الأحد، 10 مايو 2009

السيد حافظ والمسرح الملحمي

السيد حافظ والمسرح الملحمي
بقلم ليلى بن عائشة-اذاعة الضاب-سطيف- الجزائر
إن" السيد حافظ" يعتمد كثيرا الدراما الملحمية، كاتجاه من الإتجاهات التجريبية في مسرحياته، ذلك أنه يطرح فيها العديد من القضايا السياسية والإجتماعية، التي تعنى بها الدراما المحلية بشكل كبير. والمسرح الملحمي كما صاغه " بريشت" نظرية متكاملة في المسرح، لأنها تناولت بالمعالجة كافة أبعاد العملية المسرحية، ولم تهمل منها شيئا )كتابة النص، وإعداد العمل للعرض و الإخراج، و شكل الأداء، السينوغرافيا،...(. وقبل أن نبرز مواطن تأثر الكاتب بهذا الإتجاه، وتوظيفه إياه، ندرج هذا الجدول الذي يوضح "بريشت" من خلاله خصائص المسرح الملحمي وكذا الدرامي والفروق القائمة بينهما ) *(.

المسرح الدرامي
المسرح الملحمي
1- عقدة
2- يعرض العالم كما هو.
3- يجعل المشاهد في صميم الوضعية المسرحية ويضعف قابليته للفعل.
4- يهيئ له المثيرات ) يستثير العواطف( .

5- المشاهد منهمك في أمرما.
6- المشاهد في خضم التجربة المسرحية ويشارك فيها
)المتفرج داخل الحدث( .
7- الإنسان غير قابل للتغيير .
8- تطلع إلى النهاية ) الاهتمام منصب على الخاتمة(.
9- تنمو الأحداث على بعضها.
10- تتطور الأحداث تطورا خطيا ) مجرى الحوادث يقوم على مبدأ التسلسل الزمني والتتالي(.


11- المسرح يؤثر من خلال الإيحاء .
12- يسلم الإنسان كما هو) أي يفترض أن الإنسان معروف(.
13- يعالج الإنسان باعتباره ثابتا.
14- الفكر يتحكم في الإنسان.
1- سرد
2- يعرض العالم كما يصير أو يتحول .
3- يحّول المشاهد إلى مراقب، ولكن يستشير قابليته للفعل.
4- يقسره على اتخاذ القرارات ) يتوجه إلى العقل يستخرج منه أحكاما( .
5- المشاهد مجبر على أن يواجه أمرا ما.
6- يقف المشاهد خارج التجربة ) المتفرج خارج الحدث(.
7- الإنسان قابل للتغيير ويستطيع أن يغيّر.
8- الاهتمام ينصب على مجرى الأحداث.
9- أحداث متبانية تضم إلى بعضها.
10- التطور في منحنيات ) مجرى الحوادث يتم على شكل تركيب ) مونتاج( يمكن أن يرسم خطا ملتويا أو يتم بقفزات.
11- المسرح يؤثر من خلال الحجج أي بالجدل.
12- الإنسان موضع بحث.

13- يعالج الإنسان وهو في عملية تحول.
14- الكيان الاجتماعي يتحكم بالفكر.


)*(- أنظر المعجم المسرحي: ماري إلياس وحنان قصاب حسن.ص.209 .والدراما التجريبية في مصر 1970-1960والتأثير الغربي عليها: حياة جاسم .ص.68 .
يلجأ "السيد حافظ" في سبيل إرساء دعائم كتابة تجريبية ملحمية في بعض وجوهها، إلى الاعتماد على عنصر التغريب، وهو عنصر أساسي في المسرح الملحمي؛ « والتغريب هو تقنية تقوم على إبعاد الواقع المصوّر، بحيث يتبدى الموضوع من خلال منظار جديد يظهر ماكان خفيا، أو يلفت النظر فيما صار مألوفا فيه لكثرة الإستعمال»(1) . ويهدف عنصر التغريب في الأدب والفن إلى « تعديل استقبال المتلقي للصورة الفنية من خلال إبراز « الصنعة » وتحقيق تفرد معين للمادة الأولية، بحيث لا يتم التعرف عليها مباشرة بشكل عفوي، وإنما من خلال إدراك واع » (2).
ويتحقق التغريب في المسرح من خلال مجموعة التقنيات، التي يتم التركيز عليها في بناء الفعل الدرامي، من بينها:« أ- لكي يبدو الفعل الدرامي غريبا ومتفردا، فإنه لا يقدّم كحدث آني ضمن علاقة الهنا / الآن وإنما يوضع في إطار سردي ..]يعيده[ ضمن الماضي ويربطه بالإطار التاريخي » (3). ومن هنا فإن التأريخية عنصر هام في تحقيق التغريب، يلجأ إليها الكاتب لكي يمنح للمتلقي فرصة قراءة الأحداث من جديد ومن ثم الحكم عليها، طالما أنه يفصل بينها وبينه فترة زمنية تؤكد انفصاله عنها عاطفيا، مما يسمح له بالحكم عليها من خلال دراسة ما يعرض أمامه. ونجد أن "السيد حافظ" قد اعتمد التأريخية في كثير من المواضيع التي طرحها، سواء بالعودة إلى التاريخ القديم أو الحديث، فمن هذا الأخير تناول الحرب العالمية الثانية ووضعية مصر بالنسبة لأحداث هذه الحرب، ويتجلى ذلك من خلال أحداث مسرحية ) حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث(. بينما عالج في مسرحية ) عبد الله النديم( كفاح الشعب المصري للإحتلال الإنجليزي، وأبرز دور شخصية "النديم" في هذا الكفاح. كما تناول قضية من التاريخ العربي الحديث، أخذت جانبا كبيرا من اهتمامه، وهي هزيمة 1967، والتي كتب عنها العديد من المسرحيات، محاولة منه لإعادة قراءة التاريخ ورؤية الأحداث بمنظار آخر، كما في مسرحية ) 6 رجال في معتقل 500 ب/ شمال حيفا(.التي تجري أحداثها في معتقل إسرائيلي، ومن خلالها أدان الكاتب المؤسستين المدنية والعسكرية، وأبرز العديد من القضايا التي كانت السبب الكامن وراء الهزيمة، ومن بينهما التواطؤ الداخلي؛ والمتمثل في انشغال القادة السياسيين والعسكريين بالأندية وكرة القدم، عن الإستعداد العسكري للحرب.كما يصوّر في جانب آخر نتائج وتبعات الهزيمة والنظام الفاسد ككل، الذي أفرز جيلا منهزما تمثلت عينة منه في أبطال هذه المسرحية. وقد فتح الكاتب العـديد من الأقواس ضـمن هذا العمل أمام المتلقي، ليقرأ الأحداث من جديد بعين أخرى أكثر اتضـاحا في رؤيتها، وبعقل أكثر تجليا وتدقيقا في تفكيره، وبفكر أكثر موضوعية في حكمه.وعديدة هي مسرحيات "السيد حافظ" التي تصب في هذا الإطار، كمسرحية ) حبيبتي أنا مسافر والقطار أنت والرحلة الإنسان( ، التي


1- المعجم المسرحي: ماري إلياس وحنان قصاب حسن.ص.139.
2- مر.ن.ص.ن.3- مر.ن.ص.ن.
يصور من خلالها الواقع العربي عقب هزيمة 67. ومسرحية )الحانة الشاحبة العين تنتظر الطـفل العجوز الغاضب ( التي يتساءل أبطالها عن أسباب هذه الهزيمة، بينما تصور مسرحية ) الخلاص( أحداث فترة الإستنزاف قبل حرب67 وأثرها على المنطقة.
ومن التاريخ القديم كتب مسرحية ) حكاية الفلاح عبد المطيع(، حيث ناقش فيها قضية قهر السلطة للشعب واستهتارها بحقوقه، وتناول بالضبط العصر المملوكي، فيما تصوّر مسرحية ) عاشق القاهرة الحاكم بأمر الله ( الجوانب المضيئة "للحاكم بأمر الله" على أرض مصر وتحديدا بالقاهرة، في العهد الفاطمي كما وظف الكاتب شخصية "أبي ذر الغفاري" ببعدها التاريخي وقيمها ومبادئها في مسرحية) ظهور واختفاء أبو ذر الغفاري( لإبراز تسلط الحكام ومحاولة تجسيد العدل0
« ب- لاتقدم الحكاية في تسلسل متصاعد، وإنما على العكس بشكل متقطع، إذ يتخلل سرد الحكاية وقفات وأغنيات وخطاب يعلق عليها»(1).
كما يركز "بريشت" على التكرار لبعض الأحداث، لتمكين الجمهور من التفكير، وإعمال الذهن الذي « ... يحول بينه وبين الإنجراف مع الحدث، ويجب أن ينتج على التكرار التضاد لكي يلفت انتباه المشاهد إلى إمكانيات أخرى، وتقاطع المسرحية، عمدا بعناوين تعرض على شاشات وتزوّد المشاهد، أحيانا بمعلومات عن نتيجة المشهد بغية تقليل التوتر لديه، وتشجيعه على التأمل في سبب الأحداث »(2). ونجد أن "السيد حافظ" يعتمد كثيرا على هذه التقنيات، ففي مسرحية )حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث( وظف ستة وعشرين لافتة، مضمنا إياها في الكثير من الأحيان أحداثا تاريخية، ليجعل المتلقي في موقف البحث عن العلاقة التي تربط بينها وبين ما يحدث أمامه ومن بينها:
« بلفور يعطي وعدا لليهود »(3).
« ألمانيا تعلن الحرب على العالم »(4).
« ألمانيا تدخل فرنسا »(5) .
« قتل الحسين يوم كربلاء »(6) .
« هولاكو يغزو بغداد »(7) .


1- مر.ن.ص.140.
2- الدراما التجريبية في مصر 1970-1960 والتأثير الغربي عليها: حياة جاسم.ص.ص.70/69.
3- حدث كما حدث ولكن لم يحدث أى حدث اوزوريس.ص.31.
4- م.ن.ص.35.
5- م.ن.ص.37.
6- م.ن.ص.42.
7- م.ن.ص.43.

« نفي عمر مكرم في دمياط » (1)« عار الحضارة في هيروشيما » .(2)« تشرشل ما زال يعد العرب » .(3)
أما اللافتات الأخرى في ذات المسرحية، فتأتي في معظمها تعليقا على موقف من المواقف أو حدث معين من أحداث المسرحية ،كلافتة « قف لا تهرب » التي جاءت تعليقا على طلب "شربات" من "سعيد" الزواج بها، ورفضه لطلبها على الأقل، في الوقت الراهن بالنسبة لزمن المسرحية 0
« شربات : إجوّزني ياسعيد بقى..
سعيد : دلوقت.. ترتفع اللافتة..تهبط لافتة أخرى) قف..لاتهرب(.
شربات : آه..
سعيد : ما ا قدرش..
شربات : ليه يا سعيد.
سعيد : علشان باين عليهم حيخدوني في الجيش بالعافية..
شربات : وليه كده ؟..مين دول ؟.
سعيد : مش عرفاهم..الإنجليز.. ».(4)
واللافتة ) قف لا تهرب ( تعبر في بعدها الآخر، عن عدم التهرب من المسؤولية، ومحاولة انتشال الوطن من ربقة الإحتلال الإنجليزي، وعدم إمساك العصا من الوسط، أو تأييد الألمان، أو الإنجليز، لأن كليهما لا يمكن أن يحرر مصر، وانتصار أحدهما على الآخر لن يغير من الموقف الذي تحيا فيه، وتبقى مهمة المصريين هي الذود عن الوطن بكل الطرق، وعدم انتظار ترجيح الكفة لأحد الطرفين لتحقيق الأفضل لمصر.كما يستعين الكاتب بالأغاني التي تعبر عن مواقف معينة، وقد تكون تقديما لمشهد من المشاهد .ففي مسرحـية ) عبد الله النديم ( يفتتح الكاتب الفصل الأول بلوحة غنائية، تتحدث عن شخصية"عبد الله النديم" وخصاله. يقول "السيد حافظ" « ..أغنية تقول بما معناه..إنه فارس الزمان الجميل، وصاحب القلم النبيل وعاشق الحارات والكفور والنجوع والأقاليم، إنه فارس مصر عبد الله النديم»(5)ويفتتح الفصل الثاني من هذه المسرحية بأغنية على لسان شخصية "زمارة" مغنواتي المحروسة، ولكن الاختلاف بين الأغنية الخاصة بالفصل الأول، وأغنية هذا الفصل،يكمن في أن الكاتب، ألّف كلمات هذه الأغنية بتحديد
دقيق، ولم يتركها مفتوحة لمخيلة الملتقي، أو لابتكار المخرج. وتتغنى الأخرى"بالنديم" الذي يتم البحث عنه من
1 م.ن.ص.48. -2 م.ن.ص.52 3- م.ن.ص.61. 4- م.ن.ص.42. - عبد الله النديم : السيد حافظ.ص.5.
قبل الإنجليز« زمارة :وأدوّر عليك في الحواري والحارات.
كأنك يا جدع سندباد.
وغاوي تلف البلاد.
وغاوي توعّي العباد.
وغاوي تشد الحكومة عالزناد.
وتنبض بقلمك غناوي الحصاد.
وتزرع وانت ماشي في الدماغ ثورات.
وتعلي بصوتك وتهز عروش الفساد.
يا نديم يا عبد الله.
يا حاجة حلوة بعتها لنا الله.
وكأنك كما النيل بتفيض.
وكأنك طمي التحريض.
يا صاحبي وغايب.
إحنا في كل زمن رديء
بنرجع لسيرتك تضيء الشموع للشباب.
و نحلم بأم مصرية تولد جدع زيك يهز العباد.
واحنا مشخصاتيه ممثلين وممثلات..
كتاب وكاتبات..شعرا وشاعرات..
مخرجين ومخرجات..
وبتوع ديكور وبتوع كلام.
وبتوع غناوي.
ولمثلك نخاوي.
ونغوى نهز بيك ضمير الوطن لما ينداس.
تحت رجلين الجهالة والفساد ».(1)
ونلاحظ كيف أن الكاتب يضمّن – إلى جانب الحديث عن خصال وصفات"النديم"- الأغنية رسالة يتوجه بها إلى الجمهور، ويعلن صراحة عن هدفه من المسرحية والمتمثل في إيقاظ الضمائر، وإنارة الدروب الصعبة للشباب بسيرة "النديم" الوضاءة، لحملهم على مواصلة النضال والكفاح، والسير الحثيث لاستكمال ما رسمته هذه الشخصية النضالية وغيرها، لأن من سار على الدرب وصل.84.
وقد تكون الأغاني الواردة في مسرحياته تعبيرا عن موقف محدد، ونسوق من ذات المسرحية، الأغنية التي جاءت تعليقا على موقف الظابط التركي الذي عثر على "النديم"- الذي رصدت جائزة مالية كبيرة من قبل الإنجليز لمن يقبض عليه- وكان بإمكانه القبض عليه ولكنه لم يفعل .
« الظابط : لا ..احنا عايزين عبد الله النديم.
عسكري : مالقناش حاجة.
الظابط : خلاص .. كله يجتمع بره..
) دق على الباب(.
فاطمة : استر يا رب.
النديم : ) يفتح( أيوه.
الظابط : خذ عشرة جنيه نص اللي معايا ... أنا معجب بيك ومش حاسلمك حتى لو كانت الجايزة
ألف جنيه .. سلاموا عليكم ياشيخ علي المغربي [ النديم كان متنكرا في زي مغربي وأسمى
نفسه علي المغربي].
) تنزل أغنية .. ولسه فيه ناس بتحب مصر وتحب العدل .. تكره الفساد من كل صنف وكل لون على طول البلاد( ».(1)
ج- كما يلجأ "السيد حافظ" إلى توظيف الراوي، وكذا الكورس كوسيلة من وسائل التغريب،إذ يتولى الراوي في كثير من الأحيان مهمة تزويد الجمهور المتلقي بكم من المعلومات، أو ما يسمى بخلفية الأحداث كما تلعب الجوقة أو الكورس دورا في قطع الأحداث كتقنية من تقنيات التغريب، للتعليق على الأحداث أو التعقيب عليها، أو التنبؤ بما سيحدث أو تزويد الجمهور بحقائق غير واضحة ولا معروفة لديه سلفا، وقد وظف الكورس والراوي معا في مسرحية ) حكاية الفلاح عبد المطيع (؛ ففي الفصل الأول كان دور الكورس والراوي هو تزويد الجمهور بمعلومات حول شخصية "عبد المطيع"، إذ تولىّ الإثنان سرد الحكاية من البداية، مع مراعاة تحسيس الجمهور بأنه أمام مسرحية؛ أي كسر الإيهام المسرحي.
« الراوي : سيداتي .. آنساتي .. سادتي .. هذه الليلة .. سنعود إلى الوراء، إلى زمن كان الإنسان
مفقود القيمة، يهان ... هذه الليلة نقدم لكم حكاية، وحكايتنا ليست من هملت أو هنرى
الرابع ... أو أي ملك من ملوك الأرض.
الكورس: عن أي شيء تحكي إذا ؟
الراوي : عن عبد المطيع !
الجوقة : عبد المطيع ؟
الراوي : فلاح فقير، أجير عيناه مسجدان وقلبه يتسع حتى يحتوي العالم...تبدأ قصته أنه ذات يوم ...

1- م.ن.ص.ص.120/119.
ا


























لجوقة : انتظر يا رجل، لماذا تأخذنا من الدار إلى النار، نحن نعلم أن المسرح يعرض مسرحية وهذه
المسرحية لابد لها من بداية
ووسط ونهاية.
الراوي : لسنا في قاعة تدريس الدراما.
الجوقة : لتبدأ الحكاية.
الراوي : في كوخ.
الجوقة : على شاطىء النيل.
الراوي : على هامش الطريق، فلاح فقير يعيش مع أسرته اسمه عبد المطيع.
الكورس : يزرع القمح، يحصد الحب، يوزع الإبتسامة ويشتري زقزقة العصافير بأغاني الحصاد ... خرج صاحبنا في الصباح..».(1)
وإذا كانت وظيفة كل من " الراوي" و" الكورس" هي السرد لبعض الأحداث، وتزويد المتلقي ببعض المعلومات، فإنها تعلق في بعض الحالات على موقف من المواقف من مثل قول الكاتب:
« الراوي : أين المصابيح يا رجال لهذا الرجل
المصابيح مفقودة
خارج القصر الأبواب والنوافذ مغلقة
هذه السكة أمامكم
إنه النفاق .. لم يدر الرجل أن الفرمان قد صدر بارتداء الملابس البيضاء ...
الجوقة : كل الأيام مطعونة
الشريف فينا مطعون
ينزف والأصحاب والرفاق يطلقون عليه الضحكات.
هذا زمن رديء ..
أين التاريخ لينزل من عليائه ليرى الشوارع ليرى ماذا يفعل الملوك والسلاطين بالشعوب».(2)
ويمكن التمثيل لظهور الجوقة والراوي في مسرحية ) حكاية الفلاح عبد المطيع ( حسب الصفحات والفصول والمشاهد، بإيضاح دورها حسب الجدول الآتي:

1- حكاية الفلاح عبد المطيع: السيد حافظ.ص.ص.6/5.
2-م.ن.ص.59
ظهور الجوقة والراوي حسب الصفحات
في الفصل حسب المشاهد
دورهمــا
في الصفحتين 6/5
الفصل الأول*
تزويد الجمهور المتلقي بمعلومات

في الصفحات 20/19/18.
الفصل الأول
تزويد الجمهور المتلقي بمعلومات

في الصفحتين 32/31.
الفصل الثاني **
)المشهد (1
سرد لبعض الأحداث وتزويد الجمهور المتلقي بمعلومات
في الصفحات 61/60/59
الفصل الثاني
)المشهد5 (
تعليق على الأحداث في الصفحة (59) ، ثم استكمال لسرد بعض الأحداث في الصفحتين (61/60).

أما في مسرحية ) ظهور واختفاء أبو ذر الغفاري ( فيوظف المؤدي إلى جانب الكورس ويتعدى دورهما – خاصة الكورس – تزويد المعلومات وسرد بعض الأحداث، إلى التعليق عليها والدعوة إلى اتخاذ مــواقف منها.ويأخذ حديث الكورس في الكثير من الأحيان مجرى التساؤل كقول الكاتب« ... سلوا جائعا في هذه المدينة عن بشارة الغد عن أحلام الضائعين الجائعين يا « أبا ذر» تموت غريبا، هل تموت غـريبا يا « أبا ذر»؟؟».(1)
وقوله أيضا : « الكورس : الطاعة شيء هام ..
لكن .. طاعة من ؟؟ ..
ولمن ؟؟ .. ».(2)
وتحمل تساؤلات الكورس المتلقي على البحث بإمعان عن إجابة شافية لما يحدث، بل إنها تنزع الغشاوة عن عينيه، وما عليه إذ ذاك إلا أن يمعن النظر، ليرى الأمور على حقيقتها. ونضيف هنا ما قاله الكاتب – دائما على لسان الكورس-:

)*(- الفصل الأول دون مشاهد .
)**(- الفصل الثاني يتضمن خمسة مشاهد .ظهور واختفاء أبو ذر الغفاري: السيد حافظ ومحمد يوسف.ص.14. 2 م.ن.ص.18
1-
2- « الكورس : الراعي والرعية.
من منهما الضحية ؟؟
من منهما الفداء ؟؟
من يخدم من ؟؟
والقاضي ما دوره ؟؟
ورئيس الشرطة العلنية ؟؟
ورئيس الشرطة السرية ؟؟
والسجن لمن ؟؟
للص أم لرافض السلطان ؟؟
وكيف يحكم السلطان ؟؟
بالقانون،
أم على هوى السلطان ؟؟ ».(1)
وقد يتعدى الأمر طرح الأسئلة، إلى الإجابة عنها، ونسوق هذا الحوار بين " رئيس الكورس" و" الكورس" حول مبايعة " فاتك" بالإمارة محاولا التنبيه إلى حق الفرد في اختيار الحاكم، وحقه في رفض من لا يراه أهلا لحكم الشعب أو بالأحرى من لا يراه أهلا لخدمة الشعب.
« الكورس : البيعة والمبايعة
من يملك هذا في الرعية ؟؟..
من يملك أن يرفض ؟؟
الثورة أن تملك الاختيار
أن تملك حق الاختيار، وحق الرفض ؟؟
قائد الكورس : ) للكورس ( كيف اخترتم هذا ؟
الكورس : من ؟؟
قائد الكورس : فاتك .
الكورس : لم نختر أحدا ..بايعه الناس؟؟؟ ».(2)
ثم يتم كسر الجدار الرابع بمخاطبة الكورس للناس ) أي الجمهور ( في محاولة لاستنهاض الهمم والتنبيه إلى ضرورة التمسك بالحق ورفض الظلم .
« الكورس : أيها الناس ..

1-م.ن.ص.29.
2- م.ن.ص.30 /29.




























كيف نسيتم حق الاختيار، وحق الرفض
كيف تركتم ما أوصى الله لكم به ؟؟
كيف فرطتم في حق الحرية ... كيف بايعتم "فاتك" ؟؟ كيف؟؟ ».(1)
وقد انحصر دور "المؤدي" تقريبا في سرد صفات"أبي ذر" ودعوته للظهور، لمساعدة الفقراء .
« المؤدي : يا حليف البسطاء
يا عدو اللصوص
يا غريب في زمن همجي
يا « أبا ذر» تعالى
وانشطر كالضوء في جوف الجبال
وانفجر كالضوء في سقف السماء
إنهم ينتظرونك كلهم ينتظرونك ».(2)
« المؤدي : أراك يا « أبا ذر» تخطب في المدينة السجينة
فتنهض المدينة من نومها، من سجنها ».(3)
ويظهر "المؤدي" في حالة واحدة في دور الداعي إلى الثورة، وذلك في البؤرة الثانية، وكأنه أدرك هو الآخر الكثير، في هذه البؤرة بالذات تماما كأبطال هذه المسرحية، إذ نجده يدعو الناس )أي الجمهور المتلقي( للمقاومة.
« المؤدي : يا جميع الناس
لا بد أن تقاوموا
لا بد أن تزاحموا
حذاري أن تساوموا ...
تدافعوا لتدفعوا الظلام
ولا تخافوا سطوة الظلام ... ».(4)
ونشير إلى أن توزيع "الكورس" و"المؤدي" على البؤر الثلاث لم يكن عادلا ويمكن التمثيل لظهورهما حسب الجدول رقم 01.
- ظهور واختفاء أبو ذر الغفاري: السيد حافظ ومحمد يوسف.ص.30.
2- م.ن.ص. 22.
3- م.ن.ص.62.4- م.ن.ص.75/74.
البؤر
ظهور الكورس
حسب الصفحات
وظيفته
عدد مرات ظهور المؤدي حسب الصفحات
وظيفته

ص: 14/13
تعليق وتساؤل
22/15/13
مناداة أبي ذر

ص: 18
تساؤلات



ص: 20
تعليق على حديث أبي المجون



ص: 28
سرد بالعودة إلى التاريخ الإسلامي
62/61
سرد لأحلام اليقظة

ص:32/31/30/29
تساؤلات وحديث يجلي الواقع ويوضح الرؤية ويحمل المتلقي على إعمال الذهن



ص: 40
تعليق على الأحداث



ص: 43
تساؤلات موجهة للجمهور
) وكسرللحائط الرابع(



ص: 52/51
تعليق على الأحداث في شكل تساؤلات



ص: 62/61
حديث يتضمن إدانة فاتك
75/74
دعوة للمقاومة

ص: 73/72
تعليقات وتساؤلات



ص: 76/75/74
تعليق على الأحداث ودعوة الجمهور

ص: 99/98/97

تعقيب على الأحداث


الجدول رقم 01
أما دور "الكورس" في مسرحية ) الـخلاص (، فيتمثل في التعليق على الأحداث في بعض الحالات، ومكمّل لحديث أبطال المسرحية في حالات أخرى. وقد ينحصر دوره في الإجابة عن تساؤلاتهم، وإجابته تتضمن سردا للكثير من الأحداث الغائبة عن ذهن المتلقي. فعن الحالة الأولى نسوق هذا المثال، إذ يعلّق فيه"الكورس " على حديث المخرج وعمال الديكور، متضمنا دعوة للتكاتف لدحر قوى الظلم، والإستعمار الغاشم.« المخرج : ... إسمحوا لي الخطوة عايزة جسارة
والكلمة عايزة خلق تسمعها وتفهمها
وأنا بمد إيدي لكم وكلنا
علشان نخطي سوا العتبة
علشان نخطي سوا العتبة
المخرج وعمال الديكور : ) يخرجون( علشان نخطي سوا العتبة.
الكورس : .. سينا ماانسينـاش واحنـا مانسيناش.
الحرب مانسيناش النكسة مانسيناش.
الذل مانسينـاش مــا نسينـاش.
.. إجرحني مهما تجرح
أنا ليّ تاريخ طويل
أنا فيّا أصالة بتنبع من مية نهر النيل
وسكوتي مش جبن فيّه سكوتي نار
تحت الرماد تحت الذهب فوق القنال ».(1)
أما عن الحالة الثانية، فنسوق هذا المثال الذي يكمّل فيه " الكورس" حديث شخصية " فؤاد" :
« فؤاد : الحكاية .. إني مش راجع السويس علشان أكتب أغنية.
الكورس : واكتب شعر زي كلمتين مدغدغين متساويين ».(2)
أما عن الحالة الثالثة، فنسوق إجابة " الكورس" عن سؤال " فايز" عمّا حدث في سنة 1956.
« فايز: .. وفي راسي تاريخي المنسي ومن الفكرة المنسية اصفعني يا فؤاد سنة ستة وخمسين فكرني قولنا إيه.
الكورس : لموّا الأهالي .. لموّا الفلاحين في عهد مصر الخديوي توفيق، رايح يفتح القنال والأوبرا العثمانية، من دم الفلاحين وفي شارع ملوي ومنحني حيعدي الخديوي مع ملكة الإنجليز .... والخديوي بسيف دم الشقيانين لكنه راجل أمير لكنه طيب ... ».(3)
د- ويعتبر تحطيم الجدار الرابع، أو كسر الإيهام إحدى أهم الوسائل في تحقيق التغريب، وقطع التسلسل؛ ويتم
1- الخلاص : السيد حافظ. ضمن كتاب حكاية الفلاح عبد المطيع: السيد حافظ.ص.ص.233/232.
2- م.ن.ص.
ذلك في غالبية الأحيان من خلال«الأداء الذي يتغيّر مع تغيّر نوع الخطاب، فتارة نجد الممثل يؤدي الدور ..
[ المسند إليه ] وتارة نجده يخاطب الجمهور بشكل مباشر».(1) ونجد أن أعمال "السيد حافظ" لاتخلو تقريبا
من هذه التقنية ،ففي مسرحية) حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث ( نجد أن الستار يكون مفتوحا منذ البداية وقبل انطلاق المسرحية،ويعتبر هذا كأول خطوة لكسر الإيهام المسرحي ،يقول الكاتب: « ..الستار مفتوح أثناء دخول الجمهور ... ».(2)وفي ثنايا المسرحية نجد أن "أبو سعيد" يكسر الجدار الرابع بحديثه للجمهور.يقول "السيد حافظ":« ) يعود ينظر للجمهور ..ويكسر الحائط الرابع( وانتو قاعدين هنا ليه.. عايزين تستخبوا متقعدوش هنا ..ولا تستخبوش في في المخابئ.. ما تخافوش أبدا ..اطلعوا وحاربوا وموتوا من غير زعيق واصوات.. موتوا علشان تعيشوا في سلام ..سلامو عليكم)يخرج(».(3)
فالملاحظ أن "السيد حافظ" يركز كثيرا على (حالة التمسرح) التي تشبه مفهوم (الواقعة) المسرحية التي تتم أو تحدث بانضمام الجمهور إلى الممثلين، وتجاوزه مجرد الإكتفاء بالفرجة إلى المشاركة الحقيقية في الفعل المسرحي، مما يحقق إتساقا وتناغما في الأحداث المسرحية، ويشيع جوا من البهجة والسمو الذهني؛ فالتلاحم والإنجسام بين الممثلين والجمهور شيء في غاية الأهمية، وقد تتعدى هذه العلاقة إلى طرف ثالث يجعل من الفعل المسرحي حدثا يشارك فيه الجميع حتى عمال المسرح، ففي مسرحية )الخلاص( نجد أنه بعد انتهاء الممثلين من أداء أغنية لها علاقة بالنص، يفاجأ الجميع والأضواء ساطعة بعمال المسرح يخاطبون الجمهور صائحين « إحنا مش ممثلين ... إحنا شيلنا الديكور وجيبنا ديكور جديد.. كل واحد فيكم عليه أن يغير الديكور اللي جواه الديكور القديم.. إحنا بنهد وبنبني لكن فيه ناس بتهد وبس .. بتهد وبس.. وإحنا مش ساكتين لها .. وإحنا حا نقف لها ياإما تغير طريقها ياإما نذبحها .. »(4).
وفي مسرحية )ظهور واختفاء أبو ذر الغفاري( يشرك الكاتب الجمهور بشكل غير مباشر في أحداث المسرحية، وذلك على وجه الخصوص في البؤرة الثالثة )الموقف(، أين يتولى القيام بدور شهود النفي والإثبات أثناء محاكمة الخطباء الثلاثة، عددا من الممثلين الذين اتخذوا لهم أماكن وسط الجمهور في الصالة مما يدعو إلى خلق حركية أكثر أسهمت في كسر الجدار الرابع، وذلك رغبة من الكاتب في تعميق الحدث على الطريقة البريختية.« ممثل الإدعاء : ونهيب بعدالة المحكمة أن تفسح وقتا لسماع شهادة شهود الإثبات، وهم موجودون في الصالة.
القاضي : وشهود النفي ؟
ممثل الإدعاء: لا يوجد ) أصوات من الصالة (

1 - المعجم المسرحي : ماري إلياس وحنان قصاب حسن .ص.140.
2- حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث:أوزوريس.ص.28.
-3حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث:أوزوريس.ص.52.
4-الخلاص: السيد حافظ. مسرحية وردت ضمن كتاب الفلاح عبد المطيع: السيد حافظ.ص.197.































- نحن شهود النفي ، نحن هنا في الصالة
- نحن الحدادون، و النجارون،
- والوراقون، والخبازون،
- وبائعوا الصحف، وبائعوا اللبن
- نحن هنا في الصالة »(1).
ونضيف هنا مثالا آخر من مسرحية)طفل وقوقع وقزح( : « الطفل: )ينظر للجمهور ( حتى إنتو ساكتين مش جادرين تجولو من القاتل..لا أنا عايز أرجع تاني ما اتولدش إلاّ في نور نور نور..أنا عـايز نور»(2).وقد لاحظنا كيف كسر "السيد حافظ" الجدار الرابع مرات عديدة في مسرحية)إمرأة و زير وقافلة(، وكذا في مسرحية )تعثر الفارغات في درب الحقيقة..بحث(!!، وكذا في مسرحية) حكاية الفلاح عبد المطيع(، وذلك من خلال الحوار الذي دار بين "الراوي" و" الجوقة" أو " الكورس" ونسوق منه هذا المقطع .
« الجوقة :انتظر يا رجل لماذا تأخذنا من الدار إلى النار، نحن نعلم أن المسرح يعرض مسرحية وهذه المسرحية لابد لها من بداية ووسط ونهاية.
الراوي: لسنا في قاعة تدريس الدراما »(3). فنلاحظ من خلال هذا المقطع أن الكاتب منذ البداية ينبه الجمهور إلى أن مايعرض أمامه مجرد مسرحية، وذلك لكسر الإيهام، فمن ثمة جعل المتلقي يمعن الذهن ويعمل الفكر في جل ما يعرض أمامه على الخشبة.
إن "السيد حافظ" وتحت وطأة سيطرة التوتر والشعور بمحاصرة الإنسان، يقدم للمتلقي شحنات إستفزازية متوالية، مما يدعوه إلى الإندهاش، بل إلى الإنبهار، ويرمي من خلال ذلك إلى أن يحدث في ذاته صدمة المباغتة التي تحمله على التساؤل المتولد عن الحيرة والتوتر؛ أي أن هذه الحالة تحرك فيه فضول التساؤل والبحث والتفكير، وهذا التساؤل يقود حتما إلى المحاولة المتنامية والمتزايدة للحصول على إجابة لما يحدث، ومن ثمة يتحقق مستوى من الوعي الرصين الذي يسعى إلى تحقيقه الكاتب على مستوى ذات وفكر المتلقي؛ بحيث يصبح مسؤولا يبحث عن الحل الذي سيتولد عن طريق الفعل والحركة بدل السلبية التي كان يتسم بها.
وبناء على ذلك يتحقق "للسيد حافظ" إلى جانب مشاركة المتلقي في الفعل المسرحي، الفعل الشامل المترجم لأحداث الواقع وهو أهم شيء يترصده الكاتب ويتطلع إليه. ومن هنا فإن مسرح هذا الكاتب يعتمد أكثر ما يعتمد على أسلوب التلقين والإستيعاب، لأنه مسرح عقل وتفكير وجدل.وهذا لا يمنعه أن يكون مسرح فرجة ومتعة فكرية بالدرجة الأولى.


1- ظهور واختفاء أبو الغفاري: السيد حافظ ومحمد يوسف. ص. 89.
2- طفل وقوقع وقزح: السيد حافظ. ضمن الأشجار تنحني أحيانا:السيد حافظ.ص.ص.119/118.
3- حكاية الفلاح عبد المطيع : السيد حافظ.ص.ص.6/5.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق