الأربعاء، 6 مايو 2009

مسرح الدرامي السيد حافظ

مسرح الدرامي السيد حافظ
دراسة في اختصار

ا.د. كمال الدين عيد

هل يحق لي - ولكم – إطلاق مصطلح ( مسرح ) علي اعمال درامية عديدة قامت، بتأريخ حقيقة لعدة فترات من التاريخ الوطني والقومي والحربي المصري، تأريخا جادا وأصيلا، حتي وان لم تنتشر سيرة هذا الـتأريخ كما كان يجب ان يكون الانتشار واسعا عريضا مؤثرا بمعني ان تخرج هذه الاعمال المسرحية الابتكارية لتأخذ نصيبها المشروع علي خشبات المسارح المصرية والعربية في زمن كتابتها او خروجها في صورة الكتاب المطبوع .
وفي رأي المتواضع، ومع ذلك فهو رأي متخصص، ان درامات الفنان السيد حافظ ترتفع حقا -وبلا نفاق او مجاملة- الي مصطلح المسرحية، ذات الطابع الخاص في كل منها، وبحكم إثبات الزمن ووثائقية الحدث وتسجيليات الواقع المعاصر لمكان وزمان خرجت من لحمته تقرر شهادة الميلاد وشهادة العصر بكل حذافيره، وآلامه، ولطماته، بل وافكاره واماله في المستقبل.
واذا كنت اسجل هنا العبقرية المنظمة عند هذا الرجل القدير الصديق السيد حافظ وأنظر بعين الاعتبار والتقدير لدراماته ( حدث كما حدث ولم يحدث اي حدث – كبرياء التفاهة في بلاد اللامعني – والله زمان يا مصر – الطبول الخرساء في الاودية الزرقاء – حبيبتي انا مسافر – القطار انت والرحلة الانسان ....... وغيرها ) فانني اتوصل الي تحليل نوعي دقيق specific أراه في هذه المعالجات الرفيعة والصفات الممتازة التي يتخطها وينتهجها السيد حافظ في كل مسرحية علي حدة. بمعني انه يضع الفكر الدرامي عنده في كل درامة داخل الاطار الدرامي الذي يتناسب مع عنصرين هامين ضرورين هما الشكل+ الزمن. هذه الكيميائية الجديدة بين زمن احداث الدراما، والمتفاعلة مع الشكل من النادر ان نعثر عليها في صورة مجتمة تركيبية تأليفية synthetic الا في المسرحيات الأوروبية والأمريكية التي ظهرت في السبعينات القرن الماضي العشرين، وهي نظرية ( الجميعة ) synthesis التي أوجدها هيجل في الديالكتيك الهيجلي نتيجة الجمع بين الطريحة والنقيضة. اي بين Antithesis , Thesis هذا النوع الجمعي اثر عليه-فلسفيا-فى فكر الدرامى كأساس نظرى يبنى عليه دراماته ومسرحياته . الزمان يتناقض مع الاشكال .بل ومع الاحداث.لعل من اهم نقاط تحقيق الفكر الهيجلى هو دراية المؤلف بقضايا الاخراج المسرحى وعلومه وهو ماسهل له الوصول الى بوابة التعقيد وفى يده اليمنى مفاتيح الحلول والمسارات..اى انه بفكره الثاقب استطاع وضع اليد على ابراز التاقضات وتكثيفها ثم عرضها بعد ان خرج السيد حافظ من الثوب الدرامى الى رداء المخرج المعاصر والثورى ايضا .الا ان خلفية شخصيته الثورية والوطنية القومية تلعب هى الاخرى دورا هاما فى عملية التأسيس للعرض المسرحى .خاصة وأنه ينقل من مكنونات الصدر وبقايا الكامن فى اللاشعور من مظاهر الوطنية.ومظاهرات طلاب جامعة الاسكندرية – وهو واحد منهم ان لم يكن اكثرهم تحريضا وثورية وغضبا واشمئزاز لما مرت به مصرنا الأم من آلام وسقطات .دفعت به الى عدد غير قليل من المضامين الدرامية لأعماله المسرحية.
ولست اعجب حين يكتب عنه زميلى الراحل الدكتور محمد مبارك الصورى الاستاذ الجامعى للنقد المسرحى بدولة الكويت .انه يحمل طموحات وطنية وقومية حاولت ان تجد لنفسها مكانا لها ولكنها اصطدمت بأرض الواقع او انه يمللك النزعة التجريبية فى اعمال السيد حافظ. فاننى لااتفق مع الصورى فى جزئية الاصطدام بامر الواقع ..فضعف انتشار درامات السيد حافظ في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي الذي كتيت فيه يعود الي سببين رئيسين : هما جهالة القائمين علي تقرير الريبرتوار المسرحي المصري في المسارات الحكومية كما يعود الي هذا الإغراق التافه الذي سيطر علي المسارح الخاصة وفرقها ( يذكر زميلي الفنان جلال الشرقاوي ان مصر حينها كان بها 28 فرقة مسرحية اهلية وخاصة كما كتب الزميل الناقد الكبير الراحل فؤاد دواره عدة كتب سنوية بعنوان – تخريب المسرح المصري ) .
لقد كان من سوء الحظ مولد مسرح السيد حافظ وسط هذه السنوات التي أرخت للخلل المسرحي في التاريخ المسرحي الحديث. واسمحوا لي هنا ألا أعفي المسئولين علي مسرح الدولة من مسئولياتهم وتقاعسهم لعدم انتباههم الي مسرح وطني وقومي كان يزعق بالصوت مجلجلا ومغمغما. لحماية مصر من أعدائها الخارجيين وفي الداخل، فاذا اطلع احد علي مصطلح تكوين ( المسارح القومية الاوروبية في القرن 19 ميلادي سواء في اوروبا الغربية وحتي اوروبا الخارجية، والتي كان يقصد بها دول وسط وشرق اوروبا ) لأدرك حقيقة مهمة المسرح القومي المصري والذي كان عليه ان يعرض كل عام علي الاقل دراسة او عرض لوطنيات السيد حافظ.
التجديد غير مألوف
ليس جديدا ما أطرحه هنا من ان الجديد غير المألوف مستغرب ومستوحش في تاريخ المسرح العام. الم تكن مسرحيات يوجين يونيكو وصمويل بيكيت وفرناندو اربال غريبة علي جماهير المسرح الاوروبي صاحبة الباع الطويل في المشاهدة المسرحية منذ القرن الخامس قبل الميلاد وهي جماهير قد تربت علي الوعي المسرحي، وامتلكت النقد السليم بحكم الممارسة الفعلية للمشاهدة، فما بالك اذن بجماهير لا تعرف المسرح او هي عرفته من عهد قريب ؟ من هنا فان ثقافة الجماهير المصرية والعربية لا اقصد طبقة المثقفين او طبقة Elite بل اعني كل جماهير مصر، والتي اعتادت علي التقليديات وفكاهات الريحاني وعبثيات مسرح اسماعيل يس، وتفاهات المسرح الخاص ( حمري جمري – لوز وجوز ) هل كان يمكن تخيل او استيعاب هذه الجماهير لأعماق فكرية او طروحات قومية عند درامات السيد حافظ ؟ لا اعتقد ذلك. وهذه اشكالية اخري.
اقيم واحترم كتابات نظيفة ومنصفة سبقتني الي تقييم اعمال الفنان السيد حافظ زميلي الراحل د. علي شلش يشيد بجرأة المؤلف الشاب وتحطيمة لقواعد المسرح من أرسطو الي بريخت، وفتحي العشري ناقد جريدة الأهرام يقدم فكرة السيد حافظ علي الفن، وماهو القاعدة السليمة والأساس اللازم فيما نسميه نحن المسرحيون ( المضمون الدرامي ) DRAMATIC CONTENT وغيرهما كثيرون.
في هذه الامسية الطيبة وهذة الدراسة المختصرة اخترت من مؤلفاته الدرامية مسرحية لم تلق عليها الاضواء كثيرا بالتحليل والتفسير والنقد ..واقصد بها مسرحيته المعنونة ( اميرة السينما هووووووش اسكت)بعبارة نكتشف عن فكر الكاتب فى اختصار استعير منها( لم نعشق الاحزان والغموض والهبوط لم نعشق الطلاسم والتزييف) هذه عبارات السيد حافظ.
الدرما من جزأين بعنوانيين هما:لقطة عامة ولقطة خاصة.تقسيم خشبة المسرح فى اللقطة العامة الاولى يكشف للك ولأول وهلةمنذ البداية عن خشبة المسرح فى القرون الوسطى – الثلاثية.لكن فى صورة عصرية (معصرة ) .هنا تبرز الثقافية المسرحية ومعارف تاريخ السيد حافظ.ادخل التعصير على شكل معنى ليتناسب مع شكل معاصر.اضافة الى افكار سياسية تاريخية ..امريكا والزنوج وازمة الانسان المعاصر ( فى صفحة 202 من المسرحية تذكر شخصية الذى يحاول وفى ظنى ان الشخصية هى السيد حافظ نفسه الذى يحاول التغيير تغيير سحنة المسرح المصرى والعربى – تقول الشخصية العبارة التالية
1- اذا تقدم الانسان بفكره وسابق الزمن سقط ضحية التخلف واذا تاخر صار متخلفا .واذا سار بجوار الزمن جنبا الى جنب قتلته الامبالاة والملل ( الايبدو ان المتحدث هو السيد حافظ نفسه ؟
2- يستعمل السيد حافظ فى الجزء الاول اللغة على مستويين .الفصحى فى مشاهد ثم يجرؤ وينتقل الى العامية فى مشاهد اخرى وماهو حسب راى – تجديد او صورة لغوية مسرحية لم يستعملها قبله مؤلف اخر والا فليدلنى واحد منكم وانتم متخصصون مسرحيون ودراميون مثلى على درامة اتبعت هذا المنهج الفنى قبلا .انها فلسفة الفكر الدرامى التى يرى فيها السيد حافظ ان نوعية اللغة لابد وان تحس التعبير الدقيق عن وقائع الاحداث سواء كانت الفصحى فى مشهد او العامية فى مشهد اخر .ثم لعلنى احس بموقف العداء لدولة الدولار ولحالة انتاجها السينمائى فى الماضى والفضائى الآنى .فى عام 2001 زرت الولايات المتحدة الامريكية ومن بين 38 مسرحا فى نييورك لم اعثر فى ريبتوارتها الا على اربعة درامات من النماذج المسرحية الجادة اوربية او امريكية بعد ان غطت عروض الاستعراض والقودفيل والرقص اغلب البرامج فى المسارح .ان مايشير اليه السيد حافظ فى مسرحيته عام 1974 زمن كتابة المسرحية لايزال ممتدا حتى اليوم .فياله من متنبىء ! ان كلمات مثل نهر المسيسيبى والهنود الحمر والمجد للصحافة والاعلان والرصاص .السهام لتومى لنا بمكان واحداث درامته حتى ولو كانت عن طريق الاستعارة او المجاز او الرمز allegory
3- نهاية اقول ان مسرح الزميل الاستاذ السيد حافظ نابع من التربة المصرية حين عرى مستهجنا مايحدث فى صناعة السينما المصرية حتى وان البسها ملابس الكاوبوى فهو فى ظنى مسرح اشتعالى مصدر للثورة ضد الدكتاتورية المعتدية على الانسان والانسانية .الخامدين لمشاعر القومية والوطنية المصرية ومن هنا فهو لاينتمى كما لايتشابه مع مسارح اوربا القومية او ثورية اخرى لان مسارات ودرامات مثل انتونيين ارتو او مايرهولد آو المسرح العارى وليس الفقير BARE THEATRE
فهذه ترجمة حرفية وليست فكرية دقيقة فلكل مسرح من هذه المسارح الاوربية والروسية اسباب لظهورها ولايمكن التعميم فى اسباب التجارب ومن هنا ومع احترامى للزميل الدكتور سعد اردش فاننى اختلف معه فى ان مسرح السيد حافظ يتشابه او هو يعود فى ظهوره الى المسرح السابق الاشارة اليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عنوان الدكتور كمال عيد
16 شارع اسماعيل رمزى ميدان الجامع – مصر الجديدة الدور لبرابع
تليفون 2566525 القاهرة- جمهورية مصر العربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق