل هذه الشخصيات ، حيث جاء سليط اللسان ، نحيف جدا ، سريع الحركة ، سريع البديهة ، و يملك لغة جسدية عالية ، ويجيد
البهلوانية والأكروبات ، وهو خفيف تماما وهو في دخوله على المسرح ينقلب دائما كل ما هو سوي من موجودات وأفكار وحوار إلى فوضى محببة إلى المشاهد . وأعتقد كمخرج أن الممثل الذي اختير قد نجح إلى حد كبير في تحقيق ذلك للعمل ، وهو الممثل ( علاء عوض ) الممثل الهزلي الذي يجيد لغة الحركة والجسد ويجيد الرقص بشكل كبير .

وشخصية رئيس الشرطة حرص الإخراج على أن تكون شخصية مضادة لشخصية دندش شكلا وموضوعا ، وإن اجتمعا في خفة الظل ، ولكنهما في النهاية يكونان ثنائيا متنافرا: هذا في ذكاءه وخفته والآخر في ثقله الجسمي وغباءه وعنجهيته ، هذا في عطاءه وهذا في شحه واستغلاله وتدليسه. وقد لعبه الممثل " ماجد الكدواني " بتكوينه الجسمي الهزلي بتوفيق.

وتتوالى الشخصيات . الأميرة الرقيقة ذات الصوت الطفولي ولكنه يجلجل متمردا عندما تغضب من أبوها الوزير الذي يريد أن يظلم قلبها ويستغلها لمصالحه ، وقد لعبته ممثلة شابة هي راندا بتكوينها الشرقي الأرستقراطي وحركتها التي تتسم بالطفولة والأنوثة في وقت واحد . ثم الوزير الجشع اختير له ممثلا يتميز بحشرجة في صوته وحدية وعصبية في حركته، وقسوة في أداءه ولكن في نفس الوقت خفة في ظله عندما يتخابث ويتآمر وينهي ويأمر ، والذي مثله باقتدار الفنان الكبير عبد الرحمن أبو زهرة .

أما القاضي الأفاق والذي رسم الإخراج صورته أن يكون قصيرا لئيما داهية ذو حركة قافزة بين جنوده الفارعي الطويل ، و يجوب الأسواق محمولا على محفة لا قاعدة لها ، فقد جسده الممثل إيمان الصيرفي فحقق هذه المعادلة بإمكانياته الجسدية المناسبة والعصبية .

تتوالى الشخصيات تتقدمها الأنماط الشعبية من تجار وحواة وبائعين جائلين ومنادين وصناع حرفيين وراكبي العصي وجمهرة الأطفال ومجاميع الأقزام .. لتكون ممثلة لأنماط هذا الشعب . وفي الوقت الذي يجسد فيه جنود الشرطة العنجهية والتسلط والتخبط في لحن كاريكاتوري يذكرنا سيد درويش الساخرة اللاذعة ، فإننا من جانب آخر نجد اجتماع الشعب حول لحن عاطفي أمومي يجسد فقدان أم سعيد لطفلها في زحام السوق والحياة ؛ لحن يحمل كل معاني الفقدان التي يعاني منها الأمير . ويجسد لحن آخر معاني التضامن عند الشدة وآخر ثورة الناس على الطغيان ومناداتهم بالتغيير ؛ تغيير الشرطة والقاضي والمحتسب وأعداء الحياة .


والله ولي التوفيق




أ . م . د . محمد عبد المعطي
عضو هيئة التدريس بقسم التمثيل والإخراج
المعهد العالي لفنون المسرحية
أكاديمية الفنون


بصمات السيد حافظ في مسرح الطفل في الكويت

بقلم : علاء الجابر
كاتب وناقد مسرحي

قد تتفاجأون حين أقول لكم ، أن علاقتي الفعلية بصديقي ( السيد حافظ ) بدأت بالمحاكم .. حين وصلتني رسالة إلى الكويت – وكنت أعمل حينها مسئولا ومعدا للصفحة الثقافية في جريدة الوطن ، الصحيفة الأكثر انتشارًا هناك – كانت الرسالة عبارة عن أصل الدعوة التي رفعها ( السيد حافظ ) علي بصفتي كاتبًا في الجريدة ، وعلى رئيس تحرير الجريدة أيضًا، بسبب مقالة انتقدت فيها كتابه ( مسرح الطفل في الكويت ) معللا اعتراضي ذلك بأنه كتاب عن مسرح ( السيد حافظ ) لا مسرح الطفل في الكويت، وأيا كانت أسبابي في كتابة المقال ، أو أسبابه في رفع القضية فتلك كانت البداية .

لكن هذا الخلاف تحول إلى صداقة عميقة بعدها ، حين تعرفنا على بعضنا البعض عن قرب ، وكم فاجأني تعامله الراقي الذي لم ألمس فيه أية تراكمات من مخلفات تلك القضية ، بل أنني وجدت فيه – إلى جانب كونه مبدعا غزير الإنتاج - إنسانــًا نقيـًا صادقــًا ، يمتلك طيبة كبيرة ، جعلته محبوبـًا من غالبية الوسط الثقافي ، وحين أستعرض بذاكرتي أبرز محطات السيد حافظ ، أسعد كثيرًا كوني مررت بمحطات مشابهة لها جدًا ، فهذا الرجل قد اختار مجالا بعيدًا جدًا عن مجال تخصصه ، حيث لم يعرف في الفلسفة كما عرف ككاتب مسرحي ، وهو ما يحصل معي حين يفاجأ كل من في الوسط الثقافي الكويتي بأن الجغرافيا هي مجال تخصصي الدراسي ، أما محطة العمل في حياة السيد حافظ فهي بلا شك لا تختلف عن محطتي حيث عمل كلانا باحثـًا في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت ، إضافة إلى أن كلينا أيضـًا عمل كاتبًا في الصحف الكويتية ، أما في مجال المسرح فكانت الانطلاقة واحدة من خلال مسرح الطفل باختلاف السنوات ، كما أن أول إصداراتنا عنون ب( مسرح الطفل في الكويت ) وإن اختلفنا في التفاصيل والتوجه ، ولعل المصادفة تجمعنا حتى بالنسبة لعدد الأعمال المقدمة لمسرح الطفل في الكويت ، حيث قدم كل منا عشر مسرحيات إلى الآن .

أما إن أردنا الحديث عن دور السيد حافظ في مسرح الطفل في الكويت ، فبصفتي متابعًا وناقدًا للحركة هناك ، وموثقا لها مؤخرًا ، أجزم أن له دور أساسي شكل فيه حافظ جزء مهما من هوية مسرح الطفل الذي بدأ في الكويت منذ أكثر من ربع قرن ، قدم فيه السيد حافظ عشر مسرحيات هي على التوالي :

سندريلا عام 83 ، الشاطر حسن عام 84 ، سندس عام 85 ، محاكمة علي بابا عام 85 ، أولاد جحا عام 86 ، حذاء سندريلا 86 ، عنترة بن شداد 87 ، فرسان بني هلال 87 ، بيبي والعجوز 88 وأخيرا الساحر حمدان 96 .

ولو تتبعنا تجربة السيد حافظ وصنفنا مسرحياته ، نجد أن ست مسرحيات منها تستند في مرجعيتها إلى التراث العربي وتقترب من الشعبي لو أردنا الدقة أكثر وأعني هنا كل من مسرحية :

الشاطر حسن ، محاكمة علي بابا ، أولاد جحا ، عنترة بن شداد ، فرسان بني هلال والساحر حمدان .

أي إنها تشكل نسبة 60% من مجموع الأعمال وتؤكد بذلك أن ( حافظ ) معني بالتراث العربي ، وهو ما يتماشى مع خطه القومي وتجربته في البحث عن مسرح عربي أصيل ، تلك التجربة التي تبناها كثير من المسرحيين العرب من أمثال : يوسف إدريس ، عز الدين المدني ، سعد الله ونوس وقاسم محمد وآخرين ، وإن كان السيد حافظ يتميز عن الآخرين في أنه يتخذ من مسرح الطفل ركيزة لنهجه هذا ، وإن لم يكن له الأسبقية في ذلك – إن أردنا الدقة – بقدر ما له من تميز وغزارة في الإنتاج .

أما بالنسبة للتراث العالمي فيبدو أن حافظ معجبًا بحكاية سندريلا أو أنه على ما أظن يعاني من وجود عقدة زوجة الأب القاسية ، فقد تناول هذه الحكاية في عملين من أعماله التي تشكل 20% من مجمل الأعمال .

مما سبق نجد أن السيد حافظ في 80% من أعماله قد استعان بالموروث ، فأضاف إليه كما استفاد منه ، هذا باستثناء النسبة المتبقية والمتمثلة في مسرحيتي : سندس ، وبيبي والعجوز ، حيث كانتا تأليفا خالصا للسيد حافظ .

وأعتقد من وجهة نظري أن ( سندس) تعد أنجح تجارب حافظ في مجال الكتابة لمسرح الطفل على الإطلاق ، فالحكاية مبطنة بالصراع العربي الصهيوني ، هذا الهم الذي لازم تفكير السيد حافظ ولا يزال كما هو الحال بالنسبة لغالبية المبدعين العرب .

في تلك المسرحية تمكن حافظ من أدواته الفكرية قبل أدواته الدرامية ، وقدم نصا جيدا لمسرح الطفل ، ورغم أنني ضد تقديم الصراعات السياسية للأطفال إلا أن قوة العمل وبراعته جعلتني أحاول التغاضي عن وجهة نظري تلك .

أما في مسرحية ( بيبي والعجوز) فيتناول حافظ قضية أسرية هامة يعاني منها كثير من الأطفال وتتجلى في غياب دور الوالدين مما يؤدي إلى التفكك الأسري بشكل عام ، فتسند أدوار أفراد الأسرة إلى الخدم وهي مشكلة قد تكون أكثر حضورًا في منطقة الخليج بالذات ، ومع إعجابي الشديد بالخط الدرامي للمسرحية إلا أنني أتحفظ أيضا على تقديم مثل تلك الصراعات الأسرية للطفل الذي ليس له حول ولا قوة في تغييرها ، فالمشكلة تخص أولياء الأمور وبالتالي يجب تقديم المسرحية لهم، لا الأطفال الذين لن ينالوا منها سوى الألم والإحساس بالعجز لعدم القدرة على التغيير للأفضل .

وفي كل الأحوال ، وبعيدا عن وجهات نظري التي قد أتفق فيها ، في كثير من الأحيان ، مع الكاتب المسرحي السيد حافظ ، وقد أختلف أحيانا أخرى ، إلا أنني أؤكد بأن هذا الرجل الذي سبق لي أن اختلفت معه ، كان له دورا مؤثرا وفاعلا في رفد مسرح الطفل في الكويت ، وإثراءه بمجموعة أعماله المسرحية التي شارك فيها أغلب نجوم مسرح الطفل هناك ، وبرزوا فيها ، ولاقت نجاحا جماهيريا وماديا كبيرين ، وإن كنت أعرف كمؤلف لمسرح الطفل ، أن حافظ لم ينل من الجانب المادي الكثير ، غير أنه في المقابل نال السمعة العطرة ، والنجاح المعنوي والأدبي الكبير، ويكفيه فخرا أن مسرح الطفل في الكويت لا يذكر إلا ويذكر معه اسم السيد حافظ كأحد أهم الأقلام التي سبقتنا في هذا المجال ، وكان لها دورها المؤثر القوي ، سواء اختلف معه البعض أم اتفق .

ويحسب للسيد حافظ أن مسرح الطفل لم يكن من الموضوعات التي كانت تنال الاهتمام في الدراسات التي قدمت ولسنوات عديدة في المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت ، لكن أعماله قلبت المعادلة وفتحت الباب أمام طلبة مشاريع البكالوريوس في قسم النقد – تحديدا - لتناولها في دراساتهم ، ومن ثم تبعتها مجموعة من الدراسات في ذلك المعهد وغيره من المعاهد فكنا نحن العاملين في هذا المجال أول المستفيدين حيث بدأت كثير من الدراسات تلتفت إلى مسرح الطفل لعل آخر ما حضرته في أكاديمية الفنون في القاهرة في أواخر سبتمبر 2005 حيث نوقشت رسالة الماجستير المقدمة من الطالبة الكويتية نوره العتال حول مسرح الطفل في الكويت وتناولت فيها أعمالي وأعمال بعض كتاب مسرح الطفل ونالت عنها الماجستير بدرجة امتياز.

قدم السيد حافظ العديد من الأعمال الدرامية سواء في مسرح الطفل أم في غير هذا المجال ونالت أعماله اهتمام كثير من النقاد وحظيت بالعديد من الأطروحات ومع ذلك فما زال يصر بأنه لم يكتب بعد الكتاب أو العمل الذي يتمناه.

وإني على يقين بأن روح السيد حافظ الشفافة الطفولية مازالت تحوي الكثير من الحكايات الرائعة التي سيظل يرددها للأطفال الذين أحبهم كما يحب نفسه ، وأحبوه كما يحبون أبطال حكاياتهم .




































التغير الاجتماعي ومسرح الطفل

مسرح السيد حافظ نموذجا




اعداد
أ.د. كمال الدين حسين / 2005
أستاذ الأدب المسرحي والدراسات الشعبية
كلية رياض الأطفال – جامعة القاهرة
الدقي – كلية رياض الأطفال – القاهرة
جمهورية مصر العربية






حجر في الماء الراكد
جاء السيد حافظ مؤلفنا المسرحي الذي بدأ توجهه للأطفال ، بداية من 1982 واستمر في تقديم خطابه المسرحي للطفل حتى 1996 تقريبا ، والذي كان بمثابة الحجر الذي أصاب الماء الراكد بالنسبة للخطاب المسرحي الموجه للطفل .
جاء مسرحا تحريضيا سياسيا خرج به السيد حافظ من عباءة القيم التربوية، والتوجيه الأخلاقي ليعلم الأطفال معنى الحرية والوحدة والمقاومة ، وهي القيم التي لابد أن يتزود بها صناع المستقبل . فكيف جاء هذا في مسرح السيد حافظ ؟
يعتبر السيد حافظ واحدا من جيل كتاب المسرح في السبعينيات و ما بعدها، حمل هم مصر وتأثر بنكسة يونيو 1967، وأفرغ شحنة الغضب والأمل في تجاوزهما واللذان إعتملا داخله، في عدد من المسرحيات التجريبية التي نادى فيها بضرورة تحقق الديموقراطية والحرية السياسية والدفاع عن حقوق الإنسان باعتبارهما قضايا مصيرية وكان في غيابها حدوث النكسة.
بدأ السيد حافظ رحلته في عالم التجريب في مسرح الكبار بمسرحية "6 رجال في المعتقل " عام 1968، ثم " كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى " 1971، واستمر عطاؤه وتحمل هجوم النقاد والمسرحيون، حتى يأس من عالم الكبار، فارتحل إلى دولة الكويت، في إعارة وظيفية . وهناك بدأ يكتب لمسرح الطفل ملتمسا للشعب العربي الخلاص في أولئك الأطفال الأبرياء على اعتبار أنهم عدة الحاضر وركيزة المستقبل كما قال : " إن الطفل بالنسبة لي هو المستقبل وأنا قد يئست من الكتابة للكبار، فالكبار في الوطن العربي ينشغلون بهموم وتفاصيل القضايا اليومية، وفي البحث عن رغيف العيش ، لكني أرى في الطفل نوعا من التحدي والاستكشاف وأحس أني أمام قائد المستقبل، وشاعر المستقبل، وسياسي المستقبل " .

مسرح السيد حافظ للأطفال
وبهذا الفهم والإيمان بدأ السيد حافظ رحلته مع مسرح الطفل من الكويت وبدأ يتحسس الدرب، عين على السلامة والأخرى تبكي على الواقع المرير الذي تعيشه الأمة العربية في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين .
فبدأ " بسندريلا " حكاية شعبية عالمية معروفة للأطفال مليئة – لمن يلاحظ – بالكثير من القيم والدروس التربوية والأخلاقية، وفي ثناياها – لدقيق الملاحظة – أضاف بعض المشاهد التي تدعو الناس للتعاطف والتراحم والمودة ، وأن ينسوا الخلاف السائد ويتذكروا ماضيهم الجميل، رافضا الجحود والقهر الذي تتعرض له سندريلا، وتعرض له في مصر من النقاد المسرحيين، مم أضطره للسفر إلى الكويت سعيا وراء لقمة العيش ( وهذا واحد من أسباب الإعارة) ولمناخ جديد قد يستطيع فيه أن يعبر عما بداخله (وهذا سبب آخر ).
وبعد أن اطمأنت العين القلقة بدأت روح الثوري داخل السيد حافظ تموج بعدد من المسرحيات والتي فضل لها الإطار التراثي ليطرح من خلالها كثير من ظواهر التغير السياسي والاجتماعي الذي أصاب الأمة العربية، بعد حادثتين هامتين أثر كل التأثير في البنية السياسية والاجتماعية والقومية، وهما نكسة يونيو 1967، واتفاق السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 وقد أثارهما في :
· الفِرقة التي أصابت العالم العربي بعد توقيع معاهدة السلام ( أولاد جحا ).
· الانتفاضة الفلسطينية الأولى .
· سيطرة رأس المال وتفشي الاستغلال والإنتهازية ( علي بابا ).
· الحرب بين العراق وإيران .
· اتساع الهوة بين الشعب والحكام ودور الأعوان في عزل السلطان عن الشعب
(الشاطر حسن ).
جميعها مظاهر للتغير السياسي والاجتماعي تشكل اللحظة التاريخية التي وعى بها السيد حافظ وتفهمها فرصدها لطرح وجهة نظره تجاهها ، مصورا حلمه بمستقبل تتجاوز فيه الأمة كل هذا الإنهيار .
فكيف جاء ذلك في مسرحه ؟
التراث الشعبي ورصد التغيير الاجتماعي
لجأ السيد حافظ إلى الرمز التراثي لطرح ظواهر التغيير الاجتماعي من خلال إستلهام بعض الحكايات الشعبية المعروفة كأطروحة يطرح من خلالها وجهة نظره، مستفيدا من ذلك البريق الذي يختص به التراث الشعبي ، ويجذب به الكبار والصغار، متمثلا في غرابة عالم الحكايات الشعبية وخصوصيات شخصياته التي ترمز لقيم الخير والحق والعدل ، وهي القيم التي يتمناها الجميع بجانب عناصر التشويق والمغامرة التي يعجب بها الكبار ، فما بالنا بالأطفال في المراحل العمرية التي وجه إليها خطابه من 9-15 عاما .
لقد استفاد السيد حافظ من التعميم الذي تحفل به هذه الحكايات خاصة في عنصري الزمان والمكان ، والترميز الذي يحيط بشخوصه وأحداثه ليسقط من خلالها إن جاز القول ، أو ليدلل برمزها على واقعه المعاصر الذي يعانيه ، طارحا وجهة نظره في أسباب إنهياره موحيا بسبل إصلاحه .
كذلك استفاد من خاصية المرونة التي تميز هذا التراث وتسمح بالحذف والإضافة حسب مقتضى الحال ( وهذه المرونة هي التي تفسر ظهور أكثر من صياغة لنفس الحكاية)، استفاد بالمرونة فحذف وأضاف ما يساعده على طرح وجهة نظره التي اختار الموضوع التراثي إطارا لها .
فماذا فعل السيد حافظ؟
لنعرف كيف رصد السيد حافظ التغير الاجتماعي المعاصر ، سنلقي الضوء على بعض مسرحياته في الفترة من 1983-1993
سندريلا 1983
علي بابا 1985
أولاد جحا 1986
الشاطر حسن أو قميص السعادة 1993



سندريلا
صاغ السيد حافظ حكاية سندريلا العالمية صياغتين : الأولى عام 1983، والثانية عام 1987 باسم سندريلا والأمير ، وحكاية سندريلا والأمير حكاية عالمية وتحكى عن فتاة تعاني من القهر الذي توقعه عليها زوجة أبيها وابنتيهما ، لكن لصدقها وأحلامها وخصالها النبيلة ، تنتصر وتفوز بحب الأمير وتتزوجه . هذا الحدث الرئيسي للحكاية الشعبية ، التي حاول من خلالها الكاتب أن يرصد الواقع العربي فأضاف أحداثا وشخصيات في مسرحيته ليحقق ما يريد .
يبدأ السيد حافظ بتجسيد الغلظة والقسوة التي أصبحتا سمة التعامل اليومي ، نتعامل بهما مع بعضنا البعض، وقد يكون السبب صعوبة سبل الحياة ، فسندريلا بقروشها القليلة لاتستطيع أن تشتري أي شيء من السوق ، فالأسعار في ارتفاع والتجار لا يفكرون إلا في صالحهم ، لكن شيخ السوق إكراما لأبيها الأمين الذي كان يعمل حارسا في السوق ، يوفر لها احتياجاتها . وفي الصياغة الثانية يضيف بعدا آخر للحكاية الشعبية ، فسندريلا بعد أن تجرب الحذاء ، يأخذها الحرس إلى القصر لتتزوج الأمير فتلقى الرفض من الوزير ومن كل الأغنياء والأمراء الغاضبون على الأمير الذي سيتزوج من بنت فقيرة لاحسب لها ولا نسب لها . فيتآمروا عليها ويستبدلوا الحذاء ليناسب ابنة الوزير . وتنطلي الخدعة على الأمير وتطرد سندريلا من القصر . المهم هنا أن السيد حافظ حاول أن يكشف الزيف الذي يعيشه القصر والفساد والذمم الخربة التي تسيطر على رجال القصر من هذا المشهد ، كما أضاف شخصية جديدة للحكاية هي شخصية المهرج الذي تمثل ( البصيرة – الحكمة ) الذي يلعب دور الراوي المعقب على الأحداث والدافع لها ، وعلى لسانه يقول المؤلف ما يريده حول هذا العالم السيئ الفاسد:
المهرج : من أين يأتي العدل؟
من أين نعرف الميزان؟
ناس في الحارات تأكل التراب وناس في القصور تأكل التفاح
وهكذا يميز التميز الطبقي بين سكان الحارات وسكان القصور ، وفى موقع آخر يقول :
أم الخير : الإنسان قوى بالعمل وبإيمانه بأمله وبنفسه وبالأصدقاء .
وهكذا تحدد لسندريلا سبيل استرداد حقها الضائع ، إضافة أخرى أضافها السيد حافظ على الحدث وهى تنكر الأمير والمهرج ونزولهما إلى البلدة للبحث عن صاحبة الحذاء الحقيقية ، وفى تجوالهما يكتشفا مدى الظلم والبؤس الذي يعيشه الناس
الأمير : هل هذه مدينتي ؟
المهرج : نعم يا مولاي
الأمير : فقراء ومساكين يسيرون في الشوارع
المهرج : نعم يا مولاي عندما يجلس الأمراء في القصور ..ولاينزلون للأسواق والحارات
يحدث البلاء في كل البلاد فالتجار أفلسوا الناس ، والنساء يبعن مايملكن لاتقاء ظلم
وجشع التجار ، والتجار يخافون الوزير
ونفس الفكرة كررها السيد حافظ في مسرحية الشاطر حسن .
أولاد جحا
أما في أولاد جحا ، فيأخذنا الكاتب إلى عالم جحا . ويستقدم من التاريخ شخصية جحا وتيمورلنك ، الذي يحتل البلدة ويترك أفيالها تهدم البيوت ( القضية الفلسطينية) ، ولا يجد الناس أمامهم إلا جحا فهو الكبير صاحب الحيلة ، ويتطوع جحا لمقابلة تيمورلنك ليحدثه في أمر الأفيال ، وتكون المفاجأة يتحالف جحا مع تيمورلنك ، ويرسله الأخير ليشتري له الأفيال، كما يعلق المنادي : اليوم قابل جحا الخاقان العظيم تيمورلنك ، وأرسله في مهمة رسمية لشراء ألف فيل جديد تكون حارسه عليكم فحافظو على الأفيال .
ويتعجب الجميع ، هل باعهم جحا ؟ ولماذا ؟ فلا يجدوا أمامهم إلا أهل جحا وداره ، ويقررا أن يحرقوها على من فيها . وتختلف الجماعة فمنهم مازال يحمل التقدير لجحا ومنهم من تملكه الغيظ ( تماما كما حدث مع المصريين بعد اتفاقية كامب ديفيد ) .
لكن أبناء جحا ( ابنه وابنته) يحاولان تهدئة الجميع ، ويعملون على جمع شمل الرجال لمواجهة تيمورلنك ، وبعد أن اتفق الجميع في العلن على المواجهة ، حاول كل منهم وسرا أن يتنصل من الاتفاق ، فكل له همه ومخاوفه ومصالحه التي يخاف عليها . وأخيرا يذهب ابن جحا ويحاول تيمورلنك شراؤه ، لكن ليس بالضرورة أن يكرر الابن أخطاء الأب . وبالحيلة يستطيع ابن جحا أن ينتصر لقومه ويجندهم لمقاومة تيمورلنك وأفياله . وبالفعل يتكاتف الرجال ويغرقوا الأفيال في البحر وكما يختتم المسرحية :
ـ في زمن من غير رجال تكثر فيه الأفيال
ـ خللي بالكم يا أولاد لو خفنا من الفيل راح تكتر الأفيال
هنا يؤكد السيد حافظ مبدأين هامين :
الأول : أن الأفيال في حاجة لمقاومة الرجال
الثاني : إن كان جحا قد أخطا في حق نفسه ووطنه فهذا لا يعني أن كل أهل البلد حتى أولاده من نفس النوع .
علي بابا
وباستلهام واحدة من أكثر الحكايات الشعبية شيوعا وألفة (علي بابا ) حاول السيد حافظ أن يرصد جانبا هاما من جوانب الفساد التي سادت المجتمع العربي في الثمانينات من القرن الماضي ، وهو ما يرتبط بالثراء الفاحش عن طريق أساليب غير مشروعة ، وكيفية إفساد العدل تحت سطوة رأس المال والجشع والطمع ، وهذا آفة الفساد وتدهور المجتمعات :
( يا أطفال الدنيا .. هذا العالم واسع بين العدل وبين الظلم
حاول .. حاول .. أن تنصف
حاول حاول أن تجعل من وطنك وطن العدل
امنع امنع جشعك ..حاول أن تعدل.)
لقد جسد السيد حافظ في أحداث مسرحيته الصراع بين كبار التجار (الفاسدين) وصغارهم من الشرفاء ، الذي أدى بعلي بابا أن يعلن إفلاسه ، ويغلق تجارته للعمل حطابا كسابق عهده حتى يكتشف سر المغارة الخاصة باللصوص ، ويحمل منها ما يجعله واحد من الأثرياء وهنا يترك السيد حافظ الحدث الرئيسي ، ليسأل مع من يسألون هل يعتبر علي بابا لصا ) ؟ وماذا سيفعل علي بابا بما عثر عليه من كنوز في المغارة ؟
أما بالنسبة للسؤال الأول : يتهم الجميع علي بابا باللصوصية
علي بابا : أنا لص ؟
حمدان : ما الفرق بينك وبينهم ، هم سرقوا الناس وأنت سرقتهم
علي بابا : أنا لم أسرقهم . أنا أخذت حقوقي التي سرقوها مني . سرقوا الدكان والتجارة
* و يُدان علي بابا ، حتى لو كان ينطق بمنطق كل اللصوص الذين يعتقدون أنهم شرفاء طالما سرقوا لصوصا آخرين . أما بالنسبة للشق الثاني الذي يترك للوطن اعتراضا على العدل الضائع
علي بابا : الوطن ينصف المظلوم .. الوطن عدل .. الوطن حق .. الوطن يسمع صوت
الفقير قبل الغني
و يتحول علي بابا إلى شخص آخر بعد أن يعيش حياة الأثرياء !
مرجانه : أتذكر كنت تقول دائما ليس بي رغبة سوى أن أعطي الفلاحين الأرض
علي بابا : نحن الآن أثرياء
* إضافة أخرى أضافها السيد حافظ على شخصيات الحكاية الشعبية ، هي شخصية محجوب التي تماثل شخصية المهرج في سندريلا والأمير الذي ينطق ولديه قدرة على الاستبصار
محجوب : يلهب السوق ولد صغير تايه اسمه العدل وبنت صغيرة تايهة اسمها الحقيقة
* إذا فالبحث عن الحقيقة والعدل هما الهدف وهما الحل كما يقول محجوب ، الذي يحذر الناس الفقراء من أن يسرقوا
محجوب : أغلقوا الأبواب جيدا ، واحموا بيوتكم من اللصوص .فإذا سرق البيت سرقت
الأرض ؟ يا فقراء العالم يد تبني ويد تدافع
* وعندما يتوجه بحديثه إلى الفقراء هنا بالضرورة فقد الثقة بالأغنياء الجشعون الفاسدين
محجوب : الثعلب بان بان والعدل لابد يبان ، ويا أطفال بغداد ، يا أطفال الدنيا اعلموا أن
علي بابا كان شريفا ثم أصبح لصا والسارق لابد أن يسرق .
* فعلا وإن غابت عدالة الناس على الأرض لفترة فعدالة الله بالمرصاد طول العمر.

الشاطر حسن

تتناول المسرحية هنا ، الهوة الواسعة بين الحاكم والشعب ودور أعوان الحاكم في عزل الحاكم عن شعبه ليسهل لهم السيطرة والاستغلال للشعب والبلدة.
وفي إطار من حكايات ألف ليلة ، وحلم البسطاء بتولي الحكم ولو لساعات معدودات، يقدم لنا السيد حافظ الشاطر حسن الشاب الفقير الأمين الذي يشبه شكلا أمير البلاد . وعن طريق هذا الشبه الظاهري، يتبادل الشاطر حسن والأمير أدوارهما لأيام ثلاث، وفي ممارسة الدور الجديد، يكتشف كل منهما الجانب الغامض عليه في حياة الآخر، يكتشف الأمير كم الظلم والقهر الذي يعيش فيه الشعب، ويكتشف الشاطر حسن كم الفساد والزيف الذي يعم القصر . وإن كان الأمير في رحلته للشعب لا يقدر أن يفعل لهم أي شيء ، إلا أن الشاطر حسن يستغل أيامه الثلاث في خدمة البسطاء ، ومساعدة الجميع بلا مقابل ، وإنقاذ جزيرة الأمل ممن احتلوها
* إذا كنتم عايزين السلام معانا لازم تسيبوا الأرض اللي احتلتوها.. وإلا تأكدوا إحنا ما راح نسكت عن شبر واحد من أرض جزيرة الأمل ...
هذا واقع العالم العربي بعد الأحداث الجسام التي مر بها وغيرت من كثير من جوانبه، كما رصده السيد حافظ ، وضمنه بعض من حلمه بمجتمع عادل آمن، تسوده المحبة والتعاون والتكافل كما نآى به على لسان شخصياته المهرج محجوب وغيرهم.
والآن وبعد هذا العرض الموجز لمحاولات السيد حافظ لربط المسرح بمظاهر التغير الاجتماعي، ألا يحق لنا القول بأن ما نشاهده اليوم في عالمنا العربي من صرخات ودعوات للإصلاح وحتى وإن جاءت من الغرب إلا أن الاستجابة لها وجدت اتفاقا – لم يكن في الحسبان – لدى شعوب المنطقة والتي بدأ بعض منها يصارع من أجل الحصول على حقه في حياة كريمة و عادلة و آمنة .
ألا يحق لنا القول بأن ما نشاهده اليوم هو نتاج لتراكمات أسس لها التنويريون من أدباء ومفكرين قرابة قرنين من الزمن منذ بداية المنفلوطي ومحمد عبده وقاسم أمين ولطفي السيد ، مرورا بالسيد حافظ وأبناء جيله .
هل نحصد اليوم فعلا ثمار ما زرعوه ذات يوم فكرا وإبداعا ؟ وهل سنشاهد تحولا وتغيرا في عالمنا العربي وإلى الأفضل ؟
إنه حلم فالتغير الاجتماعي لابد له من قوة دافعة ولن يكون هناك أقوى من الأدب والفكر . وقد بدأنا بها ، وليس أمامنا إلا النضال حتى نستكمل الحصاد .



أ.د / كمال الدين حسين
22/3/2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق