الخميس، 2 أبريل 2009

مسرح الطفل فى الكويت ج2





مقدمة حول
السيد حافظ وتجربته
في مسرح الطفل

دراسة في مسرحية الشاطر حسن
بقلم شنايف الحبيب

عرضت المسرحية في الكويت عام 1983
من إخراج أحمد عبد الحليم ومن بطولة عبد الرحمن عقل – محمد جابر – استقلال أحمد

















دراسة المسرحية
السيد حافظ عاش حياته يكتوي بسلسلة من الهزائم والنكسات أضحت بمثابة صدمات كهربائية أوجدت في قلبه الجراءة على كشف الحقيقة كانت ضريبتها مكلفة أو الجهر بمحاربة الفساد أيا كان نوعه ومكانه وتشخيص الدواء لأمراض الأمة . من هذا المنطلق فهو في مسرحية الشاطر حسن يحاول تأكيد حلمه النبي من خلال بناء جيل جديد ليس بالمهزوم ولا المحبط ولا المنحرف ولا الفاسد.
ولكن كيف ومن أين نبدأ ؟
الشاطر حسن يجيبنا بأن نبدأ من حيث يجب البدء من الطفل ذا المستقبل ، وسلاحه فإن نحن أعددناه جيدا وأخذنا بيده ووقفنا بجانبه نرشده وننير له الطريق نصل حتما إلى تجاوز مخلفات الهزيمة وترسباتها. وقد صدق الرسول ( ص ) حين قال " يولد المولود على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ". قد يكون الوالدان هما الأب والأم ، وقد يكونا المجتمع ممثلا بالمؤسسات الاجتماعية : المدرسة ، المسجد ، دور الحضانة أو المسئولون عن الأمة بصفة عامة.
الطفل يخرج إلى النور مهيأ لقبول أي شيء لهذا نرى الأمم الحية المدركة لإخطارها ، والمستعدة لمواجهة المستقبل تبدأ في اعداد أبناءها نفسيا وأخلاقيا وثقافيا ، فتقيم الندوات والمخيمات والمعسكرات حيث يتلقى الطفل كافة أنواع التربية .
الشاطر حسن يقول لنا أن من عاش في ظل الهزيمة وتثقف بثقافة الهزيمة ليس أهلا بأن يكون قدوة لأطفال العرب ، ومن ثمة فالآباء و المسؤولون ورجال التربية مرفوضون لأن الهزيمة تسكن فيهم حتى النخاع ، ومن ثمة فالجرعات الثقافية التي يقدمونها للطفل تحمل نتانة النكسة والخيانة والنفاق وكل القيم الاستهلاكية التي بشَر بها الرئيس المؤمن ، والتي لا تمت للإنسان العربي بصلة ، وكأن السيد حافظ يذرف دموع الأسى والحسرة على ذلك السباب الذي خاض معارك التحرر في الخمسينات والستينات في مصر والاوراس والجبل الأخضر وفي كل بقعة طاهرة في العالم العربي. كيف انتهي اليوم في زمن الانفتاح والارتداد يرتاد الملاهي وكرة القدم ويتعاطى الحشيش يبحث عن اللذة الرخيصة. فلا عجب وقد أصبحت الخيانة وجهة نظر وموقف يدافع عنه الشامتون تحت غطاء الديمقراطية الوافدة.
فالشاطر حسن يقدم البديل والحلم بغية إصلاح ما أفسده زمان صاحب 99 % من أوراق اللعبة في يد أمريكا مستندة ( المسرحية ) على القبور الإسلامية والعربية الأصلية
التي جبل عليها الإنسان العربي الأصيل.
فالأمانة والتعاون والإيثار والمحبة والتواصل والأخلاق وحفظ العهد والحرية والكرامة " لا أنا رايح السوق أشوف الناس عايزين مساعدة و لاَ حاجة ".
أنت دلوقتى ما تساعدش الناس ساعد نفسك قبل أن تساعد الناس
ما لكش دعوة بيا أنا مبسوط كده بحب أساعد الناس ووقتي لكل الناس
ومنين تأكل ؟
والله مش شرط أكل ألف صنف وصنف يكفي واحد المهم أن الواحد في عيشه سعيد أو
قول :
عندي حمولة في المخزن عايزك تساعدني في شيلها
أنت كل ما تشوفني تقول عندي حاجة تعالوا تساعدوني في شيلها
الشاطر حسن دايما يساعدني
وكل حاجة عايز تعملها ببلاش يا رجل أجر لك اثنين شيالين أحسن لك
أجر علي الثواب أو خدمة أو مساعدة الخير اعمله وأرميه
غلط لما تعمل كل حاجة أو أي مساعدة وتمد يدك تأخذ عليها أجر مختار
فهذه قيم بشَر بها إسلامنا الحنيف وحتمها أصالتنا أما النفاق ومحالفة العدو فهي من الأمراض الدخيلة على أمتنا
بس جزيرة الأمل بعيد عن بلادنا ليه أنت شايل همهم وإحنا مالنا وما لهم أنت اللي عليك تقول كلمتين أو ثلاث تذيعهم في الراديو ونقول إحنا معاكم يا جزيرة الأمل ونعادي من يعاديكم نفديكم بالروح والدم
أقنعته أنه مريض ودفعته للطبيب والمنجمين يحارب أزاي وإذا حارب بنشغل عن التجارة وينشغل عن السوق وإذا حارب أكيد حياخد الفلوس كلها معاه ومش حنستفيد منه بحاجه لكن لازم أخليه يتزوج ست الحسن إذا أنا نجحت .
الشاطر حسن ابن الشعب قائد الشاب الفقير الذي لم تغيره موجه السلطات وحياة الترف والغنى والقصر هو النموذج الذي يريده السيد حافظ ، هو النبتة الصالحة التي يسعى إلى غرسها في قلوب الصغار . فالشاطر حسن يقول للأطفال أن الخيانة والنفاق ومقت الناس والوصولية وانتهاز الفرص والكذب والكسل والاتكال من طبيعة النفوس المريضة التي صنعها الواقع العربي الفاسد الذي انعدم فيه التعاون والحب والسلام ، فعندما يطلب منه صديقه مختار الذهاب إلى القصر ويقول للسلطان إنه أسعد سعيد للحصول على 3 ألاف دينار يرفض .
مختار : بقولك إيه تعال نروح القصر وتقول للسلطان أنك أسعد سعيد وأنا صاحب أسعد سعود أكيد حيفرح ويدينا 3 ألاف دينار.
الشاطر حسن : عايزين أكذب لا أنا ما اكدبش لو أعطاني 10 آلاف دينار
الشاطر حسن لا يقول للأطفال لا تكذبوا أو لا تفعلوا ، أو يدعهم يتوصلوا إلى هذه النتيجة بشكل يرهق أذهانهم كما نجد ذلك في المدرسة ، وإنما يقدم أمامهم النموذج فيجعلهم يعيشون معه الموقف والمبدأ ، هو القدوة لهم برفضه للكذب . وكأني بالسيد حافظ يسخط على المربين ورجال التعليم الذين يعبئون الأطفال ويشحنون أذهانهم بالنصائح والقيم بشكل شعاراتي فوقي. فالمدرس مثلا يقول للطفل أن التدخين مضر بالصحة لكن التلميذ عندما يخرج من الفصل يجد المدرس أول المدخنين فيعرف أن العملية تدجيل ونفاق وكذب .
وما أكثر الدروس والأنشطة المبرمجة في المقررات الدراسية التي تنتهي وتحتوي على أكثر من جانب خلقي وتربوي بغض النظر عن الجانب التعليمي ، وتلقى إلى ذهن الطفل يوميا لكنه لا يجد ما في الأسرة ولا في الشارع وهذا ما تفضحه المسرحية ، فالناس تكذب وتدعي أنها تمتلك قميص أسعد سعيد لتحصل على المال وتنافق . فالطفل يتلقى في المدرسة أن الشرطي مواطن صالح يسهر على الأمـن ويـحـمـي النــاس ، وعندمـا يـخـرج إلى الشــارع يـجد أن الشرطي يأخذ أموال الناس بالباطل ، ويتعاطى للرشاوى ، ويقمع الناس عندما يتظاهرون طلبا لحقوقهم المهدورة ؛ بل يصل الأمر إلى إطلاق الرصاص وما الشرطي إلا أداة ووسيلة. وها هي المسرحية تتكلم عن القاضي والوزير اللذان أكلا أموال الناس بالباطل .
( القاضي أبو داود ظلمني وهضم حقي وتسأل أهالي بغداد كلهم يا الشاطر حسن أنا زى ما أنت عارف أفقر تاجر بغداد ).
( إن القاضي أبو داود وخاله الوزير سليمان واكلين السوق طالعين واكلين نازلين واكلين ).
ويتلقى في المدرسة أن التعاون والأخوة أخلاق كريمة لكنه عندما يذهب إلى المنزل يصطدم بتوبيخ الأسرة ووعيدها :لأنه أعار كتابه أو قلمه فالأسرة. معذورة في تصرفها والطفل معذور في موقفه ، فالناس تكذب للحصول على المال وتحتال للوصول إلى لقمة العيش ( قميص أسعد سعيد ) لأن الناس صنعت لتكون هكذا !!!!
الشاطر حسن يقول لنا الفساد نابع من جبة السلطان ومن النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، ومن الطبقة الرأسمالية العفنة المحيطة به ( الوزير ) ، فهي الداء والوباء ، فهي ضالة المستعمر وحماره الذي يصدر عليه القيم الخبيثة والفاسدة والهدامة التي تنفر جسد المجتمع فجعلت من المجتمع سادة وعبيدا فقراء وأغنياء. فساد النفاق في العلاقات الاجتماعية ، واشتد الصراع بين الخير والشر ، والتطاحن بين المصالح الشخصية والعامة ، وترقبوا القيم النبيلة التي بشرت بها الشرائع السماوية وتعارف عليها الناس.
فالشاطر حسن يقول للأطفال اسألوا آبائكم وأمهاتكم ومربيكم ومدرسيكم وكل المجتمع أين التكافل الاجتماعي والتعاون والإخوة والسلام ؟ أين هي " المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص " ؟ أين هي " ليس منا من بات شبعان وجاره جائع " ؟ والمسلم أخو المسلم التي بشَر بها الإسلام والنبيين ( ص ) ، والتي أكدتها الشعوب في رحلة الانعكاف والخروج إلى النور ؟ أين هو العدل الذي قلتم لنا أنه أساس الملك ودرستموه لنا في المدرسة فإننا لا نجده في حياتنا وواقعنا.
الشاطر حس ينبه الأطفال إلى هذه الأشياء. فينجذب إليه الأطفال ويحلون به ويحل بهم في علاقة وجدانية صوفية. فمن خلال الممارسات اليومية للشاطر حسن في تعامله مع الناس ومع أصدقائه يجسد قيمة إنسانية رائعة في الدفاع عن الوطن والحب والتعاون ومساعدة المريض والفقير والتاجر والصانع فيكرس وقته لخدمة هذه المواقف النبيلة من أجل المبدأ الذي آمن به.
إن التخلف الذي أصاب أمتنا العربية نابع من نفورنا من قيمنا العربية الأصيلة ، ومن إسلامنا الحنيف وتعلقنا بالتفاهات التي أرسلت إلى العالم العربي تحت غطاء العلمية والتحضر، ولأن أمتنا تعيش حالة من الفراغ السياسي والثقافي فتلقت هذه القيم الغربية بلهفة وعشق وغرام ، ولأن جهاز المناعة معطل فيها فقد تأصل الوباء في خاصرتها. وهذا ما تنبهنا إليه المسرحية، ولإنقاذ الأمة من الخطر فإنها تدعونا إلى تجنيد طاقاتنا الفكرية والمادية في مواجهة التخلف والاستعمار. فكما كتبنا آلاف المجلدات والكتب للكبار ، فيجب أن نساهم ولو بجهد ضئيل بالكتابة للطفل بغية تحقيق الأمن الثقافي لأن إصلاح الأمة مرهون بتكوين أبناء معا ، ولأن الطفل هو رجل المستقبل ؛ هو الفلاح ؛ هو العامل ؛ هو الصانع. فإذا شب على القيم النبيلة والعمل الشريف فإن الأمة سينقشع أمامها النور ويتبدد الظلام من طريقها لأن طاقاتها تكون حينئذ محددة وسليمة.
ولأن السيد حافظ مهووس بقضية الديموقراطية و الحرية وكرامة الناس ، ولأنه عانى الحرمان وغياب الديموقراطية في بلده ووطنه العربي ، وعاش المنفى كما عاش مواطنوه السجن والإعدام تحت قانون نظام المدعي الاشتراكي والقوانين والاستثنائية وثورة التصحيح وقبر الموقف الأخر ومنع الجرائم والناس من الكلام.
لقد عانى كما قال لي داخل التنظيم الناصري لما أن يعرف كيف يفكر كتاب إسرائيل " ومن زعيم طلابي إلى التنظيم الشبابي الناصري الذي كنت أراه الحلم والمستقبل. ففي آخر مرحلة سألت واحد من هي إسرائيل ؟ من هم كتابها ؟ من أدباء إسرائيل كيف يفكرون ماذا يكتبون؟ وفوجئت بأننا في محكمة التنظيم السياسي كيف تسأل هذا السؤال ؟ قلت لهم لا يمكن أن يكون عدونا تافها وسطحيا ونحن لا نعرف عنه شيئا. لقد أرهقوني في عملية غسل مخ المعسكر؟
فاستخلص أن الديمقراطية هي السبيل ، وأن الحرية هي الهدف والغاية. وأن الدفاع عن الوطن شرف ومبدأ ، فأراد أن يزرع هذه الفكرة في نفوس الأطفال حتى يشبوا عليها " ومن شب على شيء شاب عليه كما قال ( ص )
فمن خلال بطلة الشاب الفقير التي ترمز إلى الضمير الحي المناضل. يكشف الظلم والطغيان المتسلط والمنافق الذي يســرق قــوت الشــعب ، وحــرم الناس حقـهـم ، وسلـط عليــهـم ألـــوان القـــهر ، وزيَف الحقائق أمام السلطان وأوهمه بالمرض " سامحني إنني أرفض فلوسك ويكفيني أنني أخذت فلوس الوزير سليمان ووزعتها على الفقارة والمساكين وأخذت جميع أراضيه ووزعتها على الجنود وسامحني لأنني طلعت كل المساكين وخليت كل الشعب وكل الناس تهتف باسم السلطان حسان "
بذلك استطاع الشاطر حسن أن يحول أسلوب الحكم في بلاده من أسلوب استبدادي دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي يستند إلى قرار الجماهير. حتما سيلاحظ الطفل هذا التحول في عيون الشعب ، في فرحته ، في هتافه باسم السلطان حسان ، في إطلاق المعتقلين ومصادرة أموال الوزير وأملاكه وتوزيعها على أصحابها الشرعيين .
ففي خلال تقنية التشابه التي أوصلت الشاطر حسن إلى هدم السلطة فعاش في أيام سلطانا ، بلَغ السيد حافظ إلى أذهان الأطفال كل ما يؤمن به ويعتقده ويرى أن الشرفاء يناضلون من أجله ، ويقدمون القرابين في سبيله في كل الساحات ( ليرينا الكاتب مفهوم الحكم عند رجل الشارع الذي عانى من الظلم هل سيتأثر بالسلطة لتعويض أيام الحرمان؟ أم أنه يظل أمينا مع نفسه. كما كان مهما كان موقعه في الحياة سواء وهو على رصيف الشارع أو على كرسي الحكم ) .
بل يجعل الطفل يعيش هذه المواقف ويتذوق حلاوتها وطعمها فيتعلق بالشاطر حسن ويصفق له وهو يطلق سراح المعتقلين ويحقق العدل للمظلومين ( أول يوم سمعت شكوى المظلوم ثاني يوم حقق العدل).
وهو يصفي الحساب مع قوى الإقطاع المتحالفة مع الأعداء والتي ترفض العرب. فجزيرة الحوت ( إني أخذت فلوس الوزير سليمان ووزعتها على الفقارة والمساكين ، وأخذت جميع أراضيه ووزعتها على الجنود ...) ، فيحقق العرب الحلم ضد جزيرة الحوت مستندا على قرار الشعب والشارع والناس (يا مولاي أنا ولد البلد وعارف البير وغطاه عشت في الشارع يقول السلام يجي بالقوة مع الأعداء مع السلامة يا مولاي ).
ويفكر في الحزانى والمحرومين . ولا يكتفي بهذا الشاطر حسن بل يقول للأطفال أن الحكم العدل هو الذي يستنـــد على قـرار الشعــــب ولا شيء غير الشعـــب لأنه صاحب المصلحـة ، لذا يجعل السلطان حسان ينزل إلى الشارع ليقرب الفكرة إلى عقول الأطفال فيتعرف على هموم الناس ، ويرى حالات الفقر ويكتشف الظلم والجور ( أول مرة أحس بالشعب وأحس بالناس أول مرة أشيل في أيدي في السوق أول مرة أساعد الفريد والفقير أول مرة أساعد الست المسكينة أم سعيد أول مرة أصيد سمك أنا تعبان أبي أنام أبي أنام ) .
فينتهي السلطان إلى أن الناس تريد الحرب من أجل السلام ، وأنها تريد العدل
والديمقراطية وترفض التسلط والإرهاب ( وهذه القصة للكبار أكثر منها للصغار فهي تعالج موضوعا سياسيا هاما في الحياة المعاصرة لكن السيد حافظ استطاع أن يوظفها بما يتلاءم وإدراك الطفل ليغرس روح التعاون والمسئولية وبذلك حولها من رمز سياسي يفهمه الكبار إلى درس في التوعية الأخلاقية للصغار ) .
فالطفل عندما يعيش هذه الأحداث فإنها ستعلق بفؤاده فيتألم لحال المظلوم والمغبون ويحقد على الوزير والقاضي فتعجبه كلمة العدل ، والحب والتعاون ، والقتال من أجل الأرض والعرف ، فيتمنى أن يكون الشاطر حسن صانع هذه المعجزات في حبه للناس ، وتضحيته من أجلهم ورفضه للكذب والاحتيال. الشاطر حسن هو الرسالة ؛ هو الموقف الذي يوحي به السيد حافظ إلى عقول الأطفال وقلوبهم ... فصار كل واحد منهم حسن الشاطر لينتهي حتما الظلم وينقشع النور والمحبة والتعاون. في علاقات الناس ويعود الإنسان إلى صفاء الطبيعة .
من هنا تستنتج بأن مسرح السيد حافظ ليس مسرحا كماليا ولا ترفيهيا ، وليس مسرحا يستجدي الضحك ، بل مسرح الكلمة ؛ مسرح الوظيفة ؛ مسرح الموقف والمبدأ. إنه ليس المسرح المنافق الذي يسعى إلى الثقافة الاستهلاكية وإنما هو مسرح يقف عند مشاكل الأمة. يخاطب الطفل فيثير انتباهه ويستفزه إلى الضحايا الاجتماعية والسياسية في حدود طاقاته الفكرية العمرية. فها هي مسرحية الشاطر حسن تقدم الدليل القاطع على أن لا شيء يكبر عن ذهن الطفل إذا نحن أشئنا تقديمه له فحتى القضية الفلسطينية التي يظن الكل أنها من اهتمام الكبار يجعلها السيد حافظ من انشغالات الصغار .
فأهل جزيرة الأمل المشردين ليسوا إلا أبناء فلسطين المشتبهين في العالم والمحتاجين للعون العربي. وما جزيرة الحوت إلا رمزا للصهيونية التي ابتلعت كل شيء. فمن خلال موقف الشاطر حسن الذي أعلن الحرب على جزيرة الحوت فإن الكاتب يربي في الأطفال الحقد على الأعداء ( نجد أن عدونــا الصهيـوني يربي أبنـاءه على كـره وبغض العرب فـأولـى بنـا أن نربي أبناءنا على بُغْض الصهيونية حتى نخلق أجيالا قادرة على أخذ حقنا الضائع طالما أن أجيالنا الحالية غير قادرة على مواجهة هذا العدوان الشرس ) .
كما يغرس فيهم حب التضامن مع الإخوة في محنتهم. إنه يقول لهم أن قضية جزيرة الأمل قضية كل الجزر مؤكدا بذلك قومية المعركة لأن الخطر يهدد الكل ، ولأن الصواريخ النووية الإسرائيلية تصل إلى كل العواصم العربية( المصيبة إني معرفش أعمل حاجة بنفسي وإيد وحدها متسقفش لازم الناس والشعب كله يبقي معانا حتى البلاد اللي جنبينا لازم يكونوا معانا لأن العدو مش عدوي لوحدي دا عدونا كلنا ومادام أخذ جزيرة الأمل وإحنا سكتين له بكره يأخذ كل الجزر وكل البلاد ... ) .
فيعيش الطفل قضية أمته ويشب على تقديسها فيكون إصراره على القتال وتحرير الأرض قويا. إن هذا الحقد يصل ذروته عندما يرفض السلطان ( الشاطر حسن ) رأي الوزير في استقبال رسول جزيرة الحوت حتى لا يقع في فخ الاعتراف الرسمي بالعدو وليتأكد بأنه عدو لدود " يجب أن يستقبل استقبالا عاديا ".
الوزير : رسول جزيرة الحوت يستقبل استقبال الضيوف
الشاطر حسن : دول أعداء جزيرة الأمل وفي حرب معاهم دول ولاد عمنا لازم نعاملهم بالمثل فهمت خلوه بعد هذا الحوار يرفض اقتراح الوزير مؤكدا بذلك الشعارات التي سالت عليها الدماء العربية الزكية في 1948 – 1956 – 1967 – 1973 .....
( مفيش جزيرة اسمها الحوت ........ الجزيرة لما كانت اسمها الأمل وانتو غيرتوا اسمها وسمتوها الحوت .... وحنا لا يمكن نسمح لشعب جزيرة الأمل يعيش كده ) . كما تضمنت المسرحية إشارة لمعاهدة اصطبل داود رغم إدراكها عن الأطفال وتنبأت بسلسلة المعاهدات والتنازلات التي تقدم للعدو ولما يحدث هذه الأيام ..
































جماليات المسرحية
إن شخصيات الشاطر حسن " تبدو مرسومة بدقة وموضوعية في مكانها الصحيح فهي تشكل مجموعة من الأفكار والمواقف والسلوكيات التي غالبا ما تكمل بعضها البعض.
إن المكان الذي تتحرك فيه هذه الشخصيات يحدد طبيعتها وترتيبها داخل المجتمع فمواقعها تتراوح بين الانتماء للطبقة الحاكمة والانتماء للقاعدة بما يمثله هذا الاختلاف من تباين في الثقافة والفكر والرأي الأمر الذي يعطي للصراع حدته وتناقضه . إن السيد حافظ يسلب أبطاله حرية الحركة فهو الذي يوجههم ويرسم طريقهم ، فهم عبارة عن علامات رياضية تجسد أفكار الكاتب ومواقفه ، لذا نجدها تكمل بعضها البعض ، إن في هذا الاتجاه أو ذاك ( فمختار والشاطر حسن وست الحسن ...) ليسوا إلا رسالة واحدة توزعت جملها وأفكارها لكن معانيها الإنسانية والنضالية تكمن في تكاملها وتعاونها. أما الشخصيات الأخرى ( الوزير - الثقافة ) فليست إلا العالم الآخر الذي يرفضه الكاتب ؛ عالم اللصوصية والاحتيال والسجون والقمع وقبر الرأي الآخر ؛ إنه الوجه الزائف الذي صنعته العلاقات الاجتماعية والاقتصادية الفاسدة.
إن شخصية الشاطر حسن لا تبدو شخصية مثقفة بل تبدو عادية عامية وشعبية وطيبة لكنها واعية بالواقع السياسي والاجتماعي لهذا نجدها تهدف إلى التغيير. وهي من هذه الناحية تشكل النقيض لجولي جاي عند برخيت حيث يسعى هذا الأخير دائما لتكييف نفسه مع بيئته ومحيطه الاجتماعي لكن محاولاته تتسم دائما بالفشل فيلجأ لمختلف الوسائل الانتهازية. يبدأ إن محاولات الشاطر حسن تكللت بالنجاح وتأكد ما تؤكده قيمة الإنسان كموقف . فهو يعلن الحرب لأن الجموع تريد ذلك ويوزع الأموال المسروقة لأن العدالة تفرض ذلك. كما يشكل الشاطر حسن النقيض ( أبو عزة ) عند قرنوس ( وأبو حسن ) عند حسن يعقوب.
الشاطر حسن يعيش الصراع على جبهتين: الأول داخلي لكنه ليس بهجرة داخل النفوس المحيطة البائسة وليس كذلك بصراع المثقف مع نفسه ؛ ذلك المثقف الذي أعطى للجموع كل ما يملك عقله وروحه وحياته ولكنها لا تعرف ما تريد فتتركه في حيرته وفاقه وتأزمه . انه صراع الفطرة والإيمان وجهاد النفس وكبح اندفاعها نحو الشر ، فهي من هذه الناحية تكاد تشكل شخصية فنية بالمفهوم الأرسطي .
أما الثانية فهو صراع مع المجتمع ساعيا نحو الأفضل ، ونحو التغيير الواعي والتطهير المسئول من خلال الموقف والمبدأ والممارسات اليومية. وتلك رسالة الثوري والمناضل ، ليس الثوري الذي تربى في أحضـان الحزبيـة وأجهزتها البيروقراطيــة، ولا المنـاضل الـذي ألتهـب جوفه الشعارات التدجيلية . إنه إيمان الفرد بمجاعته وقيمه وإنسانيته . الشاطر حسن بهذا يجسد مفهوم البطولة بوجهها الإنساني . المشرف ( عكس بطولة الشاطر والعيارين التي ألفناها في تراثنا القديمة ). إنها بطولة فردية / اجتماعية تتجاوز تحقيق المنافع الذاتية والنوازع والشهوات الفردية ، إنها تتحرك في إطار التزام تام ومتكامل بالقضايا الإنسانية : الديمقراطية – الحرية - الوطن – الدين – الأخلاق نعم هذا الالتزام يقيد الفرد ويسلبه نفسه لكنه من جهة أخرى يعطيه حريته ، إلا إنها تبقى مسئولة. إن السيد حافظ لا يريد أن يقدم للأطفال بطولة مزيفة مهزومة أو يقدم لهم نماذج طبق الأصل لنا فنحن لا نصلح بأن نكون قدوة لأطفال العرب. وحديثنا عن البطولة يجرنا إلى الحديث عن التراث كيف تعامل معه الكاتب وكيف جسد من خلاله البطولة كما يتصورها ؟
التراث جهد إنساني وملك للجميع ولكل واحد شرعية الاستفادة منه. والسيد حافظ في هذه المسرحية ينهل من التراث العربي القديم برؤية جديدة وبقراءة تقدمية .ومما يجب التأكيد عليه أن صاحبنا لا يلجأ إلى التراث هروبا من الواقع العربي المهزوم ليبحث عن مجد الأمة في دهاليز الماضي وإنما ليبحث فيه ما يجسد قضية المواطن العربي ويستشف من خلاله آفات جديدة تتفتح على المستقبل ، وليؤكد انتمائه للثقافة العربية من جهة ثانية ، لكن دون أن يسلبه ذلك حرية الانفتاح على التراث العالمي .
في هذه المسرحية يزاوج السيد حافظ بين التراث العربي والموروث الإغريقي لكن من خلال طرح جديد ومعاجلة جديدة :
فإذا كانت الأسطورة الإغريقية تجعل من الإنسان دمية في يد الآلهة وبعبارة أخرى في يد القدر ثم يأتي الإنسان الغربي في القرن العشرين فيتلقف الفكرة ويستخلص منها دلالات تجسد المعاناة الوجودية و الميتافزقية للإنسان الغربي والتي يعيشها أمام ظروف الحياة والدماء والرعب النووي والتعايش المفروض بالقنابل والبوليس ، فإن الأسطورة نفسها مع السيد حافظ تتحمل معاناة الإنسان العربي الذي جرب كل الأنظمة واكتوى بكل الهزائم ولا زال يدفع صخرة الرغيف والتخلف والتبعية وغياب الديمقراطية إلى أعلى ثم ترجع به إلى حيث بدأ . ومع ذلك فإنه لا يسلك طريق الشاطر ولا العيارين الذين احترفوا التحايل والخداع وشطارتهم وفطنتهم ليحققوا مكاسب فردية فأصبحوا بذلك أبطال الجماهير لأن خداعهم كان انتقاما لها ( أي الجماهير ) ، بل سيصبحون مع السيد حافظ رسل الفضيلة وقادة الجماهير نحـو الأفضـل من خلال رفضهـم للواقـع والتمـرد عليه ومـحـاولـة إصلاحه وتغييره فتجسدت فيهم أحلام الجماهير . وبذلك يتحول مفهوم البطولة عند السيد حافظ من صراع الإبطال ضد الآلهة في الأسطورة الإغريقية و بطولة الشاطر والعيارين ضد غيرهم ( أبطال ضد أبطال ) إلى صراع الأبطال ضد الواقع الاجتماعي والاقتصادي .
وبالتالي تخلص بنا إلى أن الإنسان موقف وليس أداة. إن الإنسان لقضيته ومبادئه وهذا ما يجسده الشاطر حسن .
لقد تمكن حافظ من استغلال الحكاية الشعبية حيث طرحها بأسلوب بسيط يتناسب وعقلية الأطفال ومستواهم الفكري ، فالطفل لا يدرك البعد الفلسفي للأسطورة الإغريقية ولا للحكاية الشعبية ولكن المهم هو استغلالها في توصيل مجموعة من القيم والأخلاقيات والدروس. فصراع الوحش يوحي للأطفال بالشجاعة والتضحية والفضيلة والإيثار وممارسات الشاطر حسن اليومية تؤكد قيمة الإنسان كموقف وكمبادئ فيعرف قيمة الأمانة والعدل والتعاون والإخلاص والأرض والوطن .
أما إذا انتقلنا إلى المكان يبدو أن السيد حافظ يقدمه في هذه المسرحية في صورة واقعية قريبة من أرض الأطفال ( السوق – القصر – الحي بغداد – رخصة عامة ) فاختار المكان تمر بشكل مرسوم ومقصود ، فالسوق يشكل حضور المجتمع وحضور التقاليد وظهور الخير والشر. ولم لا فالسوق العربي مكان للفرجة والممارسات الاحتفالية والاجتماعية على مستوى التقاليد والمعتقدات ( حلقات الفرجة ) ، والقصر يمثل حضور الدولة السياسية. وما بين السوق والقصر وليس إلا الامتداد للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تنافرها وصراعها وتقاربها وتباعدها نقرأ ذلك في صعود الشاطر حسن إلى القصر ونزول الوزير إلى السوق .
فالسيد حافظ كما نلاحظ اختار أمكنة متنوعة هنا إلى القصر والبحر والسوق ، وهناك مكان شاسع هو بغداد. فهو إذا لا يحافظ على وحدة المكان حتى لا يسجن المتفرج ، ويقيده ومن جهة أخرى فالمهم بالنسبة للكاتب ليس المكان أو وحدته ،وإنما ما يجري داخل المكان ، فالسوق ما هو إلا وجه لبغداد وما بغداد إلا الوجه الأكثر تصغيرا للعالم العربي بكل مشاكله وأزماته .
هذا المكان يوحي بزمان منهم زمن له قناعان قناع ما خوي وقناع أني نجده في لغة المسرحية ، لكن بلا شك إنه الزمن العربي الراهن. فالمسرحية تحدثنا عن جزيرة الأمل وأبناءها المشردين ، وتحدثنا عن تخاذل الجزر المجاورة في تقديم العون ، وتحدثنا عن الحوت الذي ابتلع كل شيء ويهدد كل الجزر ، وتحدثنا عن البيانات الكاذبة الرسمية المذاعة عبر الأثير لخداع الجماهير وتضـليلهـا ، وتـحدثنا عن الوزيـر الـقاضـي . إنه بلا ريـب الضـيم العـربي الراهن والتخاذل العربي والاستسلام العربي للكيان الصهيوني ، زمن القهر والتردد والانحراف والتخلي عن فلسطين مقابل غزة وأريحا و زمن العجز والمساومات والقيم الفاسدة.
رغم ذلك فمكانها غير محدد ؛ قد يكون بغداد والعراق والوطن العربي وقاعة المسرح وأبطالها المتفرجون الحاضرون منهم والغائبون ، وزمانها مطلق يمتد إلى حيث المعاناة والقهر ، إلى حيث يكمن الفساد والطغيان .
فالمكان بالنسبة للسيد حافظ لا يخضع لمقياس الطول والعرض فهو ليس سوق بغداد ولا قصر السلطان حسن ، وإنما هو مكان متمدد وفسيح ، قد يشمل كل الوطن العربي بل كل العالم. وهو ليس واحدا بل يختلف باختلاف الأحداث : يتسع باتساعها ويضيق بضيقها . زمان المسرحية كمكانها مرتبط بالحدث ، قد يمتد بعيدا وعميقا في الماضي عبر التراث ، عبر الأسطورة وقد يمتد في الحاضر والمستقبل لكنه في كل حالاته ليس إلا زمان الإنسان المقهور المرتقب لليوم الأفضل والغد الجميل الذي يحلم به مقبول عبد الشافي في مدينة الزعفران وحنفي في حبيبتي أنا مسافر والشاطر حسن وغيرهم .
وإذا انتقلنا إلى البناء الدرامي فإننا سنلاحظ تجاوزا لبعض القواعد الأرسطية . فأحداث المسرحية تبدأ بسيطة وناعمة في اتجاه أفقي ، لكنها سرعان ما تغير الاتجاه ؛ إنها في اتجاه عمودي نحو الأعلى أو نحو الأسفل فهي تأخذ اتجاهات متعددة ومتشعبة نلاحظ فيها السكون تارة والانفجار تارة أخرى ( الانفراج والتأزم ) كهذا الاضطراب ضروري على ما يبدو لأنه موجود في حياتنا اليومية المليئة بالتناقض والسير في اتجاه واحد يخالف الواقع .
وكلما تقدمت بنا المسرحية من موقف لآخر يتضح لنا أن الصراع يتخذ شكلا دائريا لأنه في كل مشهد وهو يناقش أو يحلل أو ينتقد يبدو للبعض أن المسرحية وصلت إلى عقدتها أو نهايتها لكنها سرعان ما تفاجئه من الخلف معلنة ميلادا جديدا وبداية جديدة وعقدا كثيرة ..
إن المسرحية من جهة أخرى لا تقوم على أساس السببية إلى بناء الحدث على ما قبله والذي يدفع نحو الأعلى دائما ، بل نجدها تعتمد عنصري التناقض والصدفة وهذا يعطينا انطباعا كبيرا بأن الكاتب يتدخل في حدته شخصياته . فالشاطر حسن وجد الكيس صدفة ، وتشابهه بالسلطان كان صدفة .. لكن إطلاق المعتقلين وإعلان الحرب ومصادرة الأموال المسروقة كان نتيجة الإصرار والصراع والتناقض بين إرادتين إرادة الشعب الممثلة في الشاطر حسن وإرادة الطبقة الانتهازية المحيطة بالسلطان والممثلة في شخص الوزير .
الشاطر حسن بدأ نائما حالما لكن ما بعد النوم ليس إلا اليقظة والحركة ، وصحوة حسن من نومه واستئنافـه لنشاطـه اليومي يعطي للطفـل انطباعا خاصا عن الكـسل والنـوم فيتأكـد بأن حالة الحلم لا يمكن أن تدوم . والحلم نفسه له ما يبرره لدى الطفل نفسه. يحلم بقطع الشكولا والملابس واللعب فيقارن بين أحلامه وأحلام الشاطر حسن.
المسرحية كما يتضح ليست حدثا واحدا ، وإن لبست ثوب القصة فإنها تحررت من سلطتها ( أي القصة ) فلم تسجنها في موضوع واحد بل استطاع الكاتب أن يسبح في عوالم كثيرة. فها هي الأحداث تتشابك وتحدد لتفجر المكان الواحد والزمان الواحد . فيضحي الزمان أكثر من لحظته : إنه الحلم والمستقبل والواقع ؛ إنه التاريخ والحضارة ، الآن والآتي ويصبح المكان أكبر من الرقعة الجغرافية. إنه يمتد إلى حيث الإنسان والقصر والمعاناة ...
لغة المسرحية جاءت بسيطة وناعمة تتناسب ومستوى الأطفال العمري والفكري. هذه اللغة تصحبها شاعرية مرهفة تؤكد نبل عاطفية وصدق التحامه بهموم مجتمعه وأمته .نجد فيها ذات السيد حافظ وعاطفته بل نجده هو نفسه وسط حروفها يرسم مستقبل الطفل العربي يتكلم بنظم فيها رؤية الكاتب ما يريده ومالا يريده ، فحصي أكثر من وظائف نحوية أو دلالات لغوية بل مسودة من الأفكار والآراء. عندما نتحدث عن الشاعرية فإننا لا نقصد بذلك الوزن والقافية والبديع والمحسنات اللفظية وإنما قدرة الكاتب في الوصول إلى لب الأشياء وجوهرها . إنما شاعرية مرتبطة بالفكرة .
ارتباطها بالموروث الشعبي جعل الكاتب يعمد إلى السرد أحيانا إلا أن ذلك لا يبعث على الملل مع تلك الشاعرية . لغة المسرحية من جانب آخر تطغى عليها العامية إلا أنها تبقى قريبة نوعا ما من الفصحى ، وسواء كتبنا بالعامية أو الفصحى فإن الهدف واحد وهو أن السيد حافظ يخاطب الطفل ويحاول الوصول إلى لغة مرتبطة بالحياة ، لغة تعبر عن الأشياء الجوهرية والأساسية ، لغة لا تصدم الطفل أو تجعله يشعر بالعجز والانبهار وإنما يخاطبه بلغته التي يعيشها لا بلغة الراديو والتلفاز والمعلم .
( الشاطر حسن ) مساهمة ناجحة وخطة متقدمة في مسيرة حافظ المسرحية ، نجح صاحبها في تفجير كثير من القضايا التي تزاحم الطفل وتشكل واقعه اليومي ( في المنزل – التلفاز – المدرسة – الشارع ... ) فيدخله في رحلة السؤال والجواب ؟
هذه الأسئلة لا شك وأنها ستقلق الطفل وتربكه ولابد وأن يبحث لها عن جواب إما داخل عالمه المحدود أو في عالم الكبار الذي يفرض سلطته عليه ، فيبدأ الطفل في تشكيل موقفه ويبدأ معركته الحاسمة في تحطيم جدار الصمت المحيط به فتتنوع الأسئلة والأجوبة وتبدأ النواة في الاختمار والتطور. إن المسرحية تستفز الطفل وتدعوه إلى معانقة الشاطر حسن ليبدآ معا معركة الموقف والمبدأ فالمسرحية تعمل على زرع بذور الفضيلة والنبل في نفوس الأطفال فتجسد قيمة الإنسان كموقف أكثر منه كائنا بيولوجيا .
المسرحية إدانة صريحة وواضحة للحكومات والمربين و ورجال التعليم . بل تعري الواقع العربي ككل الذي أصبح فيه الإنسان عبدا يتحكم فيه الواقع الاقتصادي ، لكنها تؤكد أنه من بين قمامات الهزيمة والفساد ينبع الموقف الشجاع والبطل المخلص الذي يحمل هموم مجتمعه على كتفه ، يطوف بها أرصفة الحرمان والعذاب فلا تغريه صولجة السلطان ولا يرهبه سوطه. هذا النموذج هو الشاطر حسن ابن الشعب ، واحد من الطبقات الفقيرة يحلم بالغنى وباليوم الأفضل ، ليس واحدا من الطبقات الأرستقراطية ( إننا نحاول أن نقدم البطل الذي يصارع ضد الفقر ويسعى لتحسين أحواله المعيشية ...)














































جامعـــــــــة محمــــد الأول
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
وجدة


مسرح الطفل عند السيد حافظ
" الشاطر حسن " نموذجا

اعداد الطالبة : تحت أشراف الأستاذ :
فاطمة حاجي مصطفى رمضاني



السنة الجامعية : 90 - 1991





** مسرح الطفل عند السيد حافظ :
" مسرح الطفل ما يزال في بداية الطريق . هذا ليس عيب ، ولكن العيب هو ألا يدرك واقعه وألا يتجاوز ذاته باستمرار .
بالفعل مسرح الطفل بهذا المعنى جديد وصعب لأن الالتفاتة إلى هذه الفاعلية لم يتم إلا مؤخرا ، الشيء الذي يعني غياب تراكمات سواء على مستوى المقاربة أو على مستوى الإنجاز العملي والفني .
إن الإرهاصات المؤشرة لبداية الاهتمام بمسرح الطفل بالكويت احتضنته مؤسسة البدر " التي أطرتها الأستاذة " عواطف البدر " فاهتمت بمسرح الطفل وآمنت بكينونته وخطورته . وإذا عاينا مسيرة السيد حافظ في رحلة الكتابة للصغار نجد أن مسرحية سندريلا تعد أول محطة في مدن كتابته للأطفال . وقد ارتبط أساسا بمؤسسة البدر ، ترى هل حقق مبدعنا نجاحا في مسرح الطفل ؟
1 – مسرحية سندريلا : تروي حكاية فتاة رقيقة المشاعر ، طيبة متجلدة وصامدة بالرغم من أنها تعاني ضروب الذل والعسف من قبل زوجة أبيها " هنود " وشقيقتها " فهيمة ولئيمة ". وفي أحد الأيام يحدث أن تلتقي بامرأة خارقة تساعدها على تحقيق طموحاتها المستقبلية . هذه المسرحية مستمدة من تراثنا الإنساني ، وتجدر الإشارة إلى أن اسم سندريلا مشتق من كلمة فرنسية أصلها cendrillon وهي تعني الرماد ، وفي المغرب يطلق عليها اسم عيشة رمادة بمعني الفتاة التي تنام في الرماد . ولعل السيد حافظ كما يقول عبد الكريم برشيد " أعطانا تركيبا جدليا لتفاعل الذات والموضوع ؛ أعطانا قراءة متميزة وكتابة مغايرة . فهو قد قرأ الحكاية الغربية بعين شرقية انطلاقا من مخزونه الثقافي ومن وضعه التاريخي الاجتماعي ومن ارثيه الحضاري – العربي الإسلامي " .
لخص السيد حافظ مضمون مسرحية سندريلا في إحدى حوارا ته وقال ما يلي " سندريلا الجديدة فتاة استطاعت أن تتعاطف مع الحيوانات وأثرت في كل شيء حولها ؛ فتاة تفعل الخير – غير سلبية – إيجابية ، تدخل العالم القاس وهي واعية . بل تحاول أن تتمسك بحقوقها. فحينما يعطيها القدر فرصة العمر التي انتظرتها فهي تبوح للنجوم والقصر بأحزانها وتعيش في عذاب لكنها تحمل قلبا يحب كل الناس .
سندريلا إذن هي الفتاة الفقيرة التي ساعدتها أم الخير على حضور الحفل الذي نظمه الأمير لرعيته . في الثانية عشر ليلا تهرب من القصر قبل أن يكتشف أمرها عملا بنصيحة "أم الخير" ، لكنها تضيع حذاءها ليكون دلالة عليها. في النهاية تتزوج الأمير – كما هو الشأن في العرض المسرحي. وتجدر الإشارة أن " سندريلا حافظ " يضيف إليها الكاتب بعض العناصر غير الموجودة في الأصل الشعبي .
- إن الباعة في السوق يرفضوا أن يبيعوا المواد الغذائية لسندريلا على الرغم من أنها تنتمي إلى نفس شريحتهم الاجتماعية ، و لربما قصد المؤلف من خلال هذا أن يصل بالمسرحية إلى ومضتها التراجيدية حيث تتضافر الهموم على البطلة وتمارس عليها الضغوط من كل النواحي، فهي تعاني القهر الداخلي في المنزل أو الشقاء الخارجي المتمثل في الباعة . وتجدر الإشارة هنا إلى التناقض الذي وقع فيه كاتبنا في هذه المسرحية حيث نجد شخصية " أم الخير" تطلب المساعدة من سندريلا على الرغم من أنها تملك الأدوات السحرية التي تمنحها كل شيء بدون مساعدة أي كان . ولعل الكاتب يورد هذه الصورة بين ثنايا مسرحيته ليقلق جمهور الصغار ويجعلهم يفكروا لماذا طلبت أم الخير المساعدة من طرف سندريلا . قد يكون الأمر اختبار أجرته الجنية لسندريلا لمعرفة مدى ما تتمتع به من أخلاق عالية .
- يمكن الإشارة أن سندريلا في الحكايات الشعبية وبالأخص حكاية عيشة رمادة " كانت ابنة السلطان وقد تمتعت بجمال فاتن لدرجة جعلت أختيها تغار منها لذا عمدت زوجة أبيها إلى تشويه صورتها بالرماد فجعلتها تنام فيه ، كما أن زوجة الأب استعانت بكيدها فكانت كلما اقترب مجيء السلطان للغداء أو العشاء تلبس عيشة رمادة " ملابس جديدة وتزينها حتى تظهر للملك " أنها تحن على ابنته وتعاملها كأختيها . والواقع أن السيد حافظ من خلال المسرحية جعل سندريلا تنتمي إلى طبقة الفقراء .
لقد استخدم الكاتب أسلوب الحكاية داخل الحكاية ، من خلال شخصية أم الخير العجوز التي تطلب من سندريلا قليلا من الطعام ، فمنحتها سندريلا طعاما بالرغم من أنها لا تملك حرية التصرف فيه وحينما سألتها أم الخير كيف تتصرف مع زوجة أبيها أن هي سألتها عن الطعام أجابتها قائلة .
سندريلا : سأقول لهم أنه ضاع مني في السوق ... في زحمة ولمة الناس ....
لماذا نجد أم الخير توظف حكاية الراعي الذي كان يكذب على الناس في كل مرة ويقول لهم بأن أغنامه أكلتها الذئاب والناس تصدقه وتأتي في التو واللحظة لنجدته ، ولكنها تجده يضحك ويردد " ضحكت عليك " ، وفي الحقيقة كان يضحك على نفسه لأنه في اليوم الذي قدم فيه الذئب فعلا والتهم أغنامه لم يأت أحد لإنقاذه . وتذكرني هذه القصة بحكاية الأمير الذي كان يتسلى بضرب جرس إنذار الحرب ، فيهرع الجند من أماكنهم لينقذوا الموقف والرد على الهجوم ، وفي كل مرة لا يجدون مهاجما ، إنما الدقات تصدر عن عبث الأمير . إلى أن جاء اليوم الذي هاجم فيه الأعداء القلعة فلم يستجب الجند لدقات جرس الإنذار ظنا منهم أن الأمير يريد أن يتسلى كعادته فكانت الكارثة .
حينما قصت أم الخير حكاية الراعي والغنم على سندريلا دعتها إلى استلهام العبر حتى لا تكذب على زوجة أبيها حينما تسألها عن الطعام . والسيد حافظ من خلال هذه الحكاية يدعو الصغار إلى تجنب رذيلة الكذب لكي لا يحدث لهم مثل ما وقع لراعي الغنم ، فكما يقول المثل المصري " ليس كل مرة تسلم الجرة " ، و " الكذب خيبة " . ربما يكذب الطفل مرة فيحل مشاكله لكن في مرات أخرى يسوقه كذبه إلى مشاكل أخرى ولا يصدقه الناس حتى وإن قال الصدق ، وأنني لا اتفق مع الباحثة آمال الغريب حينما قالت بأن السيد حافظ – من خلال هذه الحكاية – قد يشتت ذهن الطفل ويمنعه من التركيز فيما يبدو من أحداث رئيسية . وأرى أن الكاتب يوظف هذه الحكاية كدلالة معرفية وجمالية تعمل على تثبيت قيم الصدق في مخيلته. ولعل الصغير حينما يشاهد المسرحية ويتعرف على الحكاية تترسخ في ذهنه مبادئ الصدق في التعامل مع الناس ، فقد يحاول الكذب وفجأة يتجسد أمام ذاكرته مشهد الراعي ومن ثم يكف عن الكذب .
- إن المسرحية تحتوي على جوانب تربوية تحاول أن تنمي سلوك الطفل ، ومن خلال خطابها المعرفي تبدو لنا فضيلة رد الأمانة إلى أصحابها . ففي الوقت الذي تضيع سندريلا
نقودها في زحمة السوق ، وتطلب ممن عثر عليها أن يردها لها يظهر لنا الطفل الأمين الذي يعطي سندريلا النقود . والواقع أن الكاتب حاول أن يزرع في نفسية الصغار الصدق والأمانة. وقد اكتشف أحمد عبد الرحيم التناقض الحاصل في بعض الأنساق المعرفية للمسرحية فقال بأن الطفل الذي سرق النقود من سندريلا وهرب أعادها لها بقصد الأمانة عندما سمع أنها ابنة الأمين . وهنا يكون الطفل أمينا ولصا في وقت واحد .
ينبغي الإشارة هنا إلى استخدام الكاتب للحيوانات بدلا عن الكورس . وقد اعتمد المؤلف هذه التقنية لأن الأطفال أشد علاقة وارتباط بالحيوانات مثل القطط والكلاب حيث نجدهم يتعاطفون معها ، فبواسطتهم – إن صح التعبير – أراد مبدعنا أن يرسخ بعض السلوك و المبادئ في أذهان الصغار من مثل الرحمة والتعاطف . يقول السيد حافظ جعلت من عالم الحيوانات تحل محل الراوي أو الكورس لأن الأطفال لا تستوعب هذا الشكل .
تتضح لنا كذلك ضرورة الرأفة بالحيوانات وعدم إلحاق الضرر لهم على اعتبار أنهم كائنات حية تحس وتشعر كالإنسان ، من هنا أورد الكاتب شخصية هنود / المرأة المتسلطة التي تحاول تعذيب القط مسرور والكلب كركور والأرنب فرفور . وفي المقابل بل نجد سندريلا الفتاة الطيبة التي تتوسل إلى زوجة أبيها أن تدع عنها ضرب الحيوانات ، إذ أنها تدافع عنهم لأنها وجدت فيهم ذلك التعويض النفسي عن الحنان الذي افتقدته في بني البشر . و على هذا الأساس يقول عبد الكريم برشيد " ولأن سندريلا تعاني الغربة في البيت ولأنها غير موصولة إلى زوجة أبيها وأختيها فقد أوجد لها المؤلف رفاقا من الحيوانات الأليفة والوفية . وبهذا تعوض حب الإنسان بحب الحيوان .
ويمكن التأكيد على فكرة تربوية – وردت على لسان الحيوانات – التي ترى أن الحيوان إنسان – إذا صح القول – يمتلك المشاعر والأحاسيس التي تجعله في بعض الأحيان يفوق مشاعر الإنسان لأن هذا الأخير يفتقد خصوصياته الإنسانية فيصير طيرا كاسرا وحيوانا مفترسا .
القط مسرور : الحيوان عنده مشاعر
الكلب كركور : يا إنسان .
الأرنب فرفور : ساعات ما يبقاش إنسان .
لعله من باب التأكيد أن السيد حافظ يوظف شخصية الأمير للتركيز على ما يتمتع به هذا الحاكم من صفات حميدة . فبالرغم من انتمائه إلى الطبقة العليا نجده لا يهتم بالمظاهر الزائفة ويؤمن بأن قيمة الإنسان تكمن في غناه النفسي ، ولا يمكن أن يقاسى بمحك الشريعة الاجتماعية التي ينتمي إليها ، لهذا قرر الزواج من فتاة طيبة ورقيقة حتى وإن كانت فقيرة .
الأمير : أنا مستعد أتجوز أي واحدة مؤدبة .... جميلة ... رقيقة ....
الأمير : مش مهم أبوها يكون سلطان أو أمير
حينما يستمع الصغير إلى هذه الكلمات الموحية حتما سيؤمن بان قيمة الإنسان تنبع أساسا من أخلاقه الفاضلة ومثله العليا . وقد حاول السيد حافظ أن يؤكد على قيمة تقديم المساعدة للغير فأورد ذلك على لسان الكورس ( الحيوانات ) قائلا :
القط مسرور : الخير حروف تنور في طريق الإنسان .
الكلب كركور : الخير جلابية لعريان
القط مسرور : فستان لفقيرة ...
- والملفت للانتباه هو أن المبدع آخي بين الكلب والقط وجعلهما صديقين جميلين يتقاسمان هموم سندريلا ، والحقيقة الواقعية غير ذلك لأننا نجد بين القط والكلب حربا شعواء . ولعل الكاتب قد كسر التناقض الحاصل في الواقع إذ أنه ركز على ضرورة سيادة الإخاء والتعاون في إطار مساعدة الغير ، و قد رأينا أن الكاتب أضاف إضافة جيدة للمسرحية التربوية حينما أكد على قيم الخير والاتحاد التي تربط بين الكلب والقط .
- والواقع أن الكاتب يوظف شخصية أم الخير الخارقة التي لبت نداء سندريلا ردا للجميل الذي أسدته لها سندريلا حينما كانت جائعة وقدمت لها الطعام . وفي هذا الإطار من الكاتب على تقديم الطفل جرعات كبيرة من النصائح على لسان العجوز أم الخير .
أم الخير : جيت ولبيت النداء علشان أرد الجميل ، واللي يساعد إنسان لازم يرد له الجميل .
وفي المقابل ترمز شخصية هنود إلى الشره فهي امرأة سادية تجد متعة ولذة في تعذيب سندريلا . فكأننا بالكاتب يورد هذه الشخصية كدلالة على قبح الشر حتى يتمكن الطفل من استيعاب قيمة الخير والإقتداء به . ويمكن الإقرار بأن فهيمة ولئيمة تعكسان الصفات الخبيثة التي يود السيد حافظ أن لا يتحلى بها أي طفل كالغباء والكسل وعدم الاعتماد على النفس ، وقد أكد مبدعنا على أهمية الوقت الذي حددته أم الخير لعودة سندريلا إلى البيت في الساعة الثانية عشر ليلا . ومن ثم يتبين للطفل قيمة الوقت بالنسبة للإنسان . ومن الملاحظ أن كاتبنا لم يذكر أهمية الوقت بصراحة ،ولكنه أطلق العنان للطفل ليفكر ويقرر عدم تضيع أوقاته سدى ويحاول التحكم فيها عن طريق العمل الدؤوب . وتحضرني حكمة " باستور " الذي قال يوما " عندما أضيع دقيقة من عمري يخيل إلي إنني ارتكبت جريمة في حق الإنسانية " ولا أشاطر الباحثة رأيها حينما قالت بأن السيد حافظ لم يؤكد على قيمة الوقت وضرورته في حياة الفرد لأن مبدعنا أعاد ذكر الموعد المحدد لعودة سندريلا من قصر الأمير على لسان أم الخير ثلاث مرات . وفي هذا كفاية . ولعله كان يهدف إلى إثارة خيال الطفل حتى يفكر ويقرر لوحده دون وصاية من أحد ، ففي المسرح ليس المهم أن تجيب عن كل الأسئلة ولكن حاول أن تثير فضول الطفل واندهاشه حتى يستكنه بنفسه قيمة الوقت .
من خلال المشهد الأخير من المسرحية يتضح لنا اقتناع الأمير بضرورة الاعتماد على النفس في البحث عن فتاته دون اللجوء إلى طلب المساعدة من طرف رجال الشرطة . وفي هذا ترسيخ لخاصية الاعتماد على النفس في القيام بالمهام والأعمال المختلفة . ومن جهة أخرى تظهر لنا سندريلا البريئة التي تتحمل صنوف الألم وتتجرع كؤوس الظلم على يد زوجة أبيها . و بالرغم من ذلك تتجلد وتصبر وتجدر الإشارة إلى إعجاب سعادة الشيخ سالم فهد السالم الصباح بمسرحية سندريلا حيث قال " المسرحية جيدة شملت جوانب تربوية نريد دائما اعطاءها للطفل فهو أمل الغد والاهتمام بكل جديد جيد يقدم له ضرورة بناء الأجيال القادمة .
نجح السيد حافظ إلى حد كبير في توصيل المفاهيم التربوية إلى ذهنية الطفل فابتعد عن المباشرة ، عكس بعض الأعمال التي اعتمدت إسداء النصائح للطفل بطريقة تعسفية تقريرية أساسها الإضحاك لأن مبدعنا جسد المقولات التي أراد تقديمها للطفل ، وكان أمينا على أن يخاطبه بلغة يفهمها ، ويدركها أيضا . كما أن الرمز كان واضحا للطفل. وابتعدت المسرحية عن التفاهات التي امتلأت بها نصوص الطفل الأخرى التي اعتمدت على الإضحاك الأبله ، والسب والتنكيت وكان حوارها جيدا مبتعدا عن اللغو والفوضى والتعاليم الخاطئة .
2- مسرحية علي بابا:
تعرض حكاية بسيطة مستلهمة من مخزون " ألف ليلة وليلة " وتدور أحداثها حول صراع الطبقة العليا المتمثلة في شخصيات " قاسم وشهنبدار التجار وسالم " مع الطبقة السفلى المنحصرة في شخصيات " علي بابا " و "حمدان ومحجوب ". فبعد أن احتدم النقاش بين علي بابا التاجر المسكين وبين سالم التاجر الغني المتسلط الذي يعتمد المراوغة والغش في تجارته ، طرد علي بابا من السوق وعاد إلى جمع الحطب كما كان في السابق ، وبالصدفة يعثر على المغارة التي يخبئ فيها الأربعون حرامي ما يسرقون من أموال وجواهر ثمينة . فيتسلسل – بعد خروج العصابة من المغارة – إليها ليسرق جزأ من كنوزها . ومن ثمة يصبح غنيا فيتحول من حياة البؤس والحرمان إلى حياة البذخ والغنى ويطلق مبادئه الأولى التي كان يؤمن بها ، ويدافع عنها ، ويتخلى عن أصحابه عند أول منعطف في حياته جمعه بالمال ، ويطالب الكل في آخر المسرحية محاكمة علي بابا لأنه تمادى في سرقته . وتذكرني هذه الحكاية بفيلم عرض مؤخرا بشاشة التلفزيون يحمل عنوان " علي بابا حرامي " أن السيد حافظ من خلال هذا العمل الدرامي يحول الصراع ليبين علي بابا وشهبندر التجار وقاسم إلى صراع بين الفرد المسحوق والسلطة .
يعكس علي بابا إيديولوجية الإنسان الانسحابي الذي يحاول تحقيق العدل عن طريق اقتراف السرقة . ففي الوقت الذي نجد البطلة سندريلا صبورة على ضيمها نرى علي بابا رمزا لذلك الإنسان المتسرع الذي لا يملك ناصية التفكير الرزين ، فبعد ما كان يعبر عن شرارة الانتفاضة وصوت التمرد حتى أنني تذكرت من خلاله شخصية الفلاح " عبد المطيع " في مسرحية " حكاية الفلاح عبد المطيع للسيد حافظ في إصراره على تصدي الظلم ، ويتضح لنا ذلك من خلال هذا الحوار
سالم : أنا غشاش يا علي بابا يا متعب ... يا فقير ... تتجرأ علي وتقول عني غشاش.
علي بابا: أي نعم غشاش يا هوه سالم لا يبيع الحرير الهندي ....
إنه يضحك عليكم ...
علي بابا : أعلم أعرف .... أن الفقير لا يسمع صوتا ........... الفقير
يضيع في البلاد التي تنسى الإنسان .
و على هذا الأساس يدعو الكاتب جمهور الصغار إلى الثورة على الأوضاع الاجتماعية المهتزة من خلال شخصية " محجوب " ذلك الدرويش الذي ينطق الحكمة ويتصنع
البلاهة حتى لا يقع في قبضة السلطة ويكون مآله الاغتيال ، ويصرخ محجوب بحثا عن الحقيقة في زمن الغربة والضياع ، محجوب : يا أهل السوق ... ولد صغير تائه .... اسمه
العدل ... وبنت صغيرة تائهة اسمها الحقيقة ......
ويكرر الكاتب هذا الحوار أكثر من مرة ليهيئ الطفل على رفض الأوضاع المزرية . وقد حاول السيد حافظ مد خدمة الخير والمحبة بين الأطفال وحثهم على ضرورة التفاني في خدمة الوطن والتضحية من أجله ، والاتصاف بالأمانة والصدق فنطق محجوب بكلماته التي تعصف بالسرقة . محجوب : أغلقوا الأبواب جيدا . واحـموا بيوتكم من اللصوص فإذا سرق البيت ... سرقت الأرض
فكأن مبدعنا يرمز من خلال هذا الحوار إلى القضية الفلسطينية والي المؤامرات التي أحيكت من أجل اغتصاب القدس الشريفة بدءا بوعد بلفور المشؤوم ، وعليه يتوسم في الأطفال الأمل والخير لتحرير الأرض بين العدو الصهيوني .
وإذا أمعنا النظر في الخصائص التربوية التي تتضمنها المسرحية نجد أن الكاتب يوجه الأطفال إلى التشبث بأهداب الوطن ومجابهة الظلم وحمدان وبعض الفقراء .... يا فقراء الدنيا احموا أرضكم
يا فقراء العالم يد تبني ويد تدافع
على ضوء هذا يحرص الكاتب الطفل على الفعل ومواجهة الأمراض العفنة التي تنخر جسم المجتمع حتى ينمي إدراكه ويجعله يتخذ قراراته بعيدا عن السرقة والغش فيلتزم الصدق ويعانق الفضيلة. ولعل شخصية حمدان تجسد للصغار مثالا للقناعة والاكتفاء بالرزق الحلال ، فقد كانت الفرصة سانحة له حتى يأخذ من المغارة ما شاء من الذهب إلا انه اختار نقاء الضمير وخرج في لحظته من المكان المليء بأموال السرقة والنهب حمدان .
حمدان : ما هذا ... ذهب ... ياقوت ... ماس ... ما هذا
سآخذها كلها لا نصفها ... لا ربعها لا ... لا شيء ...
أن أنام مرتاح البال ... أنا لا أسرق وماذا أفعل لو
سرقت اللصوص سآخذ المال سأطمع .... لا أنه مال
حرام سأخرج في الحال .
لقد مجدت بعض القصص شخصية علي بابا وجعلتها صورة مشرقة لأنه سرق الأموال وفي المقابل ساعد بها الفقراء . لكن المسرحية تصور لنا علي بابا السارق الانتهازي الذي لا يتخلى عن مبادئه الثورية وقاوم الشر بالشر ، وحاول أن يكشف للعامة عن الشخصية التي تظهر للعامة استعدادها للثورة من أجل الحرية ، وحينما تبتسم لها الحياة تتخلى عن مبادئها وتدعو إلى السلم والمهادنة فتتحول من شخصيات ثورية إلى قوة اقتصادية مهادنة : وهي دعوة لمحاربة الثورة وبذلك تم رفض الأكياس المليئة الممدودة إلى اليد ليقابلها المطالبة بالسلاح والتوجه إلى مصارعة هذه القوة
وخير مثال تسوقه تأكيدا على هذا الرأي هو قول علي بابا نفسه
علي بابا : سنترك هذه البلاد .. لقد انتشر الظلم في هذه المدينة
وعلينا أن نغير المكان .
مرجانه : لا يا علي بابا لا نترك مدينتنا . أتذكر كنت تقول دائما
ليس لي من رغبة سوى أن أعطي الأرض للفلاحين ...
علي بابا : كان نحن الآن أثرياء .
مرجانه : والفلاحون الذين في السجن ظلما وكنت تذهب لزيارة أهاليهم وتقول لهم
حاولوا أن تحدثوا الوالي والسلطان .
علي بابا : تحدثنا كثيرا للكبار ولا أحد يسمعنا .
أعتقد أن اعتراف علي بابا في آخر المسرحية بجرائم السرقة التي اقترفها وإعلانه العودة إلى مهنة جمع الحطب بعد أن تعرض لمحاكمة من طرف العامة يشبه إلى حد ما موقف " مقبول عبد الشافي " بطل مسرحية " حكاية مدينة الزعفران " لأنه حاول أن يبث الوعي في صفوف العامة فزج به الوالي في السجن . وعليه يتلقى وعليه مع إدراك علي بابا لنفاق التجار وتلاعبهم . ومن هنا طرد علي بابا من السوق ليرجع حطابا من جديد .
وككل مسرحية خاصة بالطفل ينهيها المبدع بانتصار الخير والفضيلة وتقهقر الرذيلة وما قرع محجوب للطبول في الأخير إلا إعلان عن اندحار قوى الشر وبزوغ فجر العدل .
محجوب : الثعلب بان بيان .
والعدل لابد أن يبان .
ويا أطفال بغداد ... يا أطفال الدنيا
اعلموا أن علي بابا كان شريفا ثم أصبح لصا
والسارق لابد أن يسجن .
هكذا تتكشف أساليب الخيانة أمام الطفل . فيشعر بمسؤوليته في استئصال جذور الظلم لأن ما حدث لعلي بابا يمكن أن يأخذ امتداده في عصرنا الآني . ففي بعض الهياكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية تتأصل الخيانة والسرقة . فقد تسخر خدمة للطبقات العليا . وزيادة القول أن السيد حافظ استهدف من خلال المسرحية إلى ترسيخ فضيلة الأمانة في نفسية الصغير " أن يلجأ الطفل إلى السرقة مرة واحدة ثم يغتني ثم بعد ذلك يتوب فيصبح بطلا من هنا تكون الخطورة . ربما يفكر الطفل في سرقة الامتحان من زميل آخر فينجح ويفوز ولكنه في داخله يتكون اللص الذي ينتهز الفرصة. فربما يسرق الطفل الإجابة وعندما يكبر يسرق الثورة أو يسرق أحلام شعب ...
إن سرقة علي بابا لمال المغارة توازي خداع "رابح " في مسرحية " محمد مسكين " قاض الفئران " حينما صنع كعكة و ادعى أنها كعكة الذكاء فأخذ يبيع منها ، وكذا خيانة الطفل حينما ادعى بأن الفئران قد التهمت الحديد
رابــح : وهل يعقل أن تأكل الفئران الحديد. هل رأيت فأرا يمتلك منشارا بدل الأسـنان ؟
ماهــر : إنها الحقيقة يا عم رابح لقد أكلت الفئران كل ما اشتريت من حديد
إن شخصية علي بابا ترمز إلى عناصر الخيانة التي باعت الوطن وتخلت عن ثورة يوليو وساومت العدو في ظل معاهدة كامب ديفيد .
3- مسرحية أبو زيد الهلالي فارس بني هلال :
اعتمد السيد حافظ على تطويع التراث الشعبي خدمة للنص المسرحي فاستلهم سيرة فارس بني هلال أبو زيد ووظفها في قالب مسرحي نظرا لما تستوعبه من حكم حيث تحقق النموذج والمثال للطفل حتى يحدو حدوه في العمل . وإذا أمعنا النظر في المسرحية نجد بأنها تتضمن عدة أهداف تربوية كفضيلة السخاء والكرم . وخير دليل على ذلك محاولة " مفرج "
بيع ابنته الثريا في سبيل إطعام ضيفاه . حيث قصد مجموعة من الناس يطلب منهم شراء الثريا مقابل قليل من الطعام . وفي ظني أن موقفه يشبه إلى حد كبير موقف أعرابي اشتهر بالسخاء حتى أنه حاول أن يذبح ابنه حينما لم يجد ما يقدمه لضيوفه .
مفرج : .... وهذان الضيفان إذا خرجا من بيتي دون طعام سيكون فضيحة أمام العرب يا
إلهي ماذا أفعل ... أبيع ابنتي
من الواضح أن الكاتب يبين أسلوب الدهاء والتمويه – كوسيلتين في بعض الأحيان – للوصول إلى الهدف المنشود . وقد أعتمه أبو زيد من أجل اكتساب ثقة الأمير الجديد سعيد حتى تنجح خططه التحريرية
أبو زيد : مولاي نحن قد مررنا ببلاد العرب وأحضرنا هدايا
وأشكالا وألوانا ...............
أبو زيد : تكلمي يا أمرأة يا عادية أمام الملك باحترام .
من المؤكد أن السيد حافظ يعلي كلمة الحق في وجه التحديات ويجعلها تستعد
لمواجهة الأخطار الداخلية ليكون لها النصر في النهاية . ومن ثم تتعمق المعاني
الإنسانية في نفسية الطفل
أبو زيد : هيا يا فرسان ... أقبضوا على الأعوان و على سعيد ...
مغامس : هذه نهاية الطماع والذي يخون بلده .
بالفعل هذا هو مصير كل من يخون وطنه وطمع في حق من حقوق غيره فتبؤ محاولته بالفشل . ويجر أذيال الهزيمة . وهذا ما حدث لسعيد الذي استولى على كرسي الحكم وعاث في البلاد فسادا بعد أن أبعد مغامسا الأمير الشرعي عن القصر . فنهايته كانت شيئا طبيعيا لكل من تسول له نفسه الخيانة . و على هذا الأساس يعالج السيد حافظ قضايا إنسانية تتعلق باستلاب الإنسان وضياعه وفي الوقت نفسه يؤمن بأن المظلوم قادر على رد الظلم إن هو ناضل ولجأ إلى الحل الجماعي لمواجهة قوى الإمبريالية . وخير مثال على ذلك اتحاد مغامس وذياب وأبو زيد في قطف رؤؤس الخونة وإشهار السلاح ضد كل أجهزة التسلط .
مغامس : يقول الهلالي جهز لي مائة صندوق كبير وجـهز لي الفرسان الشجعان من
الإسطبل للاستعداد بالسيوف والدروع .. واللقاء وقت العشاء ... كن قويا
يخافك الأعداء .
أبو زيد : نريد منوما .
أبو زيد : نريده في الحال .. قولي لمغامس جهز لنا المنوم وأرسله مع إحدى
الخادمات الجميلات حتى تمر من الحراس وتحضره لنا
أن أبا زيد فارس مغرور اقترن اسمه بالملحمة الهلالية التي استوعبت الفضائل الإنسانية وعملت على تحقيق حياة أبيه عن طريق العمل الدؤوب المتواصل من أجل دحر قوى الظلم . وعليه فالفلسفة الهلالية في المسرحية تحسر النقاب عن فضائل الفروسية كالمروءة والشجاعة ومساعدة الضعيف والمحتاج . والواقع أن الحرب التي دارت رحاها بين أبي زيد وسعيد كانت محاولة لتحقيق التوازن الاجتماعي واحتفاظا بكرامة الإنسان لعل الطفل يقتدي بها في أفعاله وأقواله .
إن شبه الجزيرة العربية عانت من الفقر والجوع وهذا ما يتضح للطفل من خلال هذا الحوار
مفرج : ألا يوجد عندك طعام ؟
بس : لا يوجد وأنت أعلم .
من هذه الشرفة حاول السيد حافظ أن يدهش جمهور الأطفال حتى لا يقفوا عند حدود واقعهم الراهن وليبحروا في عوالم الماضي للمقاربة بين اللحظة الآنية التي أنعم الله فيها على الإنسان
بالخيرات فاكتشف البترول وغزى القمر وتيسرت له وسائل العيش عن طريق ابتكار الآلات ، وبين ما كان يعاني منه الإنسان العربي من فقر مدقع . ومن جهة أخرى يستفيد الطفل أن السيف هو وسيلة الحرب في القدم بحيث لم تستعمل الرشاشات والقنابل كما هو الشأن في عصرنا الحاضر .
أبو زيد : هيا يا فرسان ... يجري الفرسان هنا وهناك ... يسمع صوت السيوف
يستفيد الطفل كذلك كيف أن الإنسان القديم كان يرسل خطاباته عن طريق الحمام الزاجل بدلا من الطائرات ، بالإضافة إلى ضرورة طاعة الوالدين على اعتبار أنهما يتحملان مشقة في تربية الأبناء وتعليمهم فلا يمكن مكافئتهم بالعقوق والجحود .
الثريا : إنه أبي وطاعة الأب والأم واجبة
إن شخصية أبا زيد تجد لها امتداد في حاضرنا لأنه يرمز لذلك الإنسان المكافح الذي يحمل سلاحه ليحارب الأعداء في الجبال . وباختصار فتغريبة بني هلال تحتفي بمقدرة أبي زيد على التنكر حيث يدعي الطب فيؤمن على الأرواح ، ثم يستعمل البنج لقهر أعدائه ولولا هذه الحيل لما عبر الهلاليون تلك الممالك البربرية المشتتة على كل شبر من الأرض حتى وصلوا إلى تونس .
- يحصل أبو زيد الهلالي بعضا من الخصائص الذاتية الزئبقية التي تعتمد الحيلة وتقمص شخصية الكثير من الأنماط السلوكية .
يقول أبو زيد : لقد تنكرت في زي متسول عندما وجدتهم يحاصرون قصري بالفرسان وأحضرت لهم منوما تضعه في الشراب .
فيشربه الفرسان فينامون ونخرج نحن والجميع في سلام .
والحقيقة إنني أجد تناقضا في حكمة الصبر التي جاءت على لسان الساحر لأن الأطفال يعرفون أن الساحر يعتمد على وسائل ملتوية كالشعوذة من أجل الإقرار ببعض الأشياء ، وعليه فالصغير لا يستسيغ أن تأتيه هذه الحكمة من الساحر ، فلو اعتمد السيد حافظ على شخص درويش أو عجوز لكان الأمر أفضل .
إن هذه الحكاية الشعبية تهدف إلى إصلاح الطفل وتوجيهه وتعليمه دروسا في الحياة ، ومن خلال هذه السيرة تتأكد أفكار الكاتب التجريبية مرة أخرى في ضرورة محاربة الأعداء ، والتشبث بالأرض ، ولعله يرمز إلى المكافح الفلسطيني في شخصية الأمير مغامس وأبو زيد الهلالي وذياب الذي يستميت دفاعا عن كرامته .
بالإضافة إلى أننا نستوعب حتمية الكفاح من أجل استرجاع الوطن وعدم تصديق ادعاءات السحرة والدجالين .
4- مسرحية عنتر بن شداد :
يرحل بنا الكاتب إلى سيرة الشاعر والبطل الشجاع عنتر بن شداد الذي كان يباشر الحرب بنفسه ويدافع عن أعراض القبيلة ويعاني الظلم واللوعة من حب عبلة ابنة عمه ، فهو يغامر من أجل القبيلة ومن أجلها . وقد استلهم السيد حافظ التراث في هذه المسرحية التراث. وكما يقول أبو العلا السلموني أن عنترة يمثل الضمير الحي للطبقات الشعبية وكفاحها ونضالها في أحلامها وآمالها مواجهة العنصرية والأرستقراطية .
منذ البداية يستحث كاتبنا جمهوره البراعم للدفاع عن شرف الوطن ضد المغتصبين فها هو عنترة يردد : أنا أعطي القبيلة كل ما أملك من دم وجهد وعرق .
كما يصر الكاتب على بناء إنسان المستقبل الذي يجعل الحب والخير والفضيلة شعارات لحياته لأن الأخلاق كما يقول نيتشه تمثل شجاعة القوي
الطفل الثاني : افتحوا أبواب المحبة للفقراء .
الطفل الثالث : افتحوا أيديكم جميعا وسلموا على بعضكم بالحب .
- إن روعة المسرحية حينما تتأزم المواقف فيذهب عنتر لإحضار التفاحات الثلاث – لينقذ القبيلة ويتزوج عبلة – حيث يلتقي بالشيخ الحكيم الذي يبيع له الحكم مقابل رغيف من الخبز .
يقول عم سالم : أنا أبيع الحكمة ... يا ابني اسمع مني هذه الحكمة
" في السرعة الندامة وفي التأني السلامة "
العلم نور
ليس بالطعام وحده يحيا الإنسان .
- إن هذه النصائح أنقذت فارس بني شداد من بطش الحية الشريرة وملك القرود والملك المهرجان ، ومثلت الشمعة التي تنير طريق العلم ويصل قيمة التأني والزهد في الطعام والشراب. ويمكن وضع سيرة عنترة في مصاف الأعمال الملحمية في الأدب العالمي .
يتوسم السيد حافظ في الأطفال الأمل في تحرير الأرض والتضحية في سبيلها ، وخير مثال على ذلك ترديد عبلة وعنترة لهذه الأغنية في آخر المسرحية .
في سبيل الوطن نضحي بالغالي بأرواحنا بدمائنا - ... بما لنا ...
أيضا يستفيد الطفل من خلال كفاح عبلة ضد الأعداء كيف أن المرأة العربية دافعت عن شرف القبيلة ، ويستخلص الصغار أن الجهل ظلام دامس يفشل خطط الإنسان . وهذا ما حدث للملك المهرجان الذي ترك السلاح في أيدي أعدائه ففقئوا عينه
عم سالم : انتبهوا يا أولاد ... الملك المهرجان ظن انه يستطيع
أن يهزمهم إنه جاهل لا يعرف أن السلاح قاتل ...
وأن الجهل ظلام ... وعليكم أن لا تلعبوا بالسهام
أو تلعبوا بشيء لا تعرفوه .
تأتي الحكم على لسان العم سالم لتوجيه الطفل إلى الإقتداء بالمثل الأعلى وعدم الاتصاف بأخلاق ضرغام وعمارة والربيع لأن كل واحد منهم فضل نزواته الذاتية على مصالح العامة ، عكس عنترة الذي ركب أهوال السفر من أجل إحضار التفاحات الذهبية
عم سالم : ... جاء الربيع بماله وطمع في عبلة ... رفضته عبلة ...
وجاء عمارة بجماله فرفضته عبلة وجاء ضرغام بقوة عضلاته
فرفضته عبلة . ولكن عنترة غير كل هؤلاء ... عنترة ابن
عمها شداد تعرفه ويعرفها .
إن سيرة عنترة ليست تسجيلا لحياة فرد أو قبيلة ، بل هي عمل إبداعي يعبر عن البطولة الجماعية ويعكس آلام المجموع وأحلامهم في الانتصار والتحرر ، فكأننا بالسيد حافظ يريد تنوير صغارنا ودفعهم إلى التفكير من أجل إيجاد الحلول لقضايانا الراهنة من خلال قياس الغائب على الشاهد .
والحقيقة أن الحكاية الشعبية تؤثر في نمو شخصية الطفل ، ومن هنا دافع عنها " بتلها يم " على اعتبار إنها أهملت في أحابي كثيرة . ويؤكد الروائي الإنجليزي شارل ديكنز هذه الحقيقة فيعترف قائلا بالتأثير الذي مارسه عليه أشخاص وأحداث الحكايات أفضل من أي شيء آخر في الحياة لأنها توصل الطفل إلى نضج أكبر وتكشف له عن هويته كما تصور له طبائع النفوس الإنسانية .
هكذا إذن تخبر سيرة عنترة الطفل أن مقاومة الصعوبات في الحياة شيء لا مناص منه ، وأن هذه الإخطار تشكل جزءا من حياتنا ووجودنا ، لذا وجبت المجابهة بدل الهروب كما هو الشأن بالنسبة لضرغام وعمارة والربيع في المسرحية . و على هذا الأساس يخلق السيد حافظ في نفسية الطفل أسس الأيمان حتى يجابه الصعوبات المستقبلية .
إن حكاية عنترة ليست للتسلية والترفيه فقط ، بل هي أيضا مرآة تعكس القيم النبيلة كالشرف والنبل وتصور عظمة الإنسان في قوة شخصيته وصلابته أمام الأعداء وليس في حسبه ونسبه.
5 - مسرحية أولاد جحا :
أما شخصية جحا فقد وصفها أكثر من كاتب مسرحي. استلهمها توفيق الحكيم استلهاما دراميا فأبدع مسرحيته " مجلس العدل " ، والأستاذ عبدا لكريم برشيد في مسرحيته " جحا في الرحى"، والكاتب المسرحي الجزائري علي السلالي في مسرحيته جحا. كما جعل أحمد علي باكثير النادرة الجحوية تعالج قضية التحرر من الدخيل وهذا ما جسدته أحداث مسرحية " مسمار حجا " . وعليه شكلت الشخصية الجحوية مادة ثرة يمكن تقديمها للطفل فهي أقرب إلى طبيعته النفسية المرحة . وقد فطن الأديب كامل كيلاني إلى هذا وألف الكاتب المسرحي السيد حافظ نظرا لمعطياته الفنية والأدبية . وإذا أمعنا النظر في شخصية جحا نرى بأنه تميز بالغباء تارة والغفلة طور آخر . فكان الغباء بالنسبة إليه تغابيا وأسلوبا للتقية من وسائل البطش والظلم ، وهذا طبيعي ما دام يؤمن بهذه المقولة " إذا أردت أن تأمن البلاء فتصنع الدهاء " . والنادرة الجحوية كما يرى أحمد الحوفي في كثير من حالاتها تصوير للحالة السياسية بألوان فيها تهكم وسخرية ونقد وغيرها من صنوف الفكاهة ، لذلك فالناس لا يستطيعون أن ينالوا من حكامهم إلا بالأسلوب الفكاهي لأنه مأمون العاقبة .
إن نوادر جحا مع الحاكم تيمورلنك تجسد بحق عصور التعفن والظلم والاستبداد . وقد استطاع جحا بفطنته أن ينقذ بلده من بطش الحاكم وهذا ما يكشفه لنا الحوار التالي :
ابن جحا : جحا الذي هو أبي حينما ذهب إلى تيمورلنك وسأله وقال له هل أنا ظالم أم عادل .
المجموعة: ماذا قال له ؟
بنت جحا: قال له أنت لست بملك عادل ولا ظالم .
ابن جحا : نحن الظالمون ... وأنت سيف العدل ...
بنت جحا: فأعجب به تيمورلنك وأجلسه في قصره .
حقا لقد كان جحا ديبلوماسيا حينما أجاب تيمورلنك وأصبح واحدا من حاشيته ، وأولاد جحا في المسرحية لا يقلون فطنه عن أبيهم .
فنجدهم تارة يتصفان بالحمق والبلاهة وأخرى بالمكر والذكاء . وهذا ما يتضح من خلال مواقفها مع إسماعيل العنترة وفتحي العطار وإبراهيم الترزي حيث عملا على إدخالهم في المخزن .
لقد جاء الرمز الجحوي – كما هو الشأن في المسرحية – معبرا عن استهجانه لبعض السلوكيات ، وقد تحدث جحا في كل شيء من شؤون الحياة فهو الواعظ والفقيه والفيلسوف والحكيم والساخر والضاحك .
إن أبناء جحا ورثوا عن أبيهم البلاهة وحسن التصرف ، ويظهر لنا ذلك واضحا من خلال هذا الحوار .
تيمورلنك : ... لو كنت عبدا من العبيد كم كنت أساوي .
ابن جحا : مائة فلس ...
تيمورلنك : يضحك ... إن القرط الذي تحمله أدنى بأكثر من مائة فلس
تجدر الإشارة أن ابن جحا نصب كخاتم للفيلة . فكان يصرف أمواله التي يحصل عليها من أجل شراء الطعام واللباس والسلاح . وقد انطلت حيله على تيمورلنك حينما صدق أنه يشيد بيوتا للفيلة .
تيمورلنك : ... أريد أن أتسلى وأسخر من المغفل هذا يقصد
ابن جحا وهو يعمل على بناء بيوت للأفيال ويفصل
قماشا ... وجحا المغفل الذي ذهب ليشتري أفيالا .
وككل مرة لا يفوت مبدعنا فرصة الإشارة إلى ضرورة الدفاع عن الوطن من الإخطار المحدقة به .



الشيخ الشافعي : الدفاع عن الوطن شرف يجب علينا أن ندافع عن شرفنا
من الملاحظ أن السيد حافظ يدعو الأطفال إلى التآلف والتآزر من أجل تحرير الأرض فلو لم يتعاون أهل القرية مع أبناء جحا لما استطاعوا أن يهزموا قوة تيمورلنك ويغرقوا الأفيال ومن ثمة فمسرحية " أولاد جحا تفتح ذهن الطفل على اكتشاف حقيقة العمر ، وتجسم المثل العليا التي اتصف بها أبناء جحا لعلهم يحدون حدوهم في الكفاح ، وعليه نورد نصيحة الشافعي التي وجهها للصغار في آخر المسرحية .
شيخ شافعي : ... في زمن ... تكثر فيه الأفيال خذوا حذركم
يا أطفالي ... لو أخافتنا الأفيال ستكثر ...
والإنسان حباه الله بالحكمة والعدل حتى يقاوم الظلم .
6- مسرحية سندس :
تجلوا هذه المسرحية وجه القضية الفلسطينية وخطط العدو الصهيوني في استيلاءه على بيت المقدس ، وهذا ما تعكسه شخصيات " أم سارة " وسارة " والشاويش "
أم سارة : لن نطرد ثانية من أي بلد ولا من أي بيت ...
أم سارة : هذه خطة جدي ولابد من تنفيذها .
وفي المقابل ترمز " سندس " إلى فلسطين الجريحة التي دنست أرضها بأقدام الدخلاء، وحاولت منذ البداية أن تستثير هَم الشعب العربي المجسد في شخصيات أبو صالح وأبو عنان في الدفاع عنها ولكنهم تخاذلوا عن القيام بواجبهم تجاهها ، وانشغلوا بأمور تافهة كقضايا الحدود إلى غير ذلك .
أبو صالح : ... إنها أرضي يا أبو عدنان وأنت الذي أخذ شبرين منها .
ولعل السيد حافظ يحاكم العروبة ويستفز جمهور الأطفال ليفجر فيهم روح الفعل والممارسة . فشخصية سندس تشبه إلى حد كبير شخصية " حسان " في مسرحية " النزيف " للمرحوم محمد مسكين لأنها مثلت غربة الإنسان المغلوب على أمره . من هنا يتضح بأن الكتابة المسرحية عند السيد حافظ تكون شهادة ونبوءة ، شهادة على حاضرها المهزوم ، ونبوءة بالنسبة للمستقبل . كما أن شخصية أبو صالح و أبو عدنان تكشف في تواطئ العرب مع اليهود ، ومن ثمة يحملهم الكاتب تبعة ومسؤولية الهزيمة العربية . بالإضافة إلى ذلك تنمي مسرحية سندس في الطفل فضائل الشجاعة والأمانة .
سندس : لي أرض أزرعها وأرعاها ... ولي بيتي ورثه أبي عن جدي .
يعانق كاتبنا ذلك الإنسان المكافح الذي يجسد الوجود الحي والمتجدد والغضب والاحتجاج من أجل تحييد مواقف الضعف. وهذا ما يجسده لنا موقف قاضي القضاة الذي يعري هموم وأزمات الإنسان العربي أمامنا .
قاضي القضاة : أخذوا البيت والأرض وزرعوا المشاكل لابد أن نحاربهم
الواقع أن السيد حافظ يبرز للأطفال غياب الوعي الاجتماعي وانشقاق الصفوف العربية وتخاذلهم عن تحرير فلسطين لعله يجد في هؤلاء الأطفال الأبرياء تلك الصحوة التي نامت في الكبار ، وهذا ما يؤكده في إحدى حواراته " أن كاتبا مثلي ينهض كل صباح ليرى الشمس طفلا. تبهرني حركة الريح وتشكيل الحجر وخضرة الحقول وبكارة القمح ، وأرى في هؤلاء الأطفال الصغار الرضع الحلم في أن يكون أحدهم أنشودة هذا الوطن الذي يخلصه من الجوع ويحرره من الحزن .....
الأطفال هم صوت الاخضرار الذي ينادي أعماق الأطفال تدق باب المستقبل ، باب الصحوة التي ماتت فينا .
إن مبدعنا يود أن يرى في الطفل ذلك الرجل الكفء ، اليقظ ، الثائر ، والقادر على تحقيق النصر حتى تتوطن نفسه على عشق الحرية والاتحاد في سبيل تحقيقها وعليه تردد سندس قائلة :
.... كنت أحلم لو اتحدنا ... لو اجتمعنا ... لو وضعنا أيدينا في أيدي بعض ... كنا فعلنا الكثير ... كنا حررنا البيت والأرض ... نحن لم نضع أيدينا في أيدي بعض للجمهور لكن أنتم امسكوا أياديكم وضعوها في أيادي بعضكم .
أدلى أحد مشاهدي عرض مسرحية سندس ببعض الأخطاء التي وقع فيها ممثلوا المسرحية مما أفقدها توازنها ، ولعل ذلك راجع إلى بعض التجاوزات بالحركة واللفظ وخفة الدم التي كانت ضد العمل الفني. وفي هذا استهانة واضحة بالمشاهد الصغير.
7- مسرحية لولو والخالة كوكو :
تعالج قضية خروج المرأة إلى حقل العمل وترك الصغير في يد الخادمة تعبث كيفما أرادت ، فكوكو طفلة وحيدة تجد نفسها محرومة من الجلوس مع أبويها واللعب معها على اعتبار أنهما يشتغلان طول الوقت ولا يعيرانها اهتماما ، ولتكسير روتينية الوحدة تعمل على تشغيل جهاز الفيديو وتشاهد فيلما مرعبا و حينما تشعر بالفزع وتخرج للبحث عن الخادمة – التي كانت قد غادرت المنزل وتركت لولو لوحدها – لكنها تضيع في الطريق إلى أن تصادفها الخالة كوكو هذه المرأة الطيبة التي ساعدتها حتى وجدت أهلها .
أرى أن المسرحية تخاطب الكبير قبل الصغير لأنها تدين تصرفات الآباء في حق أبنائهم حينما يتركونهم في يد الخادمة . كما أن مسرحية لولو والخالة كوكو تتضمن عدة أسس تربوية يريد الكاتب ترسيخها في ذهنية الطفل من بينها عدم ترك الصغير يشاهد تلك الأفلام المرعبة خصوصا وأنها تبث الخوف وتخلخل التوازن النفسي لديه .
كوكو :... وأنتي كمان ما تطلعيش بيتكم لوحدك ثاني .
كوكو : ولا تشوفي أفلام وحشة مرعبه في الفيديو .
لو لم تجد لولو الخالة كوكو لضاعت في الطريق وربما تعرضت للخطف من طرف العصابات ، حينما يشاهد الصغير المسرحية أو يقرأها يكتشف دور العلم والمعرفة في الحياة.
لولو :... التعليم دي بسيط بس لازم تأخذي بالك كويس .
كوكو : بعد ما شاب ودوه الكتاب .
لولو : مفيش حاجة اسمها بعد ما شاب ...
أيضا يتعلم الطفل أن التشبث بالبيت وعدم التفريط فيه واجب مقدس وهذا ما نلمسه في كلام
لولو : لأن لي يخرج من داره يثقل مقداره .
إن السيد حافظ يجد في مسرح الطفل ما لم يجده في مسرح الكبار حيث يكتشف أن الطفل إذا أعجبه شيء صفق له وإذا لم يعجبه يترك الصالة في الحال وينصرف ويعلن سخط ويبدأ في الصريخ والزعيق والهتاف ضد المسرحية ، لا يجامل هذا الفنان أو غيره ، يحترم الكاتب والممثل والمخرج .
لقد حقق مبدعنا خطوة ايجابية في مسرح الطفل وحققت له النجاح الباهر ، ومثلت الرباحة ، وهذا ما يؤكده لنا قائلا : كانت تباع أعمالي بأعلى سعر 24 دولار لشريط الفيديو الواحد في الوقت الذي كانت تباع مسرحيات كبار الفنانين ب 3 دولار لشريط الفيديو وكانت تنفد من السوق فورا .
حاولنا من خلال هذه الإطلالة المختصرة والعامة أن نبرز بعض المزايا التربوية التي تحتوي عليها مسرحيات السيد حافظ الخاصة بالطفل . والآن ننقل إلى اكتشاف أجواء مسرحية الشاطر حسن المعرفية والجمالية .
من الملاحظ أن حكاية الشاطر حسن للسيد حافظ ليست نسخة كاربونية من ألف ليلة وليلة ولكنها في بنيتها الحكائية مأخوذة أصلا من حكايتين شعبيتين هما حكاية أبو الحسن المغفل وقصص الشطار والعيارين في تراثنا العربي .
حينما نلج فضاء المسرحية نلاحظ بأنها تشكل مغامرة ريادية في مسرح الطفل لأنها أضافت أبعادا فكرية وجمالية مهمة ومن هنا خليق بنا أن نتابع هذا العمل الدرامي بالدراسة أو التحليل
ملخص المسرحية :
تدور أحداث مسرحية الشاطر حسن حول حكاية شاب شهم أمين اسمه حسن يساعد الجميع ، في أحد أيامه وهو يتجول برفقة صديقه مختار أجواء السوق يعثر على كيس من النقود ويعلم بأنه خاص بالأميرة " ست الحسن " ، فيذهب إلى القصر ليسلمها الكيس . ولكن لسوء الحظ فان الأميرة تدخل مسرعة إلى القصر مخافة أن يراها الأمير حسان ، وفي هذه الإثناء يحاول الشاطر حسن أن ينط من أعلى السور غير أن الحراس يلقون عليه القبض ويهتفون بأنه حرامي حاول التلصص للدخول إلى القصر ، لكنهم سرعان ما يتركونه ظنا منهم بأنه الأمير الحقيقي . وفي الوقت الذي يستفسر السلطان عن الحرامي الذي دخل القصر يجيبه الحراس بأن الأمر يتعلق به شخصيا ويؤكدون له على أنه كان يرتدي ملابس صياد. وفي هذه الآونة يتذكر الأمير كيف أن الأميرة قالت له نفس الشيء . وهنا يأمر السلطان حراسه بالبحث عن الشخص الذي يشبهه وحينما يحضرونه إليه يلاحظ الأمير أن الشاطر حسن يمثل نسخة طبق الأصل منه نظرا للتشابه الواضح بينهما . ومن ثمة يعرض عليه أن يتبادل معه ملابسه ليحل كل منهما محل الآخر لمدة ثلاثة أيام . وعليه يقوم الشاطر حسن بمهام الأمير في حين يذهب الأمير الحقيقي إلى السوق – ليتفقد أحوال الشعب – في ملابس تنكرية . وخلال هذه الأيام الثلاثة ينصف الشاطر حسن المظلومين ويخرجهم من السجن ، ويقضي على ادعاءات الدجالين وأخيرا يعلن الحرب على الأعداء حتى تسترجع جزيرة الأمل. بعد إنهاء المدة المحددة للحكم يعود الحاكم إلى قصره من جديد بعد أن عاش بين شعبه دون أن يعرفوه فلامس مشاكل رعيته وهمومها ، ووقف على معاناتها. وأدرك أن الشعب يريد الحرب لتحرير الأرض ، وأن هناك شرائحا اجتماعية تعاني الفقر المدقع في حين أن مجموعة من التجار والمسؤولين تستنزف قوى الشعب وتلحق به الظلم . والحقيقة أن هذه الأيام الثلاثة أحدثت تغييرا جذريا في نفسية الحاكم ، فبعدما كان يعتقد بأنه مريض يحتاج إلى قميص السعادة وأنه لا ينبغي عليه أن يخرج من قصره طوال حياته لكي لا يصاب بالعدوى كما كان الوزير قد أوهمه بذلك ، يتيقن أن الوزير كان يهدف من خلال هذا العمل إلى صرف الأمير عن شعبه .
وفي الأخير يسلم الشاطر حسن زمام الحكم إلى الحاكم الحقيقي ، فيشكره هذا الأخير على أمانته وحسن صنيعه بعد ما يعطيه كيس الأميرة . إلا أن الشاطر حسن يرفض أخذ المكافأة . وفي النهاية يعلن الأمير خطبته على الأميرة ست الحسن فيقرر أن موعد الزفاف سيكون بعد انتهاء الحرب بين جزيرة الأمل والحوت .
* بعض نقاط التشابه بين مسرحية الشاطر حسن وحكاية
أبو الحسن المغفل وهارون الرشيد في النص الشعبي
إن أول ما يلفت انتباهنا ونحن نتفحص مسرحية الشاطر حسن كعمل مسرحي قائم على مسرحية حكاية أبو الحسن المغفل أوجه الشبه بين الحكاية الشعبية والمسرحية - ذلك
الإحباط الذي كان يعتلج نفسية الأمير حسان وجعله يخرج من قصره ليتفقد أحوال الرعية .
- أن هارون الرشيد يجسده الأمير في المسرحية , وقد حدث يوما أن خرج هذا الأمير من قصره متنكرا رغبة منه في معرفة أحوال الرعية . ومن هنا نلمس تشابها واضحا بين النص الشعبي والمسرحية .
- يجعل الكاتب رجل الشارع البسيط سلطانا على البلاد لأنه يدرك مدى مكابدة هذا الرجل لصروف الظلم . وجدير بالذكر أن الكاتب يجعل الصدفة هي التي تلعب دورها في اختيار الشاطر حسن حاكما على البلاد نظرا للتشابه بينه وبين الأميرة في حين نجد أن الحكاية الشعبية تروي أن الخليفة هارون الرشيد شاء يوما أن يعبث بأبي الحسن المغفل الذي صادفه أثناء جولاته الليلية التي كان يقوم بها مع وزيره جعفر ، وسمعه يتمنى لو يصبح خليفة ليحكم البلاد بالحق . ويعكس لنا النص الشعبي حلم أحد أفراد الشعب في حكم نفسه بنفسه حتى يدحر الظلم .
* بعض العناصر الجديدة التي أضافها السيد حافظ إلى نصه المسرحي
ارتشف مبدعنا من نبع ألف ليلة وليلة وقام بتطويعه وانتشاله من ماضوية الحدث ليتحول زمان الحكي كان إلى ما يمكن أن يكون أو ما ينبغي أن يكون لأن التراث أصبح عنده كما يقول الناقد المسرحي مصطفي رمضاني " معطى ذاتيا بعد ما كان معطى موضوعيا. لأنه أضفى عليه موقفه الخاص ما دام كل دارس أو مبدع يملك ذلك الحق في قراءة التراث والتعامل معه انطلاقا من رؤيته للعالم ، وبالتالي من موقفه الإيديولوجي "
إن التشابه بين الشاطر حسن والأمير شيء أبدعه المؤلف وجعله أساسا لقيام الشاطر حسن بمهام الحكومة مدة ثلاثة أيام ، بيد أننا في الحكاية الشعبية نلحظ بأن حلم أبو الحسن المغفل بأن يكون خليفة هو الذي جعل هارون الرشيد يوليه هذا المنصب لمدة ثلاثة أيام .
- في النص الشعبي لا وجود لشخصية ست الحسن ابنة عم الأمير حسان التي ظهرت في المسرحية ، كما أن السيد حافظ أضاف مشهد السوق وحادثة وقوع كيس النقود من الأميرة حتى يتصاعد الخط الدرامي ليصل إلى الذروة حينما يتعرف الأمير على شخصية الشاطر حسن.
- غير الكاتب في شخصية الشاطر حسن بأن جعلها تجتاز زمن الحلم كما هو الشأن عند أبي الحسن المغفل ليجسد ملامح المواطن الشريف الذي يحمل الأمل والعمل في تحقيق مجتمع فاضل يسوده العدل الاجتماعي .
- عدل السيد حافظ في شخصية الشاطر حسن بأن جعله يشبه الحاكم ولهذا السبب اختاره لينوب عنه في تسيير شؤون الدولة ، كما أن كاتبنا لم يجعل المخدر وسيلة لنقل أبي الحسن المغفل إلى القصر كما هو الشأن بالنسبة للنص الشعبي ، وإنما جعل حادثة وقوع الكيس من ست الحسن في السوق وعثور الشاطر حسن عليه سببا في ذهابه إلى القصر.
لقد أغنى المبدع تجربته المسرحية وجعل من شخصية هارون الرشيد رمزا للأمير في حين عدل في شخصية أبو الحسن المغفل بشخصية الشاطر حسن . ولعل كاتبنا اختار اسم الشاطر حسن ليبرهن للطفل أن هذا الرجل ليس ساذجا كما هو الأمر بالنسبة للحكاية الشعبية ، وإنما هو تجسيد لملامح البطولة التي تجسم المثل العليا ، وتحقق الرغبات والقيم والفضائل التي ينادي بها المجتمع الشعبي وتؤكد في الوقت نفسه الإحساس العظيم بالمواطنة والتفوق الحتمي على ظالميه ، وتعبر عن كراهية الإنسان الشعبي البسيط للضيم وضرورة المبادرة إلى رد الظلم إلى نحور الظالمين .
- كما أن الشاطر حسن لم يبهره وهج السلطة مثل أبي الحسن المغفل هذا الذي اعتقد بأنه الأمير الحقيقي للبلاد حينما نقله حراس الخليفة هارون الرشيد إلى القصر وسقوه مخدرا ، فوجد نفسه محاطا بالخدم والحشم فاعتقد بأنه الخليفة للبلاد ، فأخذ يأمر وينهي على هواه .
ونفس الأمر نجده في مسرحية سعد الله ونوس " الملك هو الملك " ، مع العلم أن الحاكم في هذه المسرحية أراد أن يمارس لعبة حتى يذهب عنه السأم فاختار أبو عزة ليقوم بدور الملك ، وما أن ارتدى هذا الرجل زي الملك حتى أصبح الكل يدين له بالطاعة العمياء . وبالرغم من أنه كان يحلم بشنق شهبندر التجار وتجار الحرير الذين يتحكمون في أرزاق الناس ، إلا أنه بمجرد اعتلائه عرض البلاد انتهج طريق الإرهاب ، فحتى حينما تأتيه زوجته لتشكي له حالها – ظنا منها أنه السلطان – من ظلم التجار وتأمر بهم على زوجها يدافع عن هؤلاء ويحكم على زوجها بالتجريس . وفي مسرحية الملك هو الملك يشير سعد الله ونوس أن تغيير الأنظمة السياسية لا يمكن أن يغير أساليب الحكم إذ أن استبدال حاكم مكان آخر لا يمكنه أن يؤدي بأي حال من الأحوال إلى التغيير الجذري . إلا أن فلسفة السيد حافظ في تغيير الأنظمة السياسية قائم على أساس تفاؤلي على اعتبار أن ابن الشارع قادر على تقويض الأنظمة الديكتاتورية على عكس سعد الله ونوس الذي يعتبر الحاشية هي المالكة لناصية الحكم .
- أن الشاطر حسن حينما نصب كحاكم للبلاد لم يُعمه بريق السلطة ولم يصدر أحكاما جائرة في حق الشعب وإنما مثل ذلك الإنسان الشاطر الذي استطاع أن يدير دولا بالحكم لصالح الشعب . ومن هنا أراد الكاتب أن يؤكد على أن الإنسان موقف يمكنه أن يتحول بل يبقي هو ذاته كما بدأ . وكأن بهرجة السلطة لم تؤثر به لتصنع منه إنسانا لآخر كما حدث عند سعد الله ونوس وكما حدث أيضا في الحكاية الشعبية ذاتها التي استقى منها السيد حافظ مادة مسرحيته. لقد أراد المؤلف أن يبرهن هنا على أن الإنسان عنصر غير قابل للتحويل والتغيير والتحوير، طالما تدعمه نظرية أو يستند على مبدأ.
يمكن الإقرار بأن السيد حافظ يجعل من حكاية أبي حسن المغفل مع هارون الرشيد ركيزة هامة للمسرحية ويسقط عليها أحداث القضية الفلسطينية وهذا بالضبط مما يؤكد قائلا :
" في الشاطر حسن نعتمد على أسطورة أبو الحسن المغفل مع هارون الرشيد ومع قصة بول فاليري ومع إسقاط معاصر ومباشر يهم كل ديرة وكل بيت وكل ركن هو موضع العرب مع إسرائيل وكيفية مواجهة العدو والدفاع عن الأرض و العِرض بالسلاح لا بالكلام .
* توظيف السيد حافظ لأسطورة أوديب :

بعد ما صاغ سوفوكليس أسطورة أوديب صياغة مسرحية وتناولها توفيق الحكيم في مسرحية أوديب يضعنا السيد حافظ أمامها ويجعلها موضوعا لحلم الشاطر حسن . ومما ينبغي التأكيد عليه أن المبدع في استلهامه لهذه الأسطورة يختلف عن التوظيف الحرفي لها . فإذا كان القدر المنحوس ظل يلاحق أوديب في الأسطورة حتى أسقطه في هوة الإثم . لأن القدر في نظر الإغريق لا يمكن مقاومته – فإن الإنسان عند السيد حافظ كما يقول نادر القنة إنسان "يتحكم فيه القدر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي . وهذا ما يحدث مع الشاطر حسن حينما يتخذ قراره للحرب ولا شيء غير الحرب .
الأسس التربوية لمسرحية الشاطر حسن :

تحقق مسرحية الشاطر حسن غايات تربوية وسيكولوجية عامة بالنسبة للطفل ، فهي تعمل على ترسيخ فضيلة الأمانة في نفسيته والدفاع عن الوطن . وهذا ما يتجسد من خلال الأعمال الرائدة التي أنجزها الشاطر حسن قبيل تسلمه الحكم وبعده . كما يستحث السيد حافظ الصغار على الإقتداء بأعمال " حسن " الشريفة التي ترفض الضيم وتعمل على نشر ألوية الخير في كل أرجاء البلاد . وعليه فإن مبدعنا يعطي قيمة ودرسا للأطفال في أن العمل الشريف واجب وأنه يزيد من ارتباط الفرد بالبيئة والمجتمع ، وأيضا يعطي أهمية لمفهوم العدل والحكم عندما أمر الشاطر حسن بالإفراج عن كل المظلومين ، وأعلن أنه لا ظلم ولا طغيان بعد اليوم ، رفض شروط الصلح مع مغتصبي جزيرة الحوت . وهنا يعلن الشاطر حسن الحرب من أجل استرداد الأرض ومستشار مجاميع الأطفال مع الكبار في خوض غمار الحرب . وهنا يرسخ الكاتب مبدأ هاما وهو أن كل إنسان مهما كان صغيرا أو كبيرا له دور في تحرير الأرض واستردادها من المغتصب .
والواقع أن السيد حافظ يعمق تفكير الطفل وقناعته بأهمية القضية المطروحة ومن ثمة فهو يقر بأن الإنسان موقف وأن الحاكم حينما ينزل إلى شوارع المدينة يقف عن كثب على هموم الشعب وآلامه وآماله فيستبصر الأمور ، فتصدر أحكامه بتلقائية بعيدا عن وصايات المنافقين الذين يتسترون وراء زيف السلطة لإرضاء نزواتهم الشخصية . هذه إذن هي لعبة الكاتب التي يريد أن يوصلها إلى الأطفال جيل الغد الذين عليهم أن يعيشوا الحرية والكفاح والدفاع عن الوطن .
إن أوزوريس يلح على ضرورة بناء إنسان صالح قوي الشخصية يتسلح بالقيم الفاضلة والأخلاق النبيلة لأن البراعم تجسد الطموح والفرح والشمس المشرقة المضيئة فوق ربوع الوطن . و على أي فمسرح الأطفال على حد رأيه يحتوي على مدن وقارات رائعة وأرضية جديدة حيث الشمس لا تغيب في الليل ولا يخدع فيها فكر الأطفال الأبيض العملاق .
تعرض مسرحية الشاطر حسن أيضا إلى ضرورة الذود عن الوطن وعدم الضعف والاستكانة أمام الأعداء . وقد استخدم مبدعنا رموزا ودلالات تتناسب مع ذهنية الطفل . فها هو الشاطر حسن يعلن الحرب على جزيرة الحوت التي اغتصبت جزيرة الأمل ، فرمز الحوت إلى الاستعمار الذي دنس بأقدامه طهارة الأرض ، بالإضافة إلى الوزير الذي جعله رمزا لتلك الفئة المضلة التي تقدم تقارير مزيفة للحاكم ، فيعتمد تعتيم وإخفاء كل ما يعاني منه الشعب من فقر وجوع . وكذلك ست الحسن التي رمزت إلى الخير والإنسانية المضيئة ، التي تناضل من أجل مستقبل إنساني لا مكان فيه للظلم .
والملاحظ أن الكاتب يعمق الوعي الوطني للطفل من أجل انتشال البلاد من هوة الظلم وتحقيق العدالة الاجتماعية . ومن ثم يستهدف السيد حافظ تعبئة الصغير وتحريضه ضد النظام الرجعي الذي يعادي الشعب المتمثل أساسا في الوزير .
إن وعي الطفل العميق للقيم الإنسانية ينبت العمل الثوري لديه فيساهم في مواجهة وباء الاستعمار. يقول محسن الخياط : " يمتلك مسرح الطفل القدرة على تثوير أطفالنا وزرع كل القيم الثورية والإنسانية والأخلاقية فيهم منذ الصغر " .
وعليه يريد السيد حافظ أن يجعل الطفل صانعا لمستقبل الأمة العربية الذي يرفض كافة الحلول الاستسلامية ويدرك بوعي سياسي واجتماعي الكلمات الموحية التي تقدم على الخشبة. وفي هذا السياق " يطرح النص أكثر من قضية حياتية هامة منها المحببة والتواصل والترابط الاجتماعي والصدق في العلاقات الإنسانية وحرية الفرد أضف إلى ذلك رفض الحلول الاستسلامية " .
مما لا شك فيه أن مبدعنا يفتح أمام الطفل آفاق رحبة ليتجاوز لحظته الراهنة عن طريق التغيير والدعوة إلى عالم تنمحي فيه الفوارق الطبقية وتنتصر القوى الخيرة . ويري بعض النقاد أن هذا العمل الدرامي لم يقدم الأهداف التربوية المرجوة التي تخدم الطفل على اعتبار أن الأنساق الفكرية التي اشتمل عليها النص لا يمكن أن تصل إلى ذهنية الصغير لأنه لا يرقى إلى مستوى فهم الرموز ، فهو بحاجة إلى أفكار واضحة في شكل بسيط وأنيق ، وهذا ما يؤكده الناقد صالح البدري " أن هذا العرض المسرحي لم يلتزم أبداً بوعده بتقديم مسرح الطفل حيث أن الأفكار المطروحة في هذا النص لا تستطيع أن تصل إلى ذهنية الطفل الذي يحتاج في هذه السن إلى أفكار تربوية محددة وواضحة تزرع في نفسه قيما من الخير والجمال والعمل وحب الوطن. إن ما يقدم له على مستوى معين من الغربة وبهذه المفاهيم الإيديولوجية والطبقية أطروحات كبيرة القصد كالحرية والاضطهاد والظلم وتحرير الأرض المحتلة لأنه من الممكن التعبير عن ذلك وتقديم هذه المفاهيم ولكن بالشكل المبسط القريب من فهم ومدارك هذا الطفل.
الواقع أن الطفل ليس بالفرد الساذج الذي لا يمكنه فهم الأفكار التربوية التي تطرحها المسرحية لأنه محاصر بواقعه السياسي يستوعب خطورة الفوز الصهيوني على فلسطين . ومن ثمة فحكاية الشاطر حسن تعبر عن وجه القضية الفلسطينية التي يسمع عنها الصغير والكبير عبر الأثير في نشرات الأخبار إلى أخره .
وجدير بالذكر أن السيد حافظ توجه إلى مسرح الطفل ليغرس بذور التمرد والثورة في نفسية الصغير على أعداء الأمة العربية ، ولنقل له صورة حية عميقة لواقعنا العربي حتى تتجسد أمام أطفالنا التصورات السياسية للقضية الفلسطينية وأبعادها المستقبلية . بما أن إسرائيل تقوم تربية الطفل اليهودي على كراهية العرب فإن مبدعنا يلتجئ إلى تسييس مسرح الطفل " حاولت أن أبين لأطفالنا بأن إسرائيل عدوة لنا وأن المشكلة الفلسطينية قائمة ولن تنتهي ولم تنتهي إلا بالقتال والحرب والنضال والعمل السياسي . ومهما يكن من أمر فان مبدعنا أراد أن يوضح للطفل أن ما يراه الآن استسلام وليس بسلام .
إن المؤلف يثبت للطفل أن تغيير الحاضر العربي رهين بإحداث ثورة عارضة على الأوضاع الراهنة ودك الأنظمة الفاسدة لتقوم على أنقاضها أنظمة مغايرة تؤمن بحرية الإنسان في صنع التوجهات والاختيارات . ومن ثمة يقر بأن الحرية لا يمكن أن تسترد إلا بالعمل النضالي .
وقد لاحظ بعض النقاد أن هذا العمل الدرامي لا ينسجم والمستوى الفكري للطفل . إلا أن فيصل السعد يرى العكس حيث يقول أننا مطالبون بتدريب الأطفال على الجملة الغريبة عن مستواهم التي ترفعهم إلى مستوى من الوعي أفضل مما هم عليه . وعليه فإن أوزوريس يعتمد الاستفزاز السياسي لتحريض الطفل على مواجهة الظلم عن طريق إعلان الحرب . ومن هنا نستشف أن الوعي التاريخي للصغير لا يقل أهمية عن الكبير لأنه يساهم في أدلجة المتلقي حتى يناضل قوى الشر في المجتمع الحاضر ويكافح ويبني ويشيد ويبذر ويزرع زهرة الحرية.
إن مسرحية الشاطر حسن تعبر عن الواقع السلبي العربي وتكشف العفن الذي يستشري في جسد الأمة العربية . ومن ثمة تساهم في تكوين الطفل النموذجي الذي يعتمد على النفس ويترعرع على حب الخير حتى لا ينصهر في بوتقة الخنوع والتراجع عن مواجهة الأعداء .
والحقيقة أن السيد حافظ يتأسف على ما آل إليه مسرح الطفل في الخليج العربي ويدعو الدولة إلى تدخل الدولة في الكويت للقضاء على ظاهرة المفسدين في الفكر الذين يقامرون باسم مسرح الطفل ويعربدون بمشاعر الطفولة ويفسدون أفكارهم.
لا غرو أن نقول بأن طفلنا العربي يعاني الظلم من جراء تهميش الكبار لمسرحه على توجيهه بالطرق المباشرة التي تنضج بالجهل والتزمت ، وهذا بالضبط ما جعل مبدعنا يقول " والطفل العربي مظلوم ومكبوت ويعاني من تصرفاتنا الجاهلية . وهو يطمح بالتخلف والقضايا التي تحاصرنا شائكة وهو أول من يحس بالتغيير الذي سيطرأ ولقد شعرت أن مسرح الكبار يحتضر وعلينا غلق أبواب المسرح الكبيرة وأن نكتب للأطفال حتى نحقق حلم الذي قيل عنه ذات يوم أنه حلم مجنون .
إن مسرحية الشاطر حسن تهمس في أذن البراعم : "لا تتخاذلوا ولا تتقاعسوا عن أداء واجبكم الوطني ، فأنتم الحلم الذي تعيش من أجله الأمة العربية وأصل فيكم الخلاص من ربقة الدخيل"، فكأن مبدعنا يدعو الأطفال إلى عدم الوقوع في أخطاء الكبار التي أسفرت عن انهزامهم وتراجعهم أمام العدو ، وخير مثال نستدل به هو رأي الكاتب نفسه حول المسرحية " نقول للأطفال يكفي أننا انحنينا لكن أنتم ارفعوا رؤوسكم عاليا فأنتم القادمون .
لعل وشائج المشابهة واضحة بين هذا العمل الدرامي ومسرحية الساحرة لفائق الحكيم خصوصا وأنهما يعالجان القضية الفلسطينية ويعتمدان الرمز. و على ضوء هذا يجعل السيد حافظ العدو الصهيوني مجسدا في جزيرة الحوت ، وأما فائق الحكيم فيوحي إليه في صورة الساحرة الشريرة . ومن جهة أخرى يورد كاتبنا تصرف الشاطر حسن حينما أراد أن يقفز من سور القصر لكي يسلم كيس النقود إلى الأميرة ست الحسن – مع العلم أن أحد لم يمنعه من الدخول إلى القصر عن طريق الباب – أن يؤكد للطفل سلبية أتباع الأساليب الملتوية لوصول إلى الهدف وهذا في حد ذاته يكتسي دلالة تربوية تكمن في عدم تسلق السور لأن في ذلك خطرا من ناحية ، ولأنه يشبه أساليب السارقين واللصوص من ناحية أخرى ، فما دامت غاية الشاطر حسن نبيلة كان الأجدر به أن يطلب مقابلة الأميرة حتى يعطيها النقود التي سقطت منها .
أما الهدف السيكولوجي الذي يتأسس عليه هذا العمل الدرامي هو إشاعة المسرح في نفسية الأطفال لتخرجهم من روتينية الحياة المملة . ولا مرأ إذا قلنا أن الطفل بعيد النظر في مشاكله الحياتية ويلتمس لها حلولا . ومهما يكن من أمر فقد عاش الكبار والصغار أحداثا مشوقة تقربهم من قضاياهم المصيرية وبالفعل فقد حقق هذا العرض المسرحي مسرح الفرجة للكبار ونواحي البهجة للصغار.
والملفت للانتباه أن مسرح الطفل بالنسبة للسيد حافظ هو الذي تكتشف فيه رؤية جديدة تقدمها للأطفال وتمسح عن أعينهم قذارة ما يشاهدونه من مسلسلات هزيلة. فربما نستطيع أن نمهد لمسرح القرن الحادي والعشرين بمسرح جديد يخدم جمهورنا ، وربما يكون هؤلاء الأطفال هم الذين يتذوقون المسرح التجريبي في المستقبل ، وربما هم الذين يحولونا إلى صفوفهم نكتب لهم ونعمل من أجلهم . أن نحول الكلمة إلى قمح وصوت له صدي وبراعم تتفتح على امتداد كل مسرحية أكتبها لمسرح الطفل أشعر أنني أخطو عقبة دنيا جديدة .
إن السيد حافظ يريد أن يقدم للطفل الورود واللؤلؤ وصفاء الغد الذي يتحقق فيه النصر للأمة العربية ، لأن الطفل يصرخ في دمنا دامعا على هزيمتنا المنكرة للأمة العربية ، لأن الطفل له البشائر ونبض المستقبل المحبوب وتلألأت الغد الأفضل حتى تكون كلمتنا ساحات وحدائق ومصا بح وهواء وحبا .
صفوة القول أن الطفل العربي يعي كل ما يجري على الساحة السياسية . وهذا ما تنطق به التجارب اليومية حيث نجده يهتف بالوطن والحرية. وخير مثال على ذلك ثورة الحجارة التي تعبر عن جيل الغضب ، فتزهر الحجارة في كف أطفال أبرياء لتعلن عن بشارة النصر . وعليه فبراعمنا يستوعبون المجريات السياسية ولهذا السبب عمل السيد حافظ على تسييس مسرح الطفل متحديا بذلك انتقادات بعض الجهلة الذين واجهوا إبداعاته الخاصة بالطفل بعاصفة من ردود الفعل. " يقولون أنت تكتب للطفل أعلى من مستواه ، قلت أنا أكتب من مستواه وأتحداكم . قالوا إن الطفل لا يفهم في السياسة قلت يفهم . وعندما قدمنا إحدى المسرحيات المسيسة للطفل كان التصفيق في الصالة يرتفع بالوطنية نتيجة الظروف السياسية والقهر الاجتماعي .
إن مسرحيات السيد حافظ الخاصة بالطفل كما هو الشأن في مسرحه التجريبي أشعلت فتيل النقد . فها هم التربويين يحملون على الكاتب متغافلين على أنه خريج كلية التربية . وهذا ما يغيره قائلا : " أزمة مسرح الطفل تكمن في بعض النقاد الجهلة الذين يقولون ليس هذا بمسرح طفل ، فتسألينه ببساطة ما هو مسرح الطفل فيقول لا أعرف إنه مسرح آخر ، فأحيانا يكون المعوق الأساسي لمسرح الطفل هؤلاء السادة أنصاف الكتاب
* دراسة الشخصيات :
يقول محمد مسكين : " إن الشخصية المسرحية هي العلة الإيديولوجية للكتابة المسرحية لا مسرح بدون شخصية " . وعليه تظهر لنا مقدرة الشخصيات المسرحية على تجسيد السلوك الإنساني والأبعاد النفسية كالتصرفات والتفكير إلى غير ذلك . ومهما يكن فان مسرحية الشاطر حسن تحتوي على شخصيات مهمة من بينها :
* الشاطر حسن :
يعد البطل المحوري للمسرحية ، فهو شاب يتصف بالأخلاق الفاضلة ، كما أنه يقدم يد المساعدة لكل من يطلب منه خدمة ما . وخير مثال على ذلك أنه حينما كان يتجول في السوق مع صديقه مختار يعثر على كيس نقود الأميرة ست الحسن . وبالرغم من فقره يحاول أن يعيده إليها. والواقع أن هذه الالفاتة المحمودة من البطل تحدث طفرة في حياته. فحينما يذهب إلى القصر ليسلم الكيس إلى ست الحسن يلاحظ السلطان التشابه الكبير بينه وبين الشاطر حسن . فيعينه حاكما على البلاد لمدة ثلاثة أيام و على هذا الأساس يقوم بإنجازات رائعة لم يستطيع الحاكم الأصلي أن يحققها طيلة فترة حكمه . والحق أن الشاطر حسن يقدم المساعدة إلى الغير دون أن ينتظر المقابل .
الشاطر حسن : ببلاش ببلاش يعني الواحد إذا ساعد الناس لازم يأخذ منهم أجره ... الخير
أعملوا وارميه للبحر .
- وفي جزيرة الأمل التي تحفها المخاطر وتتربص بها الخطوب تبرز لنا شجاعة الشاطر حسن وإيمانه الراسخ بقدسية القضية التي يدافع من أجلها .
الشاطر حسن : إذا عايزين السلام معناه لازم تسيبوا الأرض إلى استحليتوها .... وإذا ما
تنازلتـوا تأكدوا حنا ما راح نسكت عن شبر واحد من أرض جزيرة
الأمل .
- وثمة فضيلة أخرى يتميز بها الشاطر حسن هي الوفاء بالعهد والعفة ومقاومة الظلم .
الشاطر حسن : عجب يا مولاي أنا وعدتك ووعد الحر دين .
السلطـــان: عملت ايه في الثلاث أيام .
الشاطر حسن : أول يوم سمعت شكوى الظلم ، ثاني يوم حققت العدل ، ثالث يوم ظلمت ....
الشاطر حسن : ظلمت نفسي لأنني فكرت أني السلطان الحقيقي .
- كما تتضح لنا أمانته ، فبالرغم من احتىاجه المسيس إلى المال أبى أن يفتح كيس نقود الأميرة حينما طلب منه صديق ذلك .
الشاطر حسن : لا عيب لازم ترجعوا .
بالإضافة إلى اقتناعه واقتصاره على القليل من الزاد وتضحيته من أجل الغير .
من المؤكد أن الشاطر حسن لا يؤمن بالخرافات ويرفض الخزعبلات وخير ما نستدل به هو موقفه من قميص السعادة الذي خصص له السلطان الحقيقي جائزة . ومن هنا تبدو عقلانية الشاطر حسن لأن السعادة في نظره لا يمكن أن يحققها مجرد قميص .
وهذا ما يؤكده الحوار التالي :
الشاطر حسن : العملية كلها كذب في كذب فما فيش حاجة اسمها قميص أسعد سعيد .
* شخصية الحاكم :
تجسد مثالا للملك السلبي – على الأقل في أول المسرحية خصوصا وأنه يتشبث بالخزعبلات ويؤمن بفاعلية قميص السعادة كعلاج له من مرضه المزعوم ، ويصوره السيد حافظ كشخصية ضعيفة لا تملك اتخاذ القرارات الحاسمة . والي جانب ذلك فالحاكم يمثل الفكر الرجعي الذي لا يؤمن بالحوار ويعتمد القمع من أجل خلق الحريات حتى وإن تعلق الأمر بأقرب الناس إليه . ويمكن أن نلتمس للحاكم التبرير خصوصا وأن أحكامه كانت تصدر تحت ضغوط الوزير .
السلطان : تمنع الأميرة ست الحسن من مغادرة أوضتها وتعامل كسجينة .
وبالرغم من ذلك تلمس مدى حب الحاكم لبلاده وشعبه وإيمانه بضرورة تحرير جزيرة الأمل.
حسان : أنا مش ممكن أتجوز وسكان جزيرة الأمل مطرودين في كل مكان أزاي أستريح وهم قاعدين يتعذبوا ...
علاوة على إيمانه بضرورة تجميع الصفوف والاتحاد في سبيل دحر القوى العدوانية التي تستهين بمقدسات الأمة العربية .
السلطان : المصيبة أني ما اعر فش أعمل حاجة بنفسي وأيد واحدة ما تصفقش لازم الناس
والشعب كله يبقى معنا ...
كما أن الحاكم انتقل من السلبية والجمود وسار في خط تنامي ليتحول من حال الركون في القصر وانتظار التقارير إلى حال النزول إلى السوق وتلمس مشاكل العامة ، والإحساس بشدة وقع الفقر الذي يسحق الشعب . فنزوله إلى السوق يعد ولادة جديدة لحياة جديدة أكثر قوة وصلابة . وهكذا يزداد خبرة ومعرفة بالناس فيضيع حدا لممارسات المغرضين ومنهم الوزير وأتباعه .
السلطان : أول مرة أحس بالشعب وأحس بالناس ...
السلطان : اسمع يا وزير أنت طول عمرك جشع وطماع ...دلوقـت أنا ممكن أسامحك
على شرط تطلع من هنا على الحرب رأسا ......
* الـوزيـــر :
صورة واضحة وصادقة تجسد نفاق وأنانية بطانة السوء التي تنتهز الفرص لتحقيق نزواتها الشخصية ، يرمز به الكاتب إلى أولئك الوزراء الذين يحجبون الحقائق عن أعين السلاطين ويعتمدون الخداع والتمويه حرصا على مصالحهم الذاتية مظهرين إخلاصهم وولاءهم المكين لسدة الحكم .
الوزير : ... أقنعته أنه مريض دفعته للطبيب والمنجمين ، وأخليه يجرب أزاي إذا حارب
راح ينشغل عن التجارة .
أيضا تعبر تصرفات الوزير عن موقف سلطوي وتومي إلى قساوة قلبه في معاملة الفئات الشعبية بمنتهى الاحتقار والازدراء .
ولا يتراجع الوزير لحظة عن حجب السلطان والأميرة عن الشعب ليجعلها تحت قبضته متسترا بحجاب الخوف على صحة الحاكم .
الوزير : وليه السلطان يمشي في الشارع ... ما تنسيش أن السلطان مريض وأي مكرب ...
يزيد مرضه
لعبة الحب والثورة للكاتب المسرحي السوري رباط عصمت ، فكلاهما كانا يحملان ضد نزول الملك إلى المدينة لكي لا يتعرف على حقيقة الواقع المزري .




* الأميرة ست الحسن :
تعد نموذجا للرقة تعي أسباب تخلخل النظام داخل البلاد وتجسد الوعي الاجتماعي ، ومن ثمة تدافع عن أطروحة العدل. لهذا السبب تتعرض للقمع من قبل الوزير . و على الرغم
من أنها تنتمي إلى الطبقة الحاكمة إلا أنها تحاول أن تذيب صقيع الضجر لتنفتح على واقع الشعب المسكين . تعبر أيضا عن الاتجــــاه الرافــض للظــلم .
ولعل السيد حافظ يعكس قناعته – من خلال شخصيتي الأميرة والشاطر حسن – ويجسد أفكاره التحررية وتطلعاته لممارسة الديموقراطية ومواجهة العدوان الخارجي .
- كذلك نستشف أن الأميرة تعرف حقيقة الوزير الشرير الذي استب بالسلطة وشكل حاجزا يفصل بين الحاكم والشعب .
كما تعبر ست الحسن عن موقف إيديولوجي ينبع أساسا من الوعي السياسي لواقع الأمة العربية ، ويسكنها هاجس السخط على ضياع جزيرة الأمل وضرورة الدفاع عنها من أجل تحريرها من العدو .
ست الحسن : لازم نحارب لازم نحرر الأرض من العدو ...
يبدو أن الأميرة تخاطب بوعيها الخلل الحاصل في القصر وتمثل من جهة أخرى الإيديولوجية المهددة لمصالح الوزير . وهي تلتقي مع شخصية الأميرة في مسرحية لعبة الحب والثورة بما أن كل واحدة منهما اكتشفت أساليب التمويه التي يمارسها الوزير .
ولعل الكاتب يرمز بشخصية ست الحسن إلى الأمة العربية الباحثة عن الحرية والكرامة ، ويكشف لنا بجرأة عن الظلم الذي عانت منه على يد ذلك الوزير المتجبر ، وبهذا يمكن اعتبارها شخصية مسرحية تتحرك خارج أسوار الزمن والمكان لتصبح رمزا ممتدا إلى كل عاشق للحرية مدافع عن الظلم حتى وإن تعلق الأمر بأصحاب البيت الحاكم .
* مختــــار :
يعتبر مثالا للإنسان الطيب الوفي لصديقه الشاطر حسن في فقره وبحبوحته . ولقد أسدى مختار خدمات إلى السلطان أثناء تواجده في ساحة السوق . أيضا يحمل مختار وعيا جماعيا ويعكس البديل الثوري والدفاع عن الوطن ضد المغتصب .
مختار : لا مش مجانين . الحرب طالت لازم يرجع أصحاب الأرض لأراضيهم أنت ترض
تطرد من بيتك .
* الأسس الفنيــة في المسرحيــة :
أ – البناء الدرامي :
لقد توفرت للكاتب العناصر الأولية في بناء المسرحية من قصة وشخصيات وحوار فاستطاع أن يبدع عملا دراميا ينقسم إلى فصلين .
إن أول ما يلفت انتباهنا ونحن نحاول سير حوار المسرحية هو ترديد حامل الطبول معلنا عن بد ء ساعة الحدث الدرامي ، وليس العرض على وحدة الزمن والمكان والحدث لأن الصيغة الأرسطية تحول دون التواصل بين المبدع والمتلقي . و على هذا الأساس استبدل مبدعنا مصطلح العرض بمصطلح الحدث لأن العرض يحمل معاني الاستهلاك بدل الإنتاج فيتحول المتلقي الصغير إلى كائن فاعل وإيجابي بدل أن يكون مجرد مستهلك .
إن الهيكلية الدرامية في هذا النص المسرحي جاءت أحداثها متماسكة حيث بدأت الأحداث صغيرة نامية تتناسب وعقلية الأطفال الذين كتبت من أجلهم هذه المسرحية ، وابتدأ التصاعد
رويدا رويدا إلى أن تغيرت المواقع .
بالإضافة إلى ذلك يكسر كاتبنا وحدة الحدث في المسرحية . ومن ثمة نجد أحداثا ما بين القصر والسوق تجري في أزمنة واحدة . وإذا كان الصراع في المسرحيات التقليدية يمثل العنصر الأساسي فيها ، ويحدث غالبا ما بين بطل المسرحية وقوى خارجة عن ذاته فإن السيد حافظ لم يبرز مثل هذا الصراع في المسرحي ، وعلى ضوء هذا يبتعد عن الأسلوب الأرسطي في تطهير النفس من نزعات العنف وإثارة عاطفتي الشفقة والخوف . وفي المقابل يحل فكرة الإيهام والإقناع العقلي بدلا من التأثير الوجداني . ولعله يحاول من خلال هذه التقنية أن يخلق لدى الصغير وعيا أيديولوجيا .
ويحقق مقولة بريخت بأن المهم في الإبداع المسرحي هو إسهام المتلقي في عميلة الخلق ومن ثمة لا يهدف إلى شحن المتفرج شحنة من الانفعالات المستمرة بل يجعله يكتسب هذه الانفعالات بطريقة فعالة .
ب – الحـــــوار :
يمنح للعمل الدرامي قيمة الدلالية وقد جاء في هذه المسرحية مركزا ومختصرا بحيث نجد كل كلمة لها دلالتها الوظيفية ونضجها التي تنسجم مع أحداث وشخصيات المسرحية وتتطابق مع معطياتها ونضجها . كما أن مبدعنا ابتعد عن الثرثرة المملة في حواراته و ركز على التبسيط والتركيز حتى لا بعث الصغار على الضجر من جراء التكرار .
ج – اللغــــــة :
يوظف السيد حافظ في هذا النص المسرحي اللهجة المصرية الكويتية ، وهذا طبيعي خصوصا وأن كاتبنا قضى زهاء عشر سنوات في بلاد الكويت بعيدا عن وطنه الأم مصر .
وفي ظني أن الأطفال أدركوا مرامي المسرحية ، استنادا إلى بعض التجارب التي أجريتها مع عد من الأطفال ما بين ثمانية سنوات و11 سنة إتضح لي أنهم نجحوا إلى حد ما في استيعاب أحداث المسرحية بالرغم من أنها كتبت باللهجة المصرية . وأرى أن ذلك يرجع إلى متابعتهم المستمرة للمسلسلات المصرية على شاشة التليفزيون . لقد أبدى الدكتور زيان أحمد الحاج إبراهيم متمنياته أن تكون لغة المسرحية هي الفصحى وهي لغة الشخصيات .
د – الزمـــــان :
يلتقي زمن المسرحية بزمن آخر هو زمن هارون الرشيد حيث يحول السيد حافظ الزمن الماضوي إلى زمن متجدد يعد له ارتباطا في النحن والآن والهنا . ويمكن أن يعيش في كل وقت وأوان ويجسد أي حكم عربي . ومن هنا فقراءة المبدع للزمن تعد قراءة مسرحية وليست تاريخية على اعتبار أن شخصية هارون الرشيد تتفلت من أسر التاريخ لتصبح شخصية مسرحية .
هـ - المكــــان :
يرتبط المكان في المسرحية بالأحداث والشخصيات . ويمكن أن نجد أمكنة متعددة يجمعها فضاء مكاني واحد هو مدينة بغداد . وأول ما يلفت انتباهنا هو توظيف الكاتب للسوق في أغلب مسرحياته لأنه يعتبر مكانا يتجمع فيه جميع الشرائح الاجتماعية كما هو الشأن في مسرحية سندريلا و علي بابا ، ولعل السبب الذي يكمن وراء اختيار الكاتب لهذا المكان هو أن " العرب ارتبطوا بالسوق ، فالسوق هو مجال البيع والشراء والفن والثقافة .































الشخصية التراثية الشعبية
في مسرح الطفل
عند السيد حافظ " نموذج علي بابا "


إعداد الطالبة : نزيهة بنطالب – المغرب
سنة : 1990 - 1991

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق