الاثنين، 25 مايو 2009

هبة بو خمسين كل هذا الشجن يا سيدتي

وقفة مع

هبة بو خمسين
......... ( في قعر أمنية )
كل هذا الشجن يا سيدتي

هبة بو خمسين .. تذكروا هذا الاسم جيدا .. إنها موهبة متميزة ولدت في أحضان الإبداع الخليجي والكويتي .. أخاف عليها أن تضيع وأن تظلم مثلما ظلمت موهبة من جيل سابق هي الكاتبة فاطمة يوسف العلي التي ظلمت موهبتها وخيم الصمت علي الجميع أو حدث شبه مؤامرة علي فنها .
إن هبة بو خمسين تعلن عن ميلاد موهبة متميزة جديرة .. لا تجيد الدعاية لنفسها أو قيامها بالترويج لقصصها .. وهبة بو خمسين لا تتقلد مركزا حكوميا مرموقا فالوظائف الحكومية عادة ما تدعم الأديب أو الأديبة . أن معظم النقاد يتولون أعمال المسؤولين بالنقد تقريبا وتحسبا .. والنقطة المهمة والهامة إن هبه بو خمسين لا تلهث وراء الموضة والتقليد لبناء القصص التي تحدث أحيانا كصرعة من صرعات العصر ..
وهبه بوخمسين " اكتشفت إن المادة السردية أرضا جديدة وجديرة بالاكتشاف و الارتجال والمغامرة بحثا عن الهدف والكلمة والمضمون الذي يحمل الدراما الإنسانية وتقنياتها المتعددة الدالة علي تطور الوعي الإنساني وإدراكه لمفهوم الشكل الذي يقول لا الشكل المغلق علي نفسه باسوار جديدة " (1)
هبة بو خمسين في مجموعتها الأولي ( في قعر الأمنية ) التي تحتوي علي 20 قصة قسمتها إلى ثلاث أجزاء . الجزء الأول بعنوان ( علي ضفاف الحياة نلتقي ) وتحتوي علي القصص آلاتية ( وجاءت في المنام صبا ـ يوم ميلادي ـ التوقيع ـ بركات الشيخ ـ وللديك الأسود حكاية ـ في الغرفة البيضاء ـ لابد أن يجيء ) أما المجموعة الثانية وتحتوي علي8 قصص فأسمتها للقلب همس يسمع وفتيل يشتعل و تحتوي علي مجموعة قصص هي ( باسم الحب ـ صدفة ذات يوم ـ لحظة من عمر الزمن ـ مصيري في لقاء ـ مرة أخري ـ سطر ـ آوان الرحيل ـ عودة مريده )
أمام المجموعة الثالثة تحتوي علي قصص ( إلى عالم مسالم -في قعر أمنية والقصص مغتربة ـ رنين ذكري ـ ملح دموعنا ـ رسائل شرق ـ قصص قصيرة جدا ) أي ان المجموع 20قصة .
أن هبه بو خمسين مفعمة بالحزن والشجن والإحباط الداخلي ولديها حساسية مفرطة ورغبه في فتح افق يستطيع القارئ ان يشعر بوجود الحياة المشحونة بالشجن .. انها كتله مشاعر صادقة تبحث عن نفسها في القصة وعن المعادل الموضوعي الفني الخفي لتكون هي القصة والقصة هي . وهذا لا يعني غيابها .
ان هبة بو خمسين تأخذ من الحياة وتحمل تجربة إنسانية متميزة وهى لاتنسخ الحياة وانما تنظر أليها بعين الفنانة والكاتبة ترددت كثيرا ان اكتب عن كاتبة جديدة في أول كتاب لها ، ترددت.. لماذا لا اكتب عن أدباء الخليج ، ربما للحساسية التي أطلقها أدباء اليسار العربي ان أدباء النفط اكثر حظوة عند النقاد وان النفط سيجعلهم في مكان الصدارة الأدبية ثقافيا وتجملا وان من يكتب عنهم سيكون متهما بتهمه المال والبحث عن المال ورغم وعي بان أدباء وشعراء الخليج معظمهم فقراء ترددت في الكتابة عنهم وأنا رجل علي مشارف الستين من العمر .. ادركت من خلال مراجعتي لنفسي ان كثيرا منهم موهوب بالفعل ويستحق الكتابة عنهم ولا يهمني النفط ولا لعنه النفط التي امتدت إلى أدباء الخليج مثل لعنه الفراعنة التي اعتقد انها ليست الموت .. ولكن لعنه الفراعنة في رأي هي ان المصريين لا يحترمون الأديب الا بعد موته . يبنون له المعابد والمقابر والحكايات والكتب . ولعنه النفط ان الأديب الموهوب في الخليج متجاهل بالصمت .
من لا يعرف هبة بو خمسين .. ولماذا تكتب ؟
هبه بو خمسين من جيل التسعينات من أدباء الكويت وهي أديبة مثقلة بعبء العشق للقلم والكتابة وهاهي تعري مشاعرها أمامنا وتعترف ( اشعر بتزاحم الكلمات في داخلي الأفكار تتسابق في ذهني فلا أكاد أجارى أحدهما .. تسبقني أو يبقها علي إيقاع موسيقي هادئة تتسلل إلى أعماق روحي يجهدني شعور الفجر عن إطلاق الفنان لقلمي بكل هذا الزخم المحبوس في قلبي وعقلي . امسك القلم تراودني مشاهد مختلفة ) ثم عندما تشعر برغبة في التعديل أو الشطب أو لا أضافه أو تمزق الورقة .. ثم هاهي تقول الحقيقة المخيلة " ( تدور الأحداث في مخيلتي .. أكاد أطير إلى عالم مختلف .. أتقمص الأدوار .. ابتسم .. أحزن .. احب .. أذوب يمكنني أن أكون كل شئ واي شئ !! )
عندما اكتشفت هبه بو خمسين عبر موقع القصة العربية علي الانترنيت ..شعرت بالسعادة بهذه الموهبة وقالت أنا تلميذتك إنني تربيت علي مسرحياتك للأطفال في الكويت والتي طالما داعبت مخيلتي شعرت بأنني كاتبه من طراز آخر .. إنها تحمل الوفاء والنقاء وصدق التجربة .. صدر كتاب هبه بو خمسين عن دار قرطاس للنشر في الكويت وتتناول هذه المجموعة التي قسمتها إلى ثلاث أجزاء .. وسأتكلم هنا عن الجزء الأول باسم ( علي ضفاف الحياة نلتقي ـ وجاءت في المنام صبا ) .. نحن أمام أنثي لها أخت تدعي صبا توائمها ماتت منذ ثلاث سنوات وقد آثرت هذه الوفاة علي الأسرة فالأم مريضه في المستشفي اثر نفسي .. وحمد الأخ سافر إلى أمريكا هروبا .. ماتت صبا اثر حادث وحمد كان السبب كان يجرى خلفها في حديقة المنزل فتعثرت وسقطت في الحديقة وماتت أمام الجميع .. أن حمد يحمل ذنب الوفاة لان أمه قالت له أنت السبب .. لكنه القدر والأم أحست بالذنب فأخذت تعتذر له .. والأم دخلت مستشفي الأمراض النفسية .. ان صبا هنا الضمير رمز الحب .. لقد جاءت صبا بعد موتها لتحتضن العائلة لتعود إلى الحياة لكن الأم ماتت .. القصة لحظه تراجيدية مكثفة علي القارئ .
أما قصة يوم ميلادي .. هي دفقات وسرد ليوم الميلاد بأسلوب تيار الوعي .. فالراوية تتحول من راوية محايدة إلى الراوية العليمة بكل شئ وتتحول الرؤية من الخارج إلى الرؤية من الخلف ) وتقوم الراوية بتوعية القارئ وارشاده (1)
ان هذه القصة حالة من حالات تيار الوعي . (2)
اما قصة التوقيع .. قصه صابرين تلك الموظفة التي عاشت سبع سنوات في الوظيفة تحلم بالترقية وان ترتفع فيسلم درجان العمل .. تحلم بمكتب جديد .. وإنها ستصبح رئيسه قسم .. إن الجميع يشفق عليها .. إنها تلهث وراء المنصب وحلمت بمنصب رئيسة القسم كانت تنتظر توقيع استلام العمل " عطرها صارخ بالجميع .. انا هنا .. تحملت كأنها ستوقف كل من يمر بها واجتمع المدير بالجميع .. كانت تنتظر القرار وهو يتحدث ويرغي ويزبد ثم أمرهم المدير بالعودة إلى مكاتبهم ثم تذكر وصاح صابرين رتبي مع السكرتيرة إلى إرسال توقيعك للاعتماد فسوف تقومين بالتوقيع مؤقتا علي معاملات العمالة الوافدة .. ابتسمت كالبلهاء بكل ما هو مطلوب منها التوقيع علي معاملات من المراجعين بدلا من المسؤولين لتخفيف عنهم . ان هذه القصة لحظة صدمة لطموحات صغار الموظفين تلك اللحظات التي يعشق الكتاب ان يتناولوها في الإنسان البسيط .
أما قصة بركات الشيخ .. فهي من القصص المتميزة في الحبكة والبناء والهدف وهي تنتمي إلى مدرسة الواقعية التقدمية أو التحليلية .. تلك المدرسة التي ظهرت في الستينات وهذا يدل علي ان هبه بو خمسين أسست ثقافتها علي أسس سليمة فالبطلة هنا تبحث عن الإنجاب بعد أربع سنوات من الزواج فتقترح عليها أمها الذهاب للشيخ بركات عبد الرازق .. وهذا الأيمان بالسحر والأعمال والتذوق جزء من تركيبة العقلية العربية وبطلة القصة شعرت باليأس والإحباط فذهبت للشيخ الذي كاد يلتهم جسدها .. قامت بكل الفحوصات الطبية والكل أجمع علي سلامتها وكذا قال زوجها بأنه سليم معافى وقنعا بمشيئة الله حتى أن زوجها ذاته لم يكن ليلح علي هذا الموضوع .
وتكررت زيارتها للشيخ وطالت زيارتها له في الأسابيع الأخيرة وكانت أطول من سابقاتها ولا تذكر منها شيئا .. تخرج من بيت الشيخ متألمة متمزقة الأفخاذ . الم في ظهرها .. في اسفل الظهر وصداع يأكل رأسها .. شكت ان الشيخ يوسعها ضربا قبل أن تغادره وحضر زوجها ذات يوم وسقطت بين ذراعية مغشيا عليها .. استفاقت في المستشفي علي صوت الطبيبة مبروك أنت حامل .. قالت الأم بركات الشيخ عبد الرازق .. صرخ الزوج كيف تكون حاملا وأنا عقيم لا شفاء لي !؟ هذه القصة صفعة .. إنها الصدمة .. إن ولع الناس بالحياة والعلوم الخفية والسحر قد تؤدي إلى كوارث " وهذا الاعتقاد كان سائدا في القرن السابع عشر .. أما عند القرن الثامن عشر ظهر عصر النور الذي سيعيد الاعتقاد بالسحر والسحرة وتسلط الشياطين علي عقول الناس (3)
وفي نفس السياق تجري قصة وللديك الأسود حكاية .. حيث ان الجيران فيحفل عرس يتشأمون من الديك الأسود ذو العرف ويذبحونه ويلقون به في البحر حتى يذهب السحر وعند الاحتفال بالعرس تكتشف ام العروس ان جارتها أم أحمد تأخرت بسبب ان ابنها الصغير الذي فقد ديكه الأسود جسوم ..!!
بين قصة بركات الشيخ والديك الأسود حكاية رابط خفي وجوهري موضوع السحر والشعوذة ونحن الأن مع قصتين في الغرفة البيضاء ولابد ان يحيي .. في القصة الأولي سرد لزوجة حرقها زوجها الذي دمرت حياته .. ودمر زوجته وفي النهاية قد دخلت المستشفي في غرفة بيضاء
وفي قصة ( لابد ان يحيي ) تبدأ القصة علي زوجة في المستشفي أمام الدكتور المعطف الأبيض .. إن البطلة داخل مستشفي الأمراض النفسية .. نري ان صوت بطلة القصة في مونولوج داخلي تتحدث عن رغبتها وضعفها الإنساني فهي عندما تواجه الدكتور ( أرادت الاختباء ما بين مقلتيه .. كنت كطفلة نزقة يسيل لعابها عند النظر إلى قطعة حلوي) " لأول مرة أري وجها شاحبا بهذا الجمال "
اطراؤة بدد المي .. وضحكته حلقت بي إلى جنة تغذي بجمالها خيالي مذ وعيت علي دائرة الدنيا " واعتقد ان هذه القصة مرتعشة في التواصل مع القارئ.
ان هبة بو خمسين تنتمي إلى تيار الوعى لأنها تهتم بالإنسان من الداخل والصدق الفني في التعبير عن ذلك العالم الخفي في الإنسان بدلا من أضاعة الوقت والجهد في وصف الحياة من الخارج . وهي تستبطن نفس ابطالها والتعبير عن اثر هذه الحياة فيهم .
سأكتفي هنا بالحديث عن الجزء الأول في المجموعة القصصية الثرية للكاتبة هبه بو خمسين .. هي كاتبه مبشرة بالكثير .. إنها تخطو نحو مستقبل الكتابة بخطي واثقة تحتاج منها إلى شجاعتها في اقتحام الصعب والخصوصية والبحث عن لغتها المتميزة . وكم نحن في احتياج إلى مواهب متميزة في القصة القصيرة والرواية والشعر والفن التشكيلي .
نحن في احتياج إلى نهوض امه واستمرارها .



السيد حافظ على رجب- القاهرة
elsayedhafez@hotmail.com

12شارع طارق يحيى عبد الغنى التعاون الهرم الجيزة جمهورية مصر العربية
تليفون
المراجع :
(1) محمد السيد قطب ـ كتاب منطق السرد عام 2004 وزارة الثقافة المصرية
(2) محمود الحسيني ـ تيار الوعي في الروايه المصرية المعاصرة ـ عدد 59 ـ وزارة الثقافة 1997
(3) يحيي زهار – كتاب عالم غير منظور خارج القواعد العلمية

(3) يحيي زهار كتاب عالم غير متطور خارج القواعد العلمية ذكري ـ ملح دموعنا ـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق